- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2481
الانتخابات الترابية في المغرب: رهانٌ على الإصلاحات في المملكة
في الرابع من أيلول/سبتمبر/شتنبر، سيتوجّه المغاربة إلى صناديق الاقتراع للتصويت في انتخابات مجالس الجماعات الترابية - الانتخابات المحلية والجهوية. وفي 17 أيلول/سبتمبر، ستجتمع مجالس الجماعات الترابية الجديدة لاختيار أعضاءٍ في مجالس المقاطعات. وفي الثاني من تشرين الأول/أكتوبر، ستدلي الهيئات الناخبة، التي تمثّل الجهات والغرف المهنية، بأصواتها في "مجلس المستشارين" (المجلس الأعلى للبرلمان). وتُعدّ هذه الجولات من التصويت، الانتخابات الأولى منذ عام 2011، عندما دفعت الاضطرابات السياسية التي أثارها ما يسمى بـ "الربيع العربي"، إلى قيام النظام الملكي بإطلاق سلسلة من الإصلاحات، بما فيها تعديلات دستورية وانتخابات تشريعية التي أوصلت "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي إلى السلطة.
ويعتبر الاقتراح القاضي بتفويض سلطة الدولة إلى الجهات الفرعية - التي يسمّيها صنّاع القرار المغاربة بـ "الجهوية المتقدمة" - عنصراً كثيراً ما يتمّ إغفاله في هذه الإصلاحات. ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تمنح المزيد من الحكم الذاتي إلى الهيئات المنتخبة محلياً وزيادة المساءلة العامة كما يُفترض، وذلك عبر ربط المواطنين بطريقة أفضل بالمسؤولين المحليين. وبما أنّ الانتخابات القادمة ستحدّد تركيبة هذه الحكومات المحلية وتمهّد الطريق أمام تمثيلها في البرلمان ("مجلس المستشارين") ، فهي تشكّل اختباراً مهماً لعملية الإصلاح الجارية.
تقييم "الجهوية المتقدمة"
ترجع فكرة تقسيم المغرب إلى جهات فرعية إلى عهد الحكمين الفرنسي والإسباني (1912-1956)، عندما أنشأت السلطات في كلّ من المحميّتين جهات إدارية لإدارة شؤون السكان بسهولةٍ أكبر. وفي الفترة التي أعقبت الاستعمار، برزت الفكرة مجدّداً عام 1971، عندما أنشأ الملك الراحل الحسن الثاني سبع "جهات اقتصادية" مع مجالس معينة ظلت استشارية إلى حد كبير دون تمتعها بأيّ سلطة تشريعية. وقد منحت التعديلات الدستورية في عامي 1992 و 1996 الجهات والمقاطعات والجماعات الاعتراف القانوني بوصفها وحدات إدارية مميزة، كما زاد مرسوم صدر عام 1997 من عدد الجهات من 7 إلى 16 جهةً. لكنّ هذه الجهات ظلّت تتمتّع باستقلال سياسي محدود فقط.
وفي كانون الثاني/ يناير 2010، وبعد مرور عقد على عهد الملك محمد السادس، أعلن الأخير عن خطة لامركزية بدت ظاهرياً أنّها أكثر قوةً مع إنشاء "اللجنة الاستشارية للجهوية" ("اللجنة"). وفي خلال الأشهر الـ 14 التي أعقبتها، عقدت الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات المهنية والهيئات الحكومية مناقشات وندوات للبحث في اللامركزية وتلقّت "اللجنة" 150 مقتَرحاً رسمياً من مختلف القطاعات. وقد أصبح بعض هذه المقترحَات جزءاً من التوصيات النهائية التي تقدّمت بها "اللجنة"، والتي صدرت في أوائل عام 2011 في الوقت الذي كانت فيه الاحتجاجات تكسب زخماً على خلفية الانتفاضات التي وقعت في تونس ومصر.
وعلى الرغم من أنّ الانتخابات البرلمانية والاستفتاء الدستوري الذي أعقب الاحتجاجات حوّل الأنظار عن القضية، إلّا أنّ الدستور المغربي الجديد ألزم الدول بتنفيذ "الجهوية المتقدمة". ودعا الباب التاسع من الدستور إلى انتخاب مجالس الجهات والجماعات مباشرةً، وبيّن على نطاق واسع دور هياكل الإدارة المحلية. كذلك، أعلن الباب التاسع عن عملية يمكن المواطنون بموجبها تقديم عرائض إلى المجالس الترابية، ونصّ أيضاً على وجوب تمثيل الحكومة المركزية من خلال حكّام الجهات والمقاطعات.
ومنذ ذلك الحين، اعتمد البرلمان سلسلةً من القوانين التي ترسي الأسس للانتخابات المقبلة وتفصّل مهام المجالس الترابية، والتزام الدولة المالي تجاه [المجالس] المحلية، والإجراءات المطلوبة لعرائض والتماسات المواطنين، والصلاحيات التي يتمتّع بها المسؤولون المنتخبون محلياً تجاه الدولة. وعلى الرغم من أنّه من السابق لأوانه إصدار حكمٍ على هذه الإصلاحات، إلّا أنّ هناك ما يبرر تقديم ثلاث ملاحظاتٍ أولية.
أوّلاً، شدّدت الإصلاحات على تعزيز الحكم المحلي للمشاريع الخاصة والاستثمارات العامة في مجالات مثل تحسين البيئة وإدارة المياه، والطاقة والبنية التحتية والتعليم والصحة والنقل. ويشير هذا التركيز على التنمية إلى أنّ الحكومة المركزية تعتبر "الجهوية المتقدمة" أساساً، أداةً للنمو الاقتصادي. صحيحٌ أنّ أداء الاقتصاد المغربي أفضل من معظم دول المنطقة، لكنّ صنّاع السياسة يدركون أنّ البلاد تواجه معوّقات هيكلية خطيرة بوجه النمو على المدى الطويل، ومنها خصوصاً الاعتماد المفرط على الزراعة وأوجه القصور التي تؤثر على سوق العمل، والتي لا تزال تخرّج طلّاب الجامعات بعددٍ يفوق الوظائف المتاحة. أمّا مدى تخفيف الجهوية لهذه الضغوط، فلا يؤثّر في استقرار المغرب فحسب، بل في استقرار دول أخرى في المنطقة (تونس، على سبيل المثال) أيضاً التي تسعى إلى تطوير المناطق المهملة وخلق فرص العمل.
ثانياً، تضطلع جهود اللامركزية بتداعيات على النزاع القائم بين المغرب و"جبهة البوليساريو" المدعومة من الجزائر حول الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة. ونتيجةً للإصلاحات الأخيرة، تمّ دمج الجهات الـ 16 في المملكة إلى 12 جهةً، وتقع الصحراء الغربية الآن ضمن ثلاث من هذه الجهات المعيّنة حديثاً. وعلى الرغم من أنّ ذلك لا يتعارض مع اقتراح الدولة من عام 2007، القاضي بمنح سكان الإقليم حكماً ذاتياً إضافياً في إطار السيادة المغربية، إلّا أنّ الخريطة الجديدة ستثير على الأرجح سخط "جبهة البوليساريو" ومؤيديها الجزائريين والدعاة الدوليين إلى استقلال الصحراويين.
ثالثاً، تشير الأحكام الدستورية والقوانين المشتقّة ذات الصلة إلى أنّ المغرب قد اختار حلاً وسطاً بين الاستقلال السياسي الكامل للجهات الفرعية والسيطرة المركزية الكاملة. على سبيل المثال، تمنح الإصلاحاتُ رؤساء المجالس الترابية مسؤولية إدارية أكبر وسلطةً تقديرية بشأن الميزانية، لكنّها تشترط تنفيذ معظم المبادرات المحلية بالحصول على الموافقة النهائية من الوزارة ذات الصلة في الحكومة المركزية. ويُعتبر هذا النهج متّسقاً مع تفضيل الرباط منذ فترة طويلة للفتحات السياسية التدريجية والخاضعة للسيطرة.
زيادة الرهانات الانتخابية
في جميع الجهات المغربية الـ 12 ومجالس الجماعات التي يصل عددها إلى 1503 مجلساً، يطرح 30 حزباً 138 ألف مرشّحٍ عن 32 ألف مقعدٍ شاغرٍ في المجالس المفتوحة. ويجدر بالذكر أنّ ثلث جميع مقاعد مجالس الجماعات والمجالس الجهوية محفوظ للنساء المرشحات. وتركّز الحملات الانتخابية على "الجهوية المتقدمة"، والتنمية الريفية، والإدارة التشاركية للشؤون المحلية، وتحسين الخدمات العامة، وحماية البيئة. وقد تخلّل بعض الحملات خطابٌ أخلاقي، يعالج مسائل كالفساد والهيمنة السياسية لعائلات معينة. غير أنّ الدين غائبٌ إلى حدٍ كبير عن خطاب الحملات، بما فيها حملة "حزب العدالة والتنمية".
وفي انتخابات مجالس الجماعات عام 2009، كان "حزب الأصالة والمعاصرة" و"حزب الاستقلال" الحزبين اللذين نالا أكثر الأصوات - وقد تأسس "حزب الأصالة والمعاصرة" في ذلك العام من قبل صديق مقرب من العاهل المغربي ويتمتع بدعم قوي في المناطق الريفية؛ أما "حزب الاستقلال" فهو فصيل قائم في المناطق الحضرية إلى حد كبير وله جذور في النضال من أجل الاستقلال عن الفرنسيين. ومن المرجّح أن يتنافس كلا الحزبين على المركزين الأول والثاني هذا العام، بينما يُتوقّع أن يحلّ "حزب العدالة والتنمية" في المركز الثالث. وسيشكّل ذلك دفعةً قوية للحزب الإسلامي، الذي جاء في المركز السادس عام 2009 ولكن سجّل مكاسب مهمة في انتخابات الغرف المهنية هذا الصيف. ونظراً إلى أنّ "مجلس المستشارين" سيضمّ الآن ممثلين عن الجهات والغرف المهنية، فإن الرهان على الانتخابات الترابية قد أصبح وطنياً.
وإذا ما وضعنا نتائج الانتخابات بين الفوز والخسارة جانباً، يمكن القول إنّ النتيجة الأكثر أهميةً عن هذه الانتخابات ستكون إقبال الناخبين، الذي سوف يبيّن ما إذا كان الجمهور يقبل بعملية التقسيم الجهوي ومسار الإصلاح بصورةٍ أعمّ. صحيحٌ انّ المشاركة بلغت 52 في المائة في عام 2009، ولكنّ مراقبين مستقلّين أبلغوا عن العديد من حالات شراء الأصوات، وخاصة في الدوائر الريفية. ومنذ ذلك الحين، أعربت جماعات المجتمع المدني عن قلقها بشأن اللامبالاة في أوساط الطبقة الوسطى والشباب، في حين أنّ أكبر حركة إسلامية في البلاد، أي "جماعة العدل والإحسان"، حثّت أعضاءها على مقاطعة الانتخابات تماشياً مع موقفها المعادي للحكم الملكي والنفور من المشاركة السياسية.
التداعيات على السياسة الأمريكية
في حين أنّ الانتخابات قد تؤدي إلى صلاحيات اقتصادية أكبر تتمتّع بها الجهات الترابية، إلّا أنّ المنتقدين (مع بعض المبررات) سيصفون هذه الانتخابات بالإلهاء عن عملية إرساء الديمقراطية الحقيقية. وفي الواقع أنّ عملية التصويت المقبلة لا تتمركز حول تخفيف سلطة الملك أو تعزيز الممثلين المنتخبين أو تعزيز الحريات الشخصية، بل أن النظام الملكي وحلفاؤه يأملون بالأحرى في أن تقطع الانتخابات والإصلاحات شوطاً كافياً في الاستجابة للمطالب الشعبية وأن تجنّب المغرب الفوضى التي تعمّ بقاعٍ أخرى من المنطقة.
يبقى أن نرى ما إذا سيتبيّن أنّ ذلك يشكّل رهاناً فائزاً، ولكن حتى الآن، تجاوزت المملكة بشكلٍ جيد نسبياً العواصف التي هبّت بعد "الربيع العربي" وبرزت كحليف قيّم للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. على سبيل المثال، أطلقت القوات الجوية المغربية طائراتها في سوريا لمقاتلة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية»، وشاركت المملكة في ترؤس "الفريق العامل المعني بمكافحة المقاتلين الإرهابيين الأجانب"، التابع لـ "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب". إنّ قدرة المغرب على إجراء انتخابات نزيهة وسلمية مسألةٌ مهمّة لا لآفاق المملكة على المدى الطويل فحسب، بل أيضاً لصنّاع السياسة الأمريكيين الحريصين على الإبقاء على حليف مستقر نسبياً في منطقة مضطربة على نحو متزايد.
سارة فوير هي زميلة "سوريف" في معهد واشنطن.