![German and French foreign ministers meet with Syria's interim president Ahmed al-Sharaa in Damascus - source: Reuters](/sites/default/files/styles/square_720/public/2025-02/SyriaFranceGermanyFlagsAlSharaaDamascusDPAF250103X99X481618.jpg?h=9c66064f&itok=W51v6xDb)
- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3993
مؤتمر باريس حول سوريا: الحاجة إلى التنسيق ووضع خارطة طريق
![German and French foreign ministers meet with Syria's interim president Ahmed al-Sharaa in Damascus - source: Reuters](/sites/default/files/styles/square_720/public/2025-02/SyriaFranceGermanyFlagsAlSharaaDamascusDPAF250103X99X481618.jpg?h=9c66064f&itok=W51v6xDb)
لإرساء مستقبل لا يستدعي استمرار الوجود العسكري الأمريكي أو الانخراط المكثف في سوريا، ينبغي على واشنطن التحرك الآن، إذ يمكن للمشاركة الحكيمة عبر الأطلسي أن تُسهمَ في تحقيق هذا الهدف.
سيكون المؤتمر الدولي، المقرر عقده بشأن سوريا في باريس في الثالث عشر من شهر شباط/فبراير، أول تجمع للفاعلين الدوليين منذ تولي إدارة ترامب مهامها، وثالث مؤتمر من نوعه منذ سقوط نظام الأسد بعد مؤتمري العقبة والرياض. وستتمحور أجندة المؤتمر، الذي سيحضره عدد من وزراء الخارجية الإقليميين والدوليين، بمن فيهم وزير الخارجية السوري، على الانتقال السياسي والمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار. غير أن الأنظار تتجه جميعها نحو إدارة ترامب، إذ يأتي المؤتمر في ظل شكوك واشنطن في استمرار انخراطها في سوريا. وتُتيح عملية الانتقال في البلاد والاجتماع في باريس فرصةً للولايات المتحدة وحلفائها لوضع خارطة طريق محددة المعايير لتحقيق استقرار سوريا، مما ينعكس إيجابًا على استقرار الشرق الأوسط. وبذلك، يمكن لواشنطن أن تُسهم في ترسيخ مستقبل لا يتطلب وجود القوات الأمريكية في سوريا أو اهتمامًا أمريكيًا دائمًا.
تعدد الفاعلين واختلاف الأجندات
بعد خمسة عقود من الحكم الاستبدادي وأكثر من عقد من الحرب الأهلية، أثار سقوط نظام الأسد مزيجًا من التفاؤل والقلق. فمنذ كانون الأول/ديسمبر، سعت العديد من الدول داخل المنطقة وخارجها إلى تحقيق مصالحها في سوريا، والتي تمحورت في الغالب حول وقف تدفق مخدر “الكبتاغون"، ومكافحة الإرهاب، والحد من النفوذ الإيراني، ومعالجة حالة عدم الاستقرار التي انتشرت منذ فترة طويلة خارج حدود البلاد. وقد دفعت مساعي تركيا للقضاء على عدوها، "حزب العمال الكردستاني"، إلى دعم انتفاضة "هيئة تحرير الشام " وتشجيع شركائها المحليين من الميليشيات التي تشكل "الجيش الوطني السوري"، على تغيير الواقع الميداني، والتقدم داخل الأراضي السورية لإجبار "قوات سوريا الديمقراطية "المدعومة من قبل الولايات المتحدة على التراجع. في الوقت عينه، استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية القوات العسكرية التابعة لنظام الأسد، بينما كثّفت إدارة بايدن عملياتها ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام سابقاً. من جهتها، سعت دول الخليج إلى الانخراط مع السلطات السورية الجديدة، على الأرجح لمواجهة النفوذ الإيراني الذي تعزَّز في ظل حكم الأسد. وتُبدي الحكومة الانتقالية انفتاحاً واضحاً على التعاون مع دول الخليج، حيث جعل الرئيس أحمد الشرع المملكة العربية السعودية أول محطة لزياراته الدولية. أما بالنسبة للاتحاد الأوربي والمملكة المتحدة، فقد أسفرت الحرب الأهلية السورية الطويلة عن تداعيات جسيمة، شملت هجمات إرهابية دامية وأكثر من مليون لاجئ، مما جعلهما ينظران إلى بروز قيادة جديدة في سوريا بوصفها فرصة لإعادة بناء البلاد والتصدي لتهديد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى الرغم من تعدد المصالح التي تحملها الأطراف المختلفة حيال مستقبل سوريا، فإن مؤتمر "باريس" يمثل فرصة للانتقال من مرحلة ما بعد الأسد إلى وضع معايير ملموسة للنجاح، وصياغة خارطة طريق تضمن استقرار البلاد. غير أن تحقيق ذلك لن يكون يسيراً، نظرًا لاتساع الفجوات في الرؤى بين الأطراف المعنية. ومن جانبها، تدعو الدول الأكثر تفاؤلاً، مثل قطر وتركيا، المجتمع الدولي إلى دعم الحكومة الانتقالية قبل مطالبتها بإثبات حسن نيتها، في حين يبدي المعسكر المتشكك، ممثلًا بمصر والأردن، حذرًا، بينما يتبع المعسكر البراغماتي، المتمثل في الإمارات العربية المتحدة، سياسة "الانتظار والترقب". أما في أوروبا، فما زال النقاش مستمرًا بين الدول الأكثر تحملًا للمخاطر - التي رحبت بأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين وترغب في رؤية رفع شامل للعقوبات لتسريع عودتهم إلى بلادهم (مثل النمسا) - والدول الأكثر حذراً ، التي تصر على أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون متيقظاً وأن يقترح فقط تدابير يمكن التراجع عنها (مثل قبرص).
سوريا تطلب الدعم
تنطوي مصالح السوريين أنفسهم على تباينات واضحة. فقد دعت الحكومة الانتقالية إلى الوحدة الوطنية، مطالبةً، في المقام الأول، برفع العقوبات، حيث ربط وزير الخارجية المؤقت، أسعد الشيباني، تخفيف العقوبات بالتقدم في مسار العملية الانتقالية. وقد أعربت القيادة الجديدة عن مواقف إيجابية، من بينها التأكيد على الشمولية، والدعوة إلى الوحدة، وتعزيز مشاركة الحالية السورية في المهجر. غير أن الغموض لا يزال يكتنف نواياها الحقيقية، لاسيما في الشمال الشرقي. وفي هذا الصدد، شددت منظمات المجتمع المدني على أن نموذج الحكم الصارم الذي تطبقه "هيئة تحرير الشام" في إدلب لا يمكن تعميمه على سائر أنحاء سوريا. كما يعتقد العديد من السوريين أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من الحوار برمته، وأن مؤتمر باريس ينبغي أن يستند إلى حوار" العدالة والإنصاف" الذي عقدته منظمات المجتمع المدني السوري في دمشق الشهر الماضي.
تعقيدات تلوح في الأفق بشأن التنسيق
يُعد جمع هذه الأطراف المتباينة معًا لصياغة خارطة طريق واضحة مهمة شاقة، لا سيما في ظل سعي تركيا، الحليفة في الناتو، إلى تجاوز أوروبا لتحقيق هدفها الأساسي، وهو القضاء على حزب العمال الكردستاني، سواء داخل أراضيها أو خارجها، مع تعزيز نفوذها في سوريا. وقد باتت أنقرة اليوم أقل حدةً مما كانت عليه في الماضي بشأن قدرتها على تولي محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" في الشمال الشرقي بمفردها. وفي هذا الإطار، قد يحاول الرئيس أردوغان إقناع الرئيس ترامب بإمكانية التوصل إلى صفقة كبرى، تقتضي انسحاب جميع القوات الأمريكية، مما يفسح المجال أمام تشكيل منصة إقليمية تضم تركيا وسوريا والعراق والأردن تتولى مسؤولية مكافحة "تنظيم الدولة الإسلامية" وإدارة السجون في الشمال الشرقي.
قد يبدو عرض أنقرة مغريًا لإدارة ترامب، التي بادرت إلى إجراء أكبر عملية إصلاح للمساعدات الخارجية الأميركية منذ عقود، وقامت بتفكيك الوكالة الأمريكية الرئيسية المسؤولة عن تقديم هذه المساعدات، وطرحت مرة أخرى فكرة سحب القوات الأمريكية من سوريا. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع قد وضعت خططًا للانسحاب المحتمل، فإن مستقبل الوجود الأمريكي لا يزال غير واضح، كما صرح وزير الخارجية ماركو روبيو مؤخرا: "إذا كانت هناك فرصة في سوريا لخلق مكان أكثر استقرارًا من الوضع الذي شهدناه تاريخيًا... فعلينا أن نتابع تلك الفرصة ونرى إلى أين تقودنا." وقد ساهم هذا الغموض الأمريكي في خلق حالة من عدم اليقين لدى العديد من الدول، التي تأمل أن تساعد واشنطن في ضمان عدم انتشار تهديد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
إن قرار العديد من الدول الأوروبية والشرق أوسطية بعدم استكمال عملية إعادة مقاتلي التنظيمات الأجنبية وأسرهم من الأراضي السورية يزيد من تعقيد المحادثات. ومن المرجح أن يكرر ترامب الدعوات السابقة لإعادة جميع المواطنين الأجانب المحتجزين في الشمال الشرقي. أما في فرنسا، كما في الدول الأوروبية الأخرى التي تعرضت سابقًا لهجمات إرهابية مرتبطة بـالتنظيم، فسيكون من الصعب التغلب على المعارضة السياسية المحلية لإعادة هؤلاء الأفراد إلى بلادهم. علاوة على ذلك، تجري هذه المناقشات عبر الأطلسي في ظل قضايا مثيرة للجدل أخرى، من بينها تصريحات ترامب بشأن شراء جزيرة "غرينلاند" لدنماركية وتهديداته بفرض رسوم جمركية على الاتحاد الأوروبي.
التوصيات
قدمت فرنسا خطوة مهمة في جهود التنسيق المتعلقة بسوريا. ولكي ينجح مؤتمر باريس، ينبغي أن يتجاوز كونه مجرد فرصة دولية لالتقاط الصور. من شأن الانخراط الحكيم عبر الأطلسي الآن أن يساهم في ضمان مستقبل تكون فيه سوريا مستقرة ولا حاجة للقوات الأمريكية. وعليه يمكن أن تسهم الخطوات التالية في تحقيق هذا الهدف:
التنسيق عبر الأطلسي
على الرغم من الصعوبات المشار إليها سابقًا، فإن هذه فرصة حقيقية لواشنطن وحلفائها الأوروبيين لتسهيل انتقال يساعد في استقرار سوريا، ومن ثم، استقرار الشرق الأوسط. فبالنسبة لإدارة ترامب، يوفر مؤتمر "باريس" فرصة للتنسيق المُسبق مع الشركاء لتحقيق الأهداف الاستراتيجية التي تتبناها الإدارة الأمريكية. من شأن سياسة أمريكية واضحة تجاه سوريا أن تشكل الطريقة الوحيدة لضمان ألا تملأ قوى مثل روسيا الفراغ الذي قد تتركه واشنطن وحلفاؤها.
العقوبات
إن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية دون تنسيق ودون معايير واضحة سيكون خطأً جسيماً. فقد بدأت بالفعل عملية تخفيف العقوبات على جانبَي الأطلسي. ففي السادس من كانون الثاني/يناير، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية الترخيص العام رقم 24، الذي أدى إلى تخفيف العقوبات على المعاملات السورية المتعلقة بمجال الطاقة والتحويلات الشخصية. وفي السابع والعشرين من كانون الثاني/يناير، أعلن الاتحاد الأوروبي عن رفع جزئي وتدريجي للعقوبات القطاعية. ويوفر مؤتمر "باريس" فرصة لتنسيق هذه المعايير مع الحلفاء الآخرين قبل الاجتماع المقرر عقده لمجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في 24 شباط /فبراير. وفي حين أن الاستجابة القانونية قد تستغرق وقتًا، فضلًا عن كون رفع العقوبات عملية طويلة، فمن الضروري أن تفضي قرارات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى نتائج ملموسة ضمن إطار زمني معقول. كما يتعين على المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين أيضًا المساعدة في إعادة بناء الثقة بين الحكومة الانتقالية السورية والأمم المتحدة، إضافة إلى إنهاء القيود على المساعدات التي توفرها المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
الاتفاق مع الشركاء في شمال شرق سوريا
على غرار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تسعى تركيا إلى إعادة توحيد سوريا لتصبح كيانًا متماسكًا قادراً على أن يكون جاراً مستقراً. كما يجب أن تظل تركيا حليفة للغرب في سوريا. غير أن الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أيضا يسعيان إلى تعزيز مصالحهم الخاصة، التي لا تتماشى بالضرورة مع مصالح أنقرة بما في ذلك منع روسيا من استعادة نفوذها هناك. وبناءً على ذلك، يجب على واشنطن وحلفائها الأوروبيين مضاعفة الضغط للتوصل إلى مصالحة بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" قبل مغادرة القوات الأمريكية الأراضي السورية، حيث إن العديد من الحلفاء قلقون من أن الانسحاب الأمريكي غير المدروس قد يكون له عواقب مشابهة لما حدث في أفغانستان. ومن المتوقع أن تكون هذه المصالحة صعبة التحقيق، إذ تبدو المفاوضات حالياً عالقة في مطالبة "قوات سوريا الديمقراطية" بالاستقلال الإداري. غير أنها ليست بعيدة المنال، ولذا يجب أن تستمر المحادثات.
خارطة الطريق والمعايير
للمرة الأولى منذ نهاية نظام الأسد، سيتمكن الجيران والفاعلون الإقليميون والدول الغربية والسلطات السورية الجديدة من الاتفاق على بيان مشترك. من الضروري الإشارة إلى أن إصدار بيان غامض وغير ملزم لن يحقق الهدف المنشود بأي حال من الأحوال. وما زالت بعض الجهات الفاعلة متشككة في قدرة الحكومة الانتقالية على إحداث تغيير حقيقي، مما يعني أن دمشق ستحتاج إلى وقت لكسب ثقة الشعب السوري والمجتمع الدولي بشكل كامل. وينبغي أن يكون مؤتمر "باريس" هو اللحظة التي يتجاوز فيها الفاعلون الأجانب الحماسة المحيطة بإسقاط الأسد ليشرعوا في وضع توقعاتهم المستقبلية بشكل أكثر واقعية. فكما صرح الشرع مؤخراً لمجلة "مجلة الإيكونيميست"، كانت سوريا تحت حكم الأسد مصدر قلق لجيرانها ولم تفي بواجباتها الأساسية تجاه الشعب السوري". ومن المتوقع أن تركز كثير من الأطراف المشاركة في مؤتمر "باريس" على الحكومة الانتقالية، بهدف وضع معايير واضحة لحكومة شاملة تلتزم بروح قرار مجلس الأمن رقم 2254، وفق جدول زمني واقعي. يجب أن تشمل هذه المعايير:
- إطلاق عملية سياسية شاملة تضم المجتمع المدني السوري بمختلف مكوناته، بما في ذلك صياغة دستور جديد.
- وضع خطة استراتيجية لاتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب تستهدف "تنظيم الدولة الإسلامية"، والقاعدة وفروعها، والجماعات المسلحة المرتبطة بإيران
- تقديم التزام قوي بتدمير برنامج الأسلحة الكيميائية للنظام السابق، وذلك بالتعاون الوثيق مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
- ضمان التزام قوي من الحكومة الانتقالية بتفكيك تجارة مخدر "الكبتاغون" ومنع عودتها.
- الالتزام القوي بمواصلة محاسبة المسؤولين عن جرائم النظام، ولا سيما تلك التي ارتكبت خلال الحرب الأهلية.
وتُعَدُّ العدالة الانتقالية عنصراً جوهرياً في عملية إعادة الإعمار، وركيزةً أساسيةً لبناء سوريا جديدة ومستقرة بحيث لا تشكل تهديداً للمنطقة.
الدكتورة ديفورا مارغولين هي زميلة أقدم في برنامج الزمالة "بلومنشتاين-روزنبلوم" في "برنامج جانيت وايلي راينهارد لمكافحة الإرهاب والاستخبارات" في معهد واشنطن، وأستاذة مساعدة في "جامعة جورج تاون".
سهير مديني هي زميلة زائرة في معهد واشنطن للفترة، ومقيمة حالياً من "الوزارة الفرنسية لأوروبا والشؤون الخارجية".