- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3214
الاحتجاجات في لبنان: آراء من بيروت وتداعيات سياسية
"في 5 تشرين الثاني/نوفمبر، خاطب كل من مكرم رباح وحنين غدار ولقمان سليم وجان طويلة منتدى سياسي في معهد واشنطن. وغدار هي زميلة زائرة في زمالة "فريدمان" في "برنامج غيدولد للسياسة العربية" في المعهد. ورباح هو محاضر في التاريخ في "الجامعة الأمريكية في بيروت". وسليم هو مدير المنظمات غير الحكومية اللبنانية "هيا بنا" و "أمم للتوثيق والأبحاث". وطويلة هو رئيس "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" في "حزب الكتائب" ومستشار سابق لوزير التجارة اللبناني. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
حنين غدار
منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر، نزل الشعب اللبناني إلى الشوارع لرفض الفساد والطائفية والميليشيات غير التابعة للدولة. وهذه الحركة فريدة من نوعها حيث انضم مواطنون من جميع الطوائف ومن جميع أنحاء البلاد إلى الاحتجاجات. بالإضافة إلى ذلك عجز القادة السياسيون عن اختراق صفوف المتظاهرين وتنفيذ مخططاتهم، وكانت مشاركة الجهات الفاعلة الخارجية محدودة حتى الآن. فالمؤسسة السياسية، وخاصة «حزب الله»، تجد هذه التطورات مثيرة للقلق، لأنها قد تنطوي على تغييرات عميقة في النظام.
كما أن الخطاب الوطني بشأن الحياة السياسية آخذ في التغير. فهناك شعور بأن الحرب الأهلية التي مزّقت لبنان منذ زمن بعيد قد وصلت الآن إلى نهايتها الفعلية، ويعود ذلك جزئياً لأن الجيل الجديد من الناشطين والمؤيدين السياسيين لم يترعرع مع خطاب ذلك الصراع. كذلك يتم وضع الخلافات الطائفية المتوارثة جانباً، حيث يقدم المحتجون مجموعة موحدة من المطالب لفترة انتقالية. ومن بين هذه المطالب إجراء انتخابات مبكرة وسن قانون انتخابي غير طائفي يمكّن الناخبين من اختيار رئيس جمهورية وبرلمان جديدين.
ونتيجة لهذه الحركة، تتضعضع الركائز التي أبقت «حزب الله» في السلطة. فقد قام المتظاهرون بنزع الشرعية عن اثنين من الحلفاء الرئيسيين للحزب داخل الحكومة، هما: رئيس البرلمان نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل. وفي غضون ذلك، يبدو أن شريحة كبيرة من القاعدة الشيعية لـ «حزب الله» بدأت ترفضه من خلال انضمامها إلى المظاهرات والتأكيد على هويتها اللبنانية بدلاً من هويتها الطائفية. وبالمثل، يشير فقدان باسيل لمكانته إلى وجود معارضة مسيحية واسعة النطاق للحزب. وتم تقويض ركيزة أساسية أخرى - هي دعم المجتمع الدولي - باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري مؤخراً.
مكرم رباح
هذه الحركة الاحتجاجية لم يسبق لها مثيل في لبنان لأن الناس يرفضون نظاماً لم يعد يناسبهم. وما دفعهم إلى التوصل إلى قرار الاحتجاجات هو الإدراك بأنه لن يحدث أي انتعاش اقتصادي في ظل النظام الحالي، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن دول الخليج قد تخلّت عن الاقتصاد اللبناني. ويتساءل الناس أيضاً عن دور «حزب الله» في هذه الإخفاقات.
ورداً على ذلك، هاجم الحزب والنخب الحاكمة الأخرى المحتجين محلياً، في حين أثاروا مخاوف على المستوى الدولي من أن انهياراً أوسع نطاقاً من شأنه أن يخلق أزمة لاجئين في بلدان أخرى. وعلى الرغم من هذه التهديدات، ستستمر الحركة على الأرجح إلى أن تتحقق أهدافها.
وفيما يتعلق بالسياسة الأمريكية، كان لنهج الضغط الأقصى الذي تتبعه واشنطن التأثير المنشود لإضعاف «حزب الله». ومع ذلك، يجب توسيع العقوبات لتشمل حلفاء الحزب المارونيين، الذين يتحملّون تماماً نفس القدر من مسؤولية الفساد المستشري في البلاد. وقد واصل المجتمع الدولي دعم الطبقة السياسية في ظلّ هذه الانتهاكات خشيةً أن يؤدي تفككها إلى فراغ خطير. وقد نجح المحتجون في أخذ زمام الأمور بأيديهم، حتى بدون دعم دولي كبير.
وبدلاً من أن تتواصل النخب مع شخصيات المجتمع المدني التي قد تلبّي المطالب الشعبية بشأن إرساء نظام حكم جديد، تجري هذه النخب مفاوضات لتشكيل حكومة جديدة وراء الأبواب المغلقة، دون شمل أي أصوات من حركة الاحتجاج. ومن هذا المنطلق، من غير المرجح أن تحقق المطالبة بقانون انتخابي جديد النتائج المرجوة - لأنه لا يمكن تحقيق تغيير حقيقي إلّا من خلال إعادة النظر في الترتيبات السياسية الأساسية التي وضعها "اتفاق الطائف" لعام 1989 وإيجاد نهج جديد لعلمنة الدولة.
لقمان سليم
على الرغم من أوجه الشبه بين الاحتجاجات المستمرة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في لبنان والعراق، إلّا أنه ينبغي التريث لمعرفة ما إذا كانت هذه المظاهرات تشكّل جزءاً من انتفاضة إقليمية أوسع نطاقاً ضد الزعماء السياسيين الشيعة والتدخل الإيراني. ويتضح حالياً أمر واحد، هو: انشقاق بعض المؤيدين الشيعة لـ «حزب الله» عن الحزب، خاصة اليساريون منهم. ويشير هؤلاء النقّاد إلى أن «حزب الله» أصبح في الواقع جزءاً من الطبقة الحاكمة على مدار الأعوام الأربعة عشر الماضية، وبالتالي فهو مسؤول عن الفساد وسوء الإدارة في البلاد. كما أن الكثير من الشيعة غاضبون أيضاً من مجموعة المشاكل التي نشأت عن تورط «حزب الله» في الحرب السورية.
ورداً على ذلك، حاول الحزب تشويه صورة المحتجين واتهامهم بامتلاك أجندة خارجية. ويدرك قادة «حزب الله» أن توسيع دائرة العنف على نطاق أوسع في الظروف الراهنة سيؤدي إلى تفاقم محنتهم، ولذلك سيستخدمون على الأرجح أساليب أخرى لإعادة الأمور إلى طبيعتها، مثل اختلاق تهديد إرهابي.
ولضمان الاستقرار في ظل هذه التحديات، يجب على المجتمع الدولي أن يمدّد ولاية "قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل")، من خلال تمكينها للمساعدة في حماية المدنيين. وفي الوقت نفسه، يجب على المسؤولين ممارسة المزيد من الضغط على "الجيش اللبناني"، الذي استخدم العنف ضد المتظاهرين في بعض أنحاء البلاد. يجب أن تُشرط المساعدات الأمريكية لـ "الجيش اللبناني" على تأدية واجباته على كامل الأراضي اللبنانية. كذلك يجب التدقيق في دور أفراد المخابرات العسكرية، لأن بعض النقاد اتهموهم بتفضيل «حزب الله» وحلفائه.
جان طويلة
يمر الاقتصاد اللبناني بحالة من الركود، حيث ينخفض معدل نمو "الناتج المحلي الإجمالي" الحقيقي نحو الصفر في المائة. كما يستمر التضخم في الارتفاع ومن المتوقع أن يصل إلى 10 في المائة هذا العام. ومن الأسباب المحتملة لهذا الارتفاع التدابير الحمائية التي اتخذتها الحكومة بشأن السلع المستوردة ونقص العملات الأجنبية المتداولة، مما أدى إلى نشوء سوق ثانية لليرة اللبنانية وتخفيضها الفعلي. كما أن العجز المالي المتزايد باستمرار يمثل هو الآخر مشكلة أيضاً - فقد نما بنسبة 100 في المائة منذ عام 2014 ومن المرجح أن يتجاوز 11 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي".
ويتجلى الوضع الاقتصادي السيء أيضاً في الواقع المتمثل بأن قيمة احتياطات لبنان الأجنبية المتاحة بسهولة تقدر الآن بأقل من 10 مليارات دولار. وستحتاج الحكومة إلى هذه الاحتياطات لتسديد ثمن السندات المقوّمة بالدولار، وتغطية سحب الأموال اللبنانية من المصارف، وإدارة الاحتياجات الأساسية من العملات. ومع ذلك، إذا لم يُعمد إلى إجراء تحسينات جذرية، فلن تدوم الاحتياطيات الحالية سوى ثلاثة إلى أربعة أشهر أخرى، ولا يزال من المحتمل حدوث ركود.
وفي ضوء هذه التحديات، من الضروري تشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن - حكومة يمكنها كسب ثقة الناس بسرعة. وبعد ذلك يجب إجراء إصلاحات وتنفيذ حزمة استقرار مالي يمكنها أن تسهل استرداد الاحتياطات الأجنبية. لقد كان دعم الشتات للاقتصاد اللبناني أمراً حيوياً في إبقائه بعيداً عن المصاعب، لكن هذه المساعدة قد تكون عديمة المعنى في ظل سوء إدارة القيادة الحالية.
أعد هذا الملخص زياد بشلاغم.
أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".