- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2544
البرلمان المصري الجديد ينعقد للمرة الأولى: أهمية النواب السلفيين المنتخبين
في 10 كانون الثاني/يناير، اجتمع مجلس النواب المصري للمرة الأولى منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي في تموز/يوليو 2013. ومن المكونات الجديرة بالاهتمام في المجلس الجديد النواب المنتمون إلى "حزب النور" السلفي، فعلى الرغم من أن الحزب فاز بـ 12 مقعداً فقط من أصل 596، إلا أنه يمثل الصوت الإسلامي الوحيد في المجلس مما يعطي لكتلته أهمية رمزية كبرى. فمن جهة، ورث هؤلاء الساحة السياسية الرسمية التي كانت تحتلها جماعة «الإخوان المسلمين» التي تعد الجماعة الإسلامية الأقدم في المنطقة. فبعد عزل مرسي، تم حظر «الإخوان المسلمين» وسجن العديد من أعضاء «الجماعة». ومن جهة أخرى، فإن "حزب النور" يتمسك بالفكر السلفي، ولذلك أهميته ليس لأن الفكر يمنع قطعاً المشاركة في المؤسسات الحديثة (ومنها البرلمان) فحسب، بل أيضاً لأنه الفكر ذاته الذي يحمله تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» والجماعات التابعة له.
ونظراً إلى أن البرلمان لن يجري على الأرجح أي تغييرات كبرى على جدول أعمال الأمور الخارجية أو المحلية في مصر، فإن النتيجة الأبرز لوجود الحزب في المجلس هي أنه يؤدي إلى استقطاب التكتل السلفي المحافظ. لقد برزت بالفعل بعض الإشارات عن مشاكل في هذا المجال حيث تعرض مرشحان من "حزب النور" مؤخراً لاعتداءات. وبالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تقع انقسامات أعمق ضمن المجتمعات السلفية في البلاد مع تصاعد تهديد «الدولة الإسلامية» وفرض الحكومة قيوداً أكثر صرامة لضبط الاضطراب السياسي لا سيما الصادر عن الجماعات الإسلامية.
انقسامات داخلية
لقد شكل عزل مرسي ومنع «الإخوان المسلمين» مفترق طرق وجودي التأثير على الفصائل الإسلامية التي انقسمت بعدها وفقاً للولاءات السياسية بدلاً من الاتجاهات الفكرية. وما زالت الفصائل التي كانت قد نددت بالدخول في السياسة على أسس فكرية متمسكة بموقفها، حتى إنها استغلت الفرصة للدلالة على العواقب الوخيمة من الانخراط في السياسة.
مع ذلك، عارضت فصائل أخرى انتخابات العام الماضي بشكل حثيث، وبذلك كشفت عن تصدعات ضمن الحركة السلفية. وقد برز "حزب النور" في أوائل عام 2015 كونه الحزب السلفي الوحيد الذي أعلن وبشكل متكرر عن دعمه للرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو تكتيك يصب في خانة الانحناء في وجه القمع الذي تمارسه الحكومة ضد المعارضة السياسية ليضمن بقاءه. أما "حزب الوطن" و"حزب الأصالة"، وهما حزبان سلفيان أصغر حجماً من "حزب النور"، فقد شاركا في البدء في الانتخابات البرلمانية، ويواصلان معارضتهما للسيسي، كما فعلت الجبهة السلفية. وفي السنوات السابقة، كانت هذه الأحزاب قد نظمت عدداً من المظاهرات الداعية إلى عزل السيسي كان آخرها في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وجذبت إقبالاً منخفضاً.
وفي ربيع العام المنصرم، ومع تحول الجماعات التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا وشبه جزيرة سيناء إلى مصدر تهديد أكبر، بدأ السيسي بالتركيز على قمع الفكر السلفي الذي ألهم تلك الجماعات العنيفة. وعلى الرغم من أن بروز «الدولة الإسلامية» قد غطى بالتأكيد على تلك الجهود، إلا أن ثمة من يرى أن اندفاع السيسي أتى من اشتباهه باحتمال ظهور «الإخوان» مجدداً، والذي اعتبره تهديداً سياسياً أكبر. وقد عزز الاضطراب المتنامي على الساحتين الاقليمية والمحلية مناخاً شعبياً وسياسياً معادياً لأي اتجاه إسلامي في السياسة، وهو شعور انعكس في سياسات الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي شملت إغلاق آلاف المساجد في آذار/مارس وحظر خطباء المساجد من شن حملات أو إصدار بيانات سياسية.
وقد أسفرت سلسلة من الهجمات في مصر خلال الصيف الماضي إلى زيادة استقطاب المجتمع وأدت إلى بروز حراك شعبي جديد لحل الأحزاب السياسية واعتماد إجراءات حكومية أكثر صرامة للحد من النفوذ السياسي للسلفيين (على سبيل المثال، حظر المنشورات السلفية في المساجد في تموز/يوليو، وقانون مكافحة الإرهاب الذي أعطى صلاحيات واسعة للشرطة والقضاء ونص على تسريع محاكمة المتهمين بجرائم إرهابية في آب/أغسطس). بالإضافة إلى ذلك، فإن القوانين الجديدة للانتخابات التي طال انتظارها منعت طرح أي مواضيع دينية في الحملات الانتخابية السياسية.
وفي ظل هذه الظروف، اختار "حزب النور" الامتثال في النهاية للقانون الجديد وامتنع عن استخدام الشعارات الدينية حيث واجه ضغوطاً لكسب دعم الرأي العام وأصوات الناخبين. ومع اقتراب موعد الانتخابات وخروج أحزاب سلفية من السباق، أبقي على مرشحي "حزب النور" كبادرة رمزية من حكومة السيسي رداً على الدعم الذي حازه من الحزب على سياساته.
وضع مرشحي "حزب النور" والضغوط التي يواجهونها
في حين أنه من السابق لأوانه إجراء أي تقييم لمدى أداء مرشحي "حزب النور" في البرلمان، يجدر ذكر عدد من الملاحظات التي تؤخذ على أشرطة فيديو إعلامية أجراها هؤلاء المرشحين خلال حملاتهم الانتخابية. فقد امتنع المرشحون من الإعلان عن أي رغبة في تطبيق الشريعة الإسلامية امتناعاً كاملاً (باستثناء مرشح واحد هو أحمد العرجاوي) وذلك تماشياً مع منع المواضيع الدينية في الحملات الإنتخابية. وفي المقابل، قام المرشحون وبينهم أطباء ومحامون ورجال أعمال، والذين درس حوالي 25 بالمائة منهم في "الأزهر"، بالتركيز على تحسين الخدمات العامة مثل شبكات مياه الشرب والرعاية الصحية والتعليم وارسال الهاتف الخلوي وشبكات الصرف الصحي. سعى المرشحون من خلال هذه المقاربة إلى تحقيق هدفين؛ الأول يكمن بجذب شريحة أوسع من الناخبين والثاني بالامتثال لقانون الانتخاب وتفادي أي قمع أو رد فعل سلبي من الحكومة. وأكد العديد من المرشحين أيضاً على خبرتهم الإدارية في الجمعيات الخيرية المحلية والمنظمات الأخرى.
وفي الإجابة على أسئلة حول الأسباب التي من أجلها اختاروا تمثيل "حزب النور" أشار المرشحون، والكثيرون بينهم انتسبوا إليه عند تأسيسه وهم ناشطون محلياً، إلى أنه حزب يتميز بالتنظيم الجيد وهو حزب فعال، وشددوا على سجلّه في توفير الخدمات الاجتماعية. وهنا مجدداً لم يذكروا الاتجاهات السلفية للحزب.
من جهة أخرى، قامت الأحزاب المنافسة لـ "حزب النور"، لا سيما "الجبهة السلفية" و"حزب الأصالة" و"الوطن" بالتشكيك بشرعية الانتخابات ومقاطعتها واستندوا على أداء "حزب النور" الضعيف لإظهار تواطئه مع حكومة السيسي المناهضة للإسلاميين. بالإضافة إلى ذلك، أدت الحملة إلى رد فعل غير مسبوق من جماعات أكثر عنفاً؛ فقد اغتيل مصطفى عبد الرحمن الذي كان مرشحاً عن "حزب النور" في العريش شمال سيناء في 24 تشرين الأول/أكتوبر، وأصيب مرشح آخر بعد تعرضه لاعتداء في شرق الزقازيق في 16 تشرين الثاني/نوفمبر. ومن الأهمية بمكان أن يُشار هنا إلى أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لم يعلن مسؤوليته عن أي من الاعتدائين على الرغم من الهجمات المتزايدة التي شنها في سيناء في الفترة ذاتها ومنها تفجير سيارة مفخخة في العريش في 24 تشرين الثاني/نوفمبر. فربما خشي التنظيم رد فعل سلبي لقتل سلفيين. وأياً كان السبب، يواصل مقاتلون استهداف المكاتب الحكومية والمسؤولين الرسميين في سيناء، الأمر الذي قد يزيد من التوتر بين الجماعات السلفية.
الانعكاسات على واشنطن
في ضوء هذه القيود والتحديات المطروحة في الفضاء السياسي الرسمي، لعل الخيار الأفضل أمام صناع السياسة الأمريكيين يكمن في الانتباه للطرق التي يمكن لشبكات الجماعات السلفية المصرية والعلماء السلفيين المصريين من خلالها مواصلة بناء نفوذهم خارج البرلمان، لا سيما محاولاتهم للتوفيق بين الضوابط الاجتماعية وفهمهم لما هو إسلامي. وعلى عكس أعضاء «الإخوان»، الذين كانت خسارتهم في عام 2013 أشبه بضربة قاضية على مصداقيتهم المحلية، فإن شبكات السلفيين لها بنية كلّية وليست منظمات هرمية، وتبقى السياسة النيابية متناقضة مع مبادئهم. ونظراً إلى تكوينهم وعقائدهم فإن صوتهم لن يعلو إلا خارج قنوات السياسة الرسمية. ولو كان التاريخ خير منبئ، فإن "حزب النور" التابع للمنطمة الأم "الدعوة السلفية"، سيواصل دعم سياسات السيسي داخل البرلمان وخارجه. ومع ذلك، فإن الاعتداءات المستمرة في سيناء ومصر ستشكل سببباً لاعتماد استراتيجية أمنية أكثر صرامة من قبل حكومة السيسي، الأمر الذي قد يدفع السلفيين المسالمين في البلاد إلى اعتماد استراتيجية مختلفة للبقاء.
يعقوب أوليدورت هو زميل "سوريف" في معهد واشنطن. نريد الإشارة هنا إلى أن جميع بيانات الوقائع أو الرأي أو التحاليل التي تم التعبير عنها في هذه المقالة هي آراء الكاتب فقط ولا تعكس مواقف أو وجهات النظر الرسمية للحكومة الأمريكية.