- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3046
الإمارات وحزب "الإصلاح" اليمني: نشوء تحالف
حين يتعلق الأمر بالجدول الزمني الرسمي لولي عهد أبوظبي ورئيس دولة الإمارات الفعلي، محمد بن زايد، لا شيء يحدث مصادفة. وهكذا، فإن اجتماعه في 14 تشرين الثاني/نوفمبر مع التحالف السياسي الإسلامي الرئيسي في اليمن قدّم دليلاً قوياً على تفكّك الكتل الجليدية الدبلوماسية التي تكسو الجهود المجمدة منذ فترة طويلة للتفاوض على إنهاء الحرب.
وقد امتلأت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في المنطقة بصور بن زايد مستضيفاً قائديْ "التجمع اليمني للإصلاح"، أو كما يُعرف بحزب "الإصلاح". وكان اجتماعه مع رئيس الحزب محمد عبد الله اليدومي والأمين العام عبد الوهاب أحمد الآنسي هو الثاني من نوعه في غضون عام؛ فقد سبق أن حضر اجتماعاً مماثلاً استضافه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كانون الأول/ديسمبر 2017. لكن الاجتماع الأحدث عُقد في غياب السعوديين وفي أبوظبي، مما يمثّل نقطة تحوّل مهمة بين خصوم الأمس تماماً في الوقت الذي توجه فيه [أعضاء يمثلون] التحالف السعودي-الإماراتي إلى السويد لحضور محادثات سلام برعاية الأمم المتحدة وبينما يناور هذا التحالف لبسط نفوذه في اليمن ما بعد الحرب. يتعين على الولايات المتحدة الاستفادة من هذه الخطوة وضمان قيام التحالف بتنفيذ فعلي لوقف إطلاق النار، وتوفير الدعم الدبلوماسي لجلب الثوار الحوثيين إلى طاولة المفاوضات.
تلميحات عن إستراتيجية إماراتية ناشئة
قد يبدو اتصال محمد بن زايد بحزب "الإصلاح" مفاجئاً نظراً إلى نفوره القديم من جماعة «الإخوان المسلمين» وفروعها في المنطقة. فطوال أكثر من عقدين من الزمن، قمعت السلطات الإماراتية الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد والذي يُدعى أيضاً "الإصلاح"، في مسعى لتطهير الإمارات من نفوذ «الإخوان». وتسارعت وتيرة هذه السياسة مع الإعلان الصادم بأن شابين من الإمارات الشمالية المحافظة كانا من بين مختطفي الطائرات في حوادث 11 أيلول/سبتمبر. وحيث اعتُبرت الجماعة بمثابة تهديد للإسلام المعتدل الذي تبنته الإمارات، فقد حظّرت السلطات الجماعة، وطردت أفرادها من المناصب الحكومية، وحاكمت العديد منهم.
ولم تسهم أحداث "الربيع العربي" في 2011 - لا سيما وصول «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في مصر بعد حقبة مبارك - سوى في تشديد عزم أبوظبي على مواجهة هذه الحركة. وقامت الإمارات، التي انضمت إليها السعودية والبحرين، في تصنيف «الإخوان المسلمين» رسمياً كمنظمة إرهابية في عام 2014، وسعت بجد (وإن دون جدوى) إلى إقناع الولايات المتحدة وبريطانيا وحكومات غربية أخرى بأن تحذو حذوها.
وكانت النظرية الكامنة وراء هذه المقاربة بسيطة، على ما يبدو - ففي نظر أبوظبي، تعتبر جماعة «الإخوان المسلمين» منظمة عابرة للحدود تبعد أتباعها عن ولائهم الوطني وتوفر الأسس الإيديولوجية لأكثر الحركات الإسلامية عنفاً في العالم. لكن التداعيات الإقليمية لنموذج «الإخوان المسلمين» كانت أكثر تعقيداً على الصعيد العملي. وينطبق هذا بشكل خاص مع نسخة اليمن من "الإصلاح"، وهو تحالف متنوع من جماعات تشمل فرعاً محلياً لجماعة «الإخوان»، ولكن أيضاً رجال قبائل من الشمال ورجال أعمال محافظين ومسلمين سلفيين.
وفي ظل احتدام الحرب اليمنية بعد عام 2015، وجدت الرياض وأبوظبي نفسيهما تختلفان حول القضايا والعلاقات الرئيسية، مما خلق ديناميكيات سياسية غير مريحة على الأرض. ومنذ البداية، كان السعوديون على استعداد للعمل مع أحزاب إسلامية على غرار "الإصلاح" لمحاربة خصمهم المشترك، أي الحوثيين، وتحقيق الاستقرار في شمال اليمن. وكانت الإمارات مترددة في القيام بذلك، حتى أنها اتُهمت باستهداف أفراد "الإصلاح" بشكل كبير في جميع أنحاء الجنوب.
ولأسباب مختلفة، اعتمدت الإمارات إلى حدّ كبير أيضاً على القادة والقبائل غير الإسلاميين في حربها ضد الفرع اليمني لتنظيم «القاعدة». لكن هذه الفصائل نفسها تسعى الآن جاهدةً إلى الانفصال - وهي نتيجة تعارضها السعودية.
وتتمثل النقطة الأكثر أهمية في التدهور السريع لعلاقات أبوظبي مع الرئيس اليمني المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي في عام 2015، إلى درجة قيام القوات المدعومة من الإمارات بمحاربة قوات هادي عدة مرات في شوارع عدن. كما تعامل المسؤولون الإماراتيون مع نائب الرئيس اليمني اللواء الركن علي محسن الأحمر بفتور بسبب روابطه الإسلامية. في المقابل، استضافت الرياض هادي وحكومته منذ فرارهما من البلاد وحافظت على علاقات ودية مع علي محسن.
غير أنه في الآونة الأخيرة، انتهجت الإمارات إستراتيجية تدريجية وأكثر علنية لإقامة علاقات مع مجموعة كاملة من الجهات الفاعلة السياسية اليمنية، لا سيما في الجنوب. وعلى هذا النحو، كانت تعدّ نفسها بحذر للعب دور كبير هناك بعد الحرب بغض النظر عن التركيبة السياسية للحكومة المستقبلية، مع الإبقاء في الوقت نفسه على غموض إستراتيجي حول مواضيع مثيرة للجدل مثل الانفصال في الجنوب. ويشكّل الاجتماع العلني لمحمد بن زايد مع قادة "الإصلاح" الخطوة الأحدث وربما الأهم في هذه الإستراتيجية. ومع ذلك، جاءت هذه الحركة المحورية التدريجية بشرط أساسي واحد: قيام "الإصلاح" علناً بقطع روابطه بجماعة «الإخوان المسلمين».
هندسة انقسام
يمثل اجتماع تشرين الثاني/نوفمبر نقطة محورية بالنسبة إلى "الإصلاح" أيضاً، في مواصلة لتقليده بالصمود من خلال التكيّف. فمنذ تأسيسه في تسعينيات القرن الماضي، ضمّ الحزب اليمني شركاء غريبين غالباً ما أدّت أهدافهم المختلفة إلى انقسامات داخلية عميقة.
ورغم استفادة "الإصلاح" من الاتفاق الانتقالي لعام 2011 الذي أرغم الرئيس علي عبدالله صالح على التنحي عن السلطة، إلا أن حظوظ الحزب تراجعت بشكل كبير عندما بدأ الحوثيون سيطرتهم البطيئة على اليمن في عام 2014. وكونهم حركة تشكّلت هويتها كردّ فعل على التجاوزات الإسلامية السنية المحافظة في الشمال، هاجم الحوثيون حزب "الإصلاح" على نحو رئيسي. فأحرقوا منزل عائلة آل الأحمر - الجماعة القبلية التي ساعدت على تأسيس الحزب. وعندما استولوا على صنعاء، عملوا على استهداف أفراد «الإخوان المسلمين»، فقاموا باعتقالهم وتعذيبهم وسجنهم. وعلى الرغم من أنه ما زال يتعين على "الإصلاح" التعافي من هذه الضربات - إلّا أن اجتماع [أعضائه] مع محمد بن زايد قد يكون بالتالي محاولة لاستعادة نفوذه السياسي وضمان مقعد له على طاولة [المفاوضات] ما بعد الحرب.
ومنذ عام 2016، بدأ اليدومي بإرسال مؤشرات علنية - من المفترض أنها موجهة إلى الرياض وأبوظبي - على أن جماعته لم تكن مرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» العابرة للحدود. وفي كانون الأول/ديسمبر 2017، عقد مع الآنسي أول اجتماع علني لهما مع قادة التحالف الخليجي في الرياض. وفي اليوم الذي أعقب القمة، نشر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش على موقع "توتير" موافقته على الملاحظات بشأن قطع "الإصلاح" علاقاته رسمياً مع «الإخوان المسلمين»، في إشارة قوية إلى النوايا الإماراتية.
وفي كانون الثاني/يناير 2018، نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية مقابلة مع اليدومي أكّد فيها بأنه "لا توجد علاقات تنظيمية أو سياسية [بين "الإصلاح" و] منظمة «الإخوان المسلمين» الدولية". وبعد شهر، علّق الحزب عضوية توكل كرمان الفائزة بجائزة نوبل للسلام، وهي شخصية بارزة مرتبطة بـ «الإخوان» تعمل الآن بشكل رئيسي من تركيا. وجاء القرار بعد أن أدلت كرمان ببيانات تنتقد فيها الإمارات والسعودية.
إن هذه الخطوات قد مهّدت الطريق أمام محمد بن زايد للعمل على دعوة اليدومي والآنسي إلى أبوظبي في الشهر الماضي. ومن خلال نشر صور الاجتماع على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار ولي العهد إلى أن الإمارات وافقت علناً على انفصال "الإصلاح" عن «الإخوان المسلمين» وأنها تعتبر الحزب لاعباً مهماً، إن لم يكن شريكاً كلياً، في اليمن. وقد بالغ قائدا "الإصلاح" في مدحهما المُنشر على نطاق واسع بخطوة محمد بن زايد، مؤكديْن أن «الإصلاح» "لم يعارض قط مساعدة دولة الإمارات في إعادة فرض النظام في اليمن".
غير أنه لا يجب اعتبار الاجتماع على أنه صداقة مزدهرة، حيث أن أبوظبي و"الإصلاح" سيستمران في النظر إلى بعضهما البعض بنظرة الشك ولأسباب وجيهة. فالإماراتيون لم يغيروا حتماً وجهات نظرهم الإستراتيجية حيال الإسلاميين السياسيين، ولا يزال "الإصلاح" بحاجة إلى قاعدته الدينية. وبالنسبة إلى الإمارات، فإن التفاهم مع "الإصلاح" يضمن نفوذه مع لاعب ربما يكون مناسباً في فترة ما بعد الحرب. وبالنسبة لـ "الإصلاح"، قد يبدو الادعاء العلني عن الانفصال عن «الإخوان المسلمين» مساومة عادلة - في الوقت الراهن. ومن المرجح أن يرغب الحزب في الحصول على حماية الإمارات في الجنوب، حيث يندد به الانفصاليون عموماً.
لكن على المدى الأطول، سيواجه "الإصلاح" صعوبة في الاستمرار من دون قاعدته الدينية، والتي أتت بشكل رئيسي من جناحه التابع لجماعة «الإخوان المسلمين». وعلى غرار محمد بن زايد، يحاول اليدومي على ما يبدو إيجاد تسوية. وتشير تصريحاته باستمرار إلى أن "الإصلاح" غير مرتبط بجماعة «الإخوان المسلمين» الدولية، غير أن عباراته الحذرة تتجنب كذلك فصل الحزب عن أي عناصر تشبه «الإخوان» داخل اليمن.
الدور الأمريكي
بينما تسابق مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث، مع الزمن لجلب الأحزاب المتناحرة في اليمن إلى ستوكهولم في الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر، تُمثل مساعي الرياض وأبوظبي لجمع خلافاتهما حول "الإصلاح" خطوة تمهيدية ملحوظة. ولا يزال العديد من المراقبين يشعرون بالقلق من أن حدة الصراع الأساسي بين هادي والحوثيين لن تتراجع إلا لتمهّد لاندلاع صراعات داخلية أخرى. ومن شأن مدى قدرة السعودية والإمارات على مواءمة مساعيهما الدبلوماسية وتشكيل تحالف كبير من الأطراف السياسية اليمنية، أن يرسم معالم احتمالات تشكيل عملية انتقالية فعلية من الحرب الأهلية.
أمام الولايات المتحدة دور عاجل [عليها أن] تلعبه في هذا الصدد. فقد تصاعد ردّ إدارة ترامب لوقف الحرب في الآونة الأخيرة ليقترب من كونه خطوة قد يتخذها الكونغرس تهدف إلى وقف جميع الدعم الأمريكي لعمليات التحالف. غير أن الدعوة إلى وقف إطلاق النار ليست كافية. ومن أجل تعزيز الخطوات التي يقوم بها غريفيث والرياض وأبوظبي، على واشنطن تصميم تواصلها السياسي الخاص مع الفصائل اليمنية المختلفة. وقد يكون لهذه الخطوة ميزة إضافية تتمثل في الضغط على حكومة هادي والحوثيين لإحراز تقدّم ملموس نحو إبرام اتفاق سلام.
باربارا ليف هي زميلة زائرة متميزة في زمالة "روزنبلات" في معهد واشنطن وسفيرة الولايات المتحدة السابقة في الإمارات. إلينا ديلوجر، هي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في المعهد.