- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3539
«الإخوان المسلمون» يرون في تودد القاهرة إلى بايدن فرصة يجب اغتنامها
يبدو أن العديد من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» متحمسون لاستغلال الإيماءات الأمريكية المصرية الأخيرة بشأن حقوق الإنسان، لكن هناك احتمال ضئيل في أن تتصالح حكومة السيسي مع الجماعة الإسلامية المنقسمة وغير الشعبية.
في ٢٥ تشرين الأول/أكتوبر، أنهى الرئيس عبد الفتاح السيسي حالة الطوارئ التي أعلنها في مصر قبل أربع سنوات. وجاءت هذه الخطوة كإحدى الإجراءات المتعددة التي اتُخذت مؤخراً، وتهدف جزئياً إلى معالجة مخاوف إدارة بايدن بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. وخلال الأشهر القليلة الماضية، أعلن السيسي عن استراتيجية لحقوق الإنسان، وأفرج عن معتقلين سياسيين، وتحدث عن انفتاح محتمل مع جماعة «الإخوان المسلمين».
ومع ذلك، ففي نهاية المطاف، من غير المرجح أن يعمل على تحقيق التغييرات الأعمق التي ترغب واشنطن رؤيتها قبل أن تفرج عن 130 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المحتجزة. ويرى السيسي أن التقدم الذي أحرزته مصر في القضايا الاقتصادية والأمنية لم يكن ليتحقق بدون الوحدة حول صوت واحد، ألا وهو صوته. ومن غير المرجح أيضاً أن يتصالح مع جماعة «الإخوان المسلمين»، ويرجع ذلك جزئياً إلى تشتت الجماعة بسبب الانقسامات الداخلية.
انقسام جماعة «الإخوان»
بلغ الاقتتال الداخلي المرير بين قادة «الإخوان المسلمين» المنفيين في بريطانيا وتركيا ذروته مؤخراً بينما تكافح الجماعة لتوحيد الرسائل التي توجهها إلى القاهرة. ففي ١٠ تشرين الأول/ أكتوبر، قام القائم بأعمال المرشد العام للجماعة، إبراهيم منير، بتعليق عضوية ستة أعضاء من مجلس شورى «الإخوان» المقيمين في تركيا من مقره في لندن، بدعوى "مخالفات إدارية". وسرعان ما ردّ أحد أبرز هؤلاء الأعضاء، وهو الأمين العام السابق لجماعة «الإخوان المسلمين» محمود حسين، على هذه الخطوة عبر حساب المنظمة الرسمي على "فيسبوك"، معلناً أن مجلس الشورى قد اجتمع وصوّت على إعفاء منير من مهامه بهامش ٨٤ بالمائة. ثم رد منير بالظهور على قناة "الجزيرة"، حيث اتهم المعسكر التركي بانتهاك دستور الجماعة، ونفى حدوث أي انشقاقات داخلية كبيرة، وجادل بأنه بإمكان الأعضاء القلائل الذين يختلفون مع قيادته ترك «الإخوان» إذا ما رغبوا بذلك.
وتعود جذور هذا الشجار إلى آب/أغسطس ٢٠٢٠، عندما اعتقلت السلطات المصرية القائم بأعمال مرشد الجماعة محمود عزت. فبعد اختيار منير ليحل محل عزت على أساس قواعد الأقدمية، كان أحد قراراته الأولى هو إلغاء منصب الأمانة العامة الذي كان يشغله حسين منذ فترة طويلة وتقليل سلطته عبر تعيينه في لجنة المساعدة المنشأة حديثاً.
وتفاقمت التوترات هذا الصيف عندما أصر منير على إجراء انتخابات مجلس الشورى في موعدها في منطقتي سيرينفلر وبيليك دوزو في إسطنبول، حيث يقيم غالبية المنفيين من جماعة «الإخوان المسلمين» في تركيا. ولا يحظى حسين وحلفاؤه بشعبية كبيرة ضمن هذه الدائرة بسبب انخراطهم المتصور في الفساد المالي والمحسوبية، لذلك سعوا إلى تأجيل التصويت خوفاً من فقدان السيطرة المحلية. وعندما استمرت الانتخابات وأثبتت أنها غير مواتية لهم، اعترضوا على النتائج على أساس أن عناصر من «الإخوان المسلمين» في لندن أنفقت ملايين الدولارات للتأثير على الناخبين في اسطنبول.
أهداف منير
وسط هذا الاقتتال الداخلي، بذل معسكر منير جهوداً حثيثة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تعود إلى بداية فترة ولايته:
إحياء مجلس الشورى الراكد. فقد المجلس الكثير من سلطته بسبب الخسائر الفادحة بين صفوفه، سواء بسبب السجن (٥٣ عضواً) أو الموت (٣٧) أو النفي (٢٧) أو الاستقالة (٣) أو إيقاف العضوية (١). ولم يبقَ سوى ٢٣ عضواً نشطاً في المجلس، ١٠ منهم اختارتهم جماعة حسين في تركيا، أي رابطة "«الإخوان المسلمين» المصريين بالخارج". وقد دفع هذا الفراغ المتنامي في القيادة العديد من الأعضاء الرئيسيين في جماعة «الإخوان المسلمين» إلى ترك المنظمة أو أن يصبحوا غير نشطين.
إشراك الأعضاء الأصغر سناً وتمكينهم. يشكّل هذا الأمر مصدر قلق كبير لمنير البالغ من العمر أربعة وثمانين عاماً. ففي أعقاب انتخابات المجلس - التي جرت في الصيف - مباشرة، كلّف منير متحدثَين رسميَين جديدَين لمناشدة أعضاء الجماعة الأصغر سناً، وهما عضو مجلس النواب السابق والمحافظ أسامة سليمان (٥٧ عاماً) والصحفي ورئيس اتحاد طلاب الأزهر السابق صهيب عبد المقصود (٣٠ عاماً). وفي مقابلته الأخيرة مع قناة "الحوار" التلفزيونية التي تبثّ من لندن، صرّح منير أن إرث جيله يجب أن يساعد قادة المستقبل على إعادة الاندماج مع جماعة «الإخوان المسلمين» وتمهيد الطريق لعودتهم من المنفى.
تأمين الإفراج عن المعتقلين السياسيين. في آخر ظهور علني له، امتنع منير عن استخدام كلمة "انقلاب" في وصف تولي السيسي مقاليد السلطة بعد سقوط حكومة محمد مرسي بقيادة «الإخوان المسلمين» عام ٢٠١٣. وبدلاً من ذلك، وجّه رسالة مباشرة إلى القاهرة بشأن رغبته في المصالحة، بحجة أن ذلك سيساعد «الإخوان» على منع الشباب المتطرف من اللجوء إلى العنف. وفي الوقت نفسه، طالب المسؤولين المصريين باتخاذ خطوات نحو تحقيق "العدالة الانتقالية". وبعد أن أعلن السيسي عن استراتيجيته الجديدة لحقوق الإنسان في أيلول/سبتمبر، وقّع سجناء شباب من جماعة «الإخوان» في جميع أنحاء مصر على عريضة تطالب قادة الجماعة بالاستفادة من المبادرة ومساعدتهم على إطلاق سراحهم. وبذلك، أعلنوا أن شرعية مرسي قد انتهت بوفاته في عام ٢٠١٩، وأنهم يقبلون الآن السيسي كرئيس. ومع ذلك، لم تُوقع كبار الشخصيات في «الإخوان المسلمين» في سجن العقرب على العريضة. يُشار إلى أن الأعضاء الأصغر سناً كانوا قد أصدروا بياناً مماثلاً قبل عامين، شجبوا فيه قادة «الإخوان» وطلبوا من إمام الأزهر التوسط نيابة عنهم.
جو احتفالي مشوب بالحذر
رداً على هذه التطورات، أصدرت النخب الموالية للحكومة في مصر عدداً لا يُحصى من المقالات والتصريحات في البرامج الحوارية تعلن فيها عن "انهيار" «الإخوان المسلمين». ومع ذلك، فإن بعض الأصوات الليبرالية وتلك التي كانت إسلامية سابقاً تجادل بأن طريق الحكومة نحو القضاء على أفكار الجماعة السائدة بين عامة المصريين لا يزال طويلاً. وحتى أنّ أحد قادة «الإخوان» السابقين - صفوت الخرباوي - دعا السيسي إلى فتح مساحة للأحزاب السياسية من أجل منع انتشار التوجهات الأكثر تطرفاً في عقيدة «الإخوان».
وتبلورت التكهنات حول نوايا السيسي تجاه «الإخوان المسلمين» من خلال تطوّرين حصلا في وقت سابق من هذا العام. ففي حزيران/يونيو، حكمت "محكمة النقض المصرية" بالإعدام على ١٢ شخصاً من الشخصيات البارزة في الجماعة، بمن فيهم الداعية سيئ السمعة صفوت حجازي، والبرلماني السابق محمد البلتاجي، والمفتي المؤثر عبد الرحمن البر. ومنذ ذلك الحين، تم تعليق تنفيذ أحكام الإعدام في انتظار توقيع السيسي، مما يشير إلى أنه ربما ينقذهم من أجل مساومة محتملة في المستقبل.
وفي أيلول/سبتمبر، استخدم السيسي كشف النقاب عن استراتيجيته الخاصة بحقوق الإنسان للإشارة بشكل غير مباشر إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، معرباً عن استعداده لقبول "هؤلاء" طالما أنهم يتخلون عن أي جهود للتأثير على سياسات الحكومة. وبعد أسبوعين، أطلقت القاهرة سراح أربعة رجال دين سلفيين متطرفين مسجونين بتهمة الانحياز إلى جانب متظاهري «الإخوان المسلمين» في عام ٢٠١٣.
وترى جماعة «الإخوان» المشرذمة إطلاقات السراح هذه والحوار الأوسع بين الولايات المتحدة ومصر حول حقوق الإنسان فرصة لتجديد نفسها واستعادة الحيز التشغيلي المحدود الذي مُنح لها في عهد مبارك. ومع ذلك، من غير المرجح أن تنجح الالتماسات الحالية التي أطلقتها الجماعة من أجل المصالحة لعدة أسباب:
ليس لدى جماعة «الإخوان المسلمين» ما تقدمه للسيسي. منيت الجماعة بخسارة كليّة هذا العام. فقد اتسعت انقساماتها الداخلية حتى مع تَمكُّن القاهرة من إقناع أكبر الداعمين الإقليميين لـ «الإخوان»، أي قطر وتركيا، بتخفيف خطابهما الإعلامي المحلي ضد الحكومة المصرية. وقد تعززت ثقة السيسي بصورة أكثر من خلال إنجازاته الأمنية والاقتصادية الكبيرة في السنوات الأخيرة. باختصار، ليس لدى حكومته القوية سبب وجيه يدعو للمصالحة مع جماعة ضعيفة ومنقسمة، لا سيّما في وقت يواجه فيه الإسلاميون السياسيون الآخرون انتكاسات شديدة في بلدان مثل تونس والمغرب.
المصالحة قد تضر بشعبيته المحلية. يرى عدد كبير من المصريين أن جوهر إرث السيسي هو أنه أنقذ البلاد من جماعة «الإخوان» ونجح في التصدي للزيادات الحادة في الإرهاب. ومن ثم، فإن أي تغيير في السياسة الرسمية تجاه المنظمة، التي لا تحظى بشعبية، من المرجح أن يقابَل بنفور من قبل ناخبيه الأساسيين.
يفضّل سياسات قائمة على المحصلة الصفرية. عندما يحدث أي خطأ في مصر اليوم، لا يزال من الطبيعي تماماً أن تلقي الحكومة اللوم على جماعة «الإخوان»، وأن يتقبل الكثير من أبناء الشعب هذه الحجة. ويتردد المقرّبون من السيسي في خسارة هذه الورقة المهمة. على سبيل المثال، ألقى وزير النقل كامل الوزير مسؤولية الأزمة الأخيرة المتعلقة بمشاكل في نظام القطارات على واقع قيام الوزارة بتوظيف العديد من الموظفين المنتسبين إلى جماعة «الإخوان» في عهد مرسي. ورداً على ذلك، أذن البرلمان للحكومة بفصل موظفي الدولة الذين يتبين أن لديهم أي صلات بمنظمات مصنّفة على قائمة الإرهاب مثل جماعة «الإخوان المسلمين».
يريد الحفاظ على تحالفاته الإقليمية. قدمت الإمارات والسعودية دعماً مالياً وسياسياً كبيراً للسيسي منذ أن ساعد في الإطاحة بمرسي في عام ٢٠١٣. والشيء الوحيد الذي لا تزال العواصم الثلاث متفقة عليه - لا سيّما بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان - هو ضرورة الاستمرار في تقليل تأثير الإسلاميين السياسيين والعناصر الراديكالية الأخرى. إن احتضان «الإخوان المسلمين» قد يهدد ركيزة هذا الإجماع.
هيثم حسنين هو محلل لشؤون الشرق الأوسط وزميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن.