- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الاقتصاد المصري لا يزال في دائرة الخطر
قبل أكثر من أسبوعين، بدا أن مصر على حافة الهاوية. فقد تراجعت قيمة الجنيه المصري، التي بلغت قيمته 5.9 جنيه/دولار خلال انتفاضة "الربيع العربي" في مصر في كانون الثاني/يناير 2011، إلى 8.9 جنيه/دولار في 2 تشرين الثاني/نوفمبر، بينما كان التجار يشترون كل دولار مقابل 18.2 جنيه مصري في السوق السوداء.
وفي غضون ذلك، بينما تراجعت تدفقات الدخل من الاستثمار الأجنبي والمساعدة من دول الخليج والسياحة، وضعت الحكومة ضوابط شديدة على رأس المال، فتسببت بحدوث نقصٍ خطير جداً في السلع، لدرجة أن الحكومة المصرية داهمت مخزون السكر في شركة "بيبسي" وشركة الصناعات الغذائية المحلية "إيديتا". وفي الوقت نفسه، برزت علامات جديدة من الاستياء الشعبي في تشرين الأول/أكتوبر: فقد انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي شريط مصور لسائق "توكتوك" يشتكي من ظروف البلاد. وعندما زار رئيس الوزراء بلدة رأس غارب على البحر الأحمر بعد حدوث فيضان في المنطقة، احتج السكان على استجابة الحكومة البطيئة وانتقدوا القوات العسكرية المصرية من على شاشات التلفزيون. وأكثر ما أثار قلق الحكومة هو أن جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفاءها دعوا إلى "ثورة الفقراء" في 11 تشرين الثاني/نوفمبر وتوقع الكثيرون قيام أعمال عنف: وادّعت الحكومة أنها أغلقت معملاً لصنع القنابل وأوقفت عدداً من المتشددين، في حين أن أحد الأشخاص، الذي أعلن أنه من قادة التظاهرات، تعهّد بقطع يد أي شخص يعتدي على المتظاهرين.
بيد، فكما حدث عدة مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تتحقق نبوءات يوم الحساب، ومضى الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من دون وقوع أي تظاهراتٍ تُذكَر. إلا أن مصر لم تخرج بعد من دائرة الخطر: فبينما اتخذت الحكومة خطوات مهمة لمعالجة العجز في رؤوس الأموال في الأسابيع الماضية، تعلم القاهرة أن هذه الخطوات تؤدي إلى المعاناة من ألم وخيم وقد تثير بالتالي اضطرابات في البلاد.
وبالفعل، بعد سنوات من سحب احتياطياتها النقدية لحماية الجنيه، قامت الحكومة المصرية أخيراً في 3 تشرين الثاني/نوفمبر برفع القيود على العملة وعوّمت الجنيه. وفي حين تسببت هذه الخطوة بتراجع قيمة الجنيه الرسمية إلى النصف تقريباً، وحفزت حدوث ارتفاع فوري في الأسعار، إلا أنها مهّدت الطريق إلى موافقة "صندوق النقد الدولي" على منح قرض حيوي إلى مصر بقيمة 12 مليار دولار بعد أسبوع من ذلك، وتسليم 2.75 مليار دولار منه على الفور. ونظراً إلى الوضع السياسي غير المستقرّ في السنوات الست الماضية، فقد فضل الرأي العام داخل مصر (الذي روجت له وسائل الإعلام المصرية كثيراً) منح الحكومة المصرية مزيداً من الوقت لوضع الاقتصاد على المسار الصحيح، بدلاً من النزول إلى الشوارع، إذ يخشى الكثير من المصريين من أن يؤدي ذلك إلى وقوع المزيد من الفوضى التي لن تسبب سوى بتحويل الوضع الصعب للغاية إلى أسوأ. وفي هذا المعنى، اعتُبر قرض "صندوق النقد الدولي" في مصر خطوة في الاتجاه الصحيح، ويبدو أنه قوّض الأساس المنطقي لاحتجاجات 11 تشرين الثاني/نوفمبر - على الأقل في الوقت الراهن.
ومع ذلك، فمن غير المرجح كما يبدو أن يؤدي قرض "صندوق النقد الدولي" إلى معالجة المشاكل الاقتصادية بشكل أكثر استدامة. فأولاً، تطلّب القرض من القاهرة وضع ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم على الطاقة، مع ارتفاع أسعار الغاز من 16 إلى 21 سنتاً للّتر الواحد. وفي حين من المفترض أن تساهم هذه الخطوات في تأمين استقرار الاحتياطيات النقدية في مصر وتفادي النقص في المواد الأولية، إلا أنها تزيد من معاناة السكان على المدى القصير، وهم الذين سبق أن تراجعت ثروتهم إلى النصف بسبب انخفاض قيمة الجنيه. وحاولت القاهرة معالجة هذا التحدي من خلال زيادة دعم المواد الغذائية الذي يعتمد عليه ما يقرب من ثلاثة أرباع المصريين. ويترتب عن قرض "صندوق النقد الدولي" تحويل ما يقارب واحد في المئة من "الناتج المحلي الإجمالي" من المدخرات المالية إلى الإعانات والتحويلات النقدية لعائلات المسنين والفقراء، وكذلك الحفاظ على برامج الوجبات المدرسية والإعانات لأدوية الأطفال وحليب الرضّع - ففي وقت مبكر من هذا العام، تظاهرت الأمهات المصريات احتجاجاً على النقص في حليب الأطفال المدعوم. وقد شكلت الأزمة إحراجاً كبيراً للحكومة، إلا أن القوات العسكرية قامت أخيراً بالمساعدة في حل المسألة من خلال استيراد حليب الرضّع وبيعه بنصف الثمن.
ثانياً، في حين أن ضعف العملة في مصر ينبغي أن يجذب السياح الأجانب والاستثمارات الأجنبية، تبقى البيئة العملية صعبة في الحالتين. فقد أدّت المخاوف المستمرة من الإرهاب وتحذيرات السفر إلى حدوث تراجع كبير في عائدات السياحة منذ انتفاضة عام 2011، وليس هناك ما يشير إلى أن البيئة الأمنية الأوسع نطاقاً سوف تتغير لتؤدي إلى تدفق أعداد كبيرة من السياح في أي وقت قريب. إلى ذلك، لا تزال هناك عقبات بيروقراطية كبيرة تردع ممارسة الأعمال التجارية في مصر، كما أن الفساد في القطاع العام يستمر بشكل ملحوظ، وتدل مقاضاة الحكومة لرئيس المدققين على أنه ليس من المرجح أن يتحسن الوضع في المستقبل القريب. ويقيناً، إن العلامات الأولى إيجابية: فقد تلاقت أسعار الصرف الرسمية مع أسعار الصرف في السوق السوداء، وبلغت قيمة تدفقات العملة الأجنبية 1.5 مليار دولار. إلا أن استقرار احتياطات النقد المصرية وضمان قدرتها على الاستمرار في دعم المواد الغذائية يتطلّبان المزيد من الإصلاح الاقتصادي والتحسينات الأمنية - وسيكون من الصعب على وجه الخصوص تنفيذ المزيد من الإصلاح الاقتصادي، طالما يحاول المصريون التأقلم مع ألم الثروة المنخفضة، وأسعار النفط المرتفعة، وضرائب الاستهلاك الجديدة.
ولهذا السبب، من غير المرجح أن تكون الخطوات الاقتصادية الملحوظة التي تقوم بها مصر مقرونة بالإصلاحات السياسية. غير أن القانون الجديد بشأن المنظمات غير الحكومية، الذي يسعى إلى فرض رقابة حكومية مباشرة على جميع المنظمات غير الحكومية ويعاقب المخالفين بالسجن من عام إلى خمسة أعوام، ربما يدل على أن البيئة السياسية ستصبح أكثر تقييداً. وكما أشار أحد المسؤولين المصريين، هناك احتمال دائم لقيام اضطرابات. وأضاف، أنه على الرغم من عدم حدوث احتجاجات في 11 تشرين الثاني/نوفمبر، إلا أنه من المرجح أن تدعو القوى المناهضة للحكومة إلى التظاهر في 25 كانون الثاني/يناير، الذي هو الذكرى السادسة لانتفاضة "الربيع العربي" في مصر عام 2011؛ أو ربما في 6 نيسان/أبريل، الذي هو الذكرى التاسعة لتأسيس "حركة شباب 6 أبريل" الثورية؛ أو ربما في 30 حزيران/يونيو، أي في الذكرى الرابعة للانتفاضة ضد الرئيس الأول المنتخَب في مصر، زعيم «الإخوان المسلمين» محمد مرسي؛ أو ربما في 14 آب/أغسطس، الذي هو الذكرى الرابعة لحملة القمع المميتة التي شنتها الحكومة ضد مواقع احتجاج «الإخوان» بعد الإطاحة بمرسي. ووقاً لما قال، "هناك مواعيد تظاهرات محتملة كلّ بضعة أشهر".
إريك تراجر هو زميل "استير ك. واغنر" في معهد واشنطن، ومؤلف الكتاب "الخريف العربي: كيف ربح «الإخوان المسلمون» مصر وخسروها في 891 يوماً".
"سايفر بريف"