- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
المحن الداخلية المتزايدة لـ «حزب الله»
قد يمثل الاتفاق النووي مع إيران نقلة جيوسياسية نوعية لصالح الثيوقراطية الشيعية، ولكن بالنسبة إلى اللبنانيين الشيعة، فإن الهموم المحلية هي التي تطغى. فشيعة لبنان، الذين يبلغ عددهم 1.6 مليون شخص، قلقون من تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة»، ولأسباب وجيهة، إذ إن «حزب الله» - الميليشيا اللبنانية الشيعية التي تدعمها إيران - يقاتل في سوريا منذ 4 سنوات، وقد ساعد نظام الأسد في قتل حوالى 300 ألف شخص، معظمهم من السنة. ورداً على مشاركة الحزب في الحرب السورية، فإن هؤلاء الجهاديين السنة يستهدفون الشيعة في لبنان. ولكن وفقاً لاستطلاعات جديدة أجرتها المنظمة اللبنانية غير الحكومية «هيا بنا»، يعتقد 80 في المائة من الشيعة اللبنانيين أن انتشار «حزب الله» في سوريا يساهم في حمايتهم. وفي الواقع، تُعتبر مهمة «حزب الله» في سوريا مهمة جداً، إلى درجة أن 47 في المائة من الشيعة اللبنانيين يعتقدون الآن أن «تحرير» مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل لا يجب أن يكون من أولويات الحزب في المستقبل.
وحتى يومنا هذا، لم يؤدّ تغير حجة وجود «حزب الله» - من «مقاومة» إسرائيل إلى إطلاق الحملات العسكرية دعماً لإيران في اليمن والعراق وسوريا - إلى إضعاف الدعم الذي يلقاه الحزب من جمهوره المحلي. لكن دور الحزب الجديد كحارس للمصالح الإقليمية الإيرانية، بالإضافة إلى العثرات التي يواجهها على الصعيد المحلي، يؤديان إلى إثارة مخاوف الكثير من اللبنانيين الشيعة.
إن تدخل «حزب الله» في سوريا قد أثقل كاهل المجتمع الشيعي المتلاحم في لبنان. فمنذ عام 2011، سقط حوالى 1000 مقاتل من الحزب بين قتيل وجريح في سوريا وحدها، وهو عدد كبير إلى درجة أن أكثر من 50 في المائة من الشيعة الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنهم يعرفون شخصاً «استشهد» في الحرب. فكل يوم تقريباً، تصدر تقارير حول مواكب تشييع في لبنان. وهذا الشهر بالتحديد، عاد 4 مقاتلين من الحزب مكفّنين إلى بلدهم. كما أن عناصر أخرى في الحزب لاقت حتفها أثناء قيامها بـ «الواجب الجهادي» في أماكن أخرى.
وعلى الرغم من ثقافة الاستشهاد المزعومة عند «حزب الله»، يبدو أن المجتمع الشيعي بدأ يتأثر بتزايد أعداد الضحايا. فخلال حملة الحزب الدموية في أيار/مايو لاستعادة السيطرة على منطقة القلمون السورية على الحدود مع لبنان، فإن الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله وجد نفسه مضطراً لإرضاء الرأي العام من خلال الحديث عن عدد الضحايا خلال خطاب تلفزيوني. وخلافاً للإشاعات، أعلن نصرالله أن «13 مقاتلاً فقط» قُتلوا في المعركة التي استمرت أسبوعين. ولكن تحقيقات صحفية لاحقة أجرتها صحيفة «النهار» اللبنانية اليومية أشارت إلى أن الأمين العام لم يعترف سوى بنصف عدد الضحايا. ومما يدل أيضاً على قلق المنظمة من المشاعر المحلية هو قيام الحزب في حزيران/يونيو بمهاجمة منتقديه من الشيعة اللبنانيين بصورة علنية، من على صحيفة «الأخبار» اللبنانية اليومية الموالية لـ «حزب الله» - وقد أُطلق على أولئك المنتقدين لقب «شيعة السفارة ]الأمريكية[».
ويقيناً، أن الأغلبية الساحقة من الشيعة اللبنانيين ما زالت تثق بنصرالله. ولكن في الآونة الأخيرة، أفادت تقارير عن ظهور بعض علامات التذمر داخل صفوف المنظمة. وتتعلق الشكوى الأساسية بالمحسوبيات داخل المنظمة، وخصوصاً فيما يخص منح المناصب العليا لأبناء القادة البارزين في «حزب الله» - وقد سُربت هذه الشكوى إلى الصحافة وجرى التأكد منها بشكل مستقل من مصادر لبنانية.
إن [تهمة] المحسوبية موضع البحث تتعلق بشكل أساسي بأبناء القائد العسكري السابق للحزب عماد مغنية، الذي اغتيل في دمشق في شباط/فبراير 2008 ودفن بعد ذلك بفترة وجيزة في «روضة الشهيدين» التابعة للحزب. وفي كانون الثاني/يناير 2015، قُتل جهاد، ابن عماد مغنية البالغ من العمر 26 عاماً، في غارة جوية إسرائيلية على مدينة القنيطرة السورية أثناء مراقبته لمنطقة الجولان السورية مع لواء إيراني.
وفي الوقت نفسه، دفع مقتل جهاد مغنية بعض اللبنانيين الشيعة إلى التساؤل عن سبب وجود عنصر حديث العهد نسبياً في «حزب الله» مع قائد عسكري إيراني رفيع المستوى. وسرعان ما تبيّن أن جهاد مغنية كان قد عُيّن قائداً لـ «جبهة الجولان» التي أُنشئت حديثاً من قبل «حزب الله» ضد إسرائيل. وبعد أقل من 6 أشهر، تم اختيار نجل عماد مغنية الأكبر سناً، مصطفى، البالغ من العمر 28 عاماً، لشغل المنصب البارز نفسه، وقيل إن نصرالله شخصياً هو الذي اختاره.
وعلى الرغم من أن هذه المحسوبية لصالح أبناء عماد مغنية غير لائقة، إلا أن «حزب الله» قد مرّ بفضائح أسوأ بكثير وتخطاها. ففي عام 2009، على سبيل المثال، أُلقي القبض على الممول المحلي الرئيسي لـ «حزب الله»، وهو ناشر يدعى صلاح عز الدين، لقيامه بخداع الميليشيا و 10 آلاف لبناني شيعي آخر بمبلغ 300 مليون دولار. وقد أضرت عملية الاحتيال المالي موضع البحث بسمعة «حزب الله» إلى درجة أن رجال الدين في الحزب أصدروا أمراً أشبه بفتوى دينية، يمنع الشيعة من ذكر عز الدين بكل ما يتعلق بالحزب.
ولكن تبيّن أن هذه الفضيحة وغيرها لم تشكل سوى مصدر إزعاج بسيط للحزب، وكانت مجرد دلالة على تجميده، ولم تمثل تهديداً وجودياً مباشراً له. ومع ذلك، أقلق الفساد البيروقراطي الواضح بعض مؤيدي الحزب.
وبعد فضح قضية عز الدين، كتب رئيس تحرير صحيفة «الأخبار» ابراهيم الأمين افتتاحية يتهم فيها الميليشيا بالتهاون وبتبني نمط حياة «يتناقض مع مبدأ التضحية» الذي كان ذات يوم سمة مميزة لديها. واقتبس الأمين في مقاله كلام مستشار وزارة الدفاع الإسرائيلية السابق لشؤون لبنان أوري لوبراني، الذي قال منذ فترة طويلة إن إسرائيل ستهزم «حزب الله» "فقط عندما تصيبه عدوى منظمة التحرير [الفلسطينية] في لبنان، أي عندما يتمظهر ويتبرجز".
وبالطبع، هناك احتمال ضئيل بأن يختفي «حزب الله» قريباً، وذلك بفضل مهارته العسكرية وجمهوره الوفي الذي ما زال يدعمه. وفي الواقع، من المحتمل أن يتم التعويض عن تراجع الدعم المالي من نظام الأسد الشيعي اسمياً - وهو ما يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى «حزب الله» - بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، الذي سيدرّ مليارات الدولارات على حلفاء إيران ووكلائها.
ولكن رغم توسيع الحزب لدائرة نفوذه في المنطقة، يتزايد قلق بيئته في الداخل اللبناني. ولعل اللبنانيين الشيعة يشعرون بالأمان بفضل مغامرة الحزب في سوريا، ولكن وفقاً لاستطلاع الرأي قال نصف الذين شملهم الاستطلاع إن الحملة في سوريا «أثرت سلباً» على العلاقة مع السنة ومع لبنانيين آخرين. ويشكل السنة حوالى 40 في المائة من المجندين في الجيش اللبناني، المكلف بحماية اللبنانيين الشيعة من المقاتلين المتشددين السنة، وبمهام أخرى.
وبينما تستمر الحرب في سوريا، بدأ اللبنانيون الشيعة يقرون بشكل متزايد بأن مغامرة الحزب في سوريا شجعت الجهاديين السنة في سوريا على مهاجمة الشيعة في لبنان، بالإضافة إلى أنها أضرت بالعلاقة مع باقي اللبنانيين. ولعل هذا هو السبب الذي دفع بـ 60 في المائة من الشيعة إلى القول إنهم يرغبون في أن يكون الجيش اللبناني هو الجهة المسلحة الوحيدة في لبنان بحلول عام 2025 - وتلك نتيجة مدهشة، نظراً إلى أن نصرالله قال في عام 2006 إن "من يريد نزع سلاح المقاومة ]«حزب الله» [ بالقوة سنقطع يده ورأسه وننزع روحه".
ولكن مع تصاعد الطائفية في المنطقة - وفي غياب أي جهة أخرى يمكن الاعتماد عليها لحماية الطائفة الشيعية - من المرجح أن يستمر الإجماع الشيعي على دعم مشاركة «حزب الله» في الحرب السورية. وبالنسبة لواشنطن، دفعت هذه الديناميكية تبنّي سياسة الاستسلام، لدرجة أنه في نيسان/أبريل، تخلت وزارة الخارجية الأمريكية عن برنامجها الوحيد لرعاية الشيعة «المستقلين والمعتدلين» في لبنان (وفي المناسبة، كان هذا البرنامج المتواضع تحت إدارة منظمة «هيا بنا»).
وحالياً، يواجه «حزب الله» ضغوطاً، لكنه ليس ضعيفاً. إلا أن المنظمة ليست في منأى عن المهاجمة، فعدد الضحايا في سوريا والأخطاء التي ارتكبتها في الداخل أديا إلى موجة غير معتادة، إن لم نقل غير مسبوقة، من الانتقادات الشيعية إليها. واليوم، وفقاً للاستطلاع، يقول 70 في المائة فقط من الشيعة الذين يثقون بقائد معين «لتوفير مستقبل أفضل لعائلاتهم» إن حسن نصرالله هو ذلك القائد بالنسبة إليهم.
لسوء الحظ، ونظراً إلى البيئة الشديدة الطائفية في المنطقة، هناك القليل الذي يمكن لواشنطن القيام به لاستغلال هذا الاستياء لمصلحتها فعلياً. وينطبق ذلك أيضاً على خصوم «حزب الله» المحليين. وللأسف، لن يغيب «حزب الله» عن الساحة في وقت قريب. ولكن من الممكن القول أن منتقدي الحزب من اللبنانيين الشيعة باقون أيضاً.
ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
"ناشيونال إنترست"