يشكّل الخطاب المطول الذي ألقاه المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أمام الحجاج في مدينة مشهد يوم 21 آذار/مارس بمناسبة عيد النوروز الخطاب السنوي الأهم في إيران (لا ينبغي الخلط بينه وبين خطابه التلفزيوني الأقل أهمية الذي تم بثه في منتصف الليل وأشار إلى بداية العطلة). فعلى مر السنين، كان خطاب "مشهد" أفضل مؤشر لرؤية خامنئي حول السياسة الداخلية أو الخارجية أو كليهما للعام القادم. ويمكن زيارة موقعه الإلكتروني khamenei.ir للاطلاع على هذه الخطابات التي تُرجمت إلى الإنجليزية وإلى العديد من اللغات الأخرى. ويضم المقال الراهن اقتباسات من هذا المصدر تم تنقيحها جميعاً لأغراض التوضيح حسب الضرورة.
لماذا النوروز ولماذا مشهد؟
[يٌفضل] عشرات الملايين من الإيرانيين السفر خلال مهرجان عيد النوروز الذي يمتد لفترة أطول، حيث تُغلق المدارس وتتوقف الصحف عن الطباعة وتَغلق معظم الشركات والمكاتب الحكومية أبوابها لجزء من العطلة على الأقل.
وتشكّل مدينة مشهد وجهة السفر الأكثر شعبيةً، وتحديداً ضريح ثامن الأئمة علي رضا. ففي يوم النوروز، يحتشد مئات آلاف الزوار داخل الحرم الكبير الذي يُعد من أحد أبرز المعالم المعمارية في الشرق الأوسط. ويشكل الضريح أيضاً قوةً اقتصادية هائلة. كما وتقوم مؤسسة "أستان قدس رضوي"، التي تصل قيمة أصولها إلى عشرات مليارات الدولار، بدعم الرحلات للكثير من الحجاج الفقراء.
ويدّعي خامنئي أن مشهد هي مسقط رأسه وأنه لطالما شعر بالراحة هناك. فرجال الدين في مشهد يبادلونه احتراماً أكبر من الذي يحظى به من المعاهد الشيعية الرائدة في مدينة قم. وبالتالي، فإن زيارته للضريح في يوم النوروز توفر له جمهوراً واسعاً، وهو أمر يقدّره بطبيعة الحال.
خطابات خامنئي في الفترة 2015-2017
لم يتناول خطاب العام الماضي الشؤون الخارجية المعاصرة إطلاقاً. وجاءت تعليقاته الوحيدة عن الولايات المتحدة في عبارة عن إشارتين عابرتين إلى القوى العظمى التي يُزعم أنها كانت تقوم بمضايقة إيران في العقود التي سبقت الثورة الإسلامية. وبدلاً من ذلك، كان هدفه الأساسي هو الاحتفال بالنمو الاقتصادي الذي حققته إيران بالاعتماد على جهودها الخاصة وليس على الأجانب. وكان هذا الموضوع بمثابة اعتراف واضح بالسخط الاقتصادي المتزايد لدى الشعب، والذي كان خامنئي يحاول تجنبه بتذكير المستمعين بالمكاسب الاقتصادية الوفيرة للجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها. وقد أظهرت الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء البلاد في كانون الأول/ديسمبر أن وضع الاقتصاد كان على بال الإيرانيين بالفعل، لكنهم رفضوا منظور خامنئي، وركّزوا على الفساد المتفشي وارتفاع معدلات البطالة.
وفي المقابل، كان خطاب عام 2016 في معظمه حول السياسة الخارجية، مع تركيزه على انتقاد الولايات المتحدة بقسوة لتسلطها المتصوّر. وتذمر من أن السياسة الأمريكية كانت بمثابة اقتراح خاسر للطرفين بالنسبة إلى إيران: "إما أن ننصاع لأمريكا ومطالبها، أو أن نتحمل ضغوطها وتهديداتها والخسائر التي سنتكبّدها نتيجة معارضتنا لها". كما أوضح بجلاء أن الاتفاق النووي للعام السابق قد تمحور حول المسائل النووية فقط، وأن إيران لن تغير موقفها من الشؤون الإقليمية الأخرى كنتيجة لذلك. وحذّر من أنه "عندما تتراجع في وجه العدو بينما تستطيع مقاومته، فسيتقدم العدو". ويشير مثل هذا الخطاب إلى أن طهران ستواصل نهجها التدخلي الحازم في شؤون سوريا والعراق وبلدان أخرى بدلاً من أن تصبح أكثر تعاوناً مع المجتمع الدولي.
وفي السياق ذاته، ركز خطاب عام 2015 على موضوعين رئيسيين هما: تذكير الناس بواجبهم في دعم النظام، ووصفْ كيف أن العقوبات الخارجية أدخلت الاقتصاد في ساحة معركة مع العدو. وفي حديثه قبل أسابيع قليلة فقط من توصل المفاوضين النوويين إلى اتفاق مبدئي، أعرب خامنئي عن تأييده للاتفاق القادم طالما أنه يشمل رفع العقوبات الحالية وتجنُّب القيود المفروضة على الأنشطة الإيرانية الإقليمية. وكان الخطاب الوسيلة التي شرح من خلالها للمتشددين في النظام الحاكم السبب وراء الحاجة إلى هذه الصفقة، مشيراً إلى أنه يتعين عليهم أن يدعموا حكومة روحاني في التوصل إلى اتفاق يحترم خطوطه الحمراء.
خطاب هذا العام
بدأ خطاب خامنئي الأخير في مشهد بدفاع مطول عن مدى تقدُّم الجمهورية الإسلامية في الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، والاستقلال عن السيطرة الأجنبية. ومع ذلك، كانت هذه التصريحات مثالاً واضحاً على "السيّدة التي تعترض كثيراً"، مظهراً بذلك إدراكه بأن عدداً متزايداً من الإيرانيين يرفضون الشرعية السياسية للنظام.
كما ذكر بإسهاب أن "الثروة البشرية والطبيعية" الوافرة في إيران تقدم آفاقاً رائعة للاقتصاد. وقال للمستمعين إن شعار عام 2018 هو "دعم المنتجات الإيرانية"، موضحاً بالتفصيل السبب وراء ضرورة شراء السلع المنتجة محلياً. ويُذكر أن الانهيار المستمر للريال الإيراني يزيد من تكلفة الواردات، لذا سعى خامنئي إلى التبرير أنّ صعوبة شراء المنتجات الأجنبية هي في الواقع أمر جيد.
واختتم مدلياً ببعض النقاط حول المسائل الإقليمية و "الحقد الأمريكي"، مع التركيز على تنظيم «الدولة الإسلامية»/«داعش». وقال: "لصرف أذهان الشعوب عن الكيان الصهيوني الغاصب، خطّطت أمريكا لتأسيس »/«داعش»، وقد تمكّنّا من إحباط هذا المخطط بفضل الله ونعمته". وكانت النبرة الدفاعية لتصريحاته حول التنظيم مثيرة للفضول. وقد يكون ذلك مؤشراً على أن الجهاد السني يشكل تهديداً أكبر على إيران مما تعترف به السلطات. وتضم كل من مشهد وطهران مجتمعات سنية يزيد عدد سكانها عن مليون شخص، ويواجه معظمهم تمييزاً شديداً. فلن يكون من المستغرب أن ينجذب بعض الشباب المتهورين إلى الجهاد.
ثم سخر خامنئي من عجز واشنطن عن هزيمة المتطرفين حيث تدّعي أنها تحاربهم: "لقد مرّ ستة عشر عاماً على دخول الأمريكيين إلى أفغانستان، ولكن ماذا فعلوا بحق الجحيم؟ هل تمكنوا من ضمان الأمن في أفغانستان؟ كلا، أبداً... يقول البعض إنهم فشلوا، والبعض الآخر إنهم لا يريدون تحقيق الأمن في المنطقة".
وفيما يتعلق بأنشطة إيران في الخارج، زعم خامنئي أنه على خلاف الولايات المتحدة، "لم تتصرف إيران بطريقة استبدادية" ولم "تتدخل في شؤون الدول الأخرى". وعوضاً عن ذلك، فقد "عرضت المساعدة" على بعض الحكومات فقط، وذلك استناداً إلى "دوافع منطقية ومعقولة".
أما بالنسبة إلى القضايا النووية، فلم يأتِ خامنئي على ذكرها - وهو إغفال مفاجئ في الوقت الذي يسعى فيه الرئيس ترامب إلى شغل المنصبين الشاغرين لمستشار الأمن القومي ووزير الخارجية بتعيين شخصين متشددين يعارضان كلاً من الاتفاق النووي والنظام الإيراني. وقد صرّح المرشد الأعلى مراراً وتكراراً بأن الولايات المتحدة لم تفِ بوعدها في رفع العقوبات، لذلك ربما كان المراقبون يتوقعون منه أن يشكو من أن واشنطن تستعد لإعادة التأكيد على عدم جدارتها بالثقة من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي. غير أنه لم يقل شيئاً من هذا القبيل، كما أنه لم يطلق تهديدات بالرد القاسي إذا زادت القوى الأجنبية الضغوط التي تمارسها على إيران.
الخاتمة
كشفت نسخة هذا العام من الخطاب السنوي الأكثر أهمية لخامنئي عن دفاع واضح عن الشرعية الداخلية للنظام، ورغبة في الاستغناء عن التحذيرات الرهيبة حول مصير الاتفاق النووي. وربما يكون قد قرر أن ترامب سينسحب من الاتفاق في شتى الأحوال، لذلك قد لا يريد أن يصدر تهديدات قد يُتوقع منه أن ينفذها قريباً.
پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة "مورنينغستار" ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.