- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2625
«الحرس الثوري الإسلامي» يطغى على سلاح الجو الايراني
في 24 أيار/ مايو، فقدت "القوات الجوية الإيرانية" شاباً إضافياً من الطيارين المقاتلين، الرائد روزبيه نزريان، في حادث يشمل طائرة روسية الصنع من طراز "ميغ 29" كانت في رحلة تدريبية روتينية. يُذكر أن هذه الحادثة هي حادثة الطيران الثالثة عشرة لـ "القوات الجوية الإيرانية" والتي توقع الضحية الرابعة عشرة في غضون خمس سنوات فقط، كما أنها أثارت ردود فعل عاطفية في صفوف الإيرانيين بنفس درجة العواطف التي أثارتها خسائر الجيش الأخيرة في سوريا. وعلى الرغم من أن الطفرة التي تشهدها معدلات الحوادث بين الحين والآخر قد تبدو طبيعية في إطار أي قوة جوية في جميع أنحاء العالم، إلا أن مشاكل إيران مميّزة لأن أسطولها الجوي متقلص وغير متجدد، وساعات الطيران فيه أقل من المتوسط، وهو يعاني من عيوب ضخمة في الميزانية مقارنة مع «الحرس الثوري الإسلامي» القوي، وذلك نتيجة العقوبات الدولية وتحويل الأولويات على أعلى مستويات قيادة النظام الإيراني.
تحت الضغط
في السنوات الأخيرة، تمكنت القوات الجوية الإيرانية من تأمين ما يكفي من التمويل وحسب لإصلاح بعض الطائرات العسكرية التي لا تزال صالحة للقيام بعمليات جوية وتحديثها، بيد أنه لطالما تم انتظار استبدالها الكامل نظراً إلى عمر هذه الطائرات وتردي وضعها. وقد رزحت "القوات الجوية" تحت ضغط أولئك الذين يشككون في قدرتها على البقاء لمدة من الزمن، وخسرت جميع أصول الدفاع الجوي التي كانت تمتلكها لصالح فرع الجيش الجديد في عام 2009. وفي الوقت نفسه، يتمتع «الحرس الثوري» الإيراني بمكانة أفضل مع المرشد الأعلى علي خامنئي، ويجذب حصة أكبر بكثير من ميزانية الدفاع السنوية المباشرة ومن الأموال غير المباشرة، كما حوّل نفسه بشكل مستمر إلى قوة اقتصادية مهيمنة. كما تمكّن من إقناع المرشد الأعلى بأن امتلاك برنامج صاروخي دينامي سيعزز الردع بشكل أكثر فعالية مما تمكّنت "القوات الجوية الإيرانية" من فعله على الإطلاق.
لقد بدت هذه الحجة وكأنها لا تخلو من بعض المصداقية، إلى أن أثبتت القوات الروسية التي تتدخل في سوريا أن القوة الجوية المرنة والمستمرة يمكنها أن تضاعف القوة بشكل أفضل من أي ترسانة صواريخ باليستية. فعندما أمرت موسكو بشن أولى غاراتها الجوية هناك في أيلول/ سبتمبر الماضي، سرعان ما اعتُبرت بمثابة نقطة تحول لنظام الأسد المحاصر. وفي المقابل، من المرجح أن تكون هناك فائدة محدودة لقوة الصواريخ الباليستية في مثل هذه الحرب سريعة التغيّر وغير المتناسقة.
وقد ذكرت بعض التقارير أن "القوات الجوية الإيرانية" انتهزت الفرصة للضغط على خامنئي لتنشيط سلاح الجو، وبدا لبعض الوقت أنها تؤمن مستقبلها من خلال كسب بعض المال بعيداً عن المشاريع الصاروخية لـ «الحرس الثوري». ومن جهته، ورداً على ذلك، أطلق «الحرس الثوري» حملة مسعورة في العلاقات العامة، عرض خلالها صواريخه متوسطة المدى التي لا تزال عاملة من خلال استضافة جولات متلفزة ومفصلة في مجمعات الصواريخ الشاسعة تحت الأرض. كما ادعى أنه يملك صواريخ أكثر دقة، مثل صاروخ "عماد" الذي ادعى أن "الخطأ الدائري المحتمل" فيه يبلغ 8 أمتار فقط.
وفي المقابل، وعلى الرغم من كسب حوالي 230 مليون دولار في العام الماضي من خلال إصلاح الطائرات العسكرية والمدنية (وفقاً للميزانية المنشورة)، لم يتمكن قطاع الطيران الإيراني من تطوير تصميم قابل للتطبيق لطائرة مقاتلة حديثة خاصة به، وقد ثبت أن أي ادعاءات على العكس من ذلك هي ادعاءات كاذبة. وهذا يجعل عملية الشراء من الخارج الخيار الوحيد القابل للتطبيق لغرض إجراء عملية تحديث كبيرة لـ "القوات الجوية الإيرانية" في المستقبل المنظور.
الإتصال الروسي
بعد انتهاء الحرب العراقية -الإيرانية في عام 1988، اتجهت طهران إلى موسكو لتجديد سلاحها الجوي القديم. وقد وصلت الطائرة الأولى من بين خمسة وثلاثين طائرة من طراز "ميغ 29" في أيلول/ سبتمبر 1990، تلاها سرب من طائرات الهجوم "سوخوي سو 24" بعيدة المدى. وعلى الرغم من تسليم هذه الطائرات مع التزام بدعم لمدة عشرين عاماً، برز نقصاً في الوثائق التقنية الروسية والمساعدة الموعودة، مما أدى في النهاية إلى تقويض التحسن في القدرات الذي توفرها الطائرات الجديدة. وفي الوقت الحالي، لا يزال أسطول "القوات الجوية الإيرانية" متخلفاً عن الأساطيل الغربية المشابهة من حيث الاستعداد والأداء على حد سواء. حتى إنه توجب على سلاح الجو جلب فنيين من ذوي الخبرة بعد أن أحيلوا على التقاعد للتعامل مع التحدي المتزايد الذي يطرحه الإبقاء على الطائرات قادرة على الطيران [والقيام بمهامها].
وفي الصيف الماضي، أرسلت إيران وفداً رفيع المستوى إلى معرض "ماكس2015" الجوي في موسكو. وقد ترأس ذلك الوفد سورينا ستّاري، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني لشؤون العلوم والتقنية، ونجل قائد القوات الجوية الراحل الجنرال منصور ستاري الذي كان قد قاد المسعى السابق [والبعثة التي أعقبته] لشراء طائرات روسية. ووفقاً لموقع "سبونتيك" الإعلامي التابع للحكومة الروسية، أسفرت الرحلة عن إعلان إيران بأنها قد تشتري ما يصل إلى 100 قاذفة مقاتلة متطورة من طراز "سو 30" وطائرات التدريب العسكرية "ياك-130" كجزء من صفقة سلاح كبيرة تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار. وقد برزت شائعات تشير إلى التوصل إلى اتفاق مماثل مع الصين.
بيد أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 يحظر جميع عمليات البيع المماثلة إلى إيران لمدة خمس سنوات بعد تاريخ اعتماد «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أي الاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ في تشرين الأول/ أكتوبر. وخلال هذه الفترة، لا بد أن يحصل البائعون المحتملون على موافقة مجلس الأمن قبل شحن أي طائرة مقاتلة إلى إيران. من جهتها، تبدو موسكو وبكين مترددتين في معارضة هذا القرار المقيّد صراحة، لذا فإنه من غير الواضح ما إذا كانت أي طائرات مقاتلة جديدة ستصل فعلاً إلى طهران في النهاية ومتى سيحدث ذلك.
أزمة الميزانية
وفقاً لأحدث الأرقام التي نشرتها البوابة القانونية الإيرانية "شيناسنامه"، تبلغ ميزانية الدفاع غير المصنفة للحكومة للسنة المالية الفارسية الحالية 1395 (21 آذار/ مارس 2016، إلى 21 آذار/ مارس 2017) 9 مليارات دولار، أي أنها تشهد زيادة بنسبة 43 في المائة عن العام السابق. وفي حين أن هذا المبلغ ضئيل مقارنة بميزانية المملكة العربية السعودية التي تبلغ 45.9 مليار دولار، لا شك في أن «الحرس الثوري» الإيراني وبعض الفروع العسكرية الأخرى تتمتع بمصادر إضافية للدخل، وأنه تم توسيع تمويلها الرسمي بصورة أكثر عندما خصص البرلمان مبلغاً إضافياً بقيمة 1.4 مليار دولار باستخدام المال الذي تم الإفراج عنه بموجب «خطة العمل المشتركة الشاملة».
مع ذلك، يبدو أن هذه الزيادة الغير متوقعة في الميزانية لم تشمل سلاح الجو. فـ "جيش الجمهورية الإسلامية" ["الجيش الوطني الايراني" (أو "ارتش")] سيحصل على 2 مليار دولار هذا العام، ولكن سيتم إنفاق 5.3 مليون دولار فقط من هذا المبلغ على "تجديد أسطول سلاح الجو"، وهو مبلغ ضئيل جداً حين يأخذ المرء بعين الاعتبار أن تكلفة طائرة واحدة من طراز "سو 30" تتراوح ما بين 47 و53 مليون دولار. وبالمثل، يتم تخصيص 3.5 مليون دولار فقط لإعادة بناء القواعد الجوية، و8.3 مليون دولار لإصلاح مروحيات الجيش. هذا ولم يتلقَ قطاع الطيران الإيراني أي مبلغ من ميزانية هذا العام، وذلك ربما لأنه من المتوقع إعادة توجيه بعض الأموال التي كسبها العام الماضي نحو مشاريع الإصلاح.
وفي المقابل، ورد أنه تم تخصيص مبلغ 4.9 مليار دولار لـ «الحرس الثوري»، أي زيادة بنسبة 67 في المائة عن العام السابق، والتي ينبغي أن تضاف إلى ميزانية قوات "الباسيج" التي تبلغ 357 مليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لـ "هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة" ميزانية منفصلة تبلغ 684 مليون دولار، أي زيادة بنسبة 34 في المائة، تشمل 430 مليون دولار مخصصة لـ "تحسين القدرات الدفاعية". ويمكن لهذه الميزانية أن تفيد «الحرس الثوري» أو "جيش الجمهورية الإسلامية". وحالياً، تنتج إيران أغلبية أسلحتها ومعداتها العسكرية في البلاد، وبالتالي فإن القيود المفروضة على المشتريات الأجنبية لا تشكل عائقاً كبيراً للفروع الأخرى كتلك التي تشكلها لـ "القوات الجوية الإيرانية".
وفي حين يصب الوضع الراهن في صالح «الحرس الثوري» الإيراني، الذي لا يزال يهيمن على ميزانية الدفاع الإيرانية وعلى عمليات التخطيط للمعارك مع صواريخه السرية وبرامجه البحرية النشطة، فإن "القوة الجوية الوطنية" تأمل أن تتم إعادة إدخال الموردين الدوليين في النهاية مما سيساعدها على الوقوف على قدميها. وفي غضون ذلك، يمكن لقادة "القوات الجوية الإيرانية" أن يحاولوا أن يظهروا لصانعي القرار الإيراني أن القوات المسلحة التقليدية هي خيار أكثر استدامة من برنامج الصواريخ الباليستية السري الذي تديره منظمة ثورية منافسة ذات جدول أعمال غريب وعدد قليل من الحدود العملية. وربما من الممكن أن تبرز - ذات يوم - قوات جوية إيرانية حديثة ومسؤولة للعمل مع المجتمع الدولي في المنطقة وخارجها. أما ما إذا كان سيُسمح يوماً ما لـ "القوات الجوية الإيرانية" بلعب مثل هذا الدور في الخارج، أو حتى السيطرة على الأرض في الداخل في مواجهة «الحرس الثوري» الإيراني، فسيعتمد ذلك على المسار السياسي المقبل الذي ستنتهجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
فرزين نديمي هو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج ومقره في واشنطن.