الاقتتال الداخلي بين وحدات "الحشد الشعبي" في شمال العراق يستدعي وساطة "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"
استُدعي مؤخراً المسؤول الكبير التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" في كركوك والزعيم الديني والسياسي، عمار الحكيم، للتوسط بين الميليشيات المتناحرة التي تدفع الدولة رواتب عناصرها.
في 21 أيار/مايو، تبادلت وحدتان من "قوات الحشد الشعبي" إطلاق النار على إثر جدال حول السيطرة على نقطة تفتيش في مطار كركوك. وكانت الوحدة الأولى تخضع لـ "المحور الشمالي" في "الحشد الشعبي"، وهو مقر يضم محافظات متعددة بالقرب من مدينة طوز خورماتو ويتولى قيادته الميليشياوي التركماني الشيعي، أبو رضا النجار، في حين أن الوحدة الأخرى هي "قيادة عمليات كركوك وشرق دجلة"، التي تشكلت في عام 2017 لطرد قوات تنظيم "الدولة الإسلامية" من كركوك، ويرأسها حالياً أبو حسام السهلاني، نائب رئيس منظمة بدر، هادي العامري.
وعلى الرغم من أن تبادل إطلاق النار لم يسفر عن سقوط قتلى تم الإبلاغ عنهم، إلا أن جهود الوساطة بدأت فوراً، في خطوة تشير إلى تصدّع خطير في الهيكل الشمالي لقيادة "الحشد الشعبي". وفي 23 أيار/مايو، عقد محافظ كركوك، راكان الجبوري، اجتماعاً التُقطت في إطاره صور ظهر فيها مع قادة محليين من "الحشد الشعبي" (الشكل 1)، وحضره الحاج علي إقبال بور، مسؤول الاتصال في كركوك المنتمي إلى "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني" والذي يشغل منصبه منذ فترة طويلة، وأبو ثائر البشيري، قائد "قوة التركمان" ("اللواء 16 في الحشد الشعبي"). وتتمركز القوة الأخيرة في منطقة طوز (تازة) خورماتو في كركوك، وتخضع بالتالي لقيادة "عمليات كركوك وشرق دجلة" التي يرأسها السهلاني.
وبعد وقت قصير من الاجتماع الذي عقده المحافظ، انخرط الزعيم الديني والسياسي العراقي البارز، عمار الحكيم في هذه التطورات، ولعب دوراً مهماً في جهود الوساطة. وفي 25 أيار/مايو زار النجار في "مخيم الشهداء"، حيث تم تصويره مع إقبال بور، مسؤول الاتصال في "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني" (الشكل 2). وبعد يوم من الاجتماع الذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة، توجه الحكيم إلى معسكر تازة خورماتو التابع لـ "لواء 16 في الحشد الشعبي" والتقى بالسهلاني والبشيري (لم تُنشر أي صور علنية للتجمع الذي انعقد في 26 أيار/مايو).
وبدا أن جميع هذه التدخلات تنحاز إلى "المحور الشمالي" التابع للنجار الذي تعود ترقيته في الأصل إلى منصبه من قبل قائد عمليات "الحشد الشعبي" ومؤسس "كتائب حزب الله"، الراحل أبو مهدي المهندس، ويبدو أنه لا يزال يتمتع بالأسبقية على قادة "منظمة بدر" الآخرين في كركوك. كما يبدو أنه حافظ على الدعم الإيراني أيضاً، على الرغم من الشائعات عن الانشقاقات (أو ربما حفزته تلك الشائعات) داخل المجتمعات التركمانية العراقية والتي تفاقمت من جرّاء وكالات الاستخبارات التركية التي تعمل على طول الحزام التركماني من الموصل إلى طوز.
ويضطلع انخراط إقبال بور المتكرر بأهمية خاصة. فقد أدى في السابق دوراً رئيسياً في سيطرة الحكومة الفدرالية العراقية على كركوك عام 2017، حيث سعى إلى حث المدافعين الأكراد عن المنطقة إلى الاستسلام. وفي 8 نيسان/أبريل 2018، حوّل جزءاً من أراضي كركوك الزراعية بالقرب من تازة إلى مطار، مما مكّن الطائرات الإيرانية بدون طيار من توفير بيانات تصحيح الأهداف في الوقت الفعلي عندما كانت الصواريخ الإيرانية تنهمر على مقر "الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني" في منطقة كويا في السليمانية، مما أسفر عن مقتل أحد عشر شخصاً وجرح أكثر من خمسين آخرين. وفي تموز/يوليو 2022، توسط في نزاع خطير بين أعضاء من التركمان والكاكائيين في "الحشد الشعبي". ويشكل جلوس إقبال بور مباشرة إلى يمين محافظ كركوك السنّي والمسؤول الكبير في "الإطار التنسيقي"، عمار الحكيم، في الاجتماعات الأخيرة دليلاً آخر على الإفلات من العقاب الذي يتمتع به المسؤولون العراقيون عند التعاطي العلني مع شخصيات بارزة من "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، المصنّف على "قائمة الإرهاب الأمريكية".