- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3601
الاستفادة القصوى من دبلوماسية السلام الأردنية
في أعقاب رحلة الملك عبد الله إلى رام الله، على واشنطن تشجيع المزيد من الانخراط في عملية السلام خارج المجال الدبلوماسي، بما في ذلك مبادرات الاستقرار الاقتصادي وتوافقها مع "اتفاقيات إبراهيم".
في 28 آذار/مارس، سافر العاهل الأردني الملك عبد الله إلى رام الله في أول زيارة له إلى مقر السلطة الفلسطينية منذ عام 2017. ورغم أن الاجتماع جاء في مرحلة حساسة - مع حلول شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي وعيد الفصح المسيحي (القيامة) في الأسابيع المقبلة - إلا أنه يشير أيضاً إلى أن عمّان تجدد انخراطها في القضايا الفلسطينية - الإسرائيلية. وحريٌ بواشنطن الترحيب بهذا التحوّل والعمل مع المملكة الهاشمية وغيرها من الحلفاء العرب لمنع زعزعة الاستقرار في الضفة الغربية.
مصالح عمّان وشواغلها
الأردن هو البلد العربي الأكثر اهتماماً بحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لأسباب جغرافية (له أطول حدود مع إسرائيل والضفة الغربية) وأسباب ديمغرافية (شريحة كبيرة من مواطنيه من أصل فلسطيني). بالإضافة إلى ذلك، باعتباره صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس - على النحو المعترف به في معاهدة السلام مع إسرائيل لعام 1994 والاتفاقية المنفصلة مع "دولة فلسطين" لعام 2013 - فهو معني مباشرةً بأكثر القضايا حساسيةً وتقلباً في هذا الصراع. وخلال السنوات التي بلغت فيها عملية السلام ذروتها بقيادة الولايات المتحدة، تعززت هذه العوامل بفضل علاقة عمّان الوثيقة مع واشنطن، مما شجع المملكة على لعب دور نشط وبَنّاء في مختلف الجهود الدبلوماسية. وعلى الرغم من دعم الأردن إلى حد كبير للمواقف الفلسطينية، إلا أنه كان على استعداد لممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية عند الحاجة.
أما بالنسبة لعلاقة الأردن الأوسع نطاقاً مع السلطة الفلسطينية، فهي معقدة. فالمملكة تؤيد حل الدولتين وتروّج منذ فترة طويلة للأجندة الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية؛ ولكن في السر، غالباً ما يُعرب المسؤولون الأردنيون عن استيائهم من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. فالكثيرون يعتبرونه محاوراً غير موثوق به، وغالباً ما يكون أقل جدية في تعاملاته، ويرون أنّ فشله المنتظم في وضع استراتيجية دبلوماسية متأنية قد هدَّد أحياناً المصالح الأردنية، وأنه لم يتم بعد تسمية خليفته على الرغم من تقدّمه في السن حيث يبلغ من العمر ستة وثمانين عاماً. ومن الشواغل الأخرى هو التقلب المستمر في الضفة الغربية - نتاج الإجراءات الإسرائيلية وسوء إدارة السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، يتمتع الأردن بنفوذ كبير في رام الله، ويُعزى ذلك إلى أسباب تاريخية ودبلوماسية من جهة، وإلى اعتماد كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية وغيرهم من الفلسطينيين على المملكة لتلبية العديد من الاحتياجات العملية، بما فيها السفر خارج الضفة الغربية من جهة أخرى.
وفي السنوات الأخيرة، مع استلام إدارة ترامب السلطة في الولايات المتحدة، كان الأردن قلقاً من احتمال تخلّي واشنطن عن حل الدولتين - وهو خوف تفاقم بسبب شك المملكة العميق في مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للفلسطينيين، والتزامه باستقرار الأردن، واستعداده لاحترام دور عمّان في القدس. وفي المراحل الأخيرة من فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية، توترت العلاقة السياسية بين البلدين بشدة ولم تنجُ إلا بسبب علاقاتهما العسكرية والأمنية القوية. ونتيجة لذلك، اتخذ الأردن موقفاً دفاعياً بشأن عملية السلام خلال تلك الفترة واقترب من رام الله، وأصبح أقرب حليف عربي لها في معارضة خطة ترامب للسلام.
واقع جديد
بعد رحيل ترامب ونتنياهو، سرعان ما تعافت علاقة الأردن مع واشنطن، وبدأ الفتور في علاقاته مع إسرائيل بالتبدد هو أيضاً. وفي البداية، أثار وصول نفتالي بينيت إلى رئاسة الوزراء في إسرائيل بعض الخوف في عمّان نظراً لرفضه إقامة دولة فلسطينية. غير أن التفاعلات المبكرة معه طمأنت المملكة إلى التزامه بإعادة العلاقات الثنائية بين البلدين وأتاحت إحراز تقدم على عدد من الجبهات العملية، بما فيها اتفاقية لزيادة الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية.
وأدّى هذا الإحساس الجديد بالثقة إلى تمكين الأردن من اتخاذ خطوات أكثر جرأة في عام 2022. ففي 5 كانون الثاني/يناير، على سبيل المثال، اتخذ الديوان الملكي الهاشمي خطوة مهمة رمزياً للإعلان عن لقاء الملك عبد الله مع وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس في عمّان - وهو تحوّل عن الممارسة المعتادة للحكومة الأردنية المتمثلة في الحفاظ على سرية مثل هذه الزيارات. وقد تم الإعلان أيضاً عن الاجتماعات الإسرائيلية اللاحقة في المملكة.
وأصبح الأردن أيضاً أكثر استعداداً للانخراط في الديناميات المحيطة بـ "اتفاقيات إبراهيم"، وهي معاهدات التطبيع العربية - الإسرائيلية التي حصلت على رد فعل فاتر من عمّان عندما تم الكشف عنها في عام 2020. ففي تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وقّعت المملكة الأردنية "إعلان نوايا" مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تقوم بموجبه مزارع الطاقة الشمسية الأردنية الممولة من الإمارات بتصدير الطاقة إلى إسرائيل مقابل إمدادات إسرائيلية من المياه المحلّاة. ومع ذلك، تستمر عمّان في التعامل بحذر مع هذه القضية لأن الاتفاقات لا تزال مصدر جدل وخلاف في الداخل الأردني - وهو ما يفسّر جزئياً غياب المملكة عن القمة العربية الإسرائيلية التي عقدت هذا الأسبوع في سديه بوكير (إسرائيل).
كما أن الجبهة الفلسطينية - الإسرائيلية شهدت تحوّلات طفيفة أيضاً. فخلال فترة ترامب/نتنياهو، لم يكن الأردن مستعداً للانخراط في مبادرات اقتصادية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى تسهيل التراجع عن الأبعاد السياسية الجوهرية للصراع. ولكن منذ ذلك الحين، تم طمأنت عمّان بسبب عودة إدارة بايدن إلى الدعم الأمريكي التقليدي لحل الدولتين، وبالتالي أصبحت أكثر استعداداً للانضمام إلى الولايات المتحدة في تركيزها الحالي على تدابير الاستقرار الملموسة بدلاً من الدبلوماسية الرفيعة المستوى. وعلى الرغم من أن الخطاب الأردني يواصل تسليط الضوء على الحاجة إلى حل الدولتين، إلا أن التصريحات الرسمية تؤكد اليوم بانتظام أهمية معالجة المخاوف الاقتصادية للسلطة الفلسطينية.
وفيما يتخطى إدراك الأردن للتحديات التي ينطوي عليها إحياء عملية السلام المحتضرة، فقد يُعزى هذا التحوّل أيضاً إلى المخاوف العميقة للمملكة بشأن عدم الاستقرار في الضفة الغربية. فالوضع العام هناك مضطرب، سواء كان المرء ينظر إلى الاقتصاد الفلسطيني المتخبط، أو أزمة الشرعية التي تواجه السلطة الفلسطينية، أو العنف الذي يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون، أو تأثيرات سياسات حكومية إسرائيلية معيّنة، أو الجهود المستمرة لحركة «حماس» لارتكاب هجمات إرهابية، أو غيرها. والواقع أن الأوضاع في جبل الهيكل/الحرم الشريف خلال شهر رمضان تستحق اهتماماً خاصاً، لا سيما بالنظر إلى مخاوف الأردن المستمرة بشأن التحديات الإسرائيلية لترتيبات الوضع الراهن هناك. ففي عام 2017، على سبيل المثال، أثارت الإجراءات الإسرائيلية في الموقع المقدس أزمة كادت تقطع العلاقات الثنائية.
وعلى الرغم من أن الملك عبد الله تطرّق إلى موضوع الهدوء الرمضاني أثناء زيارته إلى رام الله هذا الأسبوع، إلا أن هذا الموضوع لم يكن السبب الرئيسي لرحلته. فعادة ما يتم التعامل مع مثل هذه القضايا على المستوى العملياتي، وقد ناقشها المسؤولون الأردنيون بالفعل مع نظرائهم في إسرائيل، والسلطة الفلسطينية، والولايات المتحدة، والحكومات الأخرى ذات الصلة. بالإضافة إلى ذلك، يزور عباس عمّان بشكل متكرر، وبالتالي تتسنى للملك فرص كثيرة لمناقشة أي مخاوف على المستوى السياسي دون الحاجة إلى السفر إلى الضفة الغربية. وبدلاً من ذلك، كانت الزيارة تهدف إلى الإشارة إلى استعداد الأردن لاستئناف دور أكثر نشاطاً في عملية السلام.
التداعيات على السياسة الأمريكية
على واشنطن أن ترحّب بهذا الانخراط الأردني المتجدد، والذي يمكن الاستفادة منه لدعم السياسة الأمريكية الحالية المتمثلة في معالجة التحديات الاقتصادية والأمنية الفورية مع التركيز على حل الدولتين على المدى الطويل. وعلى وجه الخصوص، يمكن أن تكون عمّان قناة فعالة لحث القيادة الفلسطينية على تسهيل التقدم على أرض الواقع، كما كان الحال مع الجهود المبذولة لتهدئة التوترات قبل شهر رمضان. وقد تتمكّن المملكة أيضاً من المساعدة في تخفيف معارضة السلطة الفلسطينية لـ"اتفاقيات إبراهيم". وقد بُذلت بعض الجهود الأولية لهذا الغرض، لكن بإمكان واشنطن أن تشجع الأردن على تكثيفها. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع عمّان بنفوذ كبير لتغيير موقف السلطة الفلسطينية من بعض تحديات الحكم الملحة في الضفة الغربية إذا قررت إدارة بايدن معالجة تلك القضايا.
وعلى الصعيد الإقليمي الأوسع نطاقاً، ينبغي أن يؤدي ارتياح الأردن المتزايد من "اتفاقيات إبراهيم" إلى حث الأطراف على إيجاد نواحٍ إضافية يمكن للمملكة الاستفادة منها، على غرار الصفقة الإماراتية للطاقة الشمسية مقابل المياه. وبوسع الولايات المتحدة أن تعزز الدور الأردني من خلال حث الحكومات العربية الأخرى على دعم جهود عمّان من الناحية الدبلوماسية، وأيضاً عبر تذكيرها باستعداد المملكة الثابت للضغط على السلطة الفلسطينية، الأمر الذي يمكن أن يعفيها من هذه المهمة الحساسة سياسياً.
ويقوم الأردن أساساً بالتنسيق بشكل وثيق مع مصر والإمارات بشأن مثل هذه القضايا. وعلى الرغم من أن علاقاته مع السعودية كانت فاترة لبعض الوقت، إلا أن هناك دلائل على تحسن العلاقات مؤخراً، والتي شملت مكالمة هاتفية أجراها الملك عبد الله في 21 آذار/مارس مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهي الأولى منذ ما يقرب من عام. وقد تفتقر العلاقات الأمريكية - السعودية الحالية إلى الطاقة اللازمة لإحراز أي تقدم على هذا الصعيد في الوقت الحاضر، لكن الدعم السعودي سيكون ضرورياً في النهاية لأي مقاربة إقليمية كاملة لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وعلى المدى القريب، يمكن أن تتوَّج الجهود الحالية باجتماع كبار المسؤولين الأمريكيين والعرب في رام الله - للإظهار للسلطة الفلسطينية أن مخاوفها لم يتم تهميشها وللضغط عليها للانخراط بشكل إيجابي في النهج الحالي الذي تتبعه واشنطن.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن.