- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3808
الحملة الإسرائيلية ضد "حماس" في غزة: أهداف الحرب والتحديات العملياتية
سيتطلب هدف تدمير "حماس" جهداً عسكرياً مطولاً، ولكن كلما طال أمد القتال، كلما تضاءلت احتمالات احتفاظ إسرائيل بحرية التصرف اللازمة لتحقيق أهدافها الحربية.
رداً على الهجوم الإرهابي الضخم الذي شنته حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت إسرائيل عملية "السيوف الحديدية"، وهي حملة جوية وبحرية وبرية متواصلة لتدمير القدرة العسكرية للحركة، وإنهاء حكمها في غزة، والحصول على العودة الآمنة لـ 240 رهينة أو أكثر من الرهائن الإسرائيليين والأجانب الذين تم أسرهم أثناء الهجوم. واستهدفت الحملة الجوية والبحرية، التي دخلت شهرها الثاني، من بين أمور أخرى، القيادة السياسية لـ "حماس" في غزة، وقادتها العسكريين، ومقاتلين من قواتها البرية والبحرية والجوية، إلى جانب مراكز القيادة ومرافق التدريب، ومواقع إطلاق الصواريخ، وشبكة الأنفاق تحت غزة، والورش العسكرية. وفي أعقاب عدد من التوغلات المحدودة، دخلت القوات البرية الإسرائيلية وبقوة الجزء الشمالي من قطاع غزة في السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، وتفيد التقارير أنها توسّع عملياتها هناك تدريجياً.
وفي غضون ذلك، تصد إسرائيل هجمات "حزب الله" في لبنان، فضلاً عن تلك التي يشنها "حزب الله" والميليشيات الأخرى الموالية لإيران في سوريا، والتي تسعى إلى ربط القوات على الحدود الشمالية لإسرائيل. ومن المرجح أيضاً أن الحزب يختبر حدود المخاطرة والرد الإسرائيلية هناك، ربما بهدف تصعيد العمليات على هذه الجبهة الثانية. سيتعين على واضعي السياسات والمخططين العسكريين الإسرائيليين الموازنة بين عدد من الاعتبارات، في إطار توسيع الحرب البرية سعياً لتحقيق أهدافهم الحربية.
تحقيق نتيجة حاسمة؟
ليس هناك شك في أن الجيش الإسرائيلي سيلحق خسائر فادحة بالتشكيلات العسكرية لعدوه، على الرغم من أن "حماس" قد تحاول تشتيت بعض هذه الأصول وإخفائها على الأقل على أمل تسهيل إعادة تشكيلها بعد الحرب. وتتألف القوة العسكرية لـ"حماس"، أي "كتائب عز الدين القسام"، إلى حد كبير من مقاتلين مسلحين بأسلحة خفيفة ومجهزين بأسلحة صغيرة، وقذائف صاروخية، وصواريخ مضادة للدبابات، ومجموعة ضخمة من الصواريخ. (ويمكن قول الشيء نفسه عن "سرايا القدس" التابعة لـ "حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني"). وعلى الرغم من عدم وجود تشكيلات مدرعة كبيرة يجب القضاء عليها، يحظى هؤلاء المقاتلين وقوات الصواريخ بحماية منظومات دفاع مجهزة واسعة النطاق التي تشكل جزءاً من المشهد الحضري الكثيف في غزة وتتداخل فيه، وسيكون من الصعب اقتلاعها.
بالإضافة إلى ذلك، لا بد من تدمير الورش العسكرية التابعة لـ"حماس"، والتي تنتج الآن جميع أسلحتها تقريباً. وقد يستغرق ذلك عدة أشهر - على الرغم من أن اعتماد الحركة على المعدات والمكونات والأنظمة منخفضة التقنية ومزدوجة الاستخدام قد يسهّل إعادة تشكيلها بعد الحرب. علاوة على ذلك، من المرجح أن يظل الكثير من ورش ومخابئ الأسلحة المدفونة تحت الأنقاض مجهولة أو لا يمكن الوصول إليها. وإذا لم تسترد إسرائيل هذه الأصول العسكرية، فقد تستردها "حماس" أو خليفتها.
إن الطبيعة ذات التكنولوجيا البسيطة نسبياً لقوة "حماس"، واعتمادها على ورش الأسلحة التي تستعمل معدات مزدوجة الاستخدام، واحتفاظ عناصر الحركة بالمعرفة المكتسبة خلال بناء هذه البنية التحتية سيعقّدان إلى حد كبير جهود إسرائيل للقضاء على هذه القدرات بشكل دائم.
تحديات الحرب الحضرية
يُعد القتال في المناطق الحضرية أصعب أشكال الحرب. وبالتالي فإن الحملة البرية الإسرائيلية يمكن أن تكون طويلة ودموية، وتتضمن قتالاً في شوارع غزة وأزقتها، فضلاً عن مجمعات الأنفاق الجوفية تحتها. ومن المحتمل أن يكون قسم كبير من دفاعات "حماس" على مستوى الشوارع في أجزاء من مدينة غزة قد تضرر بسبب الغارات الجوية، على الرغم من أن الأنقاض التي خلفتها قد توفر الغطاء والإخفاء لمقاتليها. علاوة على ذلك، قد تتعقد العمليات الإسرائيلية بسبب الرغبة في عدم إيذاء الرهائن عندما تشير المعلومات الاستخبارية إلى احتمال وجودهم. فضلاً عن ذلك، كثرت التساؤلات القائمة منذ فترة طويلة بشأن مدى جهوزية القوات البرية الإسرائيلية لمثل هذه المهمة المعقدة والصعبة في ظل الرد الضعيف للجيش الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر والمشاكل في تجهيز قوات الاحتياط المجندة في أعقاب ذلك. ومع هذا، فإن الانتظار الطويل قبل بدء العمليات البرية الكبرى قد أتاح الوقت الضروري لتحسين الخطط، وسد الفجوات الاستخباراتية، وحل المشكلات التي تم تحديدها أثناء التجنيد، وإجراء تدريبات تنشيطية للقوات.
فيما يتخطى مدينة غزة
في حين أن مركز الثقل العسكري لـ"حماس" قد يكون في مدينة غزة، إلا أنه سيتعين على إسرائيل في النهاية توسيع عملياتها البرية لتشمل مناطق مأهولة أخرى في القطاع - النصيرات، والبريج، والمغازي، ودير البلح، وخان يونس، ورفح - إذا كانت تريد تدمير الحركة. ويعيش العديد من مقاتلي "حماس" وقياداتها في هذه المناطق، وربما فر آخرون إليها منذ بداية النزاع للاحتماء بين حشود النازحين وبالقرب من المرافق التي تديرها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. وقد يتطلب هذا التوسع انتقالاً إضافياً للنازحين داخلياً الذين توجهوا سابقاً إلى الجنوب بناءً على طلب الجيش الإسرائيلي، مما يولّد تحديات إنسانية إضافية. ونتيجة ذلك، من المرجح أن تتعرض إسرائيل لضغوط لتجنب عمليات لاحقة في هذه الأجزاء الأخرى من القطاع.
التحديات والالتزامات الإنسانية
لا يمكن شن حرب ضد عدو متخفٍ في مدينة من دون إلحاق ضرر جسيم بالمدنيين الذين بقوا فيها. لكن إسرائيل لديها مصلحة والتزام ببذل قصارى جهدها لتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين من خلال ضمان أن يكون استخدامها للقوة متوافقاً مع الضرورة العسكرية، وتمييزياً (يركز على أهداف مشروعة)، ومتناسباً مع المكاسب العسكرية المتوقعة. ويتعين على إسرائيل القيام بذلك من منطلق مبدئي، والمحافظة على حريتها في العمل العسكري والدبلوماسي، حتى لو لم تحظَ جهودها بالتقدير اللازم. ومع ذلك، ففي حربها ضد عدو قاتل يسعى إلى إبادتها، من المرجح أن تطالب إسرائيل بدرجة كبيرة من الحرية في تنفيذ هذه المبادئ. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن حلفاء "حماس" قد تفاخروا بكيفية استخدام إيران في السابق للشحنات الإنسانية كغطاء لشحنات الأسلحة المتجهة إلى غزة، فمن المرجح أن تستمر إسرائيل في المطالبة بضمانات صارمة عند معبر رفح الحدودي لضمان عدم تكرار هذا الأمر على الإطلاق، حتى لو كان ذلك يعيق استيراد السلع الإنسانية إلى قطاع غزة.
وتواجه إسرائيل معضلة كبرى في قتال عدو يختبئ بين المدنيين، حيث تغذي الخسائر البشرية الهائلة في صفوف المدنيين استراتيجية "حماس" المتمثلة بغرس كراهية اليهود في نفوس أنصارها - الذين يشير إليهم قادتها، الملتزمون بالجهاد العنيف، بانتظام باسم "أبناء القردة و الخنازير"، و"قتلة الأنبياء"، والقذرين، وقمامة البشر. وبالنسبة للفلسطينيين الذين لا يدعمون "حماس" أو يؤمنون بأيديولوجيتها، تسعى الحركة إلى ضمان تكبدهم خسائر فادحة، من خلال استخدامهم كدروع بشرية، من أجل تعزيز كراهية العدو وكسب التعاطف في الخارج. وبالنسبة لإسرائيل، ليس هناك حل سهل لهذه المعضلة.
روايات المبارزة
يمكن أن تخلّف الصور العاطفية تأثيراً كبيراً على الجماهير وواضعي السياسات. وهكذا تم تقليص العمليات الإسرائيلية في لبنان في عامي 1996 و 2006 نتيجة الاحتجاج الدولي الذي أثارته التقارير الإعلامية عن ضربات المدفعية الإسرائيلية التي استهدفت مقاتلي "حزب الله" وقتلت مدنيين عن طريق الخطأ في بلدة قانا. وعلى العكس من ذلك، فإن الصور التي التقطتها الكاميرات التي ارتداها مقاتلو "حماس" خلال المذبحة التي ارتُكبت في 7 أكتوبر/تشرين الأول بحق المدنيين الإسرائيليين، أكسبت إسرائيل التعاطف والشرعية لعملياتها.
لكن إسرائيل تواجه عموماً عيوباً هيكلية كبيرة في المجال المعلوماتي. أولاً، كانت الصور القادمة من ساحة المعركة فظيعة لأن القتال ضد عدو متمركز بين المدنيين أمر فظيع ويؤدي حتماً إلى خسائر فادحة في صفوف غير المقاتلين هناك. ثانياً، تعاني إسرائيل من عدة مواطن ضعف أخرى، حيث يميل الصحفيون إلى: (1) إعطاء وزن متساوٍ لادعاءات الجانبين والقبول دون انتقاد حتى التفسيرات الأكثر تحاملاً لأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر من أجل إظهار حيادهم - على سبيل المثال، أن عنف "حماس" وُلد من اليأس، وليس من التلقين والالتزام العقائدي بالجهاد؛ و (2) تجنب تناول الدور المركزي الذي تلعبه "حماس" في التسبب بمأساة قطاع غزة، والذي ربما تمليه سياسات هؤلاء الصحفيين أو المنظمات غير الحكومية التي يعتمدون عليها للحصول على المعلومات، والحاجة إلى الحفاظ على وصولهم إلى غزة. ونتيجة لذلك، فإن "حماس"، السلطة الحاكمة الفعلية في غزة، تكاد تكون غائبة كلياً عن التقارير الواردة من هناك. ومع ذلك، فمن السابق لأوانه القول كيف ستؤثر هذه العوامل في النهاية على مسار الحرب الحالية.
الحفاظ على حرية التصرف
أخيراً، ليس من الواضح إلى متى ستظل إسرائيل تتمتع بحرية التصرف في غزة؛ فكلما طال أمد الحرب، كلما زاد احتمال توسع العنف بين اليهود والعرب في الضفة الغربية وإسرائيل، والتصعيد مع "حزب الله" - حتى لو كانت الحرب مع "حزب الله" تبدو غير محتملة، على الأقل في الوقت الحالي - وعدم الاستقرار السياسي في العالم العربي وربما تزايد الضغوط الأمريكية لإنهاء العملية بسبب ارتفاع عدد الضحايا المدنيين أو حدث مروع يشبه ما جرى في بلدة قانا. على أي حال، إذا كان الماضي عبرة، فيمكن الاستنتاج أنه كلما طال أمد الحرب، كلما زاد احتمال أن تؤدي القيود السياسية وربما العسكرية إلى إعاقة قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها الحربية. ومن المرجح أن تكون إدارة هذه التوترات صعبة على نحو متزايد، ولكنها ستكون ضرورية إذا أرادت إسرائيل تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على "حماس" كجهة فاعلة عسكرية وكيان سياسي.
مايكل آيزنشتات هو "زميل كان"، ومدير "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" في معهد واشنطن.