- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2389
الأزمات المزدوجة قد تزيد من حدة التوتر بين أوباما ونتنياهو
قوبل الانتصار الانتخابي الذي حققه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بأزمة فورية مع إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وذلك عندما أدت بعض تعليقاته التي كانت تهدف إلى التودد للناخبين اليمينيين في الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية إلى إثارة غضب البيت الأبيض. فقد نظرت الإدارة الأمريكية إلى بيان نتنياهو الذي يقول بأنه لن تقام دولة فلسطينية أثناء فترة رئاسته للحكومة الإسرائيلية باعتباره تنصلاً من التزامه بحل الدولتين. ومباشرة بعد الانتخابات، أصر رئيس الوزراء على أنه لا يزال ملتزماً بحل الدولتين، ولكن الرئيس أوباما اختار الاعتقاد بأن ملاحظاته الانتخابية كانت أكثر واقعية من توضيحه هذا، ويأتي ذلك في إطار شكوكه المعروفة حول دعم نتنياهو لهذا الهدف. وفي حين تعهد بعدم المساس بالتعاون العسكري أو الاستخباراتي الأمريكي الإسرائيلي، صرح الرئيس أوباما لموقع "هافينغتون بوست" يوم الجمعة بأنه سيصدق "كلام" نتنياهو بأنه لن يتم إنشاء دولة فلسطينية في عهده، وأنه يتوجب على واشنطن تقييم كافة الخيارات الأخرى لتجنب الفوضى.
أما خارج إطار هذا التوتر الأخير، فإنه من شبه المؤكد أن تمر العلاقات الثنائية بأكبر موجة من الاضطرابات في الأشهر المقبلة، وذلك حول القضية الفلسطينية وحول المسألة الأكثر إلحاحاً حول ما إذا كانت الولايات المتحدة وشركاؤها في التفاوض سيبرمون صفقة نووية مع إيران. ومن حيث المبدأ، فإن هاتين المسألتين منفصلتان تماماً، ولكنهما تميلان نحو أزمات لن تؤدي سوى إلى تفاقم الفتور بين أوباما ونتنياهو.
الخلافات بشأن ايران
في خطابه أمام الكونغرس في وقت سابق من هذا الشهر، سلط نتنياهو الضوء على خلافات إسرائيل مع البيت الأبيض حول كيفية المضي قدماً فيما يخص إيران، على الرغم من أنه أشار في خطابه ضمنياً، وللمرة الأولى، أنه لم يصر على عدم تخصيب اليورانيوم بشكل قطعي. وقد نبع التوتر المحيط بالخطاب من مجموعة متنوعة من الحوادث - كان آخرها عندما أكد متحدث باسم إدارة أوباما التقارير الإعلامية التي تشير إلى أن واشنطن لم تتبادل المعلومات مع إسرائيل في الآونة الأخيرة نظراً لحساسية المحادثات مع إيران، ولكن المشاكل تعود إلى حين فتحت واشنطن لأول مرة قناة سرية مع طهران من دون إبلاغ إسرائيل.
بغض النظر عن تفاصيل الاتفاق مع إيران، لا بد للولايات المتحدة وإسرائيل من التوصل إلى مجموعة من التفاهمات حول السياق الأوسع لأي صفقة سيتم توقيعها. ويعني ذلك أنه إضافة إلى تحديد أساليب قابلة للقياس الكمي لفرض الامتثال الإيراني للاتفاق وتحديد آليات دقيقة لمعاقبة الانتهاكات المترتبة عن ذلك، ستحتاج واشنطن إلى تقديم ضمانات بأن الاتفاق لا يشكل اختزالاً سياسياً لإحداث تغيير في ميزان القوى الإقليمية لصالح إيران على حساب الدول العربية السنية وإسرائيل. إذا ظهرت طهران بعد المفاوضات وهي تعتقد بأن لديها الحرية المطلقة بالتصرف على الصعيد الإقليمي، ومع الأموال الإضافية التي ستنتج عن تخفيف العقوبات عليها، ستشعر إسرائيل بالقلق حتى ولو لم تكن مهددة بشكل مباشر. ويبقى السؤال حول ما إذا كان سيحق لإيران امتلاك قدرة نووية بالحجم الصناعي بعد انتهاء الاتفاق، بغض النظر عما إذا كان النظام يعمل بطريقة تزعزع الاستقرار أم لا. ونظراً إلى جميع هذه القضايا، ستواجه الولايات المتحدة وإسرائيل صعوبة في معالجة خلافاتهما بشكل مناسب قبل الموعد النهائي المحدد للتوصل إلى اتفاق مع إيران في 1 تموز/ يوليو.
وإن لم يكن هذا الجدول الزمني كافياً لتشكيل حاجز، دخل عاملان آخران هذا المزيج. أولاً، سيكون نتنياهو منشغلاً جداً ببناء ائتلافه من الأحزاب اليمينية الوسطية، والذي كان قد أوضح أنه يريد إكماله في غضون ثلاثة أسابيع. ثانياً، أعلن رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بينر أنه سيزور إسرائيل في نهاية الشهر الحالي، وهي خطوة مرتبطة بإحياء التكهنات حول سعي نتنياهو إلى المزيد من التنسيق معه حول إيران، حيث أن بينر هو الذي كان قد دعاه لإلقاء خطاب أمام الكونغرس.
من المفترض أن يفضل نتنياهو التنسيق أولاً مع الإدارة الأمريكية حول القضايا الرئيسية المتعلقة بإيران، وينبغي عليه أن يُظهر هذا التفضيل بشكل واضح تماماً حتى في خضم التوترات الحالية. ولكن إذا تم رفض ذلك [من قبل الإدارة الأمركية]، من المرجح أن يكثف مشاوراته مع بينر. وعلى الرغم من أن السير في هذا الطريق والتركيز على رقابة الكونغرس على الاتفاق مع إيران من شأنه أن يعرض نتنياهو للاتهامات الأمريكية بالتحيز لصالح حزب معيّن [الجمهوري]، إلا أنه من المرجح أن يدّعي أنه لم يكن أمامه خيار آخر لأن البيت الأبيض قد تجاهله، وحيث أن المخاطر بالنسبة لإسرائيل تتعلق بوجودها. وستكون نتيجة ذلك قيام المزيد من التوتر بين إسرائيل وإدارة أوباما في الأشهر المقبلة، في الوقت الذي من المرجح أن يتصاعد النقاش في الكونغرس حول إيران.
منع وقوع أزمة حول القضية الفلسطينية
في إطار بيانات إعلامية صدرت مؤخراً حول خلفية الموضوع، أشار مسؤولون في إدارة أوباما إلى اعتقادهم الواضح بأن اللجوء إلى مجلس الأمن هو الأمل الوحيد لتسوية القضايا التي حالت دون إحراز تقدم في عملية السلام. أما السؤال الذي يطرح نفسه فهو ما إذا كان سيُطلب من مجلس الأمن إصدار قرار يحدد حلاً جوهرياً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإن تم ذلك، فهل ستستخدم الولايات المتحدة حق النقض لإسقاطه أم لا. وسيشكل الموضوع خروجاً عن الفرضية القائمة منذ عام 1967 والتي تقتضي بأن الأمر متروك للطرفين للتفاوض على ملامح أي حل.
سيعتبر نتنياهو أي قرار مماثل على أنه يتخطى الخطوط الحمراء التي وضعت في الماضي، ومن جانبه فإن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد يشعر بالمثل وفقاً لشروط القرار. وبناءً على تقارير وسائل الإعلام المحيطة بالمبادرات الأوروبية والأردنية في مجلس الأمن في كانون الأول/ ديسمبر، من المرجح أن يدعو القرار إلى إقامة عاصمتين في القدس وإلى إيجاد حل إقليمي يقوم على حدود عام 1967 وعلى تبادل الأراضي وإلى استخدام لغة تعرّف إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. وأياً كان الأمر، من المرجح أن يعلن نتنياهو معارضته لأي حل مفروض، لا سيما في ما يخص القضايا التي تثير العواطف مثل موضوع القدس. فبرأيه، من شأن اتخاذ قرار مماثل أن يفتح الباب أمام عقوبات مستقبلية ضد إسرائيل في حال عدم التزامها به.
إلى جانب ذلك، قد تنشأ قضايا أخرى خارج إطار الحديث عن قرار الأمم المتحدة. على سبيل المثال، هل ستستأنف الحكومة الإسرائيلية المقبلة تسليم مبلغ 127 مليون دولار شهرياً من عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية؟ فحالياً، لا تدفع السلطة الفلسطينية الرواتب كاملة للموظفين الحكوميين، وذلك بعد أن علقت إسرائيل المدفوعات بعد وقت قصير من إقدام الفلسطينيين على اتخاذ خطوات نحو الانضمام إلى "المحكمة الجنائية الدولية"، مع الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية ستصبح كاملة العضوية في "المحكمة الجنائية الدولية" في 1 نيسان/إبريل.
بالإضافة إلى ذلك، كيف ستكون سياسة الاستيطان التي ستعتمدها الحكومة المقبلة؟ يقضي أحد الاحتمالات بأن تجعل إسرائيل سياستها قريبة صراحة من حل الدولتين، كما تبيَّن من التوضيح الذي أدلى به نتنياهو بعد الانتخابات - وهذا يعني الامتناع عن التوسع الاستيطاني في مناطق الضفة الغربية التي لن تكون جزءاً من إسرائيل في أي اتفاق تفاوضي يتم التفكير به حالياً. وعلى صعيد متصل، هل سيحاول الائتلاف الحاكم المقبل جذب فصائل اليهود المتدينين المتشددين أو "حزب البيت اليهودي" اليميني المتطرف من خلال إحياء المطالبة بـ"قانون الجنسية" - وهو مشروع قانون فسره الخبراء الإسرائيليون بأنه يعطي الأولوية للطابع اليهودي لإسرائيل على حساب ديمقراطيتها القوية بشكل متساوٍ؟ ففي حكومة نتنياهو السابقة، جرت إعاقة مثل هذه الخطوات المعادية للديمقراطية من قبل بعض حلفاء ائتلافه، ولكن هؤلاء الحلفاء لن يكونوا في الائتلاف الجديد.
إذا كان نتنياهو يريد تجنب المزيد من الأزمات، يجب أن يتمتع بما يكفي من النفوذ السياسي للقيام بذلك. وتكمن أفضل فرصة له لتجنب التصادم مع واشنطن بشأن قرار يتخذه مجلس الأمن في الإعلان عن سياسة جديدة بشأن المستوطنات، تقوم على عزوف إسرائيل عن بناء المزيد من المستوطنات على الجانب الفلسطيني من الجدار الأمني الفاصل في الضفة الغربية، حيث تقع 92 في المائة من الأراضي تقريباً. لا بد من الإشارة إلى أن ثلث أصوات "حزب الليكود" في الانتخابات التي جرت الأسبوع الماضي جاءت نتيجة الفورة الأخيرة في حملته الانتخابية، لذا فإن العديد من أعضاء الحزب يدينون بمقاعدهم له شخصياً. وقد ساهمت هذه الفورة أيضاً في انخفاض أصوات "حزب البيت اليهودي" المؤيد للمستوطنين، والذي تراجع عدد مقاعده من 12 إلى 8 مقاعد. أضف إلى ذلك أن الأحزاب الأرثودكسية المتدينة لا تزال غاضبة من جماعات المستوطنين لاستبعادها من الحكومة السابقة. وباختصار، عندما يتعلق الأمر بالمستوطنات، فإن نتنياهو سيمتلك مساحة سياسية كافية ليظهر للبيت الأبيض أنه جاد بشأن التوضيح الذي أدلى به بعد الانتخابات.
المحصلة
إذا لا يبرهن الرئيس أوباما عن استعداده لمعالجة المخاوف بشأن الاتفاق النووي الإيراني بشكل عاجل، وإذا لا يعلن رئيس الوزراء نتنياهو على الملأ عن سياسة استيطان تدعم التزامه بحل الدولتين، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى اصطدام دبلوماسي تام. ويبقى السؤال المطروح ما إذا كانت الإرادة السياسية المطلوبة قائمة لمنع حدوث مثل هذه النتيجة.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.