- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الأكراد أثبتوا جدارتهم القتالية، وعليهم الآن إثبات قدرتهم على الحكم
حارب الأكراد، غير الراضين عن العراق كوطنهم الأم، الأنظمة العراقية المتعاقبة منذ ضمّهم إلى الدولة الجديدة في عام 1926. وقد أسفرت الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») عن مجموعة جديدة من القادة العسكريين الشباب، الذين اشتدت عزيمتهم بشجاعتهم وبالدعم العسكري الدولي على حد سواء. نعم، بإمكان الأكراد أن يقاتلوا ولكن هل يمكنهم أن يحكموا بالكفاءة نفسها؟ لا يجدر اختيار الجيل المقبل من القادة فقط على أساس سجل أدائه في الحرب، بل أيضاً استناداً إلى قدرته على القتال في "الحرب الأخرى" ضدّ افتقار الفرص والتنمية الاقتصادية.
غير أن سجل الحكم في كردستان يتضاءل بالمقارنة مع سجلها في القتال. فقد نشأت «حكومة إقليم كردستان» شبه المستقلة في أعقاب الانتخابات التي جرت عام 1992، ضمن منطقة كردية آمنة وفّرها المجتمع الدولي. وقد استمد القادة المختارون في الانتخابات الكردية الأولى شرعيتهم من محاربتهم "حزب البعث". وتمّت مكافأة المقاتلين من أجل الحرية بمنحهم مراكز مهمة في الحكومة، مثل رؤساء بلديات مدن ومدراء مستشفيات.
وأدت تلك القرارات إلى قيام حكم ضعيف يقوّض الأكراد في الوقت الراهن ويمنعهم من التقدّم. فبدلاً من الاستثمار في مؤسسات الدولة وقدراتها، استثمرت الأحزاب السياسية التي تكوّن «حكومة إقليم كردستان» في شبكات محسوبية من أجل الحفاظ على مركزيتها. فعلى سبيل المثال، إن ولاء قادة "البيشمركة" الكردية هو للأحزاب الحاكمة وليس لـ «حكومة الإقليم». ويعتمد الاقتصاد بشكل مزمن على النفط وتتركز الثروات في أيدي القطاع العام الذي يعاني من المحسوبية وعدم الكفاءة.
ويسارع ممثلو الحكومة إلى إلقاء اللوم على كل شخص وعلى كل شيء إلا على أنفسهم. وغالباً ما يكونون على حق - فقد ورثت «حكومة إقليم كردستان» نموذج الإدارة المركزية لـ "حزب البعث". فالعائدات الحكومية تشهد حركة مدّ وجزر وفقاً لحركة أسعار النفط العالمية والعلاقات مع بغداد، علماً بأن «حكومة إقليم كردستان» راكمت ديوناً بمليارات الدولارات وهي متخلفة عن دفع أجور الموظفين الحكوميين منذ أشهر.
ومع النهاية الوشيكة لـ تنظيم «داعش» في العراق واقتراب موسم الانتخابات، قد يواجه الأكراد خياراً شبيهاً بذلك الذي واجهوه في انتخابات عام 1992، بين مرشحين يتمتعون ببراعة قتالية أو مرشحين يتمتعون بمكانة ورصيد جيدين في الحكم.
إن مواجهة الأكراد الشباب لتنظيم «الدولة الإسلامية» تحافظ على سمعة الأكراد كمقاتلين شرسين وتمررها إلى الجيل الحالي. ومع ذلك، ففي ظل تقدّم المقاتلين الكبار في السن، ظهر جيل أصغر سناً من القادة الأكراد استحوذ على رأس مال سياسي كبير من خلال إسدائهم المشورة بشأن السياسات وتقديمهم الخدمات. وقد حدّد هذا الأمر النجاحات التي حققها «إقليم كردستان» بعد حقبة صدام وما قبل ظهور تنظيم «داعش». وكانت النتيجة ظهور بيئة آمنة مواتية لقطاع النفط والمطارات والجامعات الجديدة. وفي ظل الانتخابات المزمع إجراؤها في الخريف المقبل، يواجه الأكراد مرة أخرى خياراً بين انتخاب المسؤولين الإداريين أو الجنود من بين مجموعة القادة العسكريين الشباب.
ويكمن حلّ الأزمة في بناء القدرة على الحكم - من خلال المؤسسات التي تضمن الحوكمة الشاملة وسيادة القانون ومن خلال استحداث فرص للنمو الاقتصادي والتنمية البشرية. ولكي تزدهر الديمقراطية الكردية، يجب أن تكون قوات "البيشمركة" مسؤولة أمام حكومة مدنية وليس أحزاب سياسية.
وتتمتع واشنطن بخيار أيضاً، وهو ترك السياسات العراقية والكردية تدير شؤونها بنفسها أو دفعها في الاتجاه الصحيح. وقد أصبحت عبارة بناء الدولة مصطلح خطير في العاصمة الأمريكية، لكن عمل واشنطن استثناء لشركائها الذين يحاربون تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق قد يخدم قيم الولايات المتحدة ومصالحها. يُذكر أن النظرة إلى الحكومة على أنها فاسدة وغير شرعية وغير ممثلة قد تسبّبت في بروز تنظيم «داعش»، وستواصل خلق الفرص لاندلاع حروب بالوكالة تصبّ في مصلحة إيران والجماعات المتطرفة. وبالفعل،إن وضع الحوكمة على الطريق الصحيح هو مسألة أمن قومي للعراق وللولايات المتحدة من أجل مواجهة أمراء الحرب والإرهاب. وما يحتاجه العراق والأكراد هو ليس المال الأمريكي، بل التوجيه حول كيفية إنفاق البترودولارات الخاصة بهم بطريقة تؤدي إلى اقتصاد مستقر ومستدام. وفي هذا الإطار، تمثّل معالجة تقلبات عائدات النفط وإعادة بناء المدن التي مزّقتها الحرب انطلاقات ممتازة.
الأكراد يريدون أن يثبتوا للعالم أنهم يستحقون الانضمام إلى المجتمع الدولي كدولة مستقلة. ويتمثل السبل للمضي قدماً في هذا المجال في [قيام] دولة ديمقراطية تتمتع بحكم منظّم وتحضّ شبابها ليس فقط على القتال بل على القيادة والبناء أيضاً.
بلال وهاب هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن.
"سايفر بريف"