"البرج الكهربائي": إعادة نشر معلومات مضللة روّجتها "المقاومة"
لماذا استحضرت قنوات الميليشيات التابعة لـ "المقاومة" في العراق صوراً قديمة "كدليل" على شن غارة جوية أمريكية، ثم حاول مروّجو دعاية «كتائب حزب الله» طمس الأدلة التي تثبت ضلوعهم في الترويج للرواية بعدما اتضح أنه تمّ تفجير برج كهربائي في عمل قتالي بسيط؟
في الساعات الأولى من يوم 19 كانون الثاني/يناير (بتوقيت العراق)، تناقلت قنوات الدعاية الإعلامية التابعة "للمقاومة" في العراق خبر ضربات جوية تسببت بانفجار ضخم في قاعدة "جرف الصخر" التابعة لـ "كتائب حزب الله"، وأفادت عن احتمال وقوع عدد من القتلى والجرحى. وكانت التوترات عالية مع اقتراب موعد انتهاء ولاية إدارة ترامب ودخول الميليشيات في حالة تأهب قصوى وسط ترقّب ضربة أمريكية في اللحظة الأخيرة يأمر بها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته.
لكن في الواقع لم تحصل هذه الضربة قط. غير أن قنوات الميليشيات استحضرت صوراً قديمة "كدليل" على الهجوم، فضلاً عن بيانات قديمة لرجال دين استخدمتها لإدانة الضربة. ثم بعد يوم من إثارة الشائعات، حاول مروّجو دعاية «كتائب حزب الله» طمس الأدلة التي تثبت ضلوعهم في الترويج للرواية بعدما اتضح أنه تمّ تفجير برج كهربائي في عمل قتالي بسيط.
كيف تستغل «كتائب حزب الله» المعلومات المضللة
طوال يوم 19 كانون الثاني/يناير، تحكمت قناة "الوحدة 10000" التابعة لـ «كتائب حزب الله» على منصة "تلغرام"، بمسار تدفق جميع المعلومات تقريباً. ثم قامت شبكة "المقاومة" الأوسع نطاقاً المؤلفة من حسابات تلغرام كبيرة وصغيرة إلى تضخيم الرسالة وأضافت "عناصر" جديدة إلى الرواية، مثل الشائعات عن أعداد الضحايا. ولكن عند النظر إلى الحالة بعين الخبرة المكتسبة، يبدو أن إثارة "الوحدة 10000" للمشاكل في البداية كانت خطة مدروسة ومقررة. وفي حين عملت قنوات أخرى بشكل تفاعلي ونشرت رسائل بنبرة مضطربة، حافظت "الوحدة 10000" على هدوئها، وضخّت معلومات خاطئة في المنظومة الإعلامية على نحو مجزأ طوال الليل.
وفي وقت متأخر من عصر يوم 19 كانون الثاني/يناير، حذفت "الوحدة 10000" بهدوء بعض بياناتها الأولية. ومع ذلك، استمرت "صابرين نيوز" في تطوير الرواية - بعد فترة طويلة من نفي التقارير الأكثر تداولاً لخبر الضربة الجوية باعتباره زائفاً. وتتمتع "صابرين نيوز" بنفوذ استثنائي في أوساط الميليشيات، ولذلك فمن خلال مواصلة نشر أخبار تتعلق بهذه الرواية، ساهمت القناة في تداول السردية لفترة أطول في أوساط "المقاومة". وفي غضون ذلك، سرعان ما تناقلت المعلومات التي نشرتها "الوحدة 10000" (ولكن تم إزالتها لاحقاً) وسائل إعلامية بارزة في الشرق الأوسط وتم الإبلاغ عنها على أنها صادرة عن مصادر أمنية - مما يؤكد أن الأكاذيب التي كشفتها الجماعة انتشرت في وسائل الإعلام الرئيسية.
ودحضت "الوحدة 10000" أي سرديات مضادة في وقت مبكر، حيث ذكرت (في رسالة تم حذفها لاحقاً)، بأنه "وفقاً لتجربتنا مع خلية [وسائل الإعلام الحكومية]، سيتمّ نفي الضربة، أو سيتمّ تداول رواية مفادها أن الضربة نفذها مجرمو «داعش» أو أنها كانت نوعاً من الخطأ".
البرج الكهربائي
في وقت لاحق، تمّ الكشف عن تدمير برج كهربائي ضخم غربي "جرف الصخر" في 18 كانون الثاني/يناير بواسطة نوع من الانفجار. وسرعان ما ألقت قنوات "تلغرام" التابعة لـ"صابرين نيوز" باللوم على تنظيم «الدولة الإسلامية» ونشرت صوراً للأضرار. ونص إحدى البيانات المشتركة:
"داعش فجرت الساعة 4 فجراً عدد من أبراج الكهرباء بالمنطقة الرابطة بين عامرية الفلوجة وصحراء الجرف، فيما أشار مراقبون إلى أن الفراغ الأمني الذي أعقب القصف الجوي الذي أصاب المنطقة الساعة الواحدة ليلاً وإخلاء بعض المواقع الأمنية سبب ثغرة استغلتها عصابات داعش الإرهابية".
أما القنوات المعروفة التابعة لـ "صابرين نيوز" فقد أعادت نشر رسائل مماثلة. ويبدو أن الشبكة تدرك أن صورة الضربات الأمريكية على "جرف الصخر" كانت بحاجة إلى التحول إلى ضربة أمريكية (غير معقولة إلى حد ما) على برج في مكان مجهول تماماً. ومع ذلك، لم تكن الرسائل موحدة تماماً.
وعلى وجه الخصوص، نشرت الجماعات التابعة لـ «كتائب حزب الله» رسالة مختلفة قليلاً. فقد نشرت قناة "كاف" (أكثر قناة رسمية لـ «كتائب حزب الله»):
"وفقاً للمتحدث العسكري لـ «كتائب حزب الله» جعفر الحسيني: عمليات التخريب الإجرامي التي طالت أبراجاً ناقلة للكهرباء شمال بابل، تحمل بصمات عصابات إجرامية لها دوافع خبيثة، لا تختلف عن داعش كثيراً. العملية الإجرامية وقعت ضمن قاطع عمليات إخوتنا في الجيش العراقي. لقد تزامن مع تفجير الأبراج طيران مكثف لطائرات العدو المسيرة".
عِبَرْ مستخلصة من عملية نشر معلومات مضللة
سواء كانت الرواية المزيفة في 19 كانون الثاني/يناير قد بدأت بسبب توتر شديد أو عن عمد، فإن "الوحدة 10000" التابعة لـ «كتائب حزب الله» استمرت في تأجيج هذه السردية حتى بعد أن أدركت «كتائب حزب الله» على ما يبدو أنها لم تتعرض لهجوم. واعتاد الصحفيون في الشرق الأوسط بشكل متزايد على الاقتباس عن وسائل إعلام تابعة لـ "المقاومة" على غرار "الوحدة 10000" باعتبارها مصادر أمنية موثوقة، مما يساهم في تناقل الرواية عبر وسائل إعلام عربية رئيسية، مع ردود فعل محتملة في وسائل الإعلام العالمية. وبعد ذلك، قامت "الوحدة 10000" بإزالة الأدلة بهدوء والتي تشير إلى تسريبها للمعلومات المضللة في المقام الأول.
غير أن "الأضواء الكاشفة للميليشيات" ("Militia Spotlight") كانت تراقب الأحداث وتقوم بأرشفتها في وقتها الفعلي، مما سمح للباحثين في "الأضواء" بتعقب وتوثيق مصدر المعلومات المضللة والجماعات التي ضخمتها، حتى بعد أن علمت على الأرجح أنها كانت خاطئة. قد يكون ذلك ارتجالاً "سريعاً" - استند إلى رد فعل مضخم محرج محتمل وتحويله إلى عملية إعلامية لتحريك قاعدة دعم "المقاومة" - أو قد يكون متعمداً.
وبغض النظر عن ذلك، تُظهر "رواية البرج الكهربائي" شبكة إعلامية ناشطة، قادرة على نشر أخبار حقيقية تارةً ومعلومات مضللة أو كاذبة أو مسيئة طوراً. وغزت وسائط "المقاومة"، بقيادة "الوحدة 10000"، المشهد الإعلامي وتحكمت بالمعلومات المتداولة منذ البداية، مما يعني أن أي معلومة تتعلق بأحداث 18-19 كانون الثاني/يناير كانت بتأثير من خط "المقاومة".