- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3587
الجهاد التونسي في ظل الانقلاب
إذا تأخر الغرب في الضغط على الرئيس التونسي قيس سعيّد حول استئناف التحول الديمقراطي، فإنه يخاطر بتقويض التقدم المحرز حتى الآن في إنشاء بنية تحتية مهنية وغير سياسية لمكافحة الإرهاب.
مع تلاشي تهديد الهجمات الجهادية في تونس وتحوّله إلى قضية يمكن السيطرة عليها في السنوات الأخيرة، أصبحت الإصلاحات المتعلقة بالتأهيل المهني والشفافية وسيادة القانون أساسية لانتقال هيكل مكافحة الإرهاب في البلاد إلى المرحلة التالية. ومع ذلك، أثار الانقلاب الذي قام به الرئيس قيس سعيّد في العام الماضي تساؤلات جديدة حول هذا التقدم، حيث تساءل المراقبون عما إذا كانت غرائزه الاستبدادية ستؤدي إلى تسييس مكافحة الإرهاب كما كان عليه الحال قبل ثورة عام 2011.
واستناداً إلى البيانات المقارنة على مدار العقد الماضي، لا توجد دلائل على صحة هذا التسييس - على الأقل حتى الآن. وفي الواقع، تراجعت إحصاءات الاعتقال من عام 2021 عن العام الذي سبقه ويبدو أنها تؤكد أن الجهاد لا يزال مشكلة أقل خطورة مما كان عليه بين عاميْ 2015 و 2018. وفي غضون ذلك، شهد العام الماضي أكبر عدد من المحاكمات المتعلقة بالإرهاب منذ عام 2011، مما يشير إلى غياب أي تراجع على هذا الصعيد في عهد سعيّد على الرغم من الحاجة إلى تحسين الإجراءات القضائية. ومع ذلك، حتى لو لم يتم تسييس الاعتقالات الإرهابية بشكل واضح كما كان عليه الحال في عهد الدكتاتور السابق زين العابدين بن علي، فإن التوجّه العام لسعيّد نحو التدابير الاستبدادية المتزايدة - وآخرها حله لـ "مجلس القضاء الأعلى" - يستحق اهتماماً وثيقاً في الأشهر المقبلة نظراً لتأثيره المحتمل على التعبئة المحلية والاتجاهات ذات الصلة.
تقليص تأثير الحركة الجهادية عام 2021
على الرغم من الزيادة الطفيفة في الهجمات مقارنة بعام 2020، لا يزال إجمالي عددها في العام الماضي أقل بكثير من الأرقام المسجلة في العقد السابق. بالإضافة إلى ذلك، شملت جميع الهجمات التي شُنت عام 2021، باستثناء واحدة منها، عناصر استخدمت عبوات ناسفة ضد قوات الأمن في المناطق الجبلية الريفية. والاستثناء الوحيد هو هجوم طعن فاشل في تونس. بعبارة أخرى، لم تُنفَّذ هجمات عنيفة واسعة النطاق تستهدف مناطق مدنية مزدحمة، بخلاف سلسلة حوادث الإصابات الجماعية التي حصلت في الماضي.
ويمكن تفسير الارتفاع السريع في الملاحقات القضائية جزئياً إلى تعافي النظام بعد تراجع عدد الإصابات بمرض فيروس كورونا ("كوفيد-19") خلال العام الأخير. ويشير الارتفاع أيضاً إلى أن التغييرات القضائية التي فرضها سعيّد لم تؤدِّ (بعد) إلى تراجع الشفافية في الإجراءات القضائية المتعلقة بمكافحة الإرهاب - علماً بأن النظام ما زال بحاجة إلى التعزيز من خلال إصلاحات هادفة إضافية.
أما بالنسبة إلى عدد المعتقلين، فإن عدم وجود تغيير جذري يشير إلى أن السلطات تعمل وفق المعايير نفسها التي اعتمدتها قبل انقلاب سعيّد. وتشمل أبرز القضايا في عام 2021 ما يلي:
- كانون الثاني/يناير: اعتقال زعيم لم يذكر اسمه لـ «كتيبة عقبة بن نافع» التابعة لتنظيم «القاعدة».
- نيسان/أبريل: إحباط هجوم لتنظيم «الدولة الإسلامية» على مقر أمني في صفاقس.
- تشرين الأول/أكتوبر: السلطات تعيد اعتقال سيف الدين الرايس الناطق الرسمي السابق باسم التنظيم الجهادي «أنصار الشريعة» في تونس. كما اعتقلت أعضاء خلية إعلامية تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في بنزرت وخلايا تجنيد للنساء في الكاف وتوزر.
- كانون الأول/ديسمبر: في أريانة، اعتُقل نيجيري زُعم انتماؤه إلى «بوكو حرام» أثناء محاولته العبور إلى أوروبا من تونس. وفي توزر، اعتُقل شخص متورط في هجوم "يوم الباستيل" في عام 2016 في مدينة نيس، فرنسا.
وعلى غرار السنوات السابقة، أعلن الجيش أيضاً مقتل العديد من الشخصيات الجهادية البارزة، بمن فيهم المسؤول [في «جند الخلافة»] المؤيد لـ لتنظيم «الدولة الإسلامية» حمدي ذويب وخمسة من قادة كتيبة «عقبة بن نافع»: عبد الباقي بوزيان، وبدر الدين ونيسي، وطالب يحياوي، وطارق سليمي، وساسي سلوبة، وثلاثة منهم من أصل جزائري. وفي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، أضافت وزارة الداخلية شخصاً يُدعى صبر بن خميس خلف الله إلى قائمة المطلوبين للإرهاب، لكن دون الإشارة إلى انتماءاته.
وفيما يتعلق بوضعهما داخل تونس، فإن تنظيميْ «الدولة الإسلامية» و«كتيبة عقبة بن نافع» في حالة ضعف حالياً. فـ «كتيبة عقبة بن نافع» لم تتبنَّ أي هجوم هناك منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، مما يشير إلى احتمال تفككها، أو انتقال أعضائها إلى مناطق أخرى - ربما في الساحل، حيث توجد فرص أكبر لإجراء عمليات مع فرع تنظيم «القاعدة» - «جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين». وأعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن هجوم واحد فقط في تونس العام الماضي، وهو أدنى معدل سنوي لهجماته في تلك البلاد.
وفي تموز/يوليو الماضي، نشرت الرسالة الإخبارية الأسبوعية "النبأ" التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» افتتاحية عن الانقلاب، وصفت فيها الوضع في تونس بأنه دليل إضافي على أن النهوض بالإسلام عن طريق الديمقراطية والوسائل السلمية لا يجدي نفعاً. وخدم هذا النقاش المتوقع غرضين: إدانة حزب "النهضة" الإسلامي التونسي، وترويج المسار "الصحيح" للجهاد والشريعة والتوحيد. وفي ضوء هذه الآراء وعدم اليقين العام المستمر بشأن المستقبل السياسي لتونس، قد يمكن الاعتقاد بأن الجهاديين سيستغلون الانقلاب بسرعة. وحتى الآن، رغم ذلك، لم يتمكن أي من التنظيمات المحلية التابعة لتنظيمي «الدولة الإسلامية» أو «القاعدة» من استقطاب الكثيرين فيما يتخطى النقاط البلاغية على الإنترنت - بشكل مشابه من بعض النواحي لوضع المتطرفين المحليين المعزولين في الدول الغربية.
القضايا العالقة
فيما يتعلق بصعوبة إعادة المقاتلين الأجانب التونسيين وعائلاتهم من السجون والمخيمات في العراق وليبيا وسوريا إلى وطنهم، لم تحرز الحكومة التونسية تقدماً يُذكر في عام 2021. وهذا ليس مفاجئاً نظراً لغياب الرغبة السياسية لدى المجتمعات المحلية في اتخاذ مثل هذه الإجراءات.
وفي آذار/مارس 2021، تم إعادة ثلاث نساء وخمسة أطفال من سرت في ليبيا - "العاصمة" السابقة لـ "ولاية" تنظيم «الدولة الإسلامية» في تلك البلاد. ومع ذلك، لا يزال عدد كبير من المعتقلين التونسيين في شمال شرق سوريا، حيث أثبت الهجوم الأخير الذي شنّه تنظيم "الدولة الإسلامية" على "سجن الصناعة" عدم استدامة الحل القاضي بترك هؤلاء الأفراد في السجون والمخيمات في الخارج. وقد يؤدي الاعتقال الطويل الأمد أيضاً إلى منح تنظيم «الدولة الإسلامية» الفرصة الدائمة لتحرير العناصر الخطرة إلى جانب زرع بذور التلقين في صفوف جيل جديد من الجهاديين التونسيين المستقبليين - وهي فكرة واقعية بالنظر إلى التعبئة الضخمة وغير المتناسبة للتونسيين وإرسالهم كمقاتلين أجانب إلى سوريا في العقد الماضي.
وشكّل نهج السجن المحلي الذي اعتمدته تونس مشكلة صعبة الحل. فبالإضافة إلى المخاوف المستمرة التي أثارتها التقارير بشأن التعذيب داخل نظام السجون، أفاد رئيس "اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب"، منير الكسيكسي، في آذار/مارس 2021 أن 70 بالمائة تقريباً من الأفراد المدانين في قضايا تتعلق بالإرهاب لم يحصلوا على أي خدمات إعادة تأهيل أو إعادة دمج بحلول الوقت الذي انتهت فيه أحكام سجنهم.
وفي غضون ذلك، أظهرت بعض رموز المعارضة ميلاً إلى تسييس قضايا مكافحة الإرهاب. على سبيل المثال، دعت عبير موسي، الرئيسة الشعبوية لـ "الحزب الدستوري الحر"، على نحو متواصل السلطات إلى تصنيف حزب "النهضة" كجماعة إرهابية واعتقال أعضائه على خلفية أعمال إرهابية مزعومة. وعندما تبوّأ حزب "النهضة" السلطة في الفترة 2011 - 2013، سهّل سوء الإدارة الذي اتّسم به عهده نمو تنظيم «أنصار الشريعة» في تونس. ومع ذلك، لم يدعم حزب "النهضة" هذا التنظيم بطريقة نشطة ولم يخطط لأي شكل من أشكال الإرهاب، ونُسب نهج "الليونة" غير الفعال الذي اعتمده بشكل أكبر إلى عدم الكفاءة والسذاجة لاعتقاده بأنه قادر على جذب فرع من فروع تنظيم «القاعدة» للانضمام إلى التجربة الديمقراطية.
ويبدو أن موسي مستعدة لدخول معترك الرئاسة في المستقبل في ظل فشل سعيّد المستمر في حل أي من القضايا الاقتصادية الأساسية التي دفعت غالبية السكان إلى دعم الانقلاب. ونظراً إلى وجهات نظر موسي المعروفة، فإن وصولها إلى سدة الرئاسة سيضع على الأرجح حداً لأي جهود إضافية ترمي إلى إنشاء جهاز محترف وغير مسيَّس لمكافحة الإرهاب - وهو الهدف الذي سعت واشنطن جاهدة لمساعدة تونس على تحقيقه على مدى سنوات.
لذلك، على الحكومة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين الضغط بشكل عاجل على سعيّد للقيام بما يلي:
- وضع حد لميله الاستبدادي
- إستئناف عمل "مجلس نواب الشعب" التونسي
- استئناف عملية التحول الديمقراطي في تونس
- إصلاح الاقتصاد بطريقة جذرية حتى لا يعود بالفائدة على القلة القليلة وحدها.
وإذا تأخر الغرب في هذه القضايا، فإنه يخاطر بتقويض التقدم المحرز حتى الآن في إنشاء بنية تحتية مستدامة ومهنية لمكافحة الإرهاب في تونس. وهذا بدوره سيجعل القتال المحلي ضد الجهاديين أكثر صعوبة، خاصة إذا استعادوا بعض مظاهر التنظيم والدعم من خلال المظالم المشروعة للشعب من سوء الإدارة الاقتصادية. وطالما لم يتم حل تداعيات الانقلاب، فمن المرجح أن تتوقف أو تتراجع أي جهود إصلاحية تتعلق بالبنية التحتية الحكومية لمكافحة الإرهاب.
هارون زيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن، وباحث زائر في "جامعة براندايز".