- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الاغتيالات المصرية والتصعيد الإسلامي
في 29 حزيران/يونيو، اغتيل النائب العام المستشار هشام بركات، بتفجير استهدف موكبه في ضاحية مصر الجديدة في القاهرة. وكان الهجوم قوياً، وأسفر أيضاً عن مقتل قائد طاقم الحراسة المرافق لبركات وإصابة ثمانية أشخاص آخرين بجروح. ويثير هذا الحادث عدة تساؤلات حول كيفية تعامل الرئيس عبد الفتاح السيسي مع فقدان ركيزة أساسية في نظامه وممثل رئيسي لأحدى سلطات الدولة الدستورية [وهي المؤسسة القضائية]. ومن غير الواضح أيضاً كيف ستؤثر عملية الاغتيال على الصراع السياسي والعنف المتصاعد الذي بدأ بين الدولة والإسلاميين بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي.
ويشكل اغتيال النائب بركات، إحدى عمليات الاغتيال السياسية الإسلامية الأكثر نجاحاً في العقود القليلة الماضية، والتي تضمنت اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات [على أيدي عناصر إسلامية على خلفية معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل]، واغتيال الرئيس السابق لمجلس الشعب، رفعت المحجوب [في هجوم استهدف وزير الداخلية المصري انذاك اللواء محمد عبد الحليم موسي على يد عناصر الجماعة الاسلامية]. وفي أعقاب كل هجوم، شدد نظام مبارك قبضته ضد الجماعات الاسلامية، ومطاردته لعناصرها وإجرائه محاكمات عاجلة لرموزها وقيادتها. واستمر التصعيد حتى إعلان الجماعات الإسلامية الهدنة في عام 1997 بعد مرور 16 عاماً على اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات.
ومع ذلك، يتصاعد العنف الإسلامي مرة أخرى. يجب أن يُنظر إلى اغتيال النائب بركات كونه الحادث الأخير في سلسلة من الاغتيالات ضد القضاة وكجزء من انتقام الإسلاميين من عمليات القمع الجديدة التي يقوم بها النظام ضدهم. وفي الشهر الماضي قامت جماعة أنصار بيت المقدس [تنظيم ولاية سيناء] الذي يدور في فلك تنظيم "الدولة الإسلامية"، باغتيال ثلاثة قضاة في العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء. وقد استهدف ذلك الهجوم سيارة مدنية كان يستقلها عدد من القضاة ووكلاء النيابة، وأسفر الحادث أيضاً عن استشهاد سائق السيارة، ووقوع العديد من الإصابات. وجاء الحادث بمثابة عملية انتقام على قرارات الحكم بالإعدام التي صدرت ضد الرئيس الأسبق محمد مرسي و104 آخرين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في منتصف أيار/مايو.
ويُظهر رد المجتمع الإسلامي على الأحكام تأثير هذه العقوبات. ففي الثلاثين من أيار/مايو، أصدر مائة وخمسين شيخاً من علماء المسلمين وعشر هيئات إسلامية تربطها علاقات نقدية وثيقة مع جماعة الاخوان المسلمين بياناً مشتركاً تحت عنوان "نداء الكنانة: بيان من علماء الأمة بشأن جرائم الانقلاب في مصر والواجب نحوه". ودعا البيان إلى الأخذ بالثأر من القضاة لتأييدهم قرارات الإعدام ضد أرواح بريئة، وذكر البيان نصاً " أن الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم، ولو بالتحريض، في انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق .. حكمهم في الشرع أنهم قتَلةٌ، تسري عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية، والله تعالى يقول: '«مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا». سورة المائدة: 32'."
وعلى صعيد آخر، على الرغم من أن جماعة أنصار بيت المقدس كانت قد حاولت بالفعل القيام بعملية اغتيال رئيسية واحدة على الأقل استهدفت وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم [في أيلول/سبتمبر عام 2013] قبل إصدار قرار الحكم ضد مرسي، إلا أن عملية الاغتيال الناجحة ضد بركات تمثل تحولاً كبيراً في التكتيكات الإسلامية. فاستهداف شخصيات رئيسية من رجال الدولة من وزراء وقضاة وسياسيين هي استراتيجية إسلامية رئيسية جديدة على ما يبدو. ويشكل بيان نداء الكنانة غطاءً سياسياً وفقهياً وفكرياً لعمليات استهداف القضاة ويدعم الفكرة بأن الإغتيالات السياسية تقع الآن ضمن الإجراءات الإسلامية المقبولة. وللأسف، إن هذه العمليات التي بدأت باغتيال قضاة العريش، من غير المرجح أن تنتهي باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات.
ويتضح من البيانات التي أصدرها السيسي في الآونة الأخيرة أن القلق الكبير تجاه استمرار الاغتيالات السياسية سوف تشدد من سياسات الدولة تجاه الإسلاميين، وهو ما جاء على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي بتصريحاته الغاضبة في أعقاب تشييع جنازة النائب العام، حول ضرورة تطبيق العدالة الناجزة وتعهده بسن قوانين جديدة لمساعدة القضاة المصريين على أداء مهامهم. وقد وجه السيسي كلمته مباشرة للقضاة قائلاً: "إن الطريقة التي تعمل بها المحاكم على مدى العامين الماضيين 'ما تنفعش،' وأنه إذا صدر حكم بالإعدام ، فينبغي تنفيذه، وينطبق الشيء نفسه على السجن مدى الحياة." وأشار السيسي بصورة غير مباشرة إلى مرسي من خلال إدعائه بأن "البعض يصدر أوامر القتل من وراء القضبان" منوهاً إلى الرئيس الأسبق محمد مرسي أثناء اداءه اشارة بيده خلال محاكمته، والتي تُرجمت على أنها كانت إشارة إلى اغتيال هشام بركات.
هناك مؤشرات كثيرة على أن التوترات بين الإسلاميين والدولة ستستمر في الازدياد بشكل علني ومن وراء الأبواب المغلقة. واستناداً إلى الاغتيالات الأخيرة التي استهدفت القضاة، وبيان الإدانة الذي أصدره العلماء المسلمون، واقتراح السيسي حول إطلاق العنان للسلطة القضائية، يبدو أن القضاة في مصر سيشكلون عنصراً أساسياً في هذا التصعيد الجديد من التوترات بين الدولة المصرية والإسلاميين.
محمد سليمان هو مهندس وعضو المكتب السياسي لحزب الدستور. . وتم نشر هذه المقالة في الأصل من على منتدى فكرة.
"منتدى فكرة"