- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2678
الأسد يقصف الأكراد: التداعيات على استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا
في الأسبوع الماضي اندلعت معارك عنيفة بين «الجيش العربي السوري» ووحدات كردية تابعة لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي». وسارعت واشنطن بالردّ عن طريق إرسال طائرات حربية إلى المنطقة. وقد تشير الأعمال العدائية إلى ظهور تحالفات جديدة من شأنها عرقلة تقدم الأكراد غرباً، ووضع حدّ لتفادي التعارض والاحتكاك بين الولايات المتحدة وقوّات النظام، وزيادة العقبات في وجه الحملة الأمريكية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية».
تصعيد جديد
تنقسم حالياً مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا بين مناطق كردية شمالاً يتحكّم بها «حزب الاتحاد الديمقراطي» وأحياء عربية جنوباً تخضع لسيطرة النظام. ويسيطر الأكراد أيضاً على بعض النقاط في القطاعين الجنوبي الغربي والجنوبي الشرقي من البلاد. ويُعتقد أن العرب يشكلون 55 في المائة من سكّان الحسكة، والأكراد 45 في المائة.
وقبل أسبوعين، اعتقلت ميليشيا "قوّات الدفاع الوطني" التابعة للنظام عدداً من المدنيين الأكراد. فردّ الأكراد باعتقالات خاصة بهم، وسرعان ما تصاعدت الأمور إلى وقوع اشتباكات بين الجانبين. ولم يكن هذا التصعيد الأوّل من نوعه لأن التوترات بين «حزب الاتحاد الديمقراطي» و"قوّات الدفاع الوطني" بدأت بالتفاقم منذ فترة طويلة، وأصبحت المناوشات المنخفضة الحدّة بينهما جزءاً من المشهد اليومي في سوريا التي مزقتها الحرب. والأمر الذي ميّز القتال في الأسبوع الماضي عن سائر النزاعات هو قيام «الجيش العربي السوري» باستخدام الطائرات الحربية لمهاجمة المواقع الكردية، وكانت هذه هي المرّة الأولى التي يستخدم فيها النظام سلاح الجوّ ضد الأكراد خارج حي الشيخ مقصود في حلب.
وحتى الآن، حافظ النظام و«حزب الاتحاد الديمقراطي» على اتفاقية عدم اقتتال بحكم الأمر الواقع، ارتكزت على حذرهما المتبادل من التمرّد العربي السنّي. ففي عام 2012، سهّل النظام سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» على سلسلة من القرى الكردية الواقعة على الحدود التركية. وفي آذار/ مارس 2015، وفي مقابلة أجراها مع التلفزيون الحكومي البرتغالي، ادعى الرئيس السوري بشار الأسد أنه سلّح الجناح العسكري لـ «حزب الاتحاد الديمقراطي» المعروف باسم «وحدات حماية الشعب».
ومع ذلك، تحدّثت وسائل الإعلام المحليّة في الأسبوع الماضي عن وقوع اشتباكات عنيفة في الحسكة، لا سيّما في حي "النشوة" في جنوب غرب المدينة وحي "غويران" في الجنوب الشرقي وفي وسط المدينة حول منطقة "مرشو". واستخدم فوج "جبل كوكب" التابع لـ «الجيش العربي السوري» المدفعية الثقيلة ضد المواقع الكردية. هذا، وإن فوج "جبل كوكب" هو وحدة تنتشر حالياً على بعد عشرة كيلومترات شرق المدينة ويُعتقد أنها تضم كتيبة من القوّات الخاصة. (في حزيران/يونيو 2014، قدرت المؤسسة الإعلامية "آرا نيوز" أنه كان لـ "قوات الدفاع الوطني" نحو 400 مقاتل في المدينة، إلا أن أعدادها الحالية ليست مؤكدة. بالإضافة إلى ذلك، أشارت مصادر كردية أن أفراد من قوات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني و«حزب الله» اللبناني محصنين في متحف في وسط المدينة).
تغيّر التحالفات الإقليمية
أتى الصراع الأخير في أعقاب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى موسكو لإصلاح العلاقات مع روسيا. وعلى الرغم من الغموض الذي يلف وجهات نظر الكرملين بشأن هجمات النظام ضد «حزب الاتحاد الديمقراطي»، إلا أن مواقف تركيا منها تتّسم بالوضوح. فقد عدّل أردوغان مؤخّراً سياسته بشأن سوريا على النحو التالي: تغيّرت الأولويات ليحتلّ منع إقامة منطقة متاخمة تخضع لسيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» المرتبة الأولى بدلاً من هدفه السابق بالإطاحة بنظام الأسد. وفي الواقع، يفيد مسؤولون في «حزب الاتحاد الديمقراطي» أن سوريا وتركيا قرّرتا التواطؤ من أجل إضعاف الحزب. وفي 21 آب/ أغسطس، أصدر الحزب بياناً أعلن فيه أن الهجمات "تشير إلى تنسيق تركي وإيراني مع نظام البعث من أجل التصدي لبلورة المشروع الديمقراطي ]الكردي[".
انقر على الخريطة لمشاهدة نسخة أكبر.
ويرى آخرون أن النظام يوجّه رسالة للأكراد ليعيدوا النظر في أي خطط تهدف للاستيلاء على المزيد من الأراضي لا سيّما في الحسكة والباب، المدينة الثانية التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» على الطريق من منبج إلى حلب. وتحرز «وحدات حماية الشعب» تقدّماً ملحوظاً على طول الحدود التركية، وقد يخشى النظام من أن يصبح طرد الأكراد أكثر صعوبة إذا استولوا على أراض إضافية. وقد أثار تقدّمهم قلق تركيا أيضاً لأنه تم إنشاء «حزب الاتحاد الديمقراطي» في أعقاب «حزب العمال الكردستاني»، أي الجماعة التي تحاربها أنقرة منذ عام 1984. ويشدّد «حزب الاتحاد الديمقراطي» على استقلاليته عن «حزب العمال الكردستاني»، ولكن أعضاء سوريون من «حزب العمال الكردستاني» يتحكّمون بـ «حزب الاتحاد الديمقراطي»، كما تحتلّ كوادر غير سورية من «حزب العمال الكردستاني» مناصب رئيسية في «وحدات حماية الشعب». وحتى مع ذلك، تواصل الولايات االمتّحدة عملها عن كثب مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالرغم من إدراج «حزب العمال الكردستاني» ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، في إشارة إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية قد ميّزت بوضوح بين الاثنين.
وحتى الآن، ساعد التعاون الأمريكي «حزب الاتحاد الديمقراطي» على توحيد مقاطعة الجزيرة الشرقية ومقاطعة كوباني المركزية. ويكمن هدف الحزب التالي في ربط هاتين المنطقتين بمقاطعة عفرين الأصغر حجماً في محافظة حلب وإنشاء ممرّ متاخم على طول الحدود التركية. وقد عبّرت أنقرة باستمرار عن معارضتها الشديدة لهذه الاستراتيجية، لذلك فإن أي تقارب سوري - تركي سيشدّد على الأرجح على احتواء مكاسب «حزب الاتحاد الديمقراطي» وإجباره على التراجع عنها في النهاية.
المخاوف الأمريكية
انضمت «وحدات حماية الشعب» إلى عدد من الألوية العربية لإنشاء «قوّات سوريا الديمقراطية» [أو «القوى الديمقراطية السورية»]، وأثبتت هذه الجماعة أنها أفضل حليف سوري لواشنطن ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وكما أشار الجنرال الأمريكي شون ماكفارلاند في مؤتمر صحفي في 10 آب/ أغسطس، سيطرت «قوّات سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية على 20 في المائة من أراضي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا بمساعدة الضربات الجويّة الأمريكية. وتلقّت وحدات «قوّات سوريا الديمقراطية» أسلحة ثقيلة (مثل صواريخ جافلين) وتدريبات "القوّات الخاصة" من الولايات المتّحدة لتحقيق هذه الغاية. وفي 20 آب/ أغسطس، قال وزير الدفاع الأمريكي آش كارتر بأنها "قوّات برية قادرة ومحفّزة" عندما يتعلق الأمر بـ "الاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها".
وفي مؤتمر صحفي عُقد في 16 آب/ أغسطس، أشار العقيد في الجيش الأمريكي كريستوفر غارفر أن «وحدات حماية الشعب» الكردية شكّلت 15 في المائة فقط من القوّات المنتصرة في منبج، بينما شكل العرب ما تبقّى من المقاتلين. ومع ذلك، ففي الماضي أثبتت هذه التقديرات الأمريكية المتفائلة بأنها غير دقيقة عندما يتعلق الأمر بالمشاركة العربية. ففي شباط/ فبراير، على سبيل المثال، صرّح المبعوث الأمريكي بريت ماكغورك أن العرب شكّلوا 40 في المائة من القوات التي استعادت مدينة الشدادي جنوب الحسكة، في حين وصف الصحفيون المحليون بأن مشاركة هذه الوحدات لا تستحق الذكر. وعلى نحو مماثل، قالت عناصر عربية من «قوّات سوريا الديمقراطية» التي شاركت في معارك منبج إن الأكراد اتّخذوا جميع القرارات تقريباً.
ومهما كانت الحالة، قد يكون للحرب الشاملة التي يشنها النظام ضد الأكراد عواقب وخيمة على استراتيجية واشنطن لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن المفترض أن يحوّل «حزب الاتحاد الديمقراطي» تركيزه نحو بقائه فقط بدلاً من توسيع أراضيه، فيعيد على الأرجح نشر قوّاته بسحبها من منطقة حلب باتجاه مدينة الحسكة شرقاً. ومثل هذا التطور، قد ينهي بشكل فعلي الاستراتيجية الأمريكية لإغلاق جيب منبج الذي وفّر لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» منفذاً إلى العالم الخارجي عبر الحدود التركية. ولطالما شاب التعقيد هذه الاستراتيجية لأن تركيا عارضت سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» على هذه المنطقة.
وفي المرحلة القادمة، قد تستبق أنقرة الاستراتيجية الكردية؛ فقد جمعت بالفعل عدداً من ألوية المتمردين لشنّ هجوم على مدينة جرابلس الحدودية. أما إذا أسفرت مواجهة الحسكة عن مناوشات متفرّقة مع قوّات الأسد بدلاً من احتدام شامل بين «الجيش العربي السوري» و«حزب الاتحاد الديمقراطي»، سيضطرّ الأكراد على الأرجح إلى تعزيز جناحهم الخلفي، وحصر دور «حزب الاتحاد الديمقراطي» بشكل فعلي وإبعاده عن خطوط المواجهة مع تنظيم «الدولة الإسلامية».
المهمة المعقدة التي تواجهها واشنطن
تشكّل الطبيعة المتغيّرة للسياسة الأمريكية في سوريا مصدر قلق كبير آخر. فاستراتيجية الإدارة لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا لم تكن قط متماسكة بقدر ما كانت عليه نظيرتها العراقية. وشرح ماكغورك كيف بدأت الولايات المتّحدة بدعم «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالضربات الجوية في كوباني في عام 2014 وقال للصحفيين في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، "لم نركّز حقاً على كوباني عندما وضعنا الاستراتيجية، ثم أصبحت كوباني فرصة لنا". وتوضّح هذه التعليقات الطبيعة التكتيكية لنهج الإدارة الأمريكية الذي ركّز بصورة أكثر على استغلال الفرص القصيرة الأمد بدلاً من الاهتمام بالاعتبارات الاستراتيجية الطويلة الأمد.
وحالياً، تواجه سياسة واشنطن خطر توسّع أهداف المهمّة أو تغيير في الأهداف. ففي العراق على سبيل المثال، ركّزت سياسة مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» في البداية على تدريب القوّات العراقية في قواعد بعيدة عن جبهات القتال. ولكن بحلول تشرين الثاني/نوفمبر الماضي وجّهت عناصر القوّات الأمريكية القوّات العراقية من مسافة تبعد أقل من ميلين (3.2 كم) من مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي آذار/مارس هذا العام، قتلت نيران التنظيم جندياً أمريكياً على مقربة من الجبهة. وفي غضون ذلك، أرسلت الإدارة الأمريكية 300 عنصر من "القوّات الخاصة" إلى سوريا، حيث لا يوجد للإدارة اتفاق بهذا الشأن مع حكومتها؛ وتعمل حالياً هذه القوات على مقربة من الخطوط الأمامية لدرجة أن الصحفيين الأكراد في منبج اختلطوا بها. وفي ما يتعلّق بحادثة الحسكة، أوضح البنتاغون أنه أرسل الطائرات الحربية إلى هناك "كإجراء لحماية قوّات التحالف العاملة في المنطقة". ولكنّه حذّر أيضاً بأنه "يستحسن عدم تدخل النظام السوري مع قوات التحالف أو شركائها".
وقد حاولت واشنطن جاهدة تجنّب الأعمال العدائية مع «الجيش العربي السوري» وتفادي العمل في المناطق التي ينشط فيها. ولكن إذا سيتم الآن استخدام سلاح الجو الأمريكي لحماية القوّات الكردية بدلاً من الاكتفاء بدعم هجماتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فقد يتم وضع حدّ لتفادي التعارض والاحتكاك الذي شكّل سمة الحملة المناهضة للتنظيم. ونادراً ما اعتبر النظام المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «الدولة الإسلامية» في الشرق كمواقع استراتيجية تستحق التنافس عليها، ولكنه قد يعيد النظر إذا حاول «حزب الاتحاد الديمقراطي» السيطرة على الحسكة بكاملها أو واصل سعيه للتحكم على ريف حلب الشمالي.
وفي الواقع، إن التطورات التي شهدها محيط حلب زادت من تعقيدات وضع سيء بالفعل. ففي شباط/ فبراير، عندما استولى «الجيش العربي السوري» على أراضي المتمرّدين في شمال المدينة تحت غطاء من القصف الجوي الروسي، قامت قوّات «حزب الاتحاد الديمقراطي» بخطوات مماثلة. وفي الآونة الأخيرة، شنّت «وحدات حماية الشعب» هجمات من معقلها في الشيخ مقصود مما سهّلت إلى حدّ كبير من جهود النظام لقطع طريق المتمرّدين من حلب إلى تركيا، والمعروف باسم "طريق الكاستيلو". وتشهد حلب حالياً معركة ضارية يشنّ فيها المتمرّدون هجوماً مضاداً [نجح في] فتح طريق جنوبي من المناطق التي يسيطرون عليها في الأحياء الشرقية، بصورة مؤقتة على الأقل.
إن الحماية الجوية الأمريكية للأكراد قد تثير غضب الجماعات المتمرّدة العربية ورعاتها في الخليج العربي. فقد رفضت واشنطن مهاجمة قوّات النظام عندما استخدم «الجيش العربي السوري» قوّاته الجوية ضد الألوية العربية، لذلك قد ينم إرسال الطائرات الحربية إلى الحسكة عن نفاق، أو حتى قد تزيد نظريات المؤامرة القائلة إن الولايات المتحدة تسعى لتقسيم العالم العربي عبر تعزيز قوة الأكراد.
الخاتمة
في ضوء التصعيدات الأخيرة، تحتاج واشنطن إلى تحديد استراتيجيتها بدقة واختيار أهدافها بحذر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أهداف حلفائها المحليين غالباً ما تتعارض مع أهدافها. ويعني ذلك أنه يتعيّن عليها أن تتجنّب إقحام نفسها في حرب أهلية ليس لها حلّ عسكري. وإذا بدأت واشنطن بالدفاع عن الأكراد ضد هجمات «الجيش العربي السوري»، فقد لا تكون قادرة على سحب هذه الحماية إلى أن تقضي نهائياً على تهديد النظام. ولم يكن هذا هدف الولايات المتحدة عندما بدأت ضرباتها الجوية في سوريا، وبالتأكيد لا ينبغي أن تكون هذه سياستها الآن. وسيؤدّي الانحياز إلى أحد الأطراف في هذا الوقت المتأخرّ من اللعبة إلى الوقوع في مأزق كبير، وليس إلى حلّ سريع للنزاع. وعلى الرغم من أن الامتناع عن تقديم حماية إضافية قد يثير غضب «حزب الاتحاد الديمقراطي»، يجب على واشنطن أن تركّز على التخفيف من نهم الحزب للاستحواذ على الأراضي من أجل التركيز على دحر تنظيم «الدولة الإسلامية». وتكمن المهمّة الأساسية لإدارة الرئيس أوباما في أشهرها الأخيرة في ترك الخيارات مفتوحة أمام الرئيس المقبل، في وقت تهدف فيه مختلف الجهات الفاعلة - وخاصة «حزب الاتحاد الديمقراطي» ومحور الأسد وروسيا وإيران - إلى خلق وقائع [جديدة] على الأرض تمنع الولايات المتّحدة من تقديم مساعدات إنسانية ودعم عسكري أكثر قوة للمعارضة.
باراك بارفي هو زميل باحث في "مؤسسة أمريكا الجديدة"، وقد زار سوريا في مناسبات عديدة خلال الحرب الأهلية وأمضى بعض الوقت مع القوات الكردية في الجزء الشرقي من البلاد.