- تحليل السياسات
- شهادة أمام الكونغرس
الكلمات لها عواقب: تحريض السلطة الفلسطينية على العنف
"السيد رئيس اللجنة رويس، العضو الرفيع المستوى إنجل، وأعضاء اللجنة الكرام: شكراً لكم على إتاحة الفرصة لي لمناقشة التقلب المستمر في القدس. لا بد من التعامل معه بحذر فائق.
في إطار معالجة الوضع الحالي، ينبغي أن يكون واضحاً أنه لا يوجد أي مبرر لأي تحريض على العنف. فعندما تقول إن إسرائيل تريد تخريب الوضع القائم في المسجد الأقصى أو تغيير الوضع الراهن في "جبل الهيكل"/"الحرم الشريف"، يكون ذلك أشبه بأن تصرخ "حريق!" في مسرح مزدحم، ذلك نظراً إلى الدور الذي لعبته هذه الادعاءات في إثارة العنف في الماضي.
وكما قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة مع "الإذاعة الوطنية العامة" في 16 تشرين الأول/أكتوبر، "ليس هناك مبرر للعنف. ولا يمكن لأي قدر من الإحباط السماح بأي شكل من العنف في أي مكان وفي أي وقت. لا ينبغي أن يحدث أي نوع من العنف. كما يجب على الفلسطينيين أن يفهموا ذلك، والرئيس [محمود] عباس كان ملتزماً باللاعنف. لا بد له من إدانة ذلك، وبصوت عال وواضح. كما يجب عليه عدم الانخراط في بعض [أشكال] التحريض، حيث سُمع صوته يشجعها في بعض الأحيان. لهذا يجب أن ينتهي هذا الوضع".
ويشمل هذا التحريض التصريحات العلنية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، حيث قال إن: "كل قطرة دم أريقت في القدس هي دماء زكية، [ما دامت في سبيل الله]، وكل شهيد سيكون في الجنة، وكل جريح سيكون له الثواب". كما صرّح بأن "[الأقصى لنا والقيامة لنا،] لا يحق لهم [لليهود] أن يدنسوهما بأقدامهم القذرة، ولن نسمح لهم". هذا ولم يتنازل عباس عن هذه التصريحات، ودعا في الأيام الماضية إلى "نضال شعبي لاعنفي". (وهذا لا يعني أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يدلِ من جانبه ببعض التصريحات المثيرة للجدل أيضاً. ففي الآونة الأخيرة قال إن زعيم الحركة الوطنية الفلسطينية في أربعينيات القرن الماضي كان أكثر إصراراً على قتل اليهود من أدولف هتلر، وهو ادعاء دحضه مؤرخو المحرقة).
وللأسف، إن الاتهام بأن إسرائيل ستدمر المسجد الأقصى ليس بالجديد. إذ برز هذا الإدعاء في عام 1929، وأدى إلى وقوع أعمال شغب في الخليل أودت بحياة 63 شخصاً. وفي الآونة الأخيرة، وقعت أعمال عنف قاتلة في محيط "جبل الهيكل" في عام 1991 (20 قتيلاً)، و1996 (87 قتيلاً)، و2000 (153 قتلوا خلال الشهر الأول من أعمال العنف)، و2014 (9 قتلى). أريد أن أوضح أن هذا لا يعني أن جميع الفلسطينيين يؤيدون هذا النهج. وفي الواقع، تم إنقاذ أكثر من 400 يهودي في عام 1929، عندما لجأ العديد منهم إلى منازل الفلسطينيين.
لا بد من حصول بعض الأمور للتأكد من عدم تكرار هذا النمط. أولاً، لا بد من اعتراف صادق بأن "جبل الهيكل"/"الحرم الشريف" مقدس لدى اليهود والمسلمين على حد سواء. وقد أكد القادة الإسرائيليون من جميع الأطياف على قداسة هذه المنطقة للمسلمين منذ عهد النبي محمد في القرن السابع. إلا أن العكس لم يحصل. فالقيادة الفلسطينية لا تصرّح أمام جمهورها بأن المنطقة تتمتع أيضاً بأهمية تاريخية بالنسبة إلى الشعب اليهودي.
لقد تم تحديد التاريخ اليهودي القديم وفق عصريْ المعبد، عصر امتد على 410 عاماً وعصر آخر على 420 عاماً. وعندما تم تدمير المعابد، تم القضاء أيضاً على أول اثنين من الأمم اليهودية، اللتين انتهتا أخيراً في عام 70 للميلاد. واستغرق الأمر حتى عام 1948، أي 1900 عاماً تقريباً، ليتم استعادة هذا التوق إلى السيادة. وفي قمة "كامب ديفيد" في عام 2000، أغضب رئيس السلطة الفلسطينية السابق ياسر عرفات الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في إطار حادثة مشهورة بعد أن أنكر وجود المعابد، قائلاً إنها تقع بدلاً من ذلك في نابلس أو حتى في اليمن. وقد ورد أن كلينتون رد بأن كل طالب في مدرسة الأحد (الدراسات الدينية للأطفال) في ولاية أركنساس يدرك أن الأمر لم يكن كذلك. وكل من حضر حفل زفاف يهودي يعرف أنه يتم في خلاله كسر القدح، وذلك للإشارة إلى أنه حتى أكثر المناسبات سعادة تمتزج بالحزن، لكي يتم تذكر تدمير تلك المعابد. ولما يقارب الألفي عام، صلّى اليهود ثلاث مرات في اليوم باتجاه "جبل الهيكل". فهو صهيون الصهيونية.
إن الغالبية العظمى من اليهود في إسرائيل وحول العالم لا تحاول أن تصلي في "جبل الهيكل". فإذا لم يصعد اليهود إلى "جبل الهيكل"، فذلك ليس لعدم قدسيته بل لأنه مقدس جداً. فمنذ عام 1967 وحتى يومنا هذا، منعت الحاخامية الكبرى اليهود من زيارة المنطقة، لاعتقادها بأن ذلك يجب أن يحدث فقط في خلال العصر المسياني. بيد أن عدداً قليلاً من النشطاء الإسرائيليين المتطرفين وحتى بعض السياسيين، بمن فيهم وزير الزراعة أوري أريئيل، قاموا مؤخراً بزيارة "الجبل". فهم يعتقدون أن علم الآثار قد قدم محيطاً أكثر دقة بكثير لـ "الجبل"، كما وُجد تاريخياً، وأنه يمكنهم بالتالي تجنب مكانه بشكل أدق. وهؤلاء المناصرون يفضلون صلاة اليهود في ما يعتبرونه القسم المسموح به من "الجبل"، ولكن لا بد من أن يؤدي ذلك إلى إراقة الدماء. وفي هذا الإطار ردد الرئيس السابق لـ "جهاز الأمن العام" الإسرائيلي أو "الشين بيت"، يوفال ديسكين، رأي العديد من الذين يعارضون الصلاة اليهودية على "الجبل"، لأنه "أكثر منطقة مشبعة بالوقود والقابلة للاشتعال في الشرق الأوسط". وبالتالي فإن رفض حكومة نتنياهو تغيير الوضع الراهن عمل تُثنى عليه.
ومن المفارقات أن هذا النقص في الاعتراف بالأمر من الجانب الفلسطيني لم يكن هكذا دائماً من الناحية التاريخية. إذ إن كتيّباً للسياح الذين يزورون الحرم صادراً عن "المجلس الإسلامي الأعلى" في عام 1924 أشار إلى أن واقع بناء المسجد الأقصى فوق موقع معبد سليمان أمر "لا جدال فيه". إلا أن تداخل الدين والقومية ضَمَن محو هذا الاعتراف التاريخي. وبالطبع، لا يجدر بأي من الطرفين القبول بما يطرحه الآخر كأمر مقدس. لكن إذا لم يتمكنا من الاعتراف بأن الجانب الآخر يقدس الموقع كما يفعلون، لا بد من أن يستمر العنف، كما شهدنا. وبالتالي فإن فهم أن لكلا الطرفين حقوق دينية يبدو شرطاً أساسياً لتهدئة الوضع.
وفي حين كانت مسألة "جبل الهيكل"/"الحرم الشريف" السبب الرئيسي لأعمال العنف في القدس في السنوات العشرين الماضية، أدت عوامل أخرى إلى نشوب العنف. على سبيل المثال، خلال صيف عام 2014، قُتل فتى فلسطيني بينما اشتعلت التوترات جراء اختطاف ثلاثة مراهقين إسرائيليين وقتلهم بعد ذلك، الأمر الذي ساهم بشكل غير مباشر في اندلاع الحرب التي تلت ذلك في غزة. بالإضافة إلى ذلك، لا تستبعد جميع هذه الأمور العوامل الاقتصادية التي تؤثر ربما على العنف. إذ يرى المراقبون أن استثمار إسرائيل بصورة مكثفة وغامضة في البنية التحتية للقطاع الفلسطيني يعود إلى الفكرة بأن إسرائيل قد تتخلى عن هذه الأحياء في أي اتفاق نهائي مع الفلسطينيين. وتشير التقديرات إلى أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين في المدينة، والذين يبلغ عددهم 316 ألف شخص يعيشون تحت خط الفقر. وبالتالي، يرى الفلسطينيون أن وضعهم مهمل بينما تزدهر الأحياء اليهودية في القدس الشرقية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي يمكن عمله في هذا الإطار؟ عندما ظهرت هذه الإدعاءات في العام الماضي كان الوزير كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله قادرين على اللقاء في عمان وتهدئة الوضع. فقد لعبت الأردن تاريخياً دور وصي العرب على "الحرم القدسي الشريف". وفي الواقع، يلتقي كيري هذا الأسبوع مع نتنياهو وعبد الله وعباس لدراسة الخطوات الممكنة لتهدئة الوضع. من حيث المبدأ، من مصلحة إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية قمع أي زعزعة للاستقرار، التي لا تخدم سوى المتطرفين. وبينما تقول كافة الأطراف إنها لا تريد تغيير الوضع الراهن، تكمن المشكلة في أن الوضع الراهن في "جبل الهيكل"/"الحرم الشريف" لم يُحدد في مجموعة واضحة من التفاهمات. فإذا كانت هناك ثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لربما كانت التفاهمات الشفوية كافية، ولكن هذا ليس هو الحال في الوقت الراهن. ومن جهتها، يمكن للحكومة الأمريكية أن تلعب دوراً إيجابياً في التوصل إلى مجموعة من التفاهمات بين الطرفين لتحسين الوضع الحالي في المرحلة القادمة. ولكي تكون هذه التفاهمات فعالة، فإنها تحتاج إلى إعادة التأكيد عليها علناً من قبل الأردن. وبالتالي فمن شأن التوصل إلى اتفاق ثلاثي مماثل بين كيري ونتنياهو وعبد الله أن يحظى باعتراف عباس. نأمل أن جعل مثل هذه التفاهمات صريحة قد يضيف قدراً هاماً من القدرة على التنبؤ إلى وضع لا يمكن التنبؤ به.
إلى جانب ذلك تحتاج إسرائيل إلى إيجاد وسيلة لتحسين التواصل مع الفلسطينيين في القدس الشرقية. فقد أُطلق عليها اسم "أمة الشركات الناشئة" نظراً إلى نجاحها في قطاع التكنولوجيا ذات التقنية العالية. وفي الحرب الأخيرة في غزة، استخدمت إسرائيل هذه التكنولوجيا للتواصل مع سكان غزة. وتمكنت من الحد من الضحايا المدنيين عن طريق إرسال رسائل نصية إلى سكان غزة تطلب منهم إخلاء منازلهم قبل الضربات الجوية. وبالتالي، إذا كان بإمكان إسرائيل أن تصل إلى هؤلاء الفلسطينيين، لماذا لا يمكنها أن تُرسل رسائل نصية إلى الفلسطينيين في القدس الشرقية باللغة العربية وتنفي الشائعات حول تغيير الوضع القائم في "جبل الهيكل"؟
وبطبيعة الحال، أنه عند التعامل مع قضية متفجرة كالقضية الإسرائيلية الفلسطينية، يبرز ميل إلى الغوص في اليأس. ولكني أُحذر بكل لباقة من مثل هذه الخطوة، نظراً إلى ما هو المحك في هذه الحالة. فمنذ تشرين الأول/ أكتوبر، قُتل عشرة إسرائيليين في الهجمات الفلسطينية، وقُتل ستة وعشرين من المهاجمين الفلسطينيين، كما قُتل أكثر من عشرين فلسطينياً برصاص الجيش الإسرائيلي في اشتباكات في القدس والضفة الغربية. ومع ذلك، فإن حجم العنف لم يقترب بعد من الانتفاضة الفلسطينية الثانية. فبين عامي 2000 و2004، قُتل أربعة آلاف شخص، حوالي ثلاثة آلاف فلسطيني وألف إسرائيلي، بينما بلغ عدد المصابين بجراح عدداً أكبر بكثير مما نراه اليوم.
ويُذكرنا ذلك بأنه بقدر ما هو الوضع سيء، يمكن أن يحصل ما هو أسوأ بكثير. وقد يقول بعض الناس دعونا فقط نوقف تمويل السلطة الفلسطينية. إلا أنه من المهم أن نتذكر أن مسؤولي الأمن في كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية منخرطون في التعاون الأمني اليومي، الذي هو حيوياً ليس فقط للفلسطينيين بل للإسرائيليين أيضاً. وهنا [أود أن أجلب] وجهة نظر كبار مسؤولي الأمن الإسرائيليين. فقد قال، بيني غانتز، الذي كان رئيس هيئة أركان "جيش الدفاع الإسرائيلي" حتى قبل بضعة أشهر، في خطابه الأخير في معهد واشنطن: "نحن بحاجة إلى التمسك بالأمن والتخلي عن الأحلام كما نود أن نحظى بها، فكافة الحكومات الإسرائيلية [عبرت عن دعمها] لحل الدولتين". وبالمثل، في افتتاحية صدرت في عام 2014 كتب يوفال ديسكين: "إن التنسيق بين قوات الأمن [شكل] مساهمة كبيرة [في] الهدوء النسبي" في الضفة الغربية. واعتبر أن هذا التعاون أفضل من أي وقت مضى، على الرغم من الجمود في مفاوضات السلام منذ عام 2007. كما أضاف أن السلطة الفلسطينية "تدرك أن أمن إسرائيل أمر أساسي لبقائها في إطار الصراع مع «حماس» في الضفة الغربية".
نحن نقترب من الذكرى العشرين لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الشهير و بطل حرب عام 1967، اسحق رابين. لقد كان يُعرف بأنه واقعي متصلب. ولم يكن بإمكان أحد أن يطلق عليه لقب داعية السلام الحالم. ولكنه فهم فكرة هامة ألا وهي، أن الصدمات بين الإسرائيليين والفلسطينيين ستتطلب منهم الانفصال وتجنب حقيقة واقعة ثنائية القومية، فتلك تكون وصفة لسفك الدماء بشكل دائم. وتؤكد هذه الرؤية على ضرورة مواصلة العمل على إقامة كيانيْن سياسييْن منفصليْن، أحدهما إسرائيلي والآخر فلسطيني، والسعي للحفاظ على كرامة الشعبين. لا يمكننا أن نستسلم. فنظراً إلى سفك الدماء في القدس، يجب على الفلسطينيين أن يستوعبوا حقيقة أن كلا الشعبين لا يملكان مجرد حقوق سياسية بل أيضاً رباطاً دينياً بالأرض على أساس تاريخهما. وإذا لم يتم التوصل إلى هذا الاعتراف، فإنني قلق من استمرار أعمال العنف وربما تفاقمها بشكل دوري، مع الوقت".
شاهد الفيديو من جلسة الاستماع الكاملة من على موقع "لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي".
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.
"لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي"