- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2401
الجدال في إيران: ما الخطوة التالية في العلاقة مع الولايات المتحدة؟
يحتدم الجدال في الشارع الإيراني حول معنى ما حدث في لوزان الأسبوع الماضي. ويتمحور اثنان من أبرز الأسئلة المطروحة حول سبب الاختلاف بين المنظور الإيراني والمنظور الأمريكي، وحول ما إذا كان اتفاق الإطار النووي ينبئ بتحسن أكبر في العلاقات بين الطرفين.
لوزان، نقطة تحول؟
في مقابلة أجراها الرئيس أوباما مع توماس فريدمان في 4 نيسان/أبريل، وصف الرئيس الأمريكي الضوابط النووية بأنها تتيح "الفرصة بالتحرك في اتجاه مغاير أمام تلك القوى الإيرانية التي تريد التحرر من الإطار الصارم الذي تعيش فيه منذ وقت طويل". وتحدث أيضاً عن أمله بأن يعزز هذا الإطار نشوء "حقبة جديدة من العلاقات الأمريكية-الإيرانية".
وهذه لغة ٌ تتطابق مع كلام الرئيس الإيراني حسن روحاني عن المسألة النووية. على سبيل المثال، وصف اتفاق الإطار الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي بـ "التوافق". وفي حين أن هذه الكلمة قد تستخدم للإشارة إلى "اتفاق" أو "صفقة"، إلا أن اللغة الفارسية تتضمن مفردات أخرى يشيع استخدامها بالقدر نفسه على الأقل في سياق المعاهدات الرسمية أو الاتفاقيات القانونية على غرار "موافقت نامه" أو "توافق نامه". إلا أن كلمة "توافق" بحد ذاتها، بخلاف تلك المصطلحات، توحي في ذهن الإيرانيين بكونها أكثر من مجرد اتفاقية قانونية؛ فالكلمة تستخدم أيضاً للإشارة إلى مصالحة بين شخصين كانا على خلاف. كما أن لهذه الكلمة دلالة على السلام، بخلاف كلمة نزاع. وبالتالي فمن خلال استخدام هذه الكلمة يبدو أن الرئيس روحاني يوحي بحدوث المزيد في المستقبل - أي يمكن أن تتحسن العلاقات مع الولايات المتحدة. كما تساعد هذه الكلمة على إحداث انقسام بين مناصري سياسته النووية ومنتقديه، بحيث يظهر المناصرون بحلة محبي السلام بينما يظهر ضمنياً المنتقدون كدعاة للحرب.
في 3 نيسان/أبريل، وفي أول تصريح للرئيس روحاني بعد اعلان إطار لوزان، قال رئيس الجمهورية الإسلامية بتحدثه أمام جمهور محطة تلفزيون إيرانية أنّ "المفاوضات النووية هي الخطوة الأولى للوصول إلى قمة التفاعل البنّاء مع العالم... والسبب الذي يدفعنا إلى التفاوض مع العالم ليس لأننا نواجه مشكلة ما يدعى بـ "النووي" وبعد [أن نحلّها] ننهي تفاعلنا مع العالم. بل هذه هي الخطوة الأولى نحو الوصول إلى هدف التفاعل البناء مع العالم. نحن نعمل ونتعاون مع جميع تلك البلدان التي تريد أن تحترم الأمة الإيرانية وتريد التعامل مع الشعب الايراني على مبدأ المصالح المشتركة... نريد أن نحسّن علاقاتنا مع الدول التي تربطنا بها علاقات جيدة وأن ننهي التوتر والعداء مع تلك البلدان التي تتصف علاقتنا بها بالعداء والتوتر". وتبرز أهمية المقطع الأخير من هذا الحديث بشكل خاص لأن المسؤولين الإيرانيين لطالما كرروا أن للجمهورية الإسلامية دولتين عدوتين فقط، هما الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتوحي نبرة الرئيس روحاني بأنه ومسؤولين آخرين يأملون بتغير مسار السياسة الخارجية الإيرانية بعيداً عن "المقاومة الثابتة للعنجهية العالمية"، وهي مقاربة تلقى تأييداً حاسماً من المرشد الأعلى علي خامنئي. ولكن يبقى عليهم التغلب على مقاومة ملحوظة من المحافظين إذا كانوا يأملون في إحداث أي تغيير من هذا القبيل. ففي 6 نيسان/أبريل، قام أستاذ محافظ معروف من جامعة طهران يدعى إبراهيم فياض بمقارنة الاتفاق النووي بقرار مجلس الأمن رقم 598 الذي دعا إلى إنهاء الحرب الإيرانية - العراقية دون أن يحدد الطرف المعتدي؛ وأشار إلى أن الضوابط النووية تعتبر على النحو نفسه "ظالمة بحق الشعب الإيراني" وأن طهران" أرغمت على القبول بها"، ثم خلص إلى القول إن "هدف أمريكا هو حرمان النظام من عدو". وفي اليوم نفسه، أعلن زعيم ميليشيا «الباسيج» الجنرال محمد نقدي أنه "حري بالحكومة والأمة [الإيرانية] أن تصفعا أمريكا الخائنة... فقد أثبتت هذه المفاوضات - مرة أخرى - أن الأمريكيين كاذبون وليسوا أهلاً للثقة".
وفي الوقت نفسه، انطلق العديد من الإيرانيين في مسيرات في شوارع العاصمة وغيرها من المدن الكبرى احتفالاً بالإعلان عن اتفاق الإطار. فقد اعتبر الكثير منهم أن الاتفاق النووي لا يعني بداية رفع العقوبات فحسب، بل أيضاً نهاية العداء مع الولايات المتحدة - وهذا تطور تحوّلي يأملون أن يغيّر من تصرفات الحكومة في بلادهم أيضاً. ولكن سرعان ما تلاشى رد الفعل المبتهج والعفوي هذا حين اندلعت حرب تأويلات بين واشنطن وطهران حول ما تم فعلياً الاتفاق عليه في لوزان.
حرب تأويلات؟
بعد فترة وجيزة من الإعلان عن اتفاق الإطار، ظهر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقابلة على قناة رسمية إيرانية وانتقد الإعلام الرسمي لنشره معلومات خاطئة حول الاتفاق وعلى الادعاء بأن الإعلان الصادر عن الاتحاد الأوروبي يختلف عما كشفه هو ووزارة الخارجية عن بنود الاتفاق. وبعد ذلك، في 6 نيسان/أبريل، طلب "مجلس الشورى" من الوزير ظريف المثول أمام "لجنة الشؤون الخارجية والأمن القومي" لتفسير التباين بين ورقتي الوقائع الأمريكية والإيرانية. وقد عرضت وسائل الإعلام الرسمية ثوانٍ قليلة من الجلسة حيث ظهر الوزير ظريف يفقد أعصابه ويرفع يده اليمنى ويقسم بالله قائلاً إن "هذا كذب بحت". وفي وقت لاحق انتقد موقع "ألف" الإلكتروني التابع لعضو البرلمان المحافظ أحمد توكلي هذا البث معتبراً أنه "ينقل مشهد توترات ونزاعات داخلية إلى المراقبين والخصوم وأعداء النظام في جميع أنحاء العالم ويرسم صورة سيئة عن النظام حول مسألة حيوية".
بيد أن البث العلني للاختلافات يزيد من تهكم الشعب حول معنى الاتفاق بالنسبة إلى إيران واحتمالات صون الاتفاق النهائي. كما يوحي أيضاً بأن المحطات التلفزيونية والإذاعية الرسمية التي تعمل تحت إمرة خامنئي وتشكل مصدر الأنباء الرئيسي لمعظم الإيرانيين، قد لا تساعد الرئيس روحاني بشكل خاص في هذه المسألة.
أما على مواقع التواصل الاجتماعي فأبرز الأسئلة المطروحة هو: أي وصف للاتفاق هو الصحيح؟ وقد جادل البعض أن إيران خاسرة على الحالتين. فإذا صحّت ورقة الوقائع الأمريكية، يخشى الكثيرون ألا تُرفع العقوبات في أي وقت قريب وأن تبقى العقوبات الكبيرة غير النووية مفروضة لأجل غير مسمى. وفي هذه الحالة يعتقد بعض الإيرانيين أن المتشددين ربما كانوا محقّين في ارتيابهم من أن تكون المفاوضات مكيدة ترغم طهران على القبول بصفقة سيئة. وفي المقابل، إذا لم تكن ورقة الوقائع الأمريكية دقيقة وصحّت أقوال فريق الرئيس روحاني، فكيف تستطيع إيران التفاوض عندما تكذب واشنطن حول ما تم الاتفاق عليه؟ بمعنىً آخر، إذا كانت واشنطن تسيء تفسير الاتفاق بما يخدم مصلحتها، كيف يمكن لإيران أن تدخل في التزام طويل الأمد مع فريق ليس أهلاً للثقة؟
وفي الوقت نفسه، يلتزم خامنئي وقيادات «فيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني بالصمت حول تطورات لوزان. ويوحي هذا الانقطاع الطويل للكثير من الإيرانيين بأن معسكر المرشد الأعلى ليس متحمساً بشأن الاتفاق الإطاري وأنه بحاجة إلى دراسته وجمع المعلومات حوله قبل اتخاذ قرار بشأن ما يجب قوله بهذا الشأن. ولا يسع المرء سوى التخوف - جراء هذا التأخير - من أن يسلك خامنئي في النهاية الدرب نفسه الذي سلكه مع الاتفاق حول "مفاعل طهران للأبحاث" الذي اقترح في عام 2009: وهو تأييد الاتفاق مبدئياً بفتور ثم رفضه عند الاطلاع على نصه الكامل.
وليس مستغرباً أن الابتهاج الشعبي بالاتفاق الإطاري يتحول على ما يبدو إلى حسٍّ بالارتباك والحيرة. ومع أن القليل من الإيرانيين يهتمون بتفاصيل ما يحق وما لا يحق للبرنامج النووي الاحتفاظ به، تلقى مسألة رفع العقوبات صدىً مدوياً في نفوسهم، علماً بأن هذه هي تحديداً النقطة التي تختلف حولها روايات الرئيسين أوباما وروحاني أشد الاختلاف. وإذ سبق للشعب الإيراني أن شاهد آماله برفع العقوبات تسحق عدة مرات في الماضي، بات يملك سبباً جوهرياً للقلق من أن تكون طهران تقدّم مرة أخرى وعوداً أكبر مما ستفي به الولايات المتحدة.
المحصلة
إن القاعدة المتعارف عليها هي أن الحكومة الأمريكية لا تستطيع فعل الكثير أو حتى فعل شيء للتأثير على الجدالات الدائرة في إيران. لكن الاتفاق النووي ونتائجه على رفع العقوبات قد يشكل استثناءً بسيطاً لهذه القاعدة. فإذا تمكنت واشنطن وطهران من التعبير باللغة نفسها عمّا تم الاتفاق عليه وعما يجب معالجته، يمكنهما تبديد مخاوف الشعب الإيراني من استمرار الخلافات الكبرى ومن بقاء الولايات المتحدة في دائرة الشك وقلة الثقة. وهذا شرط ضروري - مع أنه ليس كافياً على الإطلاق - للتوصل إلى اتفاق نهائي قابل للاستمرار.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن. پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في المعهد.