- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الهدوء يعمّ الجبهة الغربية لإيران وفقاً لقوات حفظ السلام
أصبحت الأراضي الواقعة عبر الحدود من شمال إسرائيل أشبه بنقطة تجمع عسكرية لإيران ووكلائها في مواجهتها مع الغرب، بدءاً من ساحل البحر المتوسط في لبنان وصولاً إلى مرتفعات الجولان في سوريا. فقد زودت إيران ميليشيا «حزب الله» الشيعية في لبنان بأكثر من مائة ألف صاروخ وقذيفة صاروخية وتباشر حالياً بمشروعٍ لتعزيز دقة الأسلحة عبر تجهيزها بأنظمة توجيه دقيقة. ومن المحتمل أن تكون قد عمدت مؤخراً إلى إرسال أسلحة متطورة إلى لبنان على متن عدة طائرات "[بوينغ] 747" منطلقة مباشرةً من إيران. وفي حال لم تكن الأهداف واضحة بما يكفي، فقد أعلن عنها «حزب الله» مؤخراً في شريط فيديو - باللغة العبرية لا أقل - بتحديده مواقع معينة مستهدفة في إسرائيل.
ولكن حتى هذا الأسبوع لم تكن أي من هذه البنى التحتية العسكرية موجودة في أرض أحلام الأمم المتحدة في لبنان. فحين جوبهت "قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" ("اليونيفيل") بأدلة محسومةٍ لا جدال فيها، سلّمت هذه القوات جدلاً بأن «حزب الله» حفر نفقاً هجومياً يمتد إلى داخل إسرائيل. ومنذ فترة وجيزة لا تعود إلى أبعد من تشرين الثاني/نوفمبر، كان الأمين العام للأمم المتحدة قد أصر في تقريره عن فترة الأشهر الأربعة الأخيرة على أن الوضع في جنوب لبنان "لا يزال هادئًا بشكل عام" مع "عدم وجود أي دليل" على انتشار أسلحة لـ «حزب الله» على الأرض.
وفي هذا السياق يُذكر أن قوات "اليونيفيل" تشكلت مجدداً عام 2006 في أعقاب "حرب لبنان عام 2006" بهدف تجنب اندلاع حرب أخرى بين إسرائيل و«حزب الله» من خلال مساندة "الجيش اللبناني". وقد دخلت "اليونيفيل" في منطقة مزّقتها الحرب وضعف فيها "الجيش اللبناني"، وكان عددها يضم 15 ألف جندي وقوة بحرية كبيرة وتجهيزات غنية مخصصة للمشاريع الهندسية العسكرية والمدنية فضلاً عن برامج دعم وتواصل موجهّة للسكان المدنيين. وتنفق "اليونيفيل" مبالغ كبيرة على 580 وظيفة محلية يشغلها "موظفون وطنيون" وعلى "مشاريع ترمي إلى معالجة الاحتياجات الملحة لدى المجتمعات المحلية"، وهذا يعني فعلياً تدفق أموال طائلة من الأمم المتحدة إلى شرائح سكانية تؤيد «حزب الله» وأموال تُدفع إلى وسطاء السلطة المحلية على سبيل الحماية. وقد مددت الأمم المتحدة مهمة "اليونيفيل" خلال شهر آب/أغسطس الماضي وصادقت على ميزانيتها السنوية البالغة 474,4 مليون دولار.
وصحيحٌ أن إسرائيل و«حزب الله» تجنّبا على مدى الأعوام الاثنتي عشرة الماضية خوض حربٍ شاملة - وذلك بشكل رئيسي من خلال ضبط النفس والردع المتبادل - ولكن «حزب الله» عمل خلال هذه الفترة على السيطرة على الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية في لبنان. وأصبحت "اليونيفيل" اليوم، بدعمها لـ "الجيش اللبناني" وللسكان المدنيين المستضيفين لعناصر «حزب الله»، شريكاً في طموحات «حزب الله». فلا عجب من غض الأمم المتحدة الطرف عن الموضوع. لقد حان الوقت للإقرار بأن حجم "قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان" متضخماً، وتجهيزها وتمويلها مفرطاً أكثر مما ينبغي.
وفي هذه الأثناء، في الجهة المقابلة من الحدود، بدأت "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" ("الأندوف") العودة إلى مواقعها في هضبة الجولان السورية بعد غياب دام أربع سنوات. وقد تأسست هذه القوة في نهاية الحرب بين العرب وإسرائيل عام 1973 لتفادي اندلاع حرب جديدة بين إسرائيل وسوريا، وأُجبرت على ترك مواقعها المخصصة لحفظ السلام حين أصبح أمنها مهدّداً بسبب القتال بين الحكومة والجماعات المتمردة. وحيث لا يتعدّى عدد هذه القوة 975 عنصراً وميزانيتها السنوية تقتصر على 60,3 مليون دولار، فهي بالكاد تستطيع تأدية مهمتها في ظل الظروف الراهنة. وبخلاف "اليونيفيل"، تعاني "الأندوف" نقصاً في حجم قواتها وتجهيزاتها وتمويلها.
وعلى الرغم من أوجه القصور التي تعاني منها، تقوم "اليونيفيل" و"الأندوف"، بدورٍ مهم في منطقة متقلبة حيث تمنعان الحوادث التكتيكية من التصاعد إلى درجة الحرب. ولكن هذا الواقع لا ينطبق على "هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة" التي أُنشئت للإشراف على وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وجيرانها في عام 1948. فالميزانية نصف السنوية لهذه الهيئة التي تعتبر من مخلفات حقبةٍ غابرة تقارب السبعين مليون دولار، ويضم عددها 153 ضابطاً عسكرياً و153 مدنياً دولياً و91 موظفاً محلياً - بصرف النظر عن توقيع إسرائيل معاهدات سلام مع كل من الأردن ومصر، ودمج معظم مراقبي الهيئة في قوات "الأندوف" و"اليونفيل" في سوريا ولبنان.
وفي الواقع، تستطيع الأمم المتحدة اتخاذ خطوة مهمة للتقليل من التهديدات الأمنية المنتشرة على طول الحدود الشمالية لإسرائيل - وتوفير المال - عبر إعادة ضبط التوازن بين هذه البعثات الثلاث. فـ "اليونيفيل" قادرة على تأدية مهمتها حتى إذا قامت بتخفيض حجم قواتها من عشرة آلاف إلى ثلاثة آلاف جندي وتقّليص نفقاتها على العمال المحليين ومشاريع التنمية والجماعات المحلية المتورطة في اعتداءات على قوات "اليونيفيل". ومن شأن هذه التوصيات أن توفر ما بين 200 و300 مليون دولار كل عام.
وفي المقابل، ينيبغي على "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" أن تستأنف مهمتها الإشرافية الهامة في سوريا مستخدمةً الدوريات والمراقبة من مواقع مؤقتة. وللقيام بذلك، تحتاج إلى زيادة كل من ميزانيتها بنحو 30 مليون دولار وعدد قواتها بنحو 300 عنصر، فضلاً عن تعزيز أمن وحداتها المتنقلة والانخراط في مشاريع هندسية ومجتمعية. أما هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة فعليها بكل بساطة أن تعلن النصر وتنحلّ.
ونظراً إلى توق إدارة ترامب للحد من الهدر في الأمم المتحدة ودحر الطموح الإيراني في المنطقة والإسهام في أمن إسرائيل، فقد حان الوقت لترشيد هذه البعثات الثلاث التابعة للأمم المتحدة.
العميد. (المتقاعد) أساف أوريون، هو وهو زميل عسكري زائر في معهد واشنطن وكان الرئيس السابق لـ "قسم التخطيط الاستراتيجي" في "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وترأس فريق "الجيش الإسرائيلي" في العلاقات مع بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
"ذي هيل"