- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
الخطر المتزايد من تفكك اليمن
من الصعب اتباع اسلوب اللف والدوران لوصف عملية إخلاء "القوات الخاصة" الأمريكية من قاعدتها في جنوب اليمن يوم الجمعة المنصرم - بسبب سيطرة تنظيم «القاعدة» على مدينة الحوطة القريبة - باستثناء القول بأنها تشكل نكسة كبيرة للحرب على الإرهاب. وعلى وجه الخصوص، كان العدد القليل المتبقي من الدبلوماسيين الأمريكيين في اليمن قد غادر العاصمة صنعاء جواً منذ الشهر الماضي، بسبب التهديد الذي يشكله المتمردون الحوثيون. وحالياً يدير السفير الأمريكي في اليمن أعماله من ميناء جدة السعودية.
إن الحقيقة بأن تنظيم «القاعدة» (السني) والحوثيين (الشيعة الزيدية) يمقتون بعضهما البعض لا يوفر سوى النذر اليسير من الطمأنة للمراقبين الغربيين الذين يتابعون انهيار الأوضاع في اليمن. إن كراهية تنظيم «القاعدة» تجاه الولايات المتحدة هي حقيقة راسخة. ولا يسع أحداً الاستخفاف بالشعار الذي يرفعه الحوثيون والقائل "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام."
لقد كانت الفوضى الليلية تعم اليمن سابقاً، وخاصة خارج المدن الرئيسية؛ وهذه البلاد هي الأكثر اكتظاظاً بالسكان في شبه الجزيرة العربية، والأكثر فقراً أيضاً؛ أما الآن فهي تواجه حالة من الفوضى على نحو متزايد وعلى مدار الساعة. إن الاضطرابات العنيفة التي تعم اليمن غير منظمة بما يكفي لكي تستحق أن يطلق عليها حرب أهلية.
وبالنسبة للإسلاميين المتطرفين، توفر جبال اليمن وصحاريها على ما يبدو ملاذات لا حدود لها وغير ملحوظة بشكل متزايد كنتيجة للانسحابات الأمريكية. وليس لدى واشنطن وعواصم غربية أخرى سوى خيار واحد وهو أن تصبح أكثر قلقاً من التهديد [الذي تشكله الجماعات المتطرفة] على بلدانها. إن صلات اليمن بالمُفجِّر مع "قنبلة الملابس الداخلية" في رحلة شركة "نورث ويست ايرلاينز" في عام 2009، وبمقتل شارلي أبدو في باريس هذا العام أشارت بالفعل إلى البلاد باعتبارها مصدراً هاماً من مصادر الخطر المميت. وسيزاد الآن هذا الخطر تأججاً.
ومن الإنصاف أن نشير ولا أن نكون غِلاظ القلوب، ونذكر بأنه في العام الماضي استشهد الرئيس أوباما باليمن كمثال على السياسة الخارجية الأمريكية الناجحة فضلاً عن الاستراتيجية الأمريكية الناجحة لمكافحة الإرهاب.
سيصبح من الصعب على وجه الخصوص مواجهة التهديد الإرهابي المتزايد لأن اليمن هي الآن ساحة معركة بالوكالة لطموحات إيران الإقليمية. وكما أشار عضو في البرلمان الإيراني العام الماضي: هناك ثلاث عواصم عربية - بغداد، دمشق وبيروت - واقعة بالفعل تحت السيطرة الإيرانية. ويعني دعم طهران للحوثيين في اليمن أن صنعاء أصبحت في أيلول/سبتمبر العاصمة الرابعة عندما أكمل رجال القبائل تقدمهم نحو العاصمة؛ وظاهرياً يسعى هؤلاء للحصول على شريحة أكثر عدالة من الإيرادات الحكومية.
إن المملكة العربية السعودية، التي تتبع الإسلام السني الوهابي المعروف بممارساته الشديدة الضغوط، تشعر بالذعر من توسّع إيران الشيعية، وهي في قلق دائم من التهديدات الآتية من اليمن. ومن المتوقع أن يزيد السعوديون من مشاركتهم في المسابقة [للسيطرة] على اليمن لمنع طهران [من بسط نفوذها على تلك البلاد]، ويقومون بذلك من خلال نشرهم "الصندوق الكامل من الأدوات" السعودية الدبلوماسية - أي الأموال، وإمدادات الأسلحة وحتى ربما أنهم يغضون النظر عن التدابير التي قد يتم وصفها في أي مكان آخر كإجراءات إرهابية. ويوم الجمعة المنصرم وقعت تفجيرات انتحارية في مساجد حوثية في صنعاء أسفرت عن مقتل 152 شخصاً. وقد أعلنت "مقاطعة صنعاء" - جماعة سنية موالية لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» لم تكن معروفة تقريباً في السابق - عن مسؤوليتها عن وقوع الحوادث.
إن أفضل صورة يمكن أن تعبّر عن الموقف الإفتراضي السعودي تجاه اليمن هو الشعور بالذعر. ويُقال أن مؤسس المملكة العاهل السعودي الملك عبد العزيز المعروف أيضاً بابن سعود، كان قد قال وهو على فراش الموت في عام 1953 بأنه لا ينبغي أبداً أن يُسمح لليمن أن تتوحد، وهي البلاد التي كانت منقسمة آنذاك إلى دولتين. ولكن على أي حال، حدث ذلك في عام 1990، في حين أن الدعم السعودي للحركة الانفصالية اليمنية الجنوبية كان قد فشل في عام 1994.
لقد قضت عائلة آل سعود العقود القليلة الماضية وهي ترى كيف أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يفوقها ذكاءاً، وهو الذي تشمل خلفيته مشاركة شخصية في انقلابات كان أحدها على الأقل ضد أحد من أسلافه، وهي طبيعة قاسية غير قائمة في عائلة إبن سعود. ومَثَلهم مثل المجتمع الدولي، يضع السعوديون ثقتهم، على الرغم من هشتها، في النائب السابق للسيد صالح، الرئيس عبد ربه منصور هادي. وفي الأسبوع الماضي قامت [طائرتان] عسكريتان حوثيتان بشن غارة جوية على قصره في مدينة عدن في جنوب البلاد. نعم، تملك هذه الجماعة المتشددة سلاح جوي خاص بها.
ولا عجب، إذن، أن يُقال بأن المخاوف السعودية المتعلقة بالحوثيين تمتد إلى بواعث الخوف من توجيه ترسانة اليمن من صواريخ سكود نحو المدن السعودية أيضاً، بما فيها مكة المكرمة التي تبعد حوالي 350 ميلاً.
وفي يوم الاثنين، طلب وزير خارجية اليمن رياض ياسين من دول الخليج العربي، بما فيها المملكة العربية السعودية، التدخل عسكرياً لوقف الرحلات الجوية من المطارات التي يسيطر عليها الحوثيون. وقد يميل السعوديون [إلى الموافقة على ذلك]: ويتم حالياً تسيير 28 رحلة جوية أسبوعياً بين صنعاء وإيران، بعد أن كانت مثل هذه الرحلات معدومة قبل استيلاء الحوثيين على السلطة. وتشمل الرحلات الجوية تلك التي تقوم بها شركة "ماهان للطيران"، إحدى شركات الطيران الإيرانية التي أدرجتها الولايات المتحدة على القائمة السوداء بسبب دعمها للإرهاب.
ويشكل انهيار اليمن على طول الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية أول اختبار كبير لعاهل المملكة الجديد، الملك سلمان بن عبد العزيز. ويبدو أن المسؤولية عن العلاقات مع اليمن مقسّمة [بين أكثر من شخص واحد من أبناء العائلة المالكة]. وقد أُعطيت الأولوية لنائب ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف، الذي نجا في عام 2009 من تفجير انتحاري من قبل عضو من تنظيم «القاعدة» كان قد جاء من اليمن حيث كان من المفترض أن يسلّم نفسه [إلى السلطات االسعودية]. ولكن وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، نجل الملك وأقرب مستشار له، كان أول زعيم سعودي يظهر في المنطقة الحدودية خلال الاضطرابات الحالية، حيث قام بزيارة مركز العمليات المحلي المتطور.
وبغض النظر عمن سيأخذ زمام المبادرة السعودية للتصدي في النهاية للتهديد الناجم عن التفكك في اليمن، يجب الأخذ بنظر الإعتبار بأنه طالما تكثف إيران من انخراطها في تلك البلاد، يمكن أن تزداد الأمور سوءاً في هذا الميدان الأخير من الصراع السني - الشيعي الذي نشر الفوضى في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
سايمون هندرسون هو مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.
"وول ستريت جورنال"