
- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
ليس هناك وقت أفضل لنزع سلاح "حزب الله"
Also published in "المجلة"

في ظل وصول "حزب الله" وراعيه الإيراني إلى أضعف حالاتهما منذ عقود، أمام بيروت حالياً فرصةً حقيقيةً لاستعادة سيادتها، لكن اللجوء إلى "حوار وطني" عقيم آخر قد يُفوت هذه الفرصة.
في إطار مساعيها لاحتكار الدولة للسلاح، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون الأسبوع الماضي أن بيروت لن تلجأ إلى القوة لنزع سلاح ميليشيا "حزب الله" الشيعية المدعومة من إيران. وبدلاً من ذلك، قال عون إنه سيتم إقناع الحزب بالتخلي عن سلاحه طوعاً، من خلال الحوار والتفاوض. واقترح أيضاً أن يتم لاحقاً دمج قوات الحزب في القوات المسلحة اللبنانية. رغم أن هذه المقاربة تتجنب مواجهة دموية محتملة، إلا أنها لن تحظى بقبول من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد تُقوض في نهاية المطاف ما أحرزه لبنان من تقدم مُشجع على طريق استعادة سيادته.
لا شك أن الرئيس عون في موقف صعب، ففي اتفاق وقف إطلاق النار في كانون الأول/ديسمبر 2024، الذي أنهى الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل، وافقت الحكومة اللبنانية على تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 1701 و1559، اللذين يدعوان إلى نزع سلاح جميع الميليشيات في البلاد. ومن جانبه، وافق "حزب الله" على نقل عتاده العسكري وعناصره إلى المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني، لكنه رفض نزع سلاحه في مناطق أخرى.
ومنذ توقيع وقف إطلاق النار في كانون الأول/ديسمبر، أوفى الجيش اللبناني إلى حد كبير بالتزاماته بمصادرة أسلحة الميليشيا وتفكيك بنية "حزب الله" التحتية على طول الحدود مع إسرائيل. غير أن بيروت، التي تعاني من نقص في عدد القوات وتخشى من إشعال فتيل حرب أهلية طائفية جديدة، أحجمت عن ملاحقة ترسانة الحزب شمال الليطاني. وفي الوقت نفسه، وتماشياً مع شروط الاتفاق، تواصل إسرائيل استهداف أصول الحزب وعناصره في مختلف أنحاء البلاد.
النهج القائم على البديل الافتراضي
سعيًا لتجنب مواجهة تبدو حتمية مع "حزب الله"، لجأ عون إلى الأسلوب اللبناني التقليدي المفضل في التعامل مع الأزمات المعقدة والمحرجة، والمتمثل في "الحوار الوطني". ويدعو عون إلى المشاركة في "حوار ثنائي" مع "حزب الله" للتوصل لاتفاق بشأن نزع سلاحه.
فمنذ عام 2005، انخرط "حزب الله" بشكل دوري مع الحكومة اللبنانية والفصائل السياسية في حوارات تركز على صياغة "استراتيجية دفاعية وطنية."وقد أثبتت هذه المناقشات عدم جدواها، ويرجع ذلك أساساً إلى رفض "حزب الله" المستمر مناقشة مسألة التخلي عن سلاحه، إضافة إلى اعتياده على اغتيال منتقديه اللبنانيين الذين تجرأوا على اقتراح نزع سلاحه. وبناءً على ذلك، وحتى عام 2025، واصلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة قبولها وتكريسها، في بياناتها الوزارية، لحيازة الحزب للسلاح و"المقاومة".
على سبيل المثال، في عام 2010، شارك "حزب الله" في عدة جولات من المحادثات، لكنه أصر على موقفه، ولم تُحرز المفاوضات - كما كان متوقعاً - أيّ تقدم يُذكر. وفي عام 2012، دعا رئيس الجمهورية آنذاك ميشال سليمان إلى وضع سلاح "حزب الله" تحت سلطة الجيش اللبناني، لكن الحزب رفض ذلك سريعاً. وفي عام 2016، أعلن الرئيس ميشال عون دعمه لسلاح "حزب الله" واعتبره "مكملاً" للجيش اللبناني . وبعد سنوات من الجهود العقيمة، انهارت المفاوضات أخيراً في عام 2018، بعدما انتشرت الميليشيا في سوريا للدفاع عن نظام الأسد ضد الثورة الشعبية.
والآن، يقول "حزب الله" إنه مستعد مرة أخرى للمشاركة في الحوار. ووفقاً للنائب في "حزب الله" إيهاب حمادة، فإن هذا الحوار سيتمحور حول وضع "استراتيجية دفاعية" يُفترض أن "تقنع" اللبنانيين بأن الدولة قادرة على حماية البلاد من إسرائيل.
وقد صرح مسؤولو الحزب أنهم قد يوافقون على نزع سلاحهم إذا انسحبت إسرائيل من لبنان - في إشارة إلى خمسة مواقع على قمم التلال ما تزال تحتلها - وإذا علقت استهدافها لـلحزب. لكن هذا الموقف ناقضه الزعيم الحالي للحزب، نعيم قاسم، الذي قال في 19 أبريل/نيسان إنه "لن يُسمح لأحد بنزع سلاح المقاومة". وعلى أي حال، يؤكد هؤلاء المسؤولون أن الحوار لن يُعقد إلا بعد الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في أيار/مايو 2026.
سياسة المماطلة
وعلى غرار الحوارات الوطنية الفاشلة السابقة، يبدو أن "حزب الله" يلجأ مجدداً إلى المحادثات كتكتيك للمماطلة. فالولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب العديد من منتقدي الحزب في لبنان، يدركون أن "حزب الله"، بعد تكبده خسائر كبيرة في الحرب التي خاضها دعماً لـ"حماس"، يسعى إلى كسب الوقت لإعادة تنظيم صفوفه وإعادة بناء قدراته.
من جانبه، يسعى الرئيس عون إلى تجنب مواجهة مباشرة مع "حزب الله"، لكنه يتعرض لضغوط متزايدة، حيث تواصل نائبة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، الضغط على عون والحكومة اللبنانية للإيفاء بالتزاماتهما في إطار اتفاق وقف إطلاق النار. كما كررت أورتاغوس مؤخراً لشبكة LBCI اللبنانية، ان هذا الاتفاق "يشمل نزع سلاح "حزب الله" وجميع الميليشيات".
لقد كانت مبادرة عون للحوار الوطني، واقتراحه التجريبي لدمج مقاتلي "حزب الله" في الجيش اللبناني، محاولةً حسنة النية لدفع الحزب إلى تقديم تنازلات لا يبدو مستعداً لها. لا شك أن دمج الميليشيا في الجيش اللبناني كان يُعدّ الرؤية السياسية غير المعلنة لـ"حزب الله" خلال إدارة كلينتون. ومع ذلك، يُدرك عون جيداً أن هذه المقاربة لن تُقنع واشنطن في عهد ترامب.
وبالفعل، فور طرح الفكرة، أوضح عون أن استيعاب "حزب الله" في الجيش اللبناني لن يكون على غرار هيكلة "قوات الحشد الشعبي" في العراق، داخل الجيش العراقي. فالحشد - وهي قوة ميليشيا أخرى مدعومة من إيران - تعمل بشكل مستقل خارج سيطرة الحكومة العراقية. وصرح عون أنه لن يُسمح لعناصر الحزب بالعمل كوحدة مستقلة كما هو الحال مع الحشد، بل سيتم إدماجهم كأفراد داخل الجيش.
وعلى الرغم من تطمينات عون، فإن هذا النهج - الذي سيسمح بحصول الموالون لـ"حزب الله" على تدريب عسكري ومواصلة حيازة الأسلحة - من غير المرجح أن يسهم في تعزيز هدف نزع السلاح.
مبادرة متوقعة
في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2024 - أي قبل شهرين من وقف إطلاق النار، وثلاثة أشهر قبل انتخاب عون رئيساً - تم التنبؤ بهذه النتيجة في ورقة بحثية نُشرت في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وكتبت في ذلك الوقت: "ولتجنب استفزاز الحزب وإرضاء الغرب في الوقت نفسه، قد يميل بعضهم إلى تعديل القرار ليشمل "دمج" "حزب الله" في الجيش اللبناني، ولكن هذا لن يكون مقبولا.
وبعد مرور سبعة أشهر، لا تزال الفكرة موضع إشكال، إذ إن لبنان قد ألزم نفسه بنزع سلاح جميع الميليشيات، وترسيخ احتكار الدولة وحدها للسلاح. وهذا شرط أساسي إذا كان لبنان يسعى إلى أن يتحول إلى دولة ذات سيادة وناجحة. وقد أصبح ذلك ممكناً للمرة الأولى، بفضل العمليات العسكرية الإسرائيلية في تشرين الأول /أكتوبر، وتشرين الثاني/ نوفمبر2024، التي أضعفت "حزب الله" إلى مستوى غير مسبوق.
علاوة على ذلك، فإن دمج "حزب الله" في الجيش اللبناني من شأنه أن يُبقي على القدرات الكامنة للحزب، مما يُضعف الجيش بدلًا من دعمه. كما أن تأجيل الجهود الرامية إلى نزع سلاح الحزب عبر حوارات لا تنتهي سيمنحه مهلة إضافية للالتفاف على الضغوط المتزايدة.
وفي ظل وصول كل من "حزب الله" ورعاته الإيرانيين إلى أضعف حالاتهما، أمام لبنان فرصة عابرة لاستعادة سيادتها المتآكلة. وستستمر واشنطن في الضغط على بيروت لاغتنام هذه الفرصة، لكن القرار في نهاية المطاف يبقى بيد الرئيس عون والحكومة اللبنانية.
ومما لا شك فيه أن "حزب الله" سيحاول التأجيل والتسويف في مسألة نزع سلاحه، على أمل الحفاظ على قدراته المتبقية. وإذا أصرت الحكومة على موقفها ووسعت نطاق جهودها ضد الحزب، فقد تندلع اشتباكات عنيفة. ومع ذلك، وعلى الرغم من المخاطر، فإن اللحظة الراهنة قد تكون الفرصة الأنسب لنزع سلاح "حزب الله" -سواء بموافقته أو من دونها.
ديفيد شينكر هو زميل أقدم في برنامج الزمالة "توب" في معهد واشنطن ومدير "برنامج « روبين» حول السياسة العربية"، وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع "المجلة".