- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2847
الاستقرار المحلي في قطر وأزمة الخليج
في أيار/مايو الماضي، قادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حصاراً دبلوماسياً وتجارياً وجوياً غير مسبوق ضد جارتهما قطر. وفي أعقاب ما بدا على أنها علاقات ودية قبل أيام [من فرض الحصار]، كان من المفترض أن تؤدي تلك الإجراءات إلى إثارة صدمة ورعب تفرضان إجراء تغييرات فورية من قبل الدوحة - ظاهرياً رداً على تعليقات الأمير القطري، التي تَبيَّن أنها مزيفة. ومع ذلك، إذا كان مهندسو الحصار في الرياض وأبوظبي والقاهرة والمنامة يأملون في أن تقوم العائلة المالكة القطرية أو القطريون عموماً بالضغط على الحكومة للإذعان، فإن الأحداث حتى الآن أظهرت خلاف ذلك.
فيما يلي لمحة تاريخية موجزة عن التغييرات في قيادات آل ثاني، تساعد في تحديد الخلفية:
· الأربعينيات: حمد بن عبدالله يشغل منصب حاكم قطر الفعلي؛ توفي عام 1948
· 1949: علي شقيق حمد يستلم السلطة من والده، الأمير عبدالله، الذي تنازل عنها
· 1960: أحمد بن علي، نجل علي بن عبدالله، يتولى السلطة
· 1972: خليفة بن حمد آل ثاني يستولي على العرش، بخلعه ابن أخيه أحمد
· 1995: حمد نجل خليفة يستولي على السلطة بينما كان والده في الخارج
· 2013: حمد يتنازل عن العرش لنجله تميم
فتنة بين عائلة آل- ثاني
من الناحية النظرية على الأقل، كانت لدى السعوديين والإماراتيين والبحرينيين، إلى جانب المصريين أسباب تدعو إلى الأمل في أن تؤدي ضغوطهم إلى بروز قيادة أكثر إذعاناً في أوساط آل ثاني. وتشكل عائلة آل ثاني أكبر عائلة ملكية في العالم بالنسبة لعدد سكان البلاد، وقد تميزت فترة ولايتها بالقسوة. وفي الأعوام 1960 و 1972 و1995، وبدرجات متفاوتة، أرغمت النزاعات السياسية داخل العائلة المالكة حصول عمليات انتقال [للسلطة في صفوف] القيادة. ولم يؤدِ بروز ثروة قطر النفطية، التي يرجع تاريخها إلى الخمسينيات، سوى إلى تشديد حدة تلك المناورات. ومن بين عمليات الانتقال الثلاث التي أُشير إليها هنا، بشّر انتقال القيادة إلى الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، عام 1972، درجة معينة من التغيير، حيث أن الأخير قلل اعتماده على عائلة آل ثاني للحصول على الدعم وسعى بنشاط إلى تنويع قاعدة دعمه لتشمل جميع القطريين، مؤسساً بذلك دولة الرفاه المطلية بالذهب التي يعهدها القطريون اليوم.
وقد حصل أحدث انتقال للقيادة في قطر في عام 2013، عندما تخلّى الأمير حمد بن خليفة آل ثاني طوعاً عن السلطة لصالح نجله الذي كان يبلغ من العمر ثلاث وثلاثين عاماً، وهو ولي العهد، تميم بن حمد آل ثاني. وقد أثارت خطوة "الأمير الوالد" حمد الكثير من التكهنات. ويشير البعض إلى أن أسباب صحية لعبت دوراً في قراره، في حين يرى آخرون أن حمد أراد أن يُظهِر بأن التنازل الطوعي في العالم العربي أمراً ممكناً.
وفي غضون ذلك، أكد آخرون أنه تم الضغط على حمد ليتنحى جانباً بعد أن كشفت العديد من التسجيلات المزعومة أنه كان قد ناقش عام 2003 مخططاً ضد ولي العهد السعودي عبدالله مع العقيد الليبي معمر القذافي. إلا أن هذه الحجة غير مقنعة. أولاً، إن التوقيت واستخدام المراجع السعودية وسط مناخ خليجي محموم يضعفان مصداقية هذه الحجة. ثانياً، على الرغم من أن حمد قد يكون قد سئم من التعامل مع سياسات الرياض، إلا أنه أمضى ربع قرن وهو يتمرس على مقاومة الضغط الممارَس من قبل السعودية، والذي شمل العديد من المناوشات الحدودية بين السعودية وقطر في أوائل التسعينات، وشهد على الأقل انقلاباً مضاداً مزعوماً واحداً برعاية السعودية في عام 1996، فضلاً عن قيام الرياض بسحب سفيرها من الدوحة لفترة دامت ثمانية أعوام في العقد الأول من القرن الحالي.
وفي المقابل، إن تنحي حمد يثبت للكثيرين أنه ما زال يدير الدولة من وراء الكواليس. ووفقاً لهذه النظرية المستمرة وإن غير المقنعة، يتشارك حمد السلطة الوهمية بطبيعة الحال مع حمد بن جاسم آل ثاني، وزير الخارجية السابق (1992-2013)، ورئيس الوزراء (2007-2013) الذي يتمتع بثقته. بيد، هناك بعض التطورات التي أدت إلى إثارة هذه الشكوك، مثل ظهور حمد بن جاسم في واشنطن ولندن في الأشهر الأخيرة. وليس هناك شك في أن حمد بن جاسم، يشارك في بعض الاجتماعات. كما ظهر على برنامج "شارلي روز" في الولايات المتحدة في حزبران/يونيو 2017، وتحدث نيابة عن دولته. وينطبق الشيء نفسه على الأمير السابق حمد، الذي يكاد يكون من المؤكد أنه يعمل كأحد المقربين من نجله.
ولكن بالنظر إلى أن الدولة القطرية تواجه حالياً أكبر أزمة في تاريخها، فما الذي يمكن أن نتوقعه؟ إذا كانت الولايات المتحدة تواجه حالة طارئة مماثلة وكان لدى الدبلوماسيين السابقين أصدقاء نافذون تثقفوا على مر عقود من الدبلوماسية، فهم أيضاً قد يُجبرون على الخدمة. وبالنسبة لقطر، وهي بلد يقل عدد سكانه عن مدينة بلانو بولاية تكساس، لا يُعتبر هذا النشاط الدبلوماسي مفاجئاً على الإطلاق. إلا أن المفهوم القائل بأن حمد، أو والدة تميم، الشيخة موزة، ما زالا يخططان بشكل بذئ سياسات قطر، يفتقر لنقص حاد في الأدلة. وإذا أراد الأمير حمد أن يكون مسؤولاً وأن يؤثر على سياسات حكومته، فلم يكن قد تخلى طواعية عن هذه الصلاحيات في ظل عدم وجود ضغط واضح للقيام بذلك.
الشكاوى والمُتَحَدّون
لطالما كانت الشعبية المحلية التي تحظى بها مناورات السياسة الخارجية القطرية غير مؤكدة. وقد بدا القطريون مسرورين، على سبيل المثال، عندما انهمر عليهم المديح عام 2008، بما في ذلك من خلال قرن البوظة المعد من قبل شركة "هاجن داز" لتجسيد "اتفاق الدوحة" كـ "مناسبة خاصة"، على خلفية دور الوساطة الذي لعبته قطر للتوصل إلى حل سلمي للنزاع السياسي اللبناني المرير. وكان هناك أيضاً صدى كبير من دعم الأمير حمد للثوريين في ليبيا في عام 2011، عندما رفرفت الأعلام القطرية حول بنغازي ومدحت الملصقات الأمير [القطري]. وعلى الرغم من هذه الحالات، فإن الأسلوب المستفرد الذي تنتهجه الدوحة في السياسة الخارجية قد أثار النزاع الحالي الذي لم يسبق له مثيل، ولا شك في أن بعض القطريين يتوقون لمرتسمات وطنية أكثر سهولة وأقل إثارة للجدل. بالإضافة إلى ذلك، أصبح العديد من المواطنين منقطعين الآن عن أفراد أسرهم، وعن الشركات والممتلكات في دولة الإمارات والبحرين والسعودية.
ولا يضم مجلس الوزراء حالياً سوى ثلاثة من أفراد الأسرة المالكة - وإن كانت مناصب رئيس الوزراء/ وزير الداخلية، ووزير الخارجية، ووزير التجارة مهمة - مما يشير إلى عدم وجود حاجة ملحة لاسترضاء المنافسين من داخل عائلة آل ثاني. وفي الواقع، فإن مثل هذا التمثيل المنخفض لـ آل ثاني كان أمراً مستحيلاً في الخمسينيات والستينيات، عندما استنهض الكثير من أفراد العائلة للحصول على أدوار [في الدولة]، مما دفع إلى قيام سياسة توزيع وظائف محترمة لإسكات المعارضة داخل العائلة الحاكمة.
وقد طرحت مصادر خارجية بعض الأسماء كمعارضين نظريين للأمير تميم، ولكن هذه التصريحات لا تحمل قيمة كبيرة. ففي 1 حزيران/يونيو 2017، أفادت صحيفة "الحياة" المحترمة نسبياً التي تدعمها السعودية ومقرها في لندن، بأن سعود بن ناصر آل ثاني قد دُعي لزيارة الدوحة للعمل كوسيط لقطر في الأزمة. وكرّرت صحيفة "ذي ناشيونال"، التي تصدر باللغة الإنجليزية ومقرها في أبو ظبي، القصة [نفسها] في 3 حزيران/يونيو، في مقالة خالية من الخطوط العريضة، ورفعت مكانة سعود بن ناصر ووصفته بأنه "أبرز الشخصيات المعارضة في قطر". وفي 3 حزيران/يونيو تراجعت صحيفة "الحياة" عن عدد من النقاط التي ذكرتها في مقالتها الأصلية. وقد وصف عنوان هذه المقالة الثانية، سعود بن ناصر بأنه "رجل غامض"، ولخصت الموضوع بقولها: إنه غير معروف تماماً تقريباً. [ويمكن] الافتراض بأنه سعود بن ناصر بن أحمد آل ثاني، وبالتالي ابن الأمير أحمد بن علي آل ثاني، الذي خُلِع في عام 1972 من قبل خليفة، جد الأمير تميم. وإذا كان إثبات الشخصية هذا صحيحاً، فقد يكون سعود أيضاً شقيق إحدى زوجات أبناء "الأمير الوالد" حمد.
ومع ذلك، لم يتولَ فرع بن علي من العائلة المالكة السلطة لعدة أجيال، مما قلّل من مطالباته بتولي القيادة. وفي حين أن أعضاءه يحملون مظالم من قيام خليفة باغتصاب السلطة من أحمد عام 1972، فإن فرع بن حمد (الذي يضم تميم، وحمد، وخليفة) يرد بأن أفراد بن علي هم في الواقع من قاموا بقلب النظام المعتمد في قطر، نظراً لأن والد الأمير خليفة، حمد، كان الحاكم الفعلي في الأربعينيات. وعلى هذا النحو، ومن الناحية المنطقية، لطالما كان خليفة العاهل المفترض الذي يخلفه. ولم يتم منع عملية انتقال السلطة الطبيعية تلك إلّا بفعل وفاة حمد عندما كان خليفة شاباً، مما مهد الطريق لتولي أميرين من بن علي زمام السلطة بشكل متتالٍ.
وفي نهاية المطاف، وفي ضوء مجموعة من القصص الخيالية الأخرى في الصحافة الإقليمية، تُعتبر التغطية الإعلامية لـ "رموز المعارضة" القطرية مؤشراً على الطبيعة الحزبية المحبطة للتغطية الإعلامية في العالم العربي أكثر منها تعليقاً على السياسة الحاكمة في قطر. وربما يكون الاجتماع الذي عُقد في جدة في 16 آب/أغسطس بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله آل ثاني، نجل الأمير الراحل علي بن عبدالله آل ثاني، أحدث تطور في التناحرات السياسية. وقد رحب المسؤولون القطريون بهذه المبادرة، على ما يبدو، التي تهدف ظاهرياً إلى إعطاء الضوء الأخضر للعبور المباشر للحجاج القطريين إلى السعودية، ولكنهم قالوا إن هذه الخطوة يجب أن تترافق مع رفع كامل للحصار. وفي تقريرها، لم تذكر قناة "الجزيرة" دور الشيخ عبدالله بن علي في التوصل إلى هذه الخطوة.
القطريون يوحدون صفوفهم
بالرغم من حملات الهمس والشكوك الداخلية المختلفة، أتى الرد القطري الساحق على أزمة الخليج الحالية موحداً. فقد انتشرت رسائل الدعم العفوية على وسائل التواصل الاجتماعي بينما زيّن القطريون - والمغتربون - سياراتهم بصورة لتميم من إعداد فنان قطري. ولا توجد أدلة تشير إلى وجود منافس محلي جدي للأمير. وعلى ما يبدو، لا يوجد سكان، بمن فيهم القطريون، يحبذون الخضوع لضغوط خارجية. وسواء وافق القطريون على السياسات الخارجية لبلادهم أم لا، فإنهم يؤيدون على الأرجح الحق السيادي لقيادتهم في تنفيذ سياساتها الخاصة.
ونظراً لعدم تأثر البلاد من صادرات الطاقة، واحتمال توسعها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال، [وامتلاكها] لما يقدر بنحو 350 مليار دولار من صندوق الثروة السيادية، واستضافتها لإحدى أهم القواعد الجوية الأمريكية في العالم على بعد بضعة كيلومترات من قصر الأمير، تبقى الدولة القطرية سليمة من الناحية المالية والدفاعية. وعلى الرغم من أن أسعار الواردات سترتفع على نحو سريع نتيجة الحصار، نظراً لأن الطرق البديلة هي أكثر تكلفة على الأرجح، تقوم الدولة بتغطية تلك التكاليف وغيرها التي تتكبدها الشركات. وعموماً، فباستثناء الاجتماع الذي عُقد في جدة في 16 آب/أغسطس، لا توجد إشارة مباشرة على أن أفراد العائلة المالكة أو أشخاص فرديين أو جماعات يعملون بشكل متضافر ضد القيادة الحالية أو لديهم أسباب تدفعهم للقيام بذلك.
ديفيد ب روبرتس أستاذ مساعد في كلية كينغز لندن ومؤلف الدراسة، "قطر: تأمين الطموحات العالمية لدولة - مدينة".