![A general view of Lebanon's Government Palace in Beirut, taken in 2023 - source: Reuters](/sites/default/files/styles/square_720/public/2025-02/LebanonBeirutGovernmentPalaceRC2KB2AIC0MP.jpg?h=70fc1eb9&itok=h9VdExY_)
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3995
الحكومة اللبنانية الجديدة تواجه معادلة صعبة في الموازنة بين الوعود والتنازلات
![A general view of Lebanon's Government Palace in Beirut, taken in 2023 - source: Reuters](/sites/default/files/styles/square_720/public/2025-02/LebanonBeirutGovernmentPalaceRC2KB2AIC0MP.jpg?h=70fc1eb9&itok=h9VdExY_)
كشفت التشكيلة الوزارية الجديدة في لبنان تراجعاً ظاهرياً في نفوذ "حزب الله"، بيد أن الحزب لا يزال محتفظاً بسيطرته على وزارة المالية المهمة، ويملك القدرة على إيجاد مسارات بديلة للتأثير في القرارات الأمنية وعملية إعادة الإعمار والانتخابات المقبلة.
في السابع من شباط/فبراير، أعلن لبنان عن تشكيل حكومة انتقالية جديدة بعد ثلاثة أسابيع فقط من تكليف رئيس وزراء جديد- وهو ما يُعد إنجازا استثنائيا في بلدٍ تستغرق فيه هذه العملية عادةً شهورًا من المشاحنات السياسية. ومع ذلك، تمكن كل من رئيس الوزراء نواف سلام والرئيس جوزيف عون من تجاوز هذه العقبة بسرعة، قبل حلول الموعد النهائي لتمديد اتفاق وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل. وقد أسهم في تحقيق هذا الإنجاز إلى حد كبير عاملان خارجيان رئيسان: الانتصار الإسرائيلي الكبير على "حزب الله" في حربهما الأخيرة، وزيارة نائب المبعوث الأمريكي الخاص، مورغان أورتاغوس التي تمت في الأسبوع الماضي، حيث أكدت بوضوح على الخطوط الحمراء التي وضعتها واشنطن بشأن عدم إشراك "حزب الله" في الحكومة.
وعقب اجتماعها مع الرئيس عون، عقدت أورتاغوس مؤتمراً صحفياً استعرضت فيه توقعات الولايات المتحدة من الحكومة الجديدة قائلة: "لم أشهد يومًا هذا القدر من الحماس في الولايات المتحدة ومن الجالية اللبنانية حول العالم بشأن مستقبل هذا البلد. وأعتقد أن ذلك يعود، إلى حد كبير، إلى هزيمة "حزب الله" على يد إسرائيل. لكن الفضل يعود أيضاً إلى... إلى الرئيس عون ورئيس الوزراء المكلّف نواف سلام، وإلى جميع أفراد هذه الحكومة الملتزمين بإنهاء الفساد، وبإجراء إصلاحات، والتأكد من أن "حزب الله" ليس جزءًا من هذه الحكومة بأي شكل من الأشكال، وأن يظل منزوع السلاح ومهزوماً عسكرياً".
ثم التقت أورتاغوس بسلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُعَدّ الداعم الأهم لـ "حزب الله" في جهوده الرامية إلى بسط نفوذه على عملية تشكيل الحكومة. ولم يتضح بعد ما دار خلف الأبواب المغلقة، لكن سرعان ما توصل الطرفان إلى اتفاق على إعلان الحكومة الجديدة. وقد مُنح "حزب الله" وحليفه حركة "أمل" الشيعية حق تعيين أربعة وزراء في الحكومة الجديدة، المؤلفة من ستة وعشرين وزيراً، بما في ذلك حقيبة وزارة المالية التي تحظى بأهمية بالغة (انظر أدناه). "ويمثل هذا التطور نقطة حاسمة تستحق المراقبة الدقيقة، حيث يبدو أنه يتناقض مع تحذير أورتاغوس بشأن منع مشاركة "حزب الله" "بأي شكل من الأشكال." وفي مقابل هذا التنازل، أفادت التقارير أن الحكومة حصلت على ضمانات تمنع معسكر "حزب الله" من امتلاك ما يُعرف بالثلث المعطل في مجلس الوزراء مما يحول دون عرقلته للمبادرات الحكومية.
وقد خلص المراقبون اللبنانيون إلى أن زيارة أورتاغوس كان لها تأثير ملموس على بري، الذي عمد إلى عرقلة الإعلان عن تشكيل حكومة جديدة إلى أن يوافق نواف على جميع مرشحيه الشيعة فيها. وقد فضّل بري و"حزب الله" تأخير تشكيل الحكومة والتهديد بحجب الثقة عنها على خسارة تمثيلهما الشيعي بالكامل. وقد عملت حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي على خدمة مصالحها بشكل أفضل، فكلما طال أمدها، كان بإمكانهما تأخير الإصلاحات. غير أن تطورات الأسبوع الماضي غيرت حساباتهم.
من حيث المبدأ، تتألف الحكومة الجديدة من وزراء مؤهلين، وتبدو أكثر كفاءة من سابقاتها. كما يحتفل أنصار رئيس الوزراء بما يعتبرونه نهاية سيطرة "حزب الله" من خلال الثلث المعطل. بيد أن التحدي الحقيقي يكمن في التفاصيل-وفي نهاية المطاف، في أداء الحكومة نفسها.
الخطط والأولويات
ستستمر حكومة سلام الانتقالية حتى أيار/مايو 2026، حين تُفرز الانتخابات النيابية المقبلة حكومة جديدة. وبالتالي، لن يكون لديه الوقت الكافي لتحقيق جميع الإصلاحات المطلوبة في البلاد أو معالجة أزماتها الاقتصادية والأمنية المتعددة. إلا انه يمكنه إحراز تقدم في بعض الملفات الأساسية، وتمهيد الطريق أمام الحكومة المقبلة.
يتوجب أيضا على حكومة سلام أن تضع التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار ونزع سلاح "حزب الله" في الجنوب على رأس أولوياتها. ويستلزم ذلك منح "القوات المسلحة اللبنانية" الدعم السياسي اللازم للوفاء بشروط الاتفاق الصارمة، مع ضمان محاسبة عناصر "القوات المسلحة اللبنانية" التي تواصل التواطؤ مع "حزب الله". وإذا نجحت القوات المسلحة اللبنانية في تنفيذ هذه المهمة، فمن المتوقع أن تنسحب إسرائيل بالكامل من لبنان، ما سيؤدي إلى خفض احتمالات اندلاع حرب جديدة بشكل كبير.
وبالإضافة إلى تنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 1701 و1559، اللذين يدعوان إلى نزع سلاح "حزب الله"، يتوجب على سلام اتخاذ خطوات لتفعيل القرار رقم 1680 الذي يدعو لبنان إلى تأمين حدوده مع سوريا. وهذا من شأنه أن يحقق ثلاثة أهداف رئيسة: بدء علاقات دبلوماسية جيدة مع القيادة السورية الجديدة، والحد من تهريب الأموال والأسلحة عبر الحدود إلى "حزب الله"، وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين المقيمين في لبنان إلى ديارهم.
كما ستُركز الحكومة الانتقالية على التحضير للانتخابات المقبلة وضمان إجرائها، بما في ذلك الانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل، والانتخابات البلدية المزمع عقدها في 31 أيار/مايو من هذا العام. ويستلزم ذلك وضع قانون انتخابي عادل وتمثيلي، وضمان إجراء الانتخابات في موعدها المحدد دون أي تجاوزات. وبالنسبة لـ "حزب الله"، تُعدُّ الانتخابات المقبلة حاسمةً؛ فبعد أن خسر كثيراً من نفوذه العسكري والمالي خلال العام الماضي، يحرص الحزب حالياً على الحفاظ على تمثيله السياسي في البرلمان وسيطرته على مختلف البلديات. ولذلك تغدو الإصلاحات الانتخابية والقضائية ضرورية للغاية. فمن خلال تنفيذ إجراءات صارمة تمنع "حزب الله" من استغلال تمويل إعادة الإعمار، ونهب خزينة الدولة، واستخدام العنف لترهيب الناخبين، يمكن للمسؤولين ضمان بقاء الحزب وحلفائه في وضع ضعيف ومقيّد، مع تمكين الطائفة الشيعية من التصويت بحرية.
وستتولى حكومة سلام أيضاً مسؤولية إجراء ثلاث تعيينات مفصلية: رئيس مديرية الأمن العام، ورئيس الجيش اللبناني، وحاكم المصرف المركزي. وستلعب كل من هذه المناصب دوراً محورياً في الحد من سلاح "حزب الله" وتدفق الأموال ونقاط دخول التهريب. علاوة على ذلك، ستعمل الحكومة الانتقالية على ملء مئات المناصب الشاغرة في مؤسسات الدولة خلال العام المقبل، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على اتجاه هذه المؤسسات وأدائها في السنوات المقبلة.
هل ستفي حكومة نواف بوعودها؟
أكّد سلام للشعب اللبناني أنه سيكون قادراً على اتخاذ مبادرات جريئة بعد تهميش معسكر "حزب الله" في الحكومة. فإلى جانب السماح للحزب بتسمية أربعة وزراء شيعة فقط جرى استبعاد حلفاء "حزب الله" من غير الشيعة مثل تيار المردة (برئاسة سليمان فرنجية) والتيار الوطني الحر (برئاسة جبران باسيل).
بيد أن القول بأن "حزب الله" فقد تمامًا الثلث المعطل قد يكون مضللًا. فرغم أن الحزب لم يعد قادرًا على عرقلة الإصلاحات القضائية والاقتصادية، إلا أن تركيبة الحكومة المنقسمة، التي تضم في غالبيتها وزراء مستقلين بلا انتماء حزبي واضح أو سجل في مواجهة "حزب الله"، قد تتيح للميليشيا وحلفائها مواصلة التأثير على القرارات الأمنية والسياسية الجوهرية مثل تفكيك البنية التحتية العسكرية للحزب، والسعي إلى إبرام سلام مع إسرائيل، ومحاسبة قادة الحزب على الاغتيالات السياسية وغيرها من الجرائم.
وتظل وزارة المالية محور الاستفهام الأبرز، إذ تُعدّ مؤسسة سيادية تمتلك سلطة عرقلة المراسيم والتعيينات المهمة، نظرًا إلى أن جميع هذه القرارات تتطلب توقيع وزير المالية. وقد أصرّ نبيه بري على تعيين ياسين جابر في هذا المنصب، بتوجيه من "حزب الله". وبعبارة أخرى، فإن الوزير الذي يدين بمنصبه لبري ولـ"حزب الله"، يتمتع الآن بحكم الأمر الواقع بسلطة الاعتراض(الفيتو) على جميع القرارات الحكومية. ورغم ورود تقارير تفيد بأن جابر تعهد بعدم عرقلة أي مبادرة تحظى بموافقة أغلبية مجلس الوزراء، إلا أنه لا توجد آلية رسمية تلزمه بالوفاء بهذا التعهد.
التوصيات السياسية
في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الانتقالية الجديدة في لبنان النظام السياسي القديم وتسعى إلى تنفيذ الاتفاقات والإصلاحات الدولية، يتعين على واشنطن وشركائها مواصلة الضغط. فعلى الرغم من ضعف "حزب الله"، فإنه لا يزال يتمتع بتمثيل قوي في الحكومة، ويعتمد على حليف رئيسي كرئيس للبرلمان، إلى جانب مرشح اختير بعناية لتولي وزارة المالية. وعليه، ينبغي أن تتركز الأهداف الأساسية في العام المقبل على إضعاف الحزب سياسياً وتجفيف منابع تمويله.
سيتطلب الهدف الأخير من بيروت وشركائها الدوليين متابعة دقيقة للقوات الأمنية التي تشرف على نقاط الدخول إلى لبنان، ولاسيما المطار والموانئ البحرية. فقد سبق أن حاول زوار من العراق ووفود دبلوماسية من إيران نقل أموال إلى "حزب الله" عبر الرحلات الجوية، وحققوا بعض النجاح في ذلك. ونظرا لنفوذ الولايات المتحدة الواسع على المؤسسات الأمنية اللبنانية، فإن بوسعها ممارسة الضغط على الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى لوقف تدفق الأموال إلى "حزب الله." وينبغي تنسيق هذا الجهد مع المملكة العربية السعودية والقوى الإقليمية الأخرى لما لها من دور حاسم في إعادة إعمار لبنان. وكما سبق ذكره، يجب توجيه اهتمام خاص إلى وزارة المالية، وممارسة ضغط مستمر على الوزير الجديد، ياسين جابر، لضمان عدم تحويل وزارته إلى منفذ مالي لـ "حزب الله" وحركة "أمل".
لقد تجاوزت الحكومة أيضاً الخط الأحمر الذي وضعته أورتاغوس عندما سمحت لبري، ومن ثم، لـ "حزب الله"، بشغل ثلاث وزارات أخرى، حيث جرى تعيين راكان نصر الدين وزيرا للصحة، وتمارا الزين وزيرة للبيئة، ومحمد حيدر وزيرا للعمل. وتكتسب السيطرة على وزارة الصحة أهمية خاصة، نظرا لدورها في تخصيص الأموال للمستشفيات والخدمات الحيوية، وهو ما قد يستغله "حزب الله" لتعزيز برامجه الصحية داخل قاعدته الشعبية، مما قد يعزز شعبيته قبل الانتخابات. لطالما كانت الولايات المتحدة أكبر مانح دولي للبنان، كما أنها تَقود المؤسسات الدولية المشرفة على جزء كبير من المساعدات الخارجية المقدمة إليه. وإذا قررت إدارة ترامب الحفاظ على هذا الوضع، فيمكنها ممارسة نفوذ كبير على القرارات اللبنانية ذات الصلة من خلال إيضاح توقعاتها بشأن أداء هذه الوزارات، ومراقبة جميع النفقات لضمان عدم استخدامها لدعم "حزب الله"، وتهديد الوزراء بعقوبات في حال تعاونهم مع الحزب.
كذلك يمثل تعزيز التنسيق مع المانحين الدوليين الآخرين أمرأً بالغ الأهمية. فإلى جانب التواصل مع السعودية، ينبغي أن يمتنع المسؤولون عن المضي قدماً في إبرام أي صفقات جديدة مع صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي لصالح لبنان، إلى حين تحقيق تقدم ملموس في الإصلاحات الاقتصادية والقضائية. ومن شأن هذا النهج إلى تقويض قدرة "حزب الله" والوزراء التابعين له على التلاعب بأموال الدولة.
ويتعين إيلاء اهتمام خاص بتعيين قائد الجيش اللبناني المقبل، حيث سيكون مسؤولًا عن ضمان التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، ومنع "حزب الله" من إعادة التسلح، والتعاون مع السلطات السورية لتأمين الحدود. وينبغي أن تستمر المساعدات الأمريكية المقدمة للجيش اللبناني، ولكن وفق شروط صارمة مرتبطة بالتزامه بتنفيذ وقف إطلاق النار. على نحو متصل، يتعين على إدارة ترامب التنسيق مع السعوديين والقطريين وغيرهم من الممولين لعملية إعادة الإعمار للتأكد من التنفيذ السليم لشروط وقف إطلاق النار والإصلاحات الاقتصادية قبل تحريك أي أموال.
وحتى إذا سارت كل الأمور وفق المخطط وبدأت المساعدات الدولية في التدفق، يبقى من الضروري أن تضمن واشنطن وشركاؤها عدم استفادة الجهات الفاعلة المشبوهة من عملية إعادة الإعمار. ويعني ذلك عدم توجيه أي دعم لـ "حزب الله"، بما في ذلك حلفاؤه والمجالس البلدية الخاضعة لسيطرته، وكذلك استثناء مجلس الجنوب اللبناني. فقد أُنشئ هذا المجلس من قبل الحكومة عام 1970 لتعويض سكان الجنوب عن الأضرار الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية، لكنه منذ ذلك الحين أصبح خاضعا بالكامل لـ “حزب الله" وحركة أمل. ولذا، يتطلب الأمر من المجتمع الدولي فرض رقابة صارمة على الحكومة اللبنانية، مع التدقيق في آليات صرف الأموال لمنع الفساد، وضمان الشفافية التامة حول الجهات المستفيدة من إعادة الإعمار، وإثبات أن "حزب الله" وأتباعه ليسوا متورطين في أي جزء من العملية.
على المدى الطويل، قد تجد الطائفة الشيعية نفسها تبحث عن بديل لـ "حزب الله"، إذا عجز عن تقديم التعويضات واستحقاقات إعادة الإعمار بشكل ملائم بعد الحرب. ومن هنا، يجب أن يتجسد هذا البديل في شكل تمثيل سياسي جديد خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة. لذلك، وبالتوازي مع استمرار تقليص نفوذ "حزب الله"، يتعين على شركاء بيروت الخارجيين المساهمة في تمكين المعارضة الشيعية وحمايتها، لا سيما خلال تحضيراتها للاستحقاقات الانتخابية المقبلة في مواجهة "حزب الله".
حنين غدار هي زميلة أقدم في زمالة ”فريدمان“ في معهد واشنطن ومؤلفة كتاب "أرض حزب الله ": رسم خريطة الضاحية والطائفة الشيعية في لبنان.