- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2397
الاتحاد الأوروبي لا زال يعارض «حماس»
في 26 آذار/ مارس، أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي أحدث مراجعاته للقائمة السوداء الخاصة به والمتعلقة بالإرهاب، وهي عبارة عن عملية إلزامية تتم بانتظام لضمان وجود أسباب كافية للاستمرار في فرض حظر على الأفراد والجماعات المدرجين على اللائحة. والملاحظ أن حركة «حماس» بقيت على القائمة السوداء رغم حكم المحكمة العامة في الاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ ديسمبر الذي دعا إلى حذف إسم الحركة من القائمة. واستأنف الاتحاد الأوروبي ذلك الحكم، إلا أن العملية قد تستغرق ما يصل إلى عام ونصف، لذا قرر المجلس في هذه الأثناء إبقاء «حماس» على اللائحة.
من الواضح في هذا الإطار أن الاتحاد الأوروبي أراد أن يبين للعالم أنه يؤيد تسميته للحركة كمنظمة إرهابية. وبعد نشر القرار الذي صدر الأسبوع الماضي في "الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي"، سارعت المتحدثة الرسمية باسم المجلس سوزان كيفر إلى التعليق عبر موقع "تويتر" بالتغريدة التالية: "تبقى «حماس» على اللائحة خلال استئناف المجلس للحكم الذي صدر في كانون الأول/ديسمبر". ومن جانبها، اعتبرت «حماس» أن قرار الاتحاد الأوروبي باستئناف حكم المحكمة العامة "غير أخلاقي".
محكمتين وقرارين
في اليوم نفسه الذي تم فيه إصدار القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي التي خضعت للمراجعة، ألغت محكمة مصرية حكمها الذي صدر في شباط/ فبراير والذي يقضي باعتبار «حماس» منظمة إرهابية. وقد كان القرار مبدئياً، لا يقوم على أي إعادة تقييم للحقائق، فقد قرر المحامي الذي رفع الدعوى الأصلية سحب القضية. إلا أن ذلك لم يمنع المتحدث باسم «حماس» سامي أبو زهري من الترحيب بالقرار معتبراً أنه "خطوة هامة في الاتجاه الصحيح".
لكن بالتأكيد تم الحد سريعاً من أي ترويج إيجابي يتعلق بالوضع المصري من خلال قرار الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة إلى «حماس»، لا تكمن المشكلة في القرار بحد ذاته - لأنه من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى إبقاء الحركة على القائمة السوداء في الوقت الراهن - بل في الطريقة التي وضع فيها القرار القاعدة القانونية والسياسية لاسئناف الاتحاد الاوروبي لحكم المحكمة.
نصر "للسلطات المختصة"
في مقدمة «قرار المجلس 2015/521/CFSP»، المتعلق باعتماد الاتحاد الأوروبي لأحدث قائمة سوداء، وجه المجلس أول انتقاد علني على الاعتراضات الأولية للمحكمة العامة على تصنيف «حماس» جاء فيه: طبيعة الأدلة ضد الحركة و"السلطات المختصة" التي تتخذ القرارات بناءً على هذه الأدلة. وكانت المحكمة قد أكدت في حكمها الصادر في كانون الأول/ ديسمبر أن حركة «حماس» أُدرجت على القائمة بناءً على معلومات من وسائل الإعلام والإنترنت، وتساءلت عما إذا كان المجلس قد قام بعمليات تفتيش كافية لتحديد من وصفهم بأنهم "سلطة مختصة" في إطار «داعش»"الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي (CP) 931"، الذي ينص على السلطة القانونية للتصنيفات الإرهابية.
يُذكر أن تشكيك المحكمة بمعايير "السلطة المختصة" كان غريباً نظراً لأن «الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي (CP) 931» يحدد معاييرها بشكل واضح:
"ينطبق «الموقف المشترك 2001/931/CFSP » على الأشخاص والجماعات والكيانات الضالعة في أعمال إرهابية، عند اتخاذ قرار من السلطة المختصة فيما يتعلق بالشخص أو الجماعة أو الكيان المعني. وقد يتعلق مثل هذا القرار بالحث على إجراء تحقيقات أو استهلال ملاحقة لعمل إرهابي، أو محاولة تنفيذ أو تسهيل مثل هذا العمل بناءً على أدلة أو قرائن جدية وذات مصداقية، أو الإدانة بمثل هذه الأعمال. والسلطة المختصة هي سلطة قضائية أو، في حال عدم تمتع السلطات القضائية باختصاص في مجال، سلطة مختصة موازية".
وخلال اعتماده أحدث قائمة له، استبق المجلس بعض التحديات المتوقعة من خلال الإشارة إلى أن قراره "يحدد نتيجة مراجعته" للأشخاص والمجموعات والكيانات التي يُنظر في إدراجها على القائمة السوداء. وبعبارة أخرى، لم تكن العملية إعادة تصنيف تلقائي، كما يتضح من حقيقة شطب كيانين من اللائحة. وأضاف المجلس أنه بناءً على هذه المراجعة، على «حماس» والكيانات المدرجة الأخرى "أن تبقى خاضعة للتدابير التقييدية المحددة المنصوص عليها في القرار".
بالإضافة إلى ذلك، في رد سريع على جوهر قرار المحكمة المتعلق بحركة «حماس»، صرّح المجلس بأنه "تحقق من أن السلطات المختصة" على النحو المحدد في «الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي (CP) 931» "اتخذت قرارات فيما يتعلق بجميع الأشخاص والجماعات والكيانات الواردة في القائمة باعتبار أنها تورطت في أعمال إرهابية". وبين سطور المفردات القانونية، تؤكد مثل هذه التصريحات على أن قرار إدراج «حماس» على هذه القائمة كان "مبنياً على أدلة أو مؤشرات جدية وذات مصداقية" من وكالات إنفاذ القوانين ومكافحة الإرهاب، والمحاكم، والسلطات المختصة الأخرى، وليس على مجرد مراجعة بسيطة لمصادر من وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت لم يتم التحقق منها.
التداعيات على أرض الواقع
للنزاع القانوني المستمر في الاتحاد الأوروبي تداعيات خطيرة على الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للتعامل مع واقع أن «حماس» لا تزال تسيطر على قطاع غزة. فقد كان لتصنيفات الحركة المتعددة كمنظمة إرهابية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرها تأثير كبير على إضعافها.
فقبل نشوب الصراع مع إسرائيل في الصيف الماضي، كانت «حماس» ضعيفة جداً على الصعيد المالي جرّاء حملة القمع التي قامت بها مصر ضد أنفاق التهريب التي تربط غزة بشبه جزيرة سيناء. وقد سعت الحركة إلى مدّ شريان حيوي من خلال توقيع اتفاقية مصالحة مع منافسيها في حركة «فتح» في نيسان/إبريل 2014. وقد تمحور أحد البنود الرئيسية للاتفاقية حول الموظفين الحكوميين التابعين لـ «حماس» الذين يعملون في غزة والذين يصل عددهم تقريباً إلى 43 ألف موظف، مع الإشارة إلى أن أكثر من ثلثهم هم من الشرطة أو من قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية في حكومة «حماس». وتوقعت الحركة أن تبدأ السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بدفع رواتب هؤلاء الموظفين، إلا أن ذلك لم يتحقق.
وفي إطار مقابلات أُجريت في ذلك الوقت مع مسؤولين ماليين رفيعي المستوى في السلطة الفلسطينية، أقرّ هؤلاء بشكل قاطع بأن مثل هذه المدفوعات لن تكون مرتقبة - ليس لأسباب سياسية، بل نظراً إلى القيود القانونية والمالية. فكونها عضوة في النظام المالي العالمي، لا يمكن للمصارف الفلسطينية تحويل الأموال إلى مجموعة مصنفة كإرهابية من دون أن تخاطر بمواجهة عقوبات. بالإضافة إلى ذلك، أن العديد من الجهات الدولية المانحة للسلطة الفلسطينية تعتبر «حماس» منظمة إرهابية، الأمر الذي يزيد من تعقيد أي عملية مباشرة لدفع الرواتب.
أما اليوم، وبعد مرور عام على اتفاقية المصالحة، لم يتم بعد دفع رواتب ثابتة لموظفي «حماس» في غزة، على عكس موظفي الخدمة المدنية التابعين لحركة «فتح» في القطاع الذين يقارب عددهم 70 ألف شخص والذين واصلوا تلقي رواتبهم من السلطة الفلسطينية، على الرغم من أن معظمهم لا يعملون منذ انقلاب «حماس» في عام 2007. وبشكل واضح، كانت الإعانة المالية الكبيرة الوحيدة التي تلقاها القطاع العام في «حماس» قد جاءت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما تم نقل المبلغ المالي النقدي الذي قدمته قطر بقيمة 30 مليون دولار بالشاحنات من الأردن (عبر إسرائيل) إلى غزة من أجل تسديد مدفوعات جزئية للموظفين غير الأمنيين للحركة. وقد تمت هذه الدفعة لمرة واحدة خارج نطاق النظام المصرفي وفي ظل تسهيل من الأمم المتحدة، التي تتمتع بحصانة سيادية.
وعلى نطاق أوسع، تم إيقاف عملية إعادة الإعمار التي بدأت بعد الحرب بسبب استمرار الانقسامات بين حركتي «فتح» و «حماس». فقد تعهد المانحون الدوليون الذين اجتمعوا في القاهرة في تشرين الأول/أكتوبر بتقديم مبلغ 5.4 مليار دولار من المساعدات للفلسطينيين وأسندوا دعمهم لغزة على إعادة فرض السلطة الفلسطينية سيطرتها على الأراضي. ولا تزال معظم الجهات المانحة تعتبر حركة «حماس» وسيطاً غير شرعي و/أو غير قانوني للمساعدة الدولية، وعلى وجه التحديد بسبب تصنيفها كمنظمة إرهابية. إلى جانب ذلك، شعرت هذه الجهات المانحة بالاستياء بعد اشتباكات «حماس» السابقة مع إسرائيل، عندما حوّلت الحركة أموالاً ومواداً هائلة مخصصة لإعادة الإعمار من المشاريع المدنية، لكي تستخدمها في بناء أكثر من ثلاثين نفقاً من الأنفاق العابرة للحدود والمعدّة للهجمات ضد المجتمعات الإسرائيلية. (للمزيد حول هذه المشاكل، انظر المرصد السياسي 2369، "الجمود بين «فتح» و «حماس» يؤخر إعادة إعمار غزة".)
المحصلة
إن ملحمة القطاع العام في غزة والتي امتدت لفترة طويلة هي الآن في أيدي مسؤولين سويسريين يحاولون التوسط بين «حماس» والسلطة الفلسطينية. فسويسرا والنرويج، بصفتهما دولتين من غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، قادرتان على الحفاظ على علاقة مبدئية مع «حماس»، كما أن السويسريين وضعوا خطة مفصلة لتحديد وفرز موظفي القطاع العام التابعين لـ «حماس» وترشيد البيروقراطية العامة المتضخمة في غزة، التي تشكل مصدر قلق رئيسي للدول المانحة. إلا أنه لم يتم حتى الآن اعتماد هذه الخطة رسمياً، لأن «حماس» والسلطة الفلسطينية تواصلان التفاوض على أصغر النقاط. ومع ذلك، إذا كانت التقارير الإعلامية دقيقة، فإن الخطة تحمل - في طياتها الأولية على الأقل - إمكانية دمج قوات الأمن التابعة لـ «حماس» ضمن بيروقراطية مبسطة خاصة بغزة.
إن هذه الحقيقة، بالإضافة إلى معايير التدقيق الصارمة اللازمة للموظفين التابعين لـ «حماس» بشكل عام، يجب أن تشكل مصدر قلق رئيسي للمجتمع الدولي والجهات الأوروبية المانحة للسلطة الفلسطينية بشكل خاص. ففي النهاية، لا يزال من غير الواضح من الذي سيسدد فاتورة القطاع العام في غزة في حال تطبيق المبادرة السويسرية. يجب على الجهات المانحة الأوروبية التي تعتبر «حماس» كياناً إرهابياً أن تطالب بالشفافية التامة لتضمن عدم استخدام المساعدات المالية التي تقدمها لدعم أغراض المقاتلين. وعلى الرغم من الوضع الإنساني المتدهور في غزة، فإن هذه هي السياسة القانونية الصحيحة والخيار السياسي الصحيح. يجب عدم مكافأة عنف «حماس» المستمر ورفضها، ناهيك عن تشريعهما، لأن ذلك من شأنه فقط أن يديم الحلقة المفرغة للحرب والمعاناة وإعادة الإعمار.
ماثيو ليفيت هو زميل فرومر- ويكسلر ومدير برنامج ستاين للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن. نيري زيلبر هو باحث زائر في المعهد.