الاحتفاء بأكرم الكعبي في بيانات "يوم القدس"
مع انقسام الأدوار بصورة ودّية، تتعزز مكانة المسؤول البارز في الميليشيات، أكرم الكعبي، كزعيم "المقاومة" الرئيسي المناهض للولايات المتحدة في العراق، في نظر الفصائل الأخرى.
في 14 نيسان/أبريل، احتفلت "المقاومة" العراقية بـ "يوم القدس" بإحيائها مهرجانات في العديد من المدن، أبرزها المهرجان الذي أقامته "الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية" ("التنسيقية") في شارع فلسطين في بغداد برعاية قائد "حركة الجهاد الفلسطيني"، زياد النخالة، والسفير الإيراني في بغداد محمد كاظم آل صادق. وخلال ذلك الاحتفال ألقى قائد ميليشيا "حركة حزب الله النجباء" المدعومة من إيران، أكرم الكعبي، خطاباً وصفته وسائل الإعلام المختلفة بأنه كلمة "تنسيقية المقاومة" العراقية (الشكل 1)، من بينها "قناة النجباء" التابعة لـ "حركة حزب الله النجباء" و"قناة الاتجاه" (بإدارة "كتائب حزب الله") وشبكة "قناة العهد الفضائية" بإدارة "عصائب أهل الحق".
ومن بين الخطابات الرئيسية التي ألقيت هذا العام بمناسبة "يوم القدس"، كان خطاب الكعبي الأشد لهجة والخطاب الوحيد الذي ألقاه زعيم رفيع المستوى "للمقاومة" عن الوجود الأمريكي في العراق. فقد هاجم السفيرة الأمريكية، ألينا رومانوسكي، في إحدى فقراته قائلاً: "نؤشر وبشكل واضح على التمادي والامتهان الذي تمارسه سفيرة الشر الأمريكية... ونحن نحذرها من التدخل في الشؤون الداخلية للعراق، وإذا لم تنتهي أو يوضع حد لهذه الممارسات الضحلة والمرفوضة... ستكون "المقاومة" كلمة الفصل في ذلك والمشروعية في استرداد الأساليب والوسائل الرادعة والمحسومة النتائج. إن من تُدعى بالسفيرة الأمريكية قابعة في ظل ثكنة وقاعدة عسكرية بامتياز تسمى كذباً وزوراً بالسفارة... إننا نعلن موقفنا الثابت لرفضنا لوجود قاعدة عسكرية أمريكية في وسط بغداد".
وفي الواقع استنكر البيان أي وجود عسكري أمريكي في العراق، حيث جاء فيه: "كما نؤكد رفضنا لأي اتفاق يُشرْعن وجود الاحتلال بأي شكل من الأشكال... نرفض رفضاً قاطعاً وجود أي قوات أمريكية في سمائنا أو على أرضنا، سواء كانت قتالية أو استشارية أو تدريبية أو غير ذلك... ستبقى [هذه] القوات هدفاً مشروعاً لنا، وسنعمل على ملاحقتها وطردها، ليس من العراق فحسب، بل من منطقة غرب آسيا بأكملها".
ومن الجدير بالملاحظة أن هذا الاحتفال لم تحضره شخصيات قيادية مثل قائد "عصائب أهل الحق" أو زعيم "منظمة بدر"، مخليين الساحة أمام الكعبي لإلقاء كلمته في معاداة الولايات المتحدة. وفي حين أن قادة "المقاومة" الآخرين ألقوا خطاباتهم الخاصة بـ "يوم القدس" في احتفالات أخرى إلّا أنهم لم يتطرقوا إلى وضع القوات الأمريكية. على سبيل المثال، ألقى زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي خطاباً مسجلاً هاجم فيه الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل لكنه لم يذكر القوات الأمريكية في العراق (الشكل 2).
وللوهلة الأولى، يمكن الاستنتاج أن الخزعلي كان حريصاً على عدم التسبب في مشاكل لحكومة محمد شياع السوداني، نظراً لأن "عصائب أهل الحق" تلعب دوراً مهماً في هذه الإدارة التي تراها مواتية لمصالح "المقاومة" (على سبيل المثال، وصفها بـ "حكومة مقاومة" بإشراف "المدير العام" السوداني واتخاذ "عصائب أهل الحق" والميليشيات الكبرى الأخرى القرارات الكبيرة). ومع ذلك، أيدت "عصائب أهل الحق" أيضاً بشكل أساسي خطاب الكعبي الخبيث من خلال بثه على الهواء مباشرة على "قناة العهد الفضائية" ووصفته بأنه بيان صادر عن "التنسيقية" التي تنتمي إليها منظمة "عصائب أهل الحق" على حدّ قولها.
وتشير هذه التطورات وغيرها إلى أن الكعبي احتكر دور زعيم "المقاومة" الحركية منذ تولي السوداني السلطة، بينما تؤدي جماعات أخرى مثل "عصائب أهل الحق" دوراً رئيسياً في البرلمان والحكومة لتسهيل تغلغل المقاومة في مؤسسات الدولة. وبالفعل، يبدو أكثر فأكثر أن الكعبي و"حركة النجباء" يقودان عمليات حركية عنيفة ضد القوات الأمريكية، لا سيما في سوريا. وبالتالي يوضح انقسام الأدوار هذا السبب وراء قيام قنوات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بـ"المقاومة"، مثل قناة "صابرين نيوز"، بتسمية الكعبي حالياً "قائد أركان المقاومة" العراقية (الشكل 3).
ويعزز ذلك تقييم "الأضواء الكاشفة للميليشيات" الذي أُجري منذ كانون الثاني/يناير 2022 ومفاده أن الكعبي ورث عباءة "المقاومة" المعادية للولايات المتحدة، مضطلعاً بذلك بأحد الأدوار الثلاثة الرئيسية التي كان يؤديها سابقاً الراحل أبو مهدي المهندس. ويُركز أبو فدك، أحد قادة "كتائب حزب الله"، على الدور الثاني، كرئيس أركان "قوات الحشد الشعبي". أما الدور الثالث المتعلق بتنظيم السياسة الشيعية، فلا يزال متاحاً، مع الخزعلي في الطليعة بينما يحتد التنافس على هذا الدور بين نوري المالكي وهادي العامري.