- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3264
المبشّرون التونسيون بالجهاد
"في 11 شباط/فبراير، خاطب كل من هارون زيلين و روكميني كاليماشي منتدى سياسي في معهد واشنطن. وزيلين هو زميل "ريتشارد بورو" في المعهد، وباحث زائر في "جامعة برانديز"، ومؤلف الكتاب الجديد "أبناؤكم في خدمتكم: المبشرون التونسيون في الجهاد". وكاليماشي صحفية كانت قد وصلت أربع مرات إلى الدور النهائي لـ "جائزة بوليتزر" حيث تركز في كتاباتها على تنظيمي »الدولة الإسلامية« و »القاعدة« في صحيفة "نيويورك تايمز". وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما".
هارون زيلين
لم يكن الكثير من المراقبين مدركين أن التونسيين كانوا منخرطين بشكلٍ غير متناسب في الحركة الجهادية قبل عام 2011، خاصةً لأنّ جزءاً كبيراً من هذا النشاط جرى في مناطق النزاع الأجنبية. فابتداءً من الجهاد الأفغاني المناهض للسوفييت ووصولاً إلى الهجمات الإرهابية في مالي، شارك هؤلاء في هذه الحركة لمدة ثلاثين عاماً قبل الثورة التونسية، فلعبوا أدواراً مهمة كمقاتلين أجانب في البوسنة والجزائر والعراق ودول أخرى. كما كانوا عناصر رئيسية في شبكة الخدمات اللوجستية والتيسير والتوظيف القائمة في أوروبا، فعملوا بشكلٍ أساسي انطلاقاً من ميلانو ولكنهم تواجدوا أيضاً في باريس وبروكسل ولندن. وتساعد هذه الأمثلة في توضيح سبب انضمام العديد من المقاتلين التونسيين الأجانب إلى القتال في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي غضون ذلك، تم إطلاق سراح العديد من الجهاديين التونسيين المتطرفين ذوي الخبرة الإرهابية السابقة وبدأوا ينتشرون بين الناس بسبب عدة عوامل، بما فيها الطبيعة الانتقالية للحكومة ما بعد الثورة، والرقابة غير الكافية على السجناء، والضغط من الثوّار. ولم تتمتع الحكومة الانتقالية بشرعيّة محلّية كبيرة خلال فترة ولايتها، وهو الوضع الذي فسح المجال أمام جماعة »أنصار الشريعة في تونس« لتنظيم نفسها رسميّاً ونشر أفكارها.
ولم تحلَ انتخابات ما بعد الثورة هذه المشكلة: فأصبحت الحكومة التي تقودها "حركة النهضة" أكثر انخراطاً من سابقتها في التعامل مع »أنصار الشريعة في تونس«، لكن تبيّن أن رهانها على سياسة الخفّة في التعامل كان مكلفاً. واستغلّت جماعة »أنصار الشريعة في تونس« ذلك باتّباعها نهج الدعوة أوّلاً بدلاً من نهج الجهاد أولاً. وسمح التركيز على أنشطة التوعية، والتعليم الديني، والجمعيات الخيرية، وجهود الإغاثة لهذه الجماعة بالوصول إلى جمهور أوسع لم تكن لتبلغها لو كانت منظّمة سرّيّة نمطية مثل تنظيم »القاعدة«. وكانت إحدى رسائل »أنصار الشريعة في تونس« التي ارتجع صداها جيّداً بشكلٍ خاص لدى التونسيين الذين كانوا يبحثون عن شيءٍ جديد بعد الثورة هي: "أبناؤكم في خدمتكم"، وهو شعارٌ يهدف إلى الإظهار للمواطنين أنّ هذه الجماعة كانت تخدم المجتمع.
ويساعد ما حدث في تونس بين عامي 2011 و 2013 في توضيح سبب انضمام العديد من المواطنين لاحقاً إلى تنظيم »الدولة الإسلامية« (»داعش«). فقد كان الكثيرون منهم ذوي تجربة مع جماعة »أنصار الشريعة في تونس«، التي أثار سقوطها تحولاً في الحركة الجهادية في البلاد. فلم تعد كياناً متماسكاً يديره التونسيون ويركّز بشكلٍ أساسي على القضايا المحلّية - بل أصبحت مجدداً أكثر عولمة بالنسبة للجماعات الكبرى مثل تنظيم »الدولة الإسلامية«. وكانت الحركة الجهادية التونسية تعود إلى جذورها التاريخية، مع انضمام الأفراد إلى القتال الخارجي ومساعدتهم على تسهيل الهجمات والتخطيط لها. بالإضافة إلى ذلك، ساعد التونسيون في بناء برنامج الدعوة الخاص بتنظيم »الدولة الإسلامية« - فظهر أبو وقاص التونسي كشخصية علنية مثّلت هذا البرنامج في ستة من أشرطة الفيديو الخاصة بالتنظيم بحلول نهاية عام 2013.
وأثبت الاستيلاء الفاشل على [مدينة] بن قردان في آذار/ مارس 2016 أنه نقطة تحوّل لسلطة تنظيم »الدولة الإسلامية« داخل تونس، مما عزز إلى حدٍّ كبير من الشرعية السياسية للحكومة وحملتها العسكرية بعد عامٍ من الهجمات رفيعة المستوى التي كان يشنّها تنظيم »داعش«. ومنذ ذلك الوقت، تمكنت السلطات التونسية من إضعاف الحركة شيئاً فشيئاً. وبلغت الحركة الجهادية الآن أدنى مستوياتها منذ الثورة، في حين اكتسبت الدولة خبرة كبيرة وأصبحت تتمتع بفهمٍ أفضل لهذه الحركة.
غير أن التحديات لا تزال قائمة. ولم تعد الحركة الجهادية في الطليعة بعد الآن - فهي حركة اجتماعية لها ثقافتها الفرعية الخاصة بها، ولم يعد التعامل معها من وجهة نظر عسكرية وإنفاذ القانون كافياً (رغم أن ذلك لا يزال ضرورياً). فالعديد من الأفراد الذين انخرطوا في تنظيم »الدولة الإسلامية« وجماعة »أنصار الشريعة في تونس« لم يقوموا بذلك لدوافع عنفية، بل للمشاركة في مشاريع اجتماعية ومساعدة جيرانهم، تماماً كما روّجت هاتان الجماعتان في إعلاناتهما. وبناءً على ذلك، يجب أن يوفّر المسؤولون المحليون والغربيون سبلاً بديلة تلقى أصداءً لدى هؤلاء الناس، بما فيها التركيز بشكل أكبر على دعم التونسيين الشباب وضمّهم إلى الأحضان.
وإجمالاً، انضم حوالي 3000 تونسيٍّ إلى تنظيم »الدولة الإسلامية« في العراق وسوريا، وانضم حوالي 1500 إلى »داعش« في ليبيا. ووفقاً للحكومة التونسية، عاد 1000 منهم على الأقل إلى الوطن. واستجابة لذلك، نفّذت الحكومة مشاريع تجريبية داخل نظام السجون خلال العامَين الماضيَين، وشاركت مع جمعيات المجتمع المدني في إعادة التأهيل وإعادة الإندماج. كما رعت مجموعة من ورش العمل مع مسؤولين محليين وجمعيات محلية، على أمل أن تشكّل دعامة مجتمعية للعائدين، لكي يتمكنوا من البدء بإعادة الاندماج بعد قضائهم عقوبة السجن.
روكميني كاليماشي
في فترة التطوّر الأولى لجماعة »أنصار الشريعة في تونس«، لم تكن هذه المنظمة عنيفةً على الإطلاق. وكانت مهتمة بشكلٍ أساسي بتقديم الخدمات، ابتداءً من القوافل المليئة بالملابس إلى العيادات الطبّية، والحملات الخيرية وغيرها. ويوضح ذلك كيف يمكن للمنظمات الإرهابية التعلم من ماضيها، رغم اعتبارها غالباً بأنها تركز على تكتيكات عنيفة بحتة. وتحدّث زعيم تنظيم »القاعدة« المشهور عطية عبد الرحمن الليبي ذات مرة عن فشل الجهاديين في الجزائر خلال التسعينيات، عندما حققت »الجماعة الإسلامية المسلّحة« مكاسب مهمة في البداية، لكنها أصبحت لاحقاً شديدة العنف والتطرّف. وفي نهاية المطاف، أدت الفظائع التي ارتكبتها - وبعضها بحق أعضائها الخاصين - إلى نتائج عكسية. وترعرع زعيم »أنصار الشريعة في تونس« أبو عياض التونسي في هذه الحركة الأكبر وكان متأثراً جدّاً بتلك الدروس التي تعلّمها.
ويستمرّ النقاش حول ما إذا كانت جماعة »أنصار الشريعة في تونس« تابعة فعلاً لتنظيم »القاعدة«. ومع ذلك، من المعروف أن أبو عياض قد تبادل الرسائل مع الزعيم الحالي للتنظيم أيمن الظواهري، ومع رؤساء »تنظيم القاعدة في جزيرة العرب« وجماعة »بوكو حرام« وحركة »الشباب«. بالإضافة إلى ذلك، تشير الوثائق التي تمت مصادرتها في مجمّع أسامة بن لادن في أبوت آباد إلى أنه في فترة نشوء »أنصار الشريعة في تونس« تقريباً، كان تنظيم »القاعدة« يقرر ما إذا كان يجب التوقف عن إطلاق اسم »القاعدة« على التنظيمات التي تدور في فلكه، ربما بسبب الجهود المكثفة التي بذلتها وزارة الخزانة الأمريكية لفضح مثل هذه الجماعات وتصنيفها على لائحة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، كان تنظيم »القاعدة في جزيرة العرب« في ذلك الوقت يطلق على نفسه اسماً محلّياً هو »أنصار الشريعة في اليمن«.
وفيما يتعلق بالمؤامرات الإرهابية الأوروبية مثل الهجوم على صحيفة "شارلي إبدو" في كانون الثاني/ يناير 2015، وهجمات باريس في تشرين الأول/ نوفمبر 2015، وهجمات بروكسل في آذار/ مارس 2016، وهكذا دواليك، يبدو أن أصولاً فرنسية مغربية وفرنسية تونسية تنتشر بين مرتكبي هذه الجرائم. ففي العديد من الحالات، يكون هؤلاء الأفراد مولودين في شمال أفريقيا، وقد أتوا إلى أوروبا عندما كانوا أطفالاً، ثم علقوا على ما يبدو بين عالمَين، فعجزوا عن التخلص من الوصمة التي تحددهم كمهاجرين حتى عندما تعلّموا التحدّث بالفرنسية بطلاقة. وفي الوقت نفسه، لم يشارك سوى القليل من الأفراد الفرنسيين الجزائريين أو الفرنسيين الليبيين في مثل هذه المؤامرات، مما يثير العديد من التساؤلات حول الأوساط الجهادية التونسية والمغربية.
أعد هذا الملخص كيفن ماثيسون. أمكن تنفيذ سلسلة برامج منتدى السياسات بفضل سخاء "عائلة فلورنس وروبرت كوفمان".