- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الدبلوماسية وراء السلام العربي - الإسرائيلي، والقطاع الخاص سيواصل الحفاظ عليه
بعد أقل من 100 عام على تأسيس إسرائيل كدولة للشعب اليهودي في عام 1948، يبدو أن حدة "الصراع العربي-الإسرائيلي" آخذة في التراجع. فالحفل الذي نظمه البيت الأبيض في 15 أيلول/سبتمبر لتوقيع معاهدة سلام بين إسرائيل والإمارات، وإعلان السلام بين إسرائيل والبحرين، يمثل تقدماً آخر في مسار دمج إسرائيل في المنطقة. كما أنه يفصل حلّ الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عن المسألة الأوسع المتمثلة في قبول إسرائيل من قبل بقية دول العالم العربي.
وفي ظل انطلاق قطار التطبيع، يكمن السؤال الأكثر إلحاحاً في توقيت انضمام دولة أخرى إلى هذه الرحلة وليس في إمكانيتها. ورغم بقاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني دون حل، يمكن للوعد بسلام دافئ بين المواطنين ورجال الأعمال الإسرائيليين والإماراتيين والبحرينيين أن يغير المنطقة بشكل كبير من خلال إظهار الفوائد الملموسة والفعلية للروابط والتعاون بين الشعوب.
وتمثل اتفاقيتا البحرين والإمارات، الحكومتين العربيتين الثالثة والرابعة اللتين تُقدمان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فقد أقامت مصر السلام معها عام 1979 والأردن عام 1994. لكن هناك خلافات عميقة عما تمّ التفاوض حوله مع دولتين سبق وأن حاربتا إسرائيل على أرض المعركة. فبالنسبة للإمارات والبحرين، لا توجد تبادلات للأراضي وليست هناك أعباء تاريخية يجب التغلب عليها. فضلاً عن ذلك، يؤكّد الإطار الزمني السريع من الإعلان عن التطبيع في فصل الصيف إلى حفل التوقيع في الخريف على العلاقات المتوسعة بين إسرائيل والدول العربية التي تتطور أساساً منذ عقود بعيداً على الأنظار.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لعبت دوراً ميسّراً أساسياً، إلّا أن بنية تطبيع العلاقات تعود إلى ما قبل عام 2020. فقد أدّى اتجاهان أمنيان بارزان في المنطقة إلى إقامة روابط غير رسمية بين إسرائيل ودول في الشرق الأوسط منذ سنوات: أولاً، التحذير من طموحات إيران النووية والدعم المقدّم إلى الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة؛ ثانياً، الخوف من الإسلام السياسي بشكله المتطرف العنيف على غرار تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» وشكله الاجتماعي-السياسي الذي تجلى مؤخراً في الأحزاب المرتبطة بجماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وتركيا. وكانت هذه النظرة المشتركة للتهديدات الإقليمية قد فتحت فرصاً للتعاون في مجالي الأمن والاستخبارات، وكذلك في بناء العلاقات.
وبناءً على أساس التعاون الأمني، كانت الحكومات الإسرائيلية والخليجية والقطاع الخاص يجسّون النبض أساساً حول المضي قدماً في أي مشاركة موسّعة. وحيث تدرك الحكومات العربية التي تعتمد على النفط الحاجة الملحة إلى التنوع الاقتصادي، فهي ترغب في الوصول إلى الدراية الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا، والطاقة البديلة، والري والزراعة الصحراوية، والرعاية الصحية والعلوم. وقد سرّعت جائحة "كوفيد-19" هذه الاتجاهات مع إيلاء اهتمام خاص بالتعاون في القطاع الطبي.
كما أن وتيرة المشاركات الثقافية الإسرائيلية-العربية كانت تتسارع أساساً. ففي عام 2018، شارك فريق جودو إسرائيلي في المسابقات المنظمة في الإمارات، وكذلك فعل فريق دراجات هوائية إسرائيلي في شباط/فبراير 2020. كما تمت دعوة إسرائيل إلى إقامة جناح لها في معرض "إكسبو دبي 2020"، الذي تم تأجيله الآن حتى عام 2021. ويجري التخطيط لمشاركة فريق إسرائيلي في "كأس العالم لكرة القدم" الذي تستضيفه قطر في عام 2022، مع استقبال جمهور إسرائيلي. كذلك، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سلطنة عُمان في 2018، علماً بأن السياحة بين المغرب وإسرائيل ناشطة بحيث يصل عدد السياح من الجنسيتين إلى الآلاف سنوياً.
ويكتسي الاتفاقان الموقعان في البيت الأبيض أهمية من حيث رؤيتهما المستقبلية للشراكة والمنفعة المتبادلة. يجب على إسرائيل والإمارات والبحرين التركيز حالياً على الخطوات العملية الضرورية لتوسيع نطاق العلاقات - أي اتفاقيات في مجال الطيران المدني، والعلاقات المصرفية، وإجراء تبادلات في القطاع الخاص، وإعداد الفنادق والمواقع السياحية لاستضافة مجموعات جديدة من الزوار الأجانب.
وتراقب حكومات أخرى في المنطقة ما يحصل عن كثب لأنها تدرس إمكانية الكشف علناً عن علاقاتها مع إسرائيل. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا، إلى أي حد ستكون المزايا الاقتصادية ملموسة؟ وهل يمكن تكرار النموذجين الإماراتي والبحريني لإعداد المواطنين بفعالية للتفاعل في هذا الوسط الاستراتيجي الجديد؟
ويقيناً، لا يدل اتفاقا التطبيع المهمان [بين إسرائيل و كل من البحرين والإمارات] على شرق أوسط جديد أو يزيلان التهديدات الملحة التي تحيط بإسرائيل، ولا سيما على حدودها. فالنظام في إيران يواصل سعيه لتطوير أسلحة نووية ودعمه لشبكة تهديد إرهابية. كما أن «حزب الله» اللبناني لا يزال متمركزاً مع ترسانته الصاروخية على الحدود الشمالية لإسرائيل. وفي شمال إسرائيل أيضاً، تدور رحى حرب أهلية في سوريا حيث يتعاون الدكتاتور بشار الأسد مع إيران و«حزب الله». ولا يزال فرع ناشط تابع لتنظيم «الدولة الإسلامية» قادراً على شن هجمات فتاكة في سيناء على الحدود الجنوبية لإسرائيل.
وإلى الشرق، لا تزال "السلطة الفلسطينية" الهشة بل العنيدة مستمرة في تدبير أمورها في الضفة الغربية. وإلى الغرب، لا تزال حركة «حماس» تسيطر على قطاع غزة، مستخدمةً المنطقة لإطلاق بالونات متفجرة وصواريخ ضد مراكز التجمعات السكانية الإسرائيلية حتى في اليوم نفسه الذي كان يجري فيه الاحتفال في البيت الأبيض.
وفي المرحلة اللاحقة، ستبقى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل دون تغيير في الغالب. وعلى الرغم من انتقادات بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي لسياسات محددة انتهجتها الحكومة الإسرائيلية، إلّا أن الالتزام الامريكي الصارم بأمن إسرائيل سوف يظل ثابتاً. وسيبقى تحسين العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب من الأولويات الطويلة الأمد للولايات المتحدة. فالمسألة لا تتعلق بالأمن القومي فحسب - أي تنسيق السياسات المناهضة لإيران وسياسات مكافحة الإرهاب - بل بمصلحة ضمان قدرة إسرائيل على الازدهار كدولة يهودية وديمقراطية أيضاً. وقد تعهدت إدارة ترامب وحملة بايدن مواصلة العمل المهم بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول المجاورة في المنطقة.
غير أن عملية سلام قابلة للتطبيق بين إسرائيل والفلسطينيين تؤدي إلى إقامة دولتين لا تزال صعبة التحقيق. وبالفعل، أكدت قرارات الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي التي أثنت على اتفاقي التطبيع الإماراتي والبحريني - المتخذة في مجلسي النواب والشيوخ - على الأولوية الراسخة للولايات المتحدة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لكي يتمكن الشعبان في نهاية المطاف من العيش جنباً إلى جنب بسلام وأمان.
دانا سترول هي "زميلة كاسين" في معهد واشنطن وعضو أقدم سابق من الملاك المهني في "لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي". وأعيد طبع هذه المقالة حصرياً بإذن من موقع "جي. تي. إي."
"جي. تي. إي."