- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3115
اللحظة الحاسمة لخامنئي: كيف بإمكان إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات
في 10 نيسان/أبريل، حذّر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من أنّ "الرئيس ترامب سيواصل زيادة الضغط على جمهورية إيران الإسلامية لكي تُغيّر سلوكها". وعلى الرغم من الحملة الأمريكية الصارمة لتشديد العقوبات، إلاّ أن المرشد الأعلى علي خامنئي قد شدّد باستمرار على ضرورة اتباع سياسة "المقاومة" التي ترتكز على التحايل بشكل مبتكر على القيود الاقتصادية المؤلمة، وتطوير برنامج الصواريخ الإيراني، والحفاظ على سياسة النظام الإقليمية المتسمة بالتحدي. وكان أحدث دليل على هذا الموقف هو قراره المتعلق بتعيين الجنرال حسين سلامي قائداً أعلى لقوات «الحرس الثوري الإسلامي» بعد فترة وجيزة من إعلان الرئيس ترامب أنّ واشنطن قد صنّفت «الحرس الثوري» كمنظمة إرهابية أجنبية. وبالمقارنة مع سلفه المخلوع، يُعتبر سلامي أقرب أيديولوجياً من خامنئي وأكثر تشدداً في آرائه.
وبطبيعة الحال، تثير هذه الخطوات تساؤلات حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه سياسة "المقاومة" الخاصة بخامنئي، وما الذي يمكن أنّ يرغمه على "تغيير سلوك إيران". وعلى وجه التحديد، هل توجد أي ظروف يكون فيها النظام على استعداد للعودة إلى طاولة المفاوضات ومناقشة القضايا النووية، وبرنامج الصواريخ، والسياسة الإقليمية؟
الأولويات النهائية لخامنئي
أولاً وقبل كل شيء، يريد خامنئي البالغ من العمر 80 عاماً أن يترك إرثاً لضمان بقاء النظام لفترة طويلة بعد رحيله. وما يقف في طريق هذا الهدف هو اعتقاده الراسخ بأن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لتغيير النظام نفسه، وليس سلوكه فحسب - وهي قناعة تشكّلت على مدى سنوات عديدة واستمرت على الرغم من التغييرات في القيادة والسياسة الأمريكية. ففي رأيه، إنّ مثلّث إيران المتشكّل من تكنولوجيا القذائف المتقدمة، والبرنامج النووي ذات الإمكانات العسكرية، والقدرات الحربية غير المتناظرة، يعمل كجدار حماية ضد أي عدوان محتمل مهما كان نوعه. وبعبارة أخرى، يبدو أنّ خامنئي يعتقد أنّ أكبر تهديد وجودي للنظام هو حدوث مواجهة عسكرية مباشرة مع قواتٍ يقودها الغرب على الأراضي الإيرانية. وهذا ما يفسّر السجل الحافل لخطاباته المعادية التي يقاطعها بين الحين والآخر الحذر المدروس في اللحظات الحسّاسة.
أمّا الأولوية الثانية بالنسبة لخامنئي فتتمثّل في تمهيد الطريق أمام انتقال سلس للقيادة عندما لم يَعُد في السلطة، مع احتفاظ المتشددين بمكانتهم المهيمنة وتجنب النظام أي تحول أيديولوجي. إن جهود طهران لتحقيق هذه الغاية معقدة للغاية، بل مبهمة في بعض الأحيان، ولكن يمكن للمرء أن يميّزها في اتجاهاتٍ مثل قيام خامنئي بتعيين المتشددين الشباب نسبياً والواثقين من نفسهم في مناصب حساسة في الهيئات القضائية وضريح الإمام رضا. ومن الأمور الدالة أيضاً، جهوده الحثيثة الرامية إلى جعل «الحرس الثوري» الإيراني مؤسسة لا غنى عنها من خلال إشراكها في مجموعة واسعة من الأنشطة الوطنية الحيوية، بدءاً من الحفاظ على أمن البلاد ضد الأعداء الأجانب والمحليين، ومروراً بمنافسة السلطة التنفيذية على المؤسسات الاقتصادية والتعافي من الكوارث الطبيعية، ووصولاً إلى قيادة "الحرب الناعمة" للنظام من خلال التحكم في وسائل الإعلام والتلاعب بشكل متقدّم بالفضاء الإلكتروني.
ويمكن أن تصبح العقوبات معياراً حيوياً في أي عملية انتقالية من هذا القبيل، سواء من خلال إعاقة قدرة النخب على تحقيق التوافق واتخاذ القرارات بكفاءة بشأن المسائل الحاسمة، أو عن طريق إرساء أرض خصبة للفوضى الاجتماعية إذا أصبح انعدام الرضا عن الاقتصاد العام خارج حدود السيطرة في ظلّ غياب القوة المركّزة لخامنئي. وبدورها، يمكن أن تؤدي عملية انتقالية محفوفة بالمشاكل إلى تحفيز حدوث تحوّل في النظام على يد الخصوم المتشددين أو القوى الديمقراطية، على افتراض عدم انهيار النظام السياسي بالكامل.
وفي الواقع، تتوافق هذه السيناريوهات بصورة أكثر مع خوف خامنئي الأعظم المتمثل بـ : وصول الجمهورية الإسلامية إلى نهايتها - ليس من خلال التغيير المفاجئ للنظام، بل من خلال التأثير الثقافي الغربي التدريجي. وقد دفعه هذا الخوف إلى اتخاذ إجراءات منهجية وعدوانية ضد "الغزو" الخارجي للساحة الثقافية والاجتماعية. وتنبع معاداة خامنئي للولايات المتحدة من نظرته للعالم حيث يرى أنّ الإسلام هو الحل النهائي لجميع مشاكل العالم، وأنّ العلوم الإنسانية لا تعمل سوى على إضعاف هذه الإيديولوجية، وأنّ التقدم العلمي/التكنولوجي هو أفضل وسيلة لتوسيع سلطة النظام بشكل دائم. ووفقاً له، فإنّ تبني أساليب الحياة الغربية من شأنه أن يدمّر دوافع الجيل الشاب للتضحية بحياتهم من أجل الإسلام الذي يروّج له. فعلى حد تعبيره، وخلال خطاب ألقاه في 24 نيسان/أبريل أمام مجموعة من العمّال، قال: "نحن نسعى لرفاهية المجتمع، والتقدم العلمي، والنمو المادي، والتطور التكنولوجي، ولكننا أيضاً نسعى وراء روحانية المجتمع وكرامته ومصلحته وتقدمه الأخلاقي".
خامنئي لا يثق في "تغيير السلوك"
يبدو أن المرشد الأعلى يعتقد أنه لا يوجد فرق كبير بين "تغيير النظام" و"تغيير السلوك" الذي تطالب به إدارة ترامب باستمرار. ففي نظره، إنّ تغيير النظام هو النوايا المفتوحة أو الخفية وراء كل خطوة تقوم بها واشنطن، لذا فإن أي مفاوضات بشأن القضايا الإقليمية أو التحكم في الصواريخ ستعود حتماً إلى ممارسة الضغوط على الشؤون الداخلية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان. كما يبدو أنّه مندهش من توقّعات الغرب بأن على إيران أن تتحوّل إلى ديمقراطية ليبرالية - ليس لأن ذلك سيكون بمثابة تغيير النظام فحسب، بل لأنه يبدو أيضاً وكأنه معيار مزدوج بالنظر إلى رغبة واشنطن في العمل عن قرب مع دول إقليمية أخرى غير ديمقراطية مثل المملكة العربية السعودية.
أمّا بالنسبة لتطوير الصواريخ والتدخل الإقليمي وقضايا أمنية أخرى، فمن المحتمل أنّ خامنئي يرى أنّ المطالب الأمريكية على تلك الجبهات تهدف إلى حرمان إيران من أي دور يُذكر في الشرق الأوسط. وبدوره، إن هذا السيناريو قد يجعل النظام أكثر عرضة للتحركات التي قد تتخذها القوى الإقليمية كالسعودية وتركيا ومنافسين آخرين.
مخاطر الانتظار
على الرغم من أن النظام الإيراني ليس حكماً ديكتاتورياً كلاسيكياً تتركز فيه السلطة بالكامل في يد شخص واحد، غير أنّ لدى خامنئي الكلمة الأخيرة إلى حد كبير فيما يخص القضايا الرئيسية المتعلقة بالسياسة الداخلية والخارجية، لا سيّما بالنظر إلى دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة. فمن أجل تعزيز سلطته على مر السنين، أنشأ مؤسسات موازية لا تعد ولا تحصى تخضع للمساءلة أمامه فقط. ونتيجة لذلك، لن تنتقل قيادته "العليا" تلقائياً إلى خليفته من دون قدر من الأزمات الداخلية والمنافسة. والأمر نفسه ينطبق على قوة «الحرس الثوري» الإيراني التي لا تضاهى كهيئة عسكرية ومجمع اقتصادي ثقافي سياسي.
وبالنظر إلى هذه الشكوك التي لا مفر منها، فإن أفضل وقت لمعالجة المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة مع إيران بفعالية هو أثناء استمرار وجود القيادة الحالية. فليس هناك ما يضمن بأن إيران ما بعد خامنئي ستكون طرفاً أكثر معقولية ومرونة للتفاوض مع الغرب. فرحيله لن يؤدي إلى تعيين خليفة ذي سلطة آمرة يتمتع على الفور بسيطرة مماثلة على القوات المسلحة للنظام، وجهاز المخابرات، ووسائل الإعلام، والقضاء والإمبراطورية المالية الواسعة. فقد تستمر هذه المرحلة الانتقالية غير المستقرة لفترة طويلة، وقد لا تتمكن خلالها النخب من التوصل إلى توافق في الآراء فيما يتعلق بالقضايا الخطيرة، كما يمكن أن يميل «الحرس الثوري» إلى اتخاذ المزيد من الخطوات العدوانية في الخارج من أجل تعزيز السيطرة في الداخل.
تجاهل التهديدات الفارغة
يكمن العامل الأساسي لإحراز أي تقدم مع النظام الحالي في فهم التناقض بين كلمات خامنئي وأفعاله. فتصريحاته مصمّمة لإظهار موقف ثوري متصلّب بشأن جميع الأمور الأساسية، إلاّ أنّ سجلّ سياسته يكشف النقاب عن روحٍ حذرة غير انتحارية وغير محصّنة ضد مواطن الضعف الناجمة عن الضغوط الداخلية.
ومن بين أكثر الأمثلة اللافتة للنظر هي «خطة العمل الشاملة المشتركة». فلسنوات قبل أن يصبح الاتفاق النووي حقيقة واقعة، مَنع خامنئي أي حديث علني حول المفاوضات مع الولايات المتحدة، أي إلى أن شعر بضغط العقوبات في عام 2011 وسمح للمحادثات بالمضي قدماً، واصفاً تحوّله الجذري كحالة من "المرونة البطولية". وفي وقت لاحق، عندما كانت الولايات المتحدة لا تزال طرفاً في «خطة العمل الشاملة المشتركة» وكان الرئيس ترامب قد انتُخب حديثاً، حذّر خامنئي علناً من أنّ إيران قد تحرق الاتفاق "بالنار" إذا ما انسحبت واشنطن منه. وبعد وقت قصير تجاوزت إدارة ترامب هذا الخط الأحمر، لكن خامنئي لم يستجب بعد لتهديده، حتى بعد أن عجزت أوروبا عن تلبية توقعاته بحماية طهران من العقوبات.
ولو حدث أي شيء، فإن المرشد الأعلى قدْ هدّأ الأمور بصورة أكثر منذ ذلك الحين. فخلال اجتماع عُقد في 18 نيسان/أبريل، أمر حشداً من قادة الجيش بتوخي الحذر في ردهم على إدراج "الحرس الثوري الإيراني" مؤخراً على قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية": "كل ما يزعج العدو هو جيد وصحيح. من ناحية أخرى، كل إجراء يُغضب العدو إلى حد القتال... هو سيء وغير مقبول، ويجب على كل شخص تجنبه في خطبه وأفعاله." وتشير هذه المعايرة الدقيقة للتحدي الإيراني إلى إدراكه لحقيقة أنّ حرباً كبرى قد تطيح بالنظام نظراً إلى الأوضاع الاقتصادية والعسكرية والأيديولوجية والسياسية الحالية. وبالتالي، في حين أن بعض المسؤولين الإيرانيين قد أصدروا تهديدات استفزازية بشأن إغلاق مضيق هرمز، إلّا أن خامنئي وغيره كانوا أكثر حذراً.
الشروط المحتملة لاستئناف المفاوضات
في ضوء الصعوبات الاقتصادية والعزلة الدولية التي تعاني منها إيران، يبدو أن بعض النخب المتشددة على الأقل مستعدة لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، لا سيّما إذا فاز الرئيس ترامب بولاية ثانية. فقد تعتقد أنه سيتّبع النهج نفسه الذي اتبعه مع كوريا الشمالية - أي زيادة الضغط على النظام لإجباره على التفاوض، ولكن بدلاً من الإصرار على حل جميع الخلافات دفعة واحدة، ما عليه سوى البدء في المفاوضات وتركها مفتوحة، والتعامل مع طهران خطوة تلو الأخرى على أساس التراضي والاستعداد للتنازل.
واستناداً إلى التجربة الماضية فيما يتعلق بنطاق المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة ومحتواها، يبدو أن خامنئي يعتقد أن أي فريق تفاوض في المستقبل قد يعكس تشديد إدارة ترامب على مناقشة مجموعة واسعة من المطالب في الوقت نفسه. وإذا استمر هذا التصور - أي أن مطالب الولايات المتحدة شاملة للغاية أو جذرية للغاية، أو تفضي إلى تغيير النظام، أو تهدد القوة المهيمنة للمتشددين - فمن غير المرجّح أن تُجرى أي مفاوضات. وعوضاً عن ذلك، إذا تمكنت الإدارة الأمريكية من إقناع القادة الإيرانيين بأن مكاسبهم وخسائرهم ستكون متناسبة إلى حد ما، فقد يصبحون على استعداد لإعداد قائمة بمجالات التنازل المحتملة والموافقة على بدء مفاوضات أولية.
وتحقيقاً لهذه الغاية، وعلى افتراض أنّ الهدف من العقوبات الأمريكية هو إجبار إيران على التفاوض، فعلى الإدارة الأمريكية أن تعيد النظر في بعض إيماءاتها الأخيرة غير المجدية. فعلى سبيل المثال، إنّ إجراء لقاء علني بين مسؤولين أمريكيين وشخصيات معارضة إيرانية أو إلقاء خطابات في تجمعاتهم السياسية، من شأنها أن تبعث رسالة محيّرة إلى طهران، حيث غالباً ما تفسّر إيران هذا التواصل باعتباره جزءاً من دافع خفي لتخريب النظام أو حتى السعي نحو إشعال الحرب (على غرار حرب العراق عام 2003).
وعلى نطاق أوسع، من أجل تعظيم فوائد سياسة الضغط الاقتصادي لإدارة ترامب، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يكونوا دقيقين في خطوطهم الحمراء وخطاباتهم، وأن يلتزموا بها التزاماً صارماً من الناحية التطبيقية. ففي المفاوضات الماضية، أصرّت إيران على حصول ضمانات أمنية موثوقة بأنها لن تصبح أبداً هدفاً عسكرياً للولايات المتحدة أو إسرائيل. وقد قاومت الإدارات السابقة هذا الطلب المطلق، ومن غير المرجح أن تقبله إدارة ترامب، وذلك بالنظر إلى الاحتمال المستبعد بل الحقيقي بأن تقرر إيران إغلاق مضيق هرمز. ومع ذلك، لا يزال بإمكان واشنطن إيجاد آليات لإقناع النظام بأن أي عمل عسكري ضد إيران سيبقى دفاعياً، ومقتصراً على الردود التي تقتضيها الأعمال العسكرية للنظام.
وبالإضافة إلى جعل إيران على دراية بالخطوط الحمراء الأمريكية بأوضح طريقة ممكنة، يجب على المسؤولين رسم خط واضح بين "تغيير النظام" و"تغيير السلوك". ومن خلال تسليط الضوء بشكل مقنع على المحتويات والأهداف القصيرة أو الطويلة الأجل للسياسة الأمريكية تجاه إيران، قد تتمكن واشنطن من إقناع النظام بأن المفاوضات ستركّز على تقديم المكافآت (أو فرض العقوبات) مقابل كل خطوة صغيرة يتخذها (أو يرفضها) النظام. وفي الوقت نفسه، وفيما يخص حشد حلفائها الإقليميين للضغط على إيران، ينبغي على إدارة ترامب بذل جهود صادقة لكي تُظهر لخامنئي أنّ النفوذ نفسه يمكن أن يرغم هؤلاء الحلفاء على تخفيف التوترات إذا توصلت طهران إلى تسوية. وباختصار، يجب أن تتبنى الولايات المتحدة نهجاً متّسقاً يُنظر فيه بوضوح إلى العروض الغربية على أنها قابلة للتعديل وفقاً لسلوك النظام في المنطقة وتطلعاته السلمية.
مهدي خلجي هو زميل "ليبيتزكي فاميلي" في معهد واشنطن.