- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2377
العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية: مشهد متغير؟
"في 23 شباط/فبراير خاطب جوناثان رينهولد وإليوت أبرامز منتدى سياسي في معهد واشنطن. ورينهولد هو باحث بارز في "مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية" ("بيسا")، ومدير مركز آرغوف لدراسة إسرائيل والشعب اليهودي، ومؤلف كتاب صدر مؤخراً "الصراع العربي-الإسرائيلي في الثقافة السياسية الأمريكية" ("كيمبريدج يونيفرسيتي بريس" - "مطبعة جامعة كامبريدج"). وأبرامز هو زميل أقدم لدراسات الشرق الأوسط في "مجلس العلاقات الخارجية" ونائب سابق لمستشار الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما."
جوناثان رينهولد
تعزّز دراسات حديثة أجراها "مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية" ومنظمات أخرى، الفكرة بأن الجمهور الإسرائيلي قلقٌ بشأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وخاصة في ضوء الخطاب القادم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي. في تسعينيات القرن الماضي، حاولت حكومة "حزب الليكود" العمل مع الجمهوريين في الكونغرس لتعطيل السياسات غير المواتية التي كانت تتقدم بها إدارة كلينتون، ولكنّ معظم تلك المحاولات جرت دون علم الجمهور. ويبدو اليوم أنّ التوجّه نفسه يحصل ولكن بطريقة أكثر علنية.
في الماضي، وجدت غالبية الإسرائيليين بأن نهج الرئيس أوباما في التعامل مع بلادهم إيجابياً. ولكن مع ذلك، هم الآن أكثر انقساماً بشكلٍ متساوٍ وفقاً لانتماءاتهم الحزبية، ولا يوافقون على السياسات الأوسع للرئيس الأمريكي بشأن الشرق الأوسط بفروقات كبيرة. ولعل حساباتهم المتغيّرة بشأن القضية النووية الإيرانية هي الأكثر إثارةً للدهشة؛ فقد بدأ كثيرون يفكّرون في الكيفية التي يمكن فيها لهجوم إسرائيلي دون دعم أمريكي أن يؤثّر على العلاقات الثنائية. وتخفّف هذه الآراء من تأثير قرار نتنياهو التحدث أمام الكونغرس على الرغم من معارضة الرئيس الأمريكي.
وعلى مستوى أعمق، لا يفهم الإسرائيليون عموماً - وبالتالي يقللون من تقدير - أهمية القيم الديمقراطية المشتركة مع الأمريكيين. ولا يكتفي العديد من الأمريكيين بالتعاطف مع إسرائيل فحسب، بل يتماهون معها أيضاً. بيد، برزت مفارقة بشأن الطريقة التي يتعلّقون بها مع إسرائيل. فمن جهة، تصاعدت درجة تعاطفهم مع إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة في هذا القرن. ومن جهة أخرى، انقسمت هذه الآراء على نحو متزايد بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويترافق هذا الصدع مع الانقسامات السياسية والأيديولوجية والدينية الرئيسية في الولايات المتحدة.
ويقيناً، إن مدى التعاطف مع إسرائيل لا يزال أوسع بكثير في الولايات المتحدة مما هو عليه في أوروبا. ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى أسباب تاريخية وثقافية مرتبطة بالأسس البروتستانتية في الولايات المتحدة ووضع إسرائيل كدولة ديمقراطية. أما في أوروبا، فيُنظر إلى الديمقراطية عادةً كنظام وليس كجزء من هوية الفرد.
إن الذي تغيّر في الولايات المتحدة هو الطريقة التي تنظر فيها مجموعات مختلفة إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي هذا الصدد، حقّق دعم الجمهوريين لإسرائيل قفزة هائلة، بينما بقي الدعم الديمقراطي على ما هو عليه تقريباً. وأصبحت فجوة السياسة بين المجموعتين أعمق من ذي قبل. فالجمهوريون ينظرون إلى دعم إسرائيل باعتباره وسيلةً لتبنّي القيم المشتركة ضمن صراع أوسع ضدّ أعداء مشتركين، ويلومون الفلسطينيين على عدم إحراز تقدّم في عملية السلام. أما الديمقراطيين، فهم متّحدون في دعمهم لحلّ الدولتين ومعارضة المستوطنات، ولكن ينقسمون بشأن الجهة التي ينبغي إلقاء اللوم عليها ودرجة الحزم المطلوبة من الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتنعكس هذه الاختلافات جزئياً بين الأجيال، فالمعلقين الليبراليين الأصغر سناً هم أكثر انتقاداً إلى حد كبير للسياسة الأمنية التي تتبعها إسرائيل ويجدون أنّ هذه الأخيرة تتحمّل مسؤولية الصراع إلى حدّ أكبر. والجيل الألفي في الولايات المتحدة هو الأوّل الذي يضمّ نسبة ليبراليين أكبر من نسبة المحافظين. وحيث ينقسم الطرفان بشدّة بشأن السياسة الخارجية، وخاصة تجاه الشرق الأوسط، تشكّل إسرائيل مركز الاستقطاب الأوسع في السياسة الأمريكية.
ولا تظهر فجوة كبيرة بين وجهات النظر النخبوية والعامة بشأن معظم هذه القضايا في أيّ من الحزبيْن، على الرغم من أنّ النخب تميل إلى أن تكون أكثر اعتدالاً. ولكن لا تزال حتى الشريحة الديموغرافية الأقل موالاة لإسرائيل في الولايات المتحدة أكثر دعماً من الشريحة الديموغرافية الأكثر تأييداً لإسرائيل في أوروبا.
وما زال الإسرائيليون والأمريكيون على توافق على نطاق واسع بشأن قضية واحدة على الأقل، ألا وهي أمن إسرائيل. ولا يمكن اعتبار ذلك أمراً مفروغاً منه، بل ينبغي أن يكون نقطة انطلاق لتعزيز العلاقة بين الطرفين. بالإضافة إلى ذلك، وبما أنّ حلّ الدولتين وسياسة الاستيطان أصبحا مهمّين بشكل متزايد للديمقراطيين والليبراليين، تحتاج إسرائيل إلى التركيز على هاتين القضيتين إذا كانت ترغب في الحفاظ على علاقات ثنائية قوية. وسيكون حشد الدعم الأمريكي أسهل بكثير إذا تخطّت إسرائيل عتبة المصداقية بشأن مسألة تحقيق السلام.
وبعد الإشارة إلى هذا الموضوع، فإن أحد مصادر القلق الرئيسية هو فشل العديد من الديمقراطيين الليبراليين في فهم واقع الشرق الأوسط وتداعياته المحتملة المترتبة على السياسات. وتميل المناقشات في الجامعات اليوم إلى أن تعكس التحول نحو المزيد من المواقف الليبرالية في الولايات المتحدة؛ وقد شهدت الدول الأوروبية اتجاهاً مماثلاً من قبل. ولكن يتعيّن أن يدرك أولئك الذين يهتمون بالسلام أنه يجب أن يكون جيّداً لكلا الجانبين. وعند التعامل مع أي قضية سياسية معينة، ينبغي أن يسألوا باستمرار، "هل هي جيدة [لتحقيق] السلام؟". وسيجبر ذلك الناس على الإجابة على الأسئلة الصعبة التي لا يمكن الاستفادة منها كشعارات رنانة.
وخلاصة القول، أنّ العلاقة الخاصة التي تجمع بين الولايات المتحدة وإسرائيل ليست في خطر فوري، ولكن يجب ألا يسمح مناصروها بتدهور طبيعة العلاقة القائمة منذ فترة طويلة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
إليوت أبرامز
توالت حكومات يمينية على إسرائيل لمدة دامت خمسة عشر عاماً حتى اليوم، الأمر الذي يفسّر الكثير من التوتر مع الإدارة اليسارية القائمة حالياً في الولايات المتحدة. وإذا فازت حكومة يسارية في الانتخابات القادمة في إسرائيل، من المرجح أن تخفّ حدّة التوترات الحالية مع إدارة أوباما. وقد أجبر هذا الوضع أيضاً العديد من اليهود الأمريكيين على اختيار الانتماء الأكثر أهمية بالنسبة إليهم، أي - الليبرالي الأمريكي أو اليهودي الموالي لإسرائيل. وهذا بدوره يطرح مسألة أوسع عمّا إذا كان يهود الشتات ما زالوا يشعرون بصلة تربطهم بإسرائيل، وهذه قضية تتخطّى الاختلاف بين اليسار واليمين. والأسئلة التي تطرح نفسها هي، كيف يمكن الحفاظ على الشعوبية في حين أنّ الجالية اليهودية الأمريكية تفقد يهوديتها؟ وهل سيحافظ اليهود الأمريكيون على الشعور بالشعوبية إذا لا يمارسون اليهودية؟
ثمة اتجاه مدهش آخر يقضي "بإضفاء الطابع الفلسطيني" على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. على سبيل المثال، عند سؤال الناس في مصر أو المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة، لا تبدو علاقتهم مع إسرائيل متمحورة حصراً أو حتى في المقام الأول حول القضية الفلسطينية. وهناك العديد من القضايا الهامة الأخرى، مثل إيران و تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و «حزب الله»، وهكذا دواليك. ولكن بالنسبة إلى الأمريكيين من يسار الوسط، فإنّ المسائل الحيوية هي الفلسطينيين والمستوطنات وإقامة الدولة الفلسطينية. وبغية زيادة الدعم لإسرائيل بين التابعين لهذه الدائرة، في أوروبا والولايات المتحدة على حدّ سواء، ينبغي نزع الطابع الفلسطيني من العلاقة، على الرغم من أنّ ذلك قد يتطلب إدارة أمريكية مختلفة.
ويواجه الإسرائيليون أيضاً مشكلةً مع ما يبدونه من آراء بشأن عملية السلام. ويسهل بالنسبة إليهم أن يقولوا: "نحن نريد السلام، ولكنّ الفلسطينيين لا ينفكون يرفضونه." ويستطيع الأمريكيون تفهّم هذا النمط من التفكير. ولكن من الأصعب لهم أن يقنعوا الغير بالحجة القائلة: "إن الأمر ميؤوساً منه، ولا جدوى من التفاوض لأنّه لا يوجد شريك في الجانب الآخر." وعند تقديم حجج مماثلة للعديد من الأمريكيين، وخاصة اليساريين منهم، فإن ما يفهمونه هو أنّ "الاحتلال دائم." ولا يريدون أن يسمعوا هذه العبارة. فالأمريكيون لا يتوقعون تحقيق السلام غداً، ولكنهم يتوقعون من إسرائيل أن تعمل لتحقيق ذلك.
إذاً ما الذي يمكن القيام به لتحسين العلاقات؟ تحتاج إسرائيل أولاً إلى زيادة التواصل مع الديمقراطيين الأمريكيين، وقد يتحقق ذلك بالاستعانة بمساعدة من سياسييها اليساريين (اعتماداً بالطبع على نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلية في الشهر المقبل). ثانياً، يصعب القول إنّ تحسين الحياة اليومية للفلسطينيين من شأنها أن تحسّن وجهة نظر بعض الأمريكيين وغيرهم من الأجانب بشأن إسرائيل، لأنّ حكومة نتنياهو بذلت جهوداً كبيرة في هذا الإطار في الضفة الغربية دون أن تحظى بالكثير من التقدير. ثالثاً، سيحقق توضيح سياسة الاستيطان الإسرائيلية خطوةً هامةً إلى الأمام. وفي الواقع، تمّ الجزء الأكبر من عمليات البناء المثيرة للجدل داخل الكتل الاستيطانية الكبرى في قلب الحاجز الأمني، وليس في وسط الأراضي التي ستشكّل جزءاً من فلسطين ذات يوم، وقد كان ذلك أساس الإتفاق الذي عقدته إدارة بوش مع إسرائيل، ونشاط البناء الناتج عنها لم يغيّر خريطة السلام جذرياً. وعلى الرغم من أنّ إسرائيل لم تتمكّن من التعبير عن هذه المصطلحات بشكلٍ فعال خلال الإدارة الحالية، ينبغي أن تتمكّن واشنطن من إيجاد صيغة توضح أنّ سياسة الاستيطان لا تطعن في إمكانية التوصل إلى حلّ الدولتين.
أما بالنسبة إلى الانتخابات الإسرائيلية، فإنّ نتنياهو سيكون أفضل حالاً بتشكيل حكومة ائتلافية موسّعة وليس يمينية في حال فوزه، على الأقل من حيث العلاقات مع إدارة أوباما. وعلاوةً على ذلك، في حين أنّ التوترات مع واشنطن تكون عادةً سلبية لشاغل المنصب خلال الحملة الانتخابية، فهي قد تؤذي المعارضة في هذه الانتخابات لأنّ نتنياهو قد يلجأ إلى تهديدات أمنية كبيرة لتصوير خصومه كضعفاء. على سبيل المثال، عندما سُئل رئيس "حزب العمل" يتسحاق هرتسوغ مؤخراً عن إيران، عبّر عن ثقته بالرئيس أوباما بشأن هذه القضية، وهذه ربما إجابة خاطئة من وجهة النظر السياسية الإسرائيلية. وخلافاً للاعتقاد الشائع، تشكّل هذه الانتخابات استفتاءً لشعبية هرتسوغ وليس نتنياهو. ويعرف الإسرائيليون بالفعل ما يفكرون به عن نتنياهو بعد السنوات الطويلة الذي قضاها في منصبه؛ ولكن يبقى السؤال ما إذا كانوا يثقون بهرتسوغ ما يكفي ليصبح رئيساً للوزراء.
أعدت هذا الملخص راكيل ساكس.