- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3813
احتمال توسيع إيران محور دفاعها الجوي في لبنان وسوريا
يبدو أن طهران تضاعف جهودها لتزويد "حزب الله" وغيره من الحلفاء الإقليميين بأنظمة دفاع جوي متقدمة، مما قد يؤثر على الحسابات الإسرائيلية والأمريكية في حرب غزة وما بعدها.
تشير التقارير الواردة من محافظة دير الزور السورية إلى أن الميليشيات ربما تتدرب بشكلٍ نشط على استخدام المنظومة الإيرانية للدفاع الجوي "15 خرداد" (أو "خرداد-15") ذات الصواريخ المتوسطة إلى طويلة المدى، والتي تشبه النظام العسكري الأمريكي "باتريوت". ولم يتم التأكد من وجود وحدات "15 خرداد" داخل سوريا، كما أن وجهتها النهائية غير معروفة إذا تم نقلها بالفعل إلى هناك. ومع ذلك، أفادت بعض التقارير أن دمشق وطهران توصلتا إلى اتفاق في تموز/يوليو 2020 لتزويد نظام الأسد بعددٍ من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية، بما في ذلك "خرداد-15"، والتي وفقاً لبعض التقارير قادرة على الاشتباك مع ما يصل إلى ستة أهداف بحجم الطائرات الحربية في وقت واحد من مدى 120 كيلومتراً.
ومن المفترض أيضاً أن هذه الصفقة كانت تهدف إلى أن تعود بالفائدة على "حزب الله"، الجماعة الإقليمية الرئيسية الوكيلة لطهران والمعروفة بضلوعها الناشط منذ وقت طويل في تهريب الأسلحة المتطورة سراً عبر سوريا إلى لبنان. إن احتمال إدخال منظومة متطورة مثل "15 خرداد" إلى جنوب لبنان أو جنوب غرب سوريا أمر مثير للقلق بصورةٍ خاصة في ظل السياق الحالي للحرب بين إسرائيل وحركة "حماس"، وتوسّع رقعة الاشتباكات الحدودية بين إسرائيل و"حزب الله"، ومحاولات الجيش الأمريكي ردع الضربات المتزايدة من جانب الميليشيات السورية والعراقية. فمن الناحية النظرية، إن وجود منظومة "15 خرداد" سيعزز جهود وكلاء إيران لمواجهة العمليات الجوية الإسرائيلية بشكلٍ ملحوظ على طول المناطق الحدودية أو في عمق لبنان وسوريا - خاصة إذا تم إقرانها بنظام دفاع نقطي مثل "بانتسير"، والذي تفيد بعض التقارير إن "مجموعة فاغنر" الروسية تخطط لتسليمه إلى "حزب الله".
تعزيز الدفاعات الجوية لـ "حزب الله" والوكلاء الآخرين
تقتصر قدرات "حزب الله" على الاشتباك مع الأهداف الجوية حالياً على المدافع المضادة للطائرات قصيرة المدى، ومنظومات الدفاع الجوي المحمولة مثل منظومتَي "ستريلا-3" و"إيغلا-1" الروسيّتَي الصنع، ومنظومة "ميثاق" الإيرانية (نسخة من الصاروخ الصيني "كيو دبليو -1")، وما يُعرف بصواريخ كروز من طراز "البند 358" للدفاع الجوي (انظر أدناه). ووفقاً لبعض التقارير أطلق الحزب بعض هذه الأسلحة على طائرات مسيّرة إسرائيلية في الأيام الأخيرة، ويبدو أنه حتى قدراتها المحدودة قد أثرت على نطاق العمليات الجوية الإسرائيلية قبل الأزمة الإقليمية الحالية بوقت طويل. ومع ذلك، فبشكل عام، لا تضاهي قدرات "حزب الله" القوة الجوية الإسرائيلية المتقدمة وقدرتها على شن ضربات مُواجَهَة باستخدام ذخائر دقيقة بعيدة المدى.
وقد أدت هذه الفجوة في القدرات، إلى جانب الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على أهداف عسكرية إيرانية في سوريا، إلى دفع طهران إلى تسريع جهودها نحو إنشاء "محور إقليمي للدفاع الجوي" منذ وقت مبكر يعود إلى عام 2019. فقد سعى النظام الإيراني، من خلال محاولة تنفيذ عمليات نقل الأسلحة إلى العراق وسوريا أو التخطيط لها، إلى تعقيد العمليات الجوية للعدو في منطقة واسعة تمتد من حدوده الغربية وصولاً إلى لبنان. وقد تبيّن أيضاً أنه يعمد إلى نقل صواريخ كروز من طراز "البند 358" للدفاع الجوي منذ عام 2018 على الأقل - ليس فقط إلى "حزب الله"، ولكن أيضاً إلى الميليشيات العراقية وحتى إلى الحوثيين اليمنيين. ومن المرجح أن هذا السلاح الفريد من نوعه الذي يعمل بالطاقة النفاثة قد تم استخدامه خلال حادثة وقعت في 8 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث ادّعى الحوثيون أنهم أسقطوا طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار من طراز "إم. كيو-9" فوق المياه اليمنية.
ويبدو أن إسرائيل قد نجحت حتى الآن في منع معظم محاولات نقل منظومات الدفاع الجوي متوسطة المدى الروسية والإيرانية من سوريا إلى لبنان، بما فيها منظومة "9K33 OSA" (المعروفة أيضاً باسم "SA-8") ومنظومة "Buk-M2" (المعروفة أيضاً باسم "SA-17"). وفي نيسان/أبريل الماضي، ضربت إسرائيل رادار إنذار مبكر إيراني "مطلع الفجر" (مداه 500 كيلومتر) بالقرب من حمص.
إلا أن منظومة "15 خرداد" تمثل فئةً مختلفةً من سلاح الدفاع الجوي، ويمكن أن تخفف من هذا الضعف في القدرات. وتم الكشف عن هذه المنظومة للمرة الأولى في عام 2019، ووفقاً لبعض التقارير دخلت الخدمة في إيران في العام التالي. وهذه المنظومة قابلة للتنقل براً، ويمكن نقل مكوناتها في طائرة شحن من نوع "إليوشين إل-76". وتم دمج رادار الاشتباك ومحطة التحكم الخاصة بها في شاحنة واحدة، مما يجعل المنظومة قابلة لإعادة النشر بسرعة.
ومن المؤكد أنه حتى المنظومات عالية التنقل يمكن أن تكون معرضةً لجهود قمع معادية محددة من العدو، خاصة إذا تم نشرها بالقرب من الحدود الإسرائيلية للقيام بدور "منع الوصول/حظر الدخول إلى المناطق" (A2AD). ويمكن لحماية منظومة "15 خرداد" بمنظومة "بانتسير" المذكورة أعلاه (نطاق اشتباك 20 كم) أن تخفف من هذا الخطر إلى حدٍ ما. وبدلاً من ذلك، يمكن نشر منظومات "خرداد" في عمق الأراضي اللبنانية أو السورية للدفاع بشكل أفضل عن مطارَي دمشق وبيروت (بما في ذلك معقل "حزب الله" في حي الضاحية)، والطريق السريع الاستراتيجي الذي يربط بين العاصمتين. ومن الناحية النظرية، يمكن لكلا البلدين توسيع قدرات الدفاع الجوي الخاصة بهما إلى ما هو أبعد من حدود النطاق الحالي البالغ 120 كيلومتر الذي تغطيه منظومة "15 خرداد" إذا قامت إيران بتكوين النظام لإطلاق صواريخ أطول مدى (على سبيل المثال، ما يصل إلى 200 كيلومتر) أو إرسال أنظمة أكثر تقدماً من ترسانتها المحلية.
Download a printable PDF of the table
ويتم تصميم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية بشكل عام مع الحرص على سهولة التشغيل، ومن غير المرجح أن تكون منظومة "15 خرداد" استثناءً - من المفترض أن تتمكن مجموعة من الطواقم والمستشارين الفنيين الإيرانيين و"حزب الله" والسوريين وربما العراقيين من تشغيلها بفعالية على المدى القريب. ومع ذلك، من المحتمل أن لا تكون المنظومة قد بلغت قدراتها التشغيلية الكاملة حتى بعد مرور ثلاث سنوات على استخدامها، ويُعتقد أن معدل إنتاج إيران لمثل هذه الأنظمة بطيء. ولذلك، من المرجح أن تحتاج إيران إلى سحب منظومات "15 خرداد" من مخزونها المحلي الخاص إذا أرادت تزويد الميليشيات أو القوات العسكرية السورية بها بصورةٍ عاجلة واستخدام أفراد من "قوات الدفاع الجوي لجمهورية إيران الإسلامية" ("القوات الجوية الإيرانية") لمساعدة هذه الأنظمة وصيانتها.
الدفاع الجوي "الأولوية الأولى"
في عام 2008، أصدر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي مرسوماً يضع الدفاع الجوي على قدم المساواة مع برنامج الصواريخ الباليستية البالغ الأهمية للنظام، وإنشاء قوة دفاع جوي موحدة. وبحلول عام 2019، أصبحت "القوات الجوية الإيرانية" فرعاً مستقلاً للقوات المسلحة الوطنية، يشرف عليها مقر جديد للدفاع الجوي يضم عناصر من قيادة الدفاع الجوي التابعة لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي".
لقد كان النظام الإيراني نشطاً بشكل خاص في تطوير شبكة دفاع جوي محلية متكاملة - وهو الهدف الذي يتطلب قاعدة صناعية محلية متخصصة قادرة على إنتاج أنواع عديدة من الرادارات، وعقد الاتصالات، وبطاريات الصواريخ ذات المدى المختلط دون مساعدة أجنبية كبيرة (على الرغم من أنه من الواضح أنها تضم العديد من التصميمات والإلكترونيات والأنظمة الفرعية من روسيا والصين والدول الغربية). وقد تم تعزيز القدرات المحلية لإيران بشكل أكبر من خلال استحواذها على نظام صواريخ أرض جو روسي من طراز "TOR-M1" في عام 2006 وبطاريات صواريخ "أس-300" في عام 2016.
وتحرص إيران أيضاً على تصدير أسلحتها محلية الصنع، خاصة في الوقت الحالي بعد أن انتهت مدة القيود ذات الصلة التي كان يفرضها "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231" بشكلٍ رسمي. ومع ذلك، وقبل ورود التقارير حول منظومة "15 خرداد" في سوريا، لم تظهر أدلة كافية على أن النظام قد نجح فعلاً في نقل أي منظومات مماثلة، باستثناء قذيفة صاروخية واحدة من طراز "صياد-2 سي" استولت عليها المملكة العربية السعودية قبل وصولها إلى الحوثيين في عام 2018 (ربما مخصصة للهندسة العكسية).
الخاتمة
لطالما اعتمدت إيران والجماعات الوكيلة لها في "محور المقاومة" على وسائل غير متكافئة للإخلال بعدوّيها اللدودين، إسرائيل والولايات المتحدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، عمدت إلى توسيع ترسانتها من الصواريخ والقذائف بشكلٍ متواصل كوسيلةٍ للتعويض عن عجزها عن طرح أي تحدٍ في المجال الجوي - وهو جهد تطور بشكل أكبر مع ظهور أنظمة إسرائيلية مضادة للصواريخ أكثر فعالية (على سبيل المثال، "القبة الحديدية") وتطوير إيران لأنظمة الدفاع الجوي الحديثة. ويمكن في المراحل القادمة أن نتوقع من إيران أن تواصل استكشاف كافة الخيارات المتاحة لتحسين القدرات الدفاعية الجوية لوكلائها وتقييد العمليات الجوية لأعدائها من خلال الاستراتيجيات المبتكرة "منع الوصول/حظر الدخول إلى المناطق" (A2AD) .
وفي الوقت الحالي، فإن أي عقوبات تفرضها الأمم المتحدة لا تمنع إيران من بيع ونقل منظومات الدفاع الجوي إلى وكلائها ما لم يكن المتلقي نفسه خاضعاً للعقوبات. وفي ظل وجود روسيا والصين من بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، يستحيل فرض أي تدابير جديدة ترعاها الأمم المتحدة ضد صادرات الأسلحة الإيرانية. وبناءً على ذلك، ستحتاج واشنطن إلى مراقبة معاملات الدفاع الجوي التي تقوم بها طهران عن كثب بمساعدة شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإذا لزم الأمر باستخدام نفوذها الإقليمي وأدوات أخرى لمنع أو تعطيل عمليات نقل الأنظمة الرئيسية عن طريق البر أو البحر.
فرزين نديمي هو زميل أقدم في معهد واشنطن، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لمنطقة الخليج.