في الملخص السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول التحديات والإنجازات المتعلقة بمكافحة الإرهاب، ركزت الوزارة على استغلال الجهاديين للأماكن الغير خاضعة للحكم الكافي، واستمرار رعاية إيران للجماعات الإرهابية الإقليمية، والتهديدات التي يشكلها التطرف العنيف.
في الشهر الماضي، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية أحدث نسخة من "التقارير القطرية حول الإرهاب" التي تصدرها الوزارة والتي تغطي عام 2022. وتبدأ الوثيقة بالإشارة إلى التحول من "نهج عسكري مركزي بقيادة الولايات المتحدة" إلى إطار يعطي الأولوية للدبلوماسية وبناء قدرات الشركاء والوقاية. وفي تفسير هذا التحول نحو نهج "الحكومة والمجتمع بأكمله"، يذكر التقرير الأهمية المتزايدة للتحديات التي تتجاوز الإرهاب، مثل المنافسة بين القوى العظمى، وتهديدات الأمن السيبراني، وتَغيّر المناخ. كما يشير أيضاً إلى أن الجماعات الإرهابية "ظلت صامدة ومصممة على الهجوم" على الرغم من النجاحات المهمة التي تحققت ضدها في عام 2022 - بدءاً من استهداف القادة الإرهابيين الرئيسيين وإلى تحسين التعاون مع الشركاء الدوليين. ومما يثير القلق بشكل خاص التهديدات المستمرة التي تمثلها الملاذات الآمنة للإرهابيين، والرعاية الإيرانية للإرهاب، والتطرف العنيف ذات الدوافع العنصرية والعرقية (REMVE).
الملاذات الآمنة
يوضح التقرير بالتفصيل كيف تكبدت الجماعات الجهادية العالمية مثل تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" خسائر في قياداتها. على سبيل المثال، قتلت القوات الأمريكية زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في شمال غرب سوريا في شباط/فبراير 2022، وبعد ثمانية أشهر، قتل "الجيش السوري الحر" خليفته، أبو الحسن الهاشمي القرشي. ومع ذلك، لا تزال نواة التنظيم - المتمركز في سوريا والعراق - قادرة على شن هجمات إرهابية والحفاظ على شبكات التهريب وشبكات المقاتلين في "مناطق جغرافية غير خاضعة للحكم، أو تعاني من حكم غير كاف، أو سوء الحكم"، مما يسمح بتجنيد آمن نسبياً، وجمع الأموال، وأنشطة العمليات.
وأظهرت نواة تنظيم "الدولة الإسلامية" قدرتها العملياتية في 20 كانون الثاني/يناير 2022، عندما نفذ التنظيم هجوماً متعدد الأوجه على سجن الصناعة، وهو منشأة في مدينة الحسكة تديرها "قوات سوريا الديمقراطية". وشكّلت هذه الحادثة أهم استهداف من قبل التنظيم لمركز احتجاز سوري رئيسي منذ هزيمته الإقليمية في آذار/مارس 2019. ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية، تم إطلاق سراح العشرات من معتقلي تنظيم "الدولة الإسلامية" خلال الهجوم، لكن عددهم الدقيق لا يزال غير واضح.
وفي مناطق أخرى، وسع تنظيم "الدولة الإسلامية" نطاق سيطرته وعملياته الإقليمية في "ولايات" غرب أفريقيا ووسط أفريقيا ومنطقة الساحل في عام 2022، مستفيداً في كل حالة من الملاذات الآمنة للإرهابيين. فقد زاد تنظيم "الدولة الإسلامية - ولاية غرب أفريقيا"، المتمركز في منطقة بحيرة تشاد، كل من مطالباته الإقليمية ومحاولاته لإرساء "حكم الظل". كما قام تنظيم "الدولة الإسلامية - ولاية وسط أفريقيا"، المتمركز على الحدود بين جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا، بتوسيع رقعة أراضيه وزاد أيضاً من هجماته على أهداف مدنية، على الرغم من أن العملية العسكرية الكونغولية - الأوغندية المشتركة تمكنت من تفريق مقاتلي التنظيم وإضعاف قدرته. وسرعان ما توسّع تنظيم "الدولة الإسلامية - ولاية الساحل"، الذي يتخذ من مالي وبوركينا فاسو مقراً له في المقام الأول، إلى بلدان غرب أفريقيا الساحلية التي تفتقر حكوماتها إلى القدرة على مراقبة حدودها. والجدير بالذكر أن جميع الفروع الأفريقية الناجحة لتنظيم "الدولة الإسلامية" تعمل في دول تتعرقل فيها جهود مكافحة الإرهاب بسبب عدم الاستقرار الإقليمي والمحلي.
وفي آسيا الوسطى، ظل "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان" الذي مقره في أفغانستان، يشكل تهديداً إقليمياً. فبالإضافة إلى قصف المدنيين الشيعة في باكستان وأفغانستان، هاجم التنظيم أيضاً سفارات أجنبية في كابول وشنّ هجمات صاروخية عبر الحدود ضد القواعد العسكرية الطاجيكية والأوزبكية. وتركزت ردود الفعل الأمريكية على هذا النشاط على زيادة قدرة الدول المجاورة على ضبط حدودها، لكن استيلاء "طالبان" على أفغانستان عام 2021 حال دون اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات مضادة مباشرة وواسعة النطاق ضد "تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية خراسان".
وواصلت الجماعات التابعة لـ"تنظيم القاعدة" عملياتها الإرهابية في الملاذات الآمنة أيضاً، على الرغم من خسارة التنظيم لزعيمه أيمن الظواهري في غارة جوية أمريكية بطائرة مسيّرة في كابول في 30 تموز/يوليو 2022. فقد استمر أكبر فرع من فروع التنظيم، وهو حركة "الشباب" الصومالية، في السيطرة على المناطق الغير خاضعة للحكم الكافي، وحافظ بذلك على إمكانية وصوله إلى قدر كبير من الموارد المالية والأسلحة على الرغم من الحملة العسكرية المشتركة التي تقوم بها الحكومة الصومالية و"الاتحاد الأفريقي". وفي اليمن، أبقى تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" على وتيرة عملياته مقارنةً بالعام السابق، مستهدفاً بشكل رئيسي عمال الإغاثة الأجانب وأفراد الأمن الداخلي. وفي منطقة الساحل، زادت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" من عملياتها ومن الأراضي التي استولت عليها، وهي الجماعة الوحيدة التابعة لتنظيم "القاعدة" التي قامت بذلك في عام 2022. وتزامن الارتفاع في عدد الضحايا المدنيين وهجمات الجماعة مع نهاية عملية "برخان" الفرنسية والانسحاب اللاحق للقوات.
ولم يتضمن التقرير معلومات عن الأنشطة الأساسية لتنظيم "القاعدة" في أفغانستان. وقد يشير ذلك إلى عدم اليقين بشأن ما كان يفعله التنظيم منذ استيلاء طالبان على السلطة.
رعاية الدولة للإرهاب
استمرت إيران في تصدر القائمة العالمية للإرهاب الذي ترعاه الدولة في عام 2022. فقد دعمت هذا النشاط ليس فقط من خلال مؤسسات الدولة مثل "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإسلامي الإيراني"، بل أيضاً من خلال وكلاء إقليميين مثل "حزب الله" و"حماس" وميليشيات "المقاومة" المختلفة في العراق، وجماعات أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتضمنت هذه الرعاية دعماً مالياً ولوجستياً واسع النطاق. وتوفّر طهران مئات الملايين من الدولارات لـ"حزب الله" كل عام و"ما يصل إلى 100 مليون دولار سنوياً كدعم مشترك" للجماعات الفلسطينية مثل "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة". وكثيراً ما تولت الكيانات الإيرانية زمام الأمور بنفسها. على سبيل المثال، حاول أفراد "الحرس الثوري" الإيراني استهداف مسؤولين سابقين في إدارة ترامب في عام 2022 دون نجاح، رداً على مقتل قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني في عام 2020؛ كما حاولوا قتل أفراد في بريطانيا أو اختطافهم في عشر مناسبات على الأقل في ذلك العام.
وفي لبنان، أحيى "حزب الله" ذكرى تأسيسه الأربعين من خلال استمراره في استغلال البلاد كقاعدة لأنشطته الإرهابية العالمية، وكقناة للدعم المالي واللوجستي للوكلاء الإقليميين الآخرين، وأداة سياسية لتعزيز مصالحه ومصالح إيران. وفي تموز/يوليو 2022، قرر الحزب "توجيه رسالة تهديد إلى إسرائيل" من خلال إطلاقه ثلاث طائرات مسيرة باتجاه حقل "كاريش" للغاز الطبيعي. وفي دول أخرى، أشارت "التقارير القُطرية حول الإرهاب" إلى النشاط الإجرامي المستمر لـ "حزب الله" في أمريكا الشمالية والجنوبية، بما في ذلك في البرازيل وتشيلي وكولومبيا وبنما وبيرو والولايات المتحدة. وتمثّلت أنشطته الأساسية في هذه البلدان في جمع الأموال بشكل غير مشروع، وغسل الأموال، وعمليات المراقبة.
وفي العراق وسوريا، واصلت إيران تزويد الميليشيات التابعة لها بالأسلحة والتمويل والتدريب، ومن بينها المنظمات المصنفة على قائمة الإرهاب الأمريكية مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"حركة حزب الله النجباء". وشنت هذه الجماعات عدة هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد مصالح الولايات المتحدة وقوات التحالف، حيث تم استهداف "قاعدة الأسد الجوية" في العراق في كانون الثاني/يناير وأيار/مايو 2022، في حين تم ضرب "حامية التنف" في سوريا في آب/أغسطس من ذلك العام (وعلى وجه الخصوص، ازداد هذا النمط حدة بشكل كبير بعد عام، مع تصعيد الجماعات المدعومة من إيران لهجماتها رداً على الحرب في غزة). كما شن الوكلاء العراقيون هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف تركية في المنطقة.
وعلى الساحة الفلسطينية، انخرطت إسرائيل وحركة "الجهاد الإسلامي في فلسطين" في نزاع في آب/أغسطس 2022، شمل إطلاق 1100 صاروخ من غزة. وقد سبق الصراع سلسلة متصاعدة من الأحداث، شملت غارات إسرائيلية لمكافحة الإرهاب ضد المسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية والتهديدات العلنية لـ "حركة لجهاد الإسلامي في فلسطين" بشن هجوم عبر الحدود بعد اعتقال أحد قادة الحركة.
التركيز على التطرف العنيف
شكلت حوادث التطرف العنيف ذات الدوافع العنصرية والعرقية "تهديداً متزايداً عابراً للحدود الوطنية للولايات المتحدة وحلفائها" في العام الماضي. ففي 12 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أطلق رجل يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً النار على شخصين فقتلهما وأصاب شخصاً آخراً في هجوم وقع خارج حانة في براتيسلافا، سلوفاكيا. وقبل وقت قصير من وقوع الجريمة، أصدر بياناً عبر الإنترنت شرح فيه أنه كان يدير الهجوم لصالح "شعبي - عرقي". وذكر البيان أيضاً استلهامه من الهجمات السابقة لحوادث التطرف العنيف ذات الدوافع العنصرية والعرقية، من بينها حادثة إطلاق النار الجماعي في آذار/مارس 2022 ضد متسوقي بقالة سود في بوفالو، نيويورك، والهجمات التي طالت مسجدين في كرايستشيرش، نيوزيلندا، في عام 2019. وتم ارتكاب هجمات أخرى ذات دوافع عنصرية وعرقية مستوحاة من التطرف العنيف في فرنسا وبريطانيا في عام 2022.
وفي ظل هذه التهديدات، حدد "مكتب مكافحة الإرهاب" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية حوادث التطرف العنيف ذات الدوافع العنصرية والعرقية - وعلى وجه التحديد، "إرهاب الهوية البيضاء" الذي يستهدف مجتمعات الأقليات - كمحور تركيز أساسي لبرامجه في مكافحة التطرف العنيف. وللتأكيد على الموضوع الشامل لذلك العام (2022) وهو المقاربات المتعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب، أطلقت الولايات المتحدة والنرويج "مجموعة أدوات بشأن التطرف العنيف ذي الدوافع العنصرية أو العرقية" في "المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب" في أيلول/سبتمبر من ذلك العام. وتم استخدام مجموعة الأدوات لاحقاً كأداة تعليمية في ورش عمل مختلفة في لاهاي. وواصلت واشنطن أيضاً تنفيذ استراتيجيات لمواجهة التطرف المحلي من خلال تنفيذ برامج ذي صلة بحوادث التطرف العنيف ذات الدوافع العنصرية والعرقية، وتصنيف الإرهابيين الأجانب والجماعات المتطرفة الأجنبية المسؤولة عن حوادث التطرف العنيف ذات الدوافع العنصرية والعرقية، واستضافة قمة "متحدون نحن نقف" "لمواجهة آثار العنف الذي تغذيه الكراهية على الديمقراطية والسلامة العامة".
الخاتمة
حققت الولايات المتحدة وشركاؤها نجاحات ملحوظة في مكافحة الإرهاب في عام 2022، تجسدت في اغتيال كبار قادة تنظيمي "داعش" و"القاعدة" والتقدم الكبير الذي تم إحرازه في بناء قدرات الشركاء وقنوات تبادل المعلومات. ومع ذلك، استمرت التحديات في المشهد العالمي لمكافحة الإرهاب، حيث أن الملاذات الآمنة للإرهابيين مكنت الجماعات الإرهابية من الازدهار في المناطق الغير خاضعة للحكم الكافي، وواصلت إيران دعم النشاط الإرهابي من خلال مؤسسات الدولة ووكلائها في المنطقة، ونفذت الجهات الفاعلة ذات الدوافع العنصرية والعرقية المستوحاة من التطرف العنيف عدة هجمات مأساوية. وكما أشارت "التقارير القُطرية حول الإرهاب" فإن هذه التحديات "تتطلب التزاماً مستمراً" من قبل واشنطن وشركائها، من بينها "الاستثمار الكبير في جهود مكافحة الإرهاب في المرحلة القادمة".
كميل جابلونسكي، وديلاني سوليداي، وإيلانا وينتر هن مساعدات أبحاث في "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع لمعهد واشنطن.