- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2508
الأزمة الفلسطينية-الإسرائيلية: القيادة والدبلوماسية واحتمالات تجدد العنف
"في 15 تشرين الأول/أكتوبر، خاطب آفي يسّاخاروف، غيث العمري، وديفيد ماكوفسكي منتدى سياسي في معهد واشنطن. ويسّاخاروف هو مراسل لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" والبوابة الإلكترونية "والّا". العمري هو زميل أقدم في المعهد ومستشار سابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما. وسيتم نشر ملاحظات ماكوفسكي في مرصد سياسي منفصل".
آفي يسّاخاروف
على مدى أكثر من عام، حذرت أجهزة الأمن الإسرائيلية القيادة السياسية حول ضرورة إحراز تقدم دبلوماسي مع الفلسطينيين، للحؤول دون حدوث انفجار محتم من النوع الذي نشهده اليوم. فمنذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، ضربت موجة من الهجمات الإرهابية الإسرائيليين، وغالباً من خلال وقوع حوادث متعددة بشكل يومي. ولم يسجَل حتى في أسوأ أيام الانتفاضة الثانية، في آذار/مارس ونيسان/إبريل 2002، سوى هجوم واحد أو هجومين أسبوعياً.
إلا أن الجولة الحالية من العنف تختلف بشكل ملحوظ عن الانتفاضتين الأولى والثانية. فليس هناك عشرات آلاف المتظاهرين في الشوارع. وحتى في 13 تشرين الأول/أكتوبر، وهو "يوم الغضب" الذي أُعلن عنه، لم يتعدَّ عدد المتظاهرين الذين احتشدوا في الضفة الغربية عن حوالي 2000 شخص. كما أن الظاهرة الناشئة التي يبدو من خلالها المهاجمون الفلسطينيون مستعدين للموت حتى لمجرد قتل إسرائيلي واحد تتعارض مع استهداف أعداد كبيرة من الضحايا خلال الانتفاضة الثانية. وتشبه الجولة الحالية "انتفاضة القدس"، إذ أن 80 في المائة من المهاجمين يأتون من القدس الشرقية، ويعني ذلك أنهم يحملون بطاقات هوية إسرائيلية، الأمر الذي يسمح لهم قدراً أكبر من حرية التنقل. والجدير بالذكر أن المهاجمين هم عادة من الشباب، رجالاً ونساءً، غير مرتبطين بأي شبكة، مما يجعل الوقاية من الهجمات صعبة على نحو متزايد.
وحتى الآن، امتنعت الضفة الغربية إلى حد كبير عن الانضمام إلى الانتفاضة، ويبدو أن الجزء الأكبر من الجمهور الفلسطيني غير مهتم بتصعيد تام للهجمات ضد إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تتصف الانتفاضة الحالية بتواصل العنف، مع استمرار الهجمات بشكل يومي على مدى الأسبوعين الماضيين. وتولّد الانتفاضة شعوراً بالذعر داخل إسرائيل، إذ أن الكثير من السكان يخشون مغادرة منازلهم. وحتى إذا هدأ العنف عما قريب، ستظل الأسباب الكامنة وراء اندلاعه قائمة.
وعلى الرغم من لهجة الخطاب الحادة، ومن بينها الخطاب التلفزيوني المحتدم الذي أُلقاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في 14 تشرين الأول/أكتوبر، اتخذ أبو مازن خطوات للحد من التوتر. فقد حرص على أن تعمل قوى الأمن مع نظيراتها الإسرائيلية وأصدر توجيهات لوسائل الإعلام من أجل خفض وتيرة التحريض. بالإضافة إلى ذلك، قام بتحويل الأموال إلى الجامعات الفلسطينية لمنع مواجهة إضراب مرتقب كان سيُبقي الطلاب خارج الفصول الدراسية وفي الشوارع. فمن ناحية، يتفهم الرئيس الفلسطيني ضرورة تجنب التصعيد، ولكن من ناحية أخرى، يدرك بأنه لا يمكنه السماح للجمهور الفلسطيني بأن يعتبره متعاوناً مع إسرائيل. وعلى الأرجح، إن السماح لميليشيا "التنظيم" التابعة لحركة «فتح» بأن تلعب دوراً أكثر نشاطاً سيفاقم خطورة الأزمة، ولكن رئيس السلطة الفلسطينية قد يكون مستعداً للمخاطرة على أمل حشد الدعم الشعبي.
إن الواقع المرير هو أنه حتى التحريض الذي يقوم به عباس وادعاءاته الكاذبة، مثل الادعاء بأن إسرائيل قد أعدمت فتًى يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً على خلفية طعنه شخصين، لا تترك أثراً ملحوظاً على الأرض. ويعود ذلك لأن الجمهور الفلسطيني ينظر إليه إلى حد كبير بأنه غير مناسب للقيادة. وأولئك الذين يدعمون العنف أو يرتكبونه لا يحركهم خطاب عباس، بل التحريض الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك" و"إينستاجرام". لقد فقد الفلسطينيون ثقتهم بعباس ويطالب معظمهم باستقالته، حيث يعتبرونه امتداداً للاحتلال الإسرائيلي.
وباختصار، تُظهر أحداث العنف الأخيرة أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، إذ لا يمكن فقط إدارة النزاع. ولكن حله قد يكون مستحيلاً أيضاً، ولهذا السبب أن الواقع الحالي بالغ التعقيد.
غيث العمري
هناك عدة عومل أدت إلى الوصول إلى هذه اللحظة القابلة للاشتعال، وقد ساهم كل من الإسرائيليين والفلسطينيين بزيادة حدة التوتر. وقد لعبت إسرائيل دوراً في اندلاع الأزمة الراهنة نظراً لنسبة الضحايا المرتفعة في صفوف الفلسطينيين، بالإضافة إلى تصريحات الحكومة الإسرائيلية وسياساتها الأخيرة. وبالتالي، ينبغي على إسرائيل في النهاية أن تلعب دوراً هاماً في إنهاء العنف.
على الرغم من كثرة النقاشات حول الأسباب المباشرة للوضع الراهن، قد يكون من الحكمة التركيز على طبيعة العنف، لأنه من غير المرجح أن يتلاشى تلقائياً. فعندما تسود حالة من الركود وتنعدم الآمال في إنهاء النزاع، تتأزم الأمور بطبيعة الحال. وتُظهر الاستطلاعات الأخيرة أن 80 في المائة من الفلسطينيين لا يؤمنون بإمكانية التوصل إلى حل الدولتين في السنوات الخمس المقبلة، ويعتبر 70 في المائة منهم أن حل الدولتين لم يعد قط خياراً قابلاً للتطبيق.
وعلاوةً على ذلك، يواجه الجانب الفلسطيني فراغاً في القيادة، على المستوى السياسي وعلى الأرض. فعباس يفتقر للمصداقية بنظر شعبه ولا يملك سوى القليل ليقدمه له. وكما يُظهر خطاب عباس في 14 تشرين الأول/أكتوبر في رام الله وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30 أيلول/سبتمبر، فإنه لا يملك خطة أو رؤية تحظى بدعم الشعب، وما زالت السلطة الفلسطينية تعاني من الفساد المستشري ونقص الشفافية. وتواجه «فتح» أيضاً أزمة من ناحية الشرعية، مع انقطاع التواصل بين قيادتها والناشطين على الأرض. وحاول عباس معالجة هذه المشكلة من خلال إلقائه خطاباً علنياً قوي اللهجة، إلا أن هذه المقاربة قد أدت إلى نتائج عكسية فقط، فأججت بذلك تركيبة قابلة للاشتعال بالفعل. وكما في أواخر الثلاثينات، تتفكك الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم في الوقت الذي تنشغل فيه القوى الإقليمية في أماكن أخرى.
كما أن أعمال العنف تولد أيضاً تداعيات أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط. فالوضع يؤثر على الاستقرار الداخلي في الأردن، الذي يعتبر هشاً بالفعل نظراً لأزمة اللاجئين السوريين. وتساهم قطر وتركيا في إذكاء نيران التحريض تحقيقاً لمصالحهما السياسية الخاصة.
ورغم كل ذلك، ما زال من السابق لأوانه تسمية الجولة الحالية "انتفاضة". فهي ما زالت تظاهرة صغيرة النطاق تفتقر للقيادة على المستويات السياسية. فحركة «فتح» كانت أكثر تماسكاً وحيوية كتنظيم خلال الانتفاضة الثانية، ولم تلتئم جراحها بعد. ويتذكر الفلسطينيون الثمن الذي دفعوه مقابل إحراز تقدم بسيط على الأرض. وفي الوقت الحاضر، تبرز إشارات حول إمكانية استتباب الوضع [الأمني] ولكن احتمال وقوع حادث كبير (على سبيل المثال، القيام بهجوم إرهابي واسع النطاق أو موجة من الهجمات من قبل جماعة "بطاقة الثمن") ما زال وارداً.
وبالتالي، فإن الوقت ليس مناسباً حالياً للإنخراط في مغامرات دبلوماسية كبرى بل لاتخاذ خطوات صغيرة وحذرة، من أجل الحد من التوتر وتحقيق واقع أكثر إيجابية على الأرض. ولا بد للفلسطينيين أن يعالجوا خطاباتهم/تحريضاتهم العلنية ويركزوا على إعادة إطلاق مشروع الإصلاح، الذي توقف منذ سنتين أو ثلاث. ومن جهتها، على إسرائيل أن تطمئن السلطة الفلسطينية بأنه سيتم الإبقاء على الوضع الراهن في الحرم الشريف وعليها أن تتخذ إجراءات إضافية على الأرض لتحسين نوعية حياة الفلسطينيين.
يتعيّن على الطرفين أن يعملا كذلك مع الولايات المتحدة لزيادة الاستثمار في مجال التعاون الأمني. فمثل هذا التعاون يشكل بصيص أمل في ظل التوترات الحالية ويساعد على التخفيف من حدة العنف. وعلى نطاق أوسع، أوجد هذا التعاون مجموعة داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تدرك فعالية الشراكة مع السلطة الفلسطينية وتعمل على خفض حدة التوتر.
أعد هذا المخلص غابرييل خيفيتس.