- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
اللعبة السياسية من خلال نشر «قوات على الأرض»
إنّ السيادة هي قضية حسّاسة في أي بلد، ولا سيّما في الشرق الأوسط. فالحكومات قد أُضعفت كثيراً حول مسألة إعطاء القوّات الأجنبية الكثير من المجال: فعلى سبيل المثال، قام آية الله روح الله الخميني باستخدام "اتفاقية وضع القوات" بين الولايات المتحدة وإيران من عام ١٩٦٤ بصورة مدمّرة، حيث ادّعى أنّها «تٌنزل الشعب الإيراني إلى مستوى أدنى من مستوى كلب أمريكي».
وفي العراق، وأمام مشهد الاحتلال المطوّل على يد التحالف الذي قادته الولايات المتحدة، أجّلت الحكومة مؤخّراً مسألة وجود جنود أمريكيين وأتراك «على الأرض»، مشيرةً إلى مخاوف متعلقة بالسيادة. ولكن في كلتا الحالتَين، إنّ وجود مثل هذه القوات ليس بالأمر المستجدّ: لكن الجدل القائم حول هذا الموضوع يدلّ بصورة أكثر على التسييس الداخلي بين الفصائل العراقية الشيعية ومدى اهتمام الجماعات العراقية وداعميها الأجانب بتوازن القوى المحلّية أكثر من اهتمامهم بهزيمة التنظيم الذي يشير إلى نفسه باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية».
إنّ الصدام حول عودة القوّات الأمريكية كان سيحصل عاجلاً أم آجلاً. ففي حزيران/ يونيو ٢٠١١، وقبل أشهر فقط من الانسحاب الكامل للقوّات العسكرية الأمريكية، قامت الميليشيات التي تدعمها إيران بقتل ١٦ أمريكياً للتشديد على فكرة توجّب رحيل القوّات الأمريكية من العراق.
كابوس اليقظة بالنسبة لإيران
إنّ عودة الولايات المتحدة والقوّات الغربية الأخرى إلى العراق هو أشبه بكابوس يقظة بالنسبة إلى إيران ووكلائها في العراق ولا سيما «[فيلق] بدر»، و«كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق».
فهذه الميليشيات (وغيرها مثل أتباع مقتدى الصدر) تشكّل خطراً على الوجود الأمريكي المؤلّف من ٣٥٠٠ شخص منذ عودتهم في عام ٢٠١٤ وتهدّد بقتل المستشارين الأمريكيين إذا تخطّوا الخطوط الحمراء مثل إنشاء قواعد أمريكية فقط أو تسليح الولايات المتحدة للجماعات الكردية أو العربية السنّية شبه المسلّحة من دون تدخّل بغداد.
ومؤخّراً، فإن الجماعات التي تدعمها إيران بدأت تمارس ضغطاً متواصلاً لاستبدال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بروسيا وإيران. وقد شمل ذلك جهوداً غير مثمرة لتحويل مركز قيادة الحرب بأكمله من «مركز العمليات المشتركة الموحدة» (الذي ينسّق مع التحالف) إلى مركز لمشاركة المعلومات الاستخباراتية يضمّ ممثّلين عن العراق، والميليشيات الشيعية، وروسيا، وإيران، و«حزب الله» اللبناني، ونظام الأسد.
إنّ الأحداث الأخيرة قد صبّت في مصلحة الجماعات التي تحاول إخراج التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من العراق. ففي ٢٢ تشرين الأوّل/ أكتوبر، شاركت القوات الخاصة الأمريكية في مداهمة كردية في الحويجة، مما أسفر عن مقتل جندي أمريكي واحد، ومنذ ذلك الحين برز دليل آخر على تنفيذ القوّات الخاصة الأمريكية هجمات قنص وقصف بقذائف هاون بشكل متقطّع على قوّات تنظيم «الدولة الإسلامية» على طول الجبهة الكردية الأمامية.
وفي ٢٩ تشرين الثاني/ نوفمبر، زار عضوا مجلس الشيوخ الأمريكيان جون ماكين وليندسي غراهام العراق وأعربا علناً عن أفكار [قبول] وجود أمريكي موسّع يصل إلى ١٠ آلاف شخص كجزء من قوّة متعددة الجنسيات على الأرض لمواجهة تنظيم «داعش» و«إبطال تقدّم الميليشيا الشيعية إلى حدّ ما» وفقاً لما أشار غراهام.
رد فعل عنيف من الفئات المدعومة من إيران
تزامنت هذه التعليقات مع تلك التي أعرب عنها وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر في ١ كانون الأوّل/ ديسمبر والتي أفادت بأنّ واشنطن قد تنشر "قوّة حملة استهداف متخصصة لمساعدة القوّات العراقية وقوّات البشمركة الكردية... تكون قادرة على تنفيذ مداهمات، وتحرير معتقلين، وجمع المعلومات الاستخباراتية، واعتقال قادة في تنظيم «الدولة الإسلامية»".
وعلى الرغم من أنّ الحكومة العراقية دعمت بشكل كامل وحدة القوّات الخاصّة التي تُعدّ واحدة من عدّة جماعات مماثلة تعمل بموافقة عراقية، إلّا أنّ ردّة فعل «[فيلق] بدر» وجماعات أخرى تدعمها إيران كانت عنيفة بما يكفي لتجبر رئيس الوزراء حيدر العبادي على توضيح موقفه في ٢ كانون الأوّل/ ديسمبر مشيراً إلى أنه: «ليست هناك حاجة إلى قوات عسكرية أجنبية على الأرض للمحاربة. فلا يمكن نشر أي دعم ولا القيام بأي عمليات خاصّة مماثلة في العراق إلا بعد موافقة الحكومة العراقية».
ولاحقاً، أضاف العبادي أنّ الحكومة العراقية «ستتعامل مع وجود قوّات أجنبية على أرض العراق وكأنّ وجودها هو فعل عدائي وانتهاك لسيادة العراق الوطنية».
وقد تمّ جرّ العبادي أيضاً إلى خلاف حادّ مع تركيا منذ أن أعلن الإعلام عن وجود ١٥٠ إلى ٢٠٠ جندي تركي أضيفوا مؤخّراً، إلى جانب تجهيزات من النوع الثقيل في قاعدة تدريب في المنطقة الكردية في شمال العراق. وقد تمّ نشر هذه القوّات في قاعدة زيلكان في شهر تشرين الثاني/نوفمبر لتنضمّ إلى ٣٠ مدرّباً تركياً يعملون في القاعدة منذ عام ٢٠١٤ لتدريب رجال شرطة عرب على المشاركة في استرجاع مدينة موصل المجاورة.
وفي إطار إحدى التعقيدات الكثيرة والغريبة في العراق، تساهل نظام صدّام والحكومات ذات القيادة الشيعية المتعاقبة مع وجود قوّة تركية كبيرة على الأرض يصل عدد أفرادها إلى ١٥ ألف شخص في منطقة «حكومة إقليم كردستان» ومع توغّلات جوّية تركية متكررة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وطالما أنّ الأتراك كانوا يضمنون حدود المصالح الكردية، لم تكن هناك معارضة قوية لهذا الوجود من قبل بغداد. ولكن [حكومة] بغداد أصبحت أكثر انتقاداً لهذا الوجود منذ أن تحوّل دور تركيا إلى تحالف مع «حكومة إقليم كردستان».
"انتهاك لسيادة العراق"
في ٣٠ تمّوز/ يوليو، أشار العبادي إلى الهجمات الجوّية التركية على مواقع «حزب العمّال الكردستاني» داخل المنطقة الكردية في شمال العراق بأنها «انتهاك لسيادة العراق». إنّ إضافة ١٥٠- ٢٠٠ جندي، إلى جانب ٣٥ مركبة مدرّعة في زيلكان قد دفعت العبادي إلى الإعلان، في ٦ كانون الأوّل/ ديسمبر، أنّ الوجود كان «انتهاكاً جدّياً للسيادة العراقية» وأنّ على تركيا الانسحاب بغضون ٤٨ ساعة أو مواجهة «جميع الخيارات المطروحة»، بما في ذلك اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.
وتفسّر الحالة التركية الدور الذي تلعبه السياسات في النقاش حول السيادة. فالمداهمة التي وقعت في الحويجة في ٢٢ تشرين الأوّل/أكتوبر قد أثارت غضباً وسط المؤيدين للميليشيات التي تدعمها إيران لكن لم يسعَ مثل هؤلاء المؤيّدين في أي مرحلة إلى وضع أي قيود على الدور المحارب الذي يضطلع به «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني أو القوّات الخاصة لـ «حزب الله» اللبناني في العراق.
إنّ وكلاء إيران مثل «[فيلق] بدر» قد أسّسوا قطاعاً أمنياً موازياً ليس له علاقة كبيرة بسلسلة القيادة العراقية الدستورية.
وخلافاً لذلك، شدّد الرئيس الأمريكي باراك أوباما على أنّه في ١٦ نيسان/أبريل التزمت الولايات المتحدة بالعمل بشكل حصري عن طريق حكومة العبادي، مشيراً إلى أنّ «أي مساعدة أجنبية تسهم في هزم تنظيم «داعش» يجب أن تمر عن طريق الحكومة العراقية. فهكذا يتمّ احترام السيادة العراقية».
لقد أغضبت واشنطن باستمرار أنصار تسليح الأكراد والعرب السنّة بشكل مباشر وذلك من خلال إيصالها جميع المساعدات العسكرية عبر بغداد.
ويفسّر لنا الهرج القائم حالياً حول السيادة و«القوات على الأرض» بأنّ العديد من الفصائل التي تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» تهتمّ لأولويّات طارئة أكثر من اهتمامها بهزيمة الجماعة الإرهابية.
وبالنسبة إلى جماعات مثل «بدر» و«كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق»، تتدنّى الحاجة الملحّة لهزيمة «داعش» لأنّه لا يمكن لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد اليوم أن يغزو المناطق ذات الغالبية الشيعية.
ويتجسّد الخوف الرئيسي بالنسبة إلى «بدر» ووكلاء إيرانيين آخرين حالياً في إنزال سلسلة من الهزائم بـ تنظيم «داعش» على يد قوّات منافسة هي - حكومة العراق، والجيش العراقي، والبشمركة، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وهذا ما حصل في تكريت. وهذا ما سيحصل في الرمادي وفي الموصل أيضاً في نهاية المطاف. فلجماعات مثل «بدر» أولويّة ملحّة لإخراج التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قبل أن يرجع الفضل في النصر إلى العبادي والمؤسسة السياسية والدينية الشيعية السائدة.
إنّ الجماعات التي تدعمها إيران تخوض بشكل متزايد «الحرب التالية» - أي النضال للسيطرة على العراق - حتّى قبل انتهاء هذه الحرب.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن.
قناة "الجزيرة"