- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2385
العمليات العسكرية للنظام السوري ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»
لا يضع النظام السوري حربه ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية» على رأس أولوياته، غير أنّ دمشق تكرّس يوماً بعد يوم موارد عسكرية ضد «داعش»، وعموماً عندما يهدّد التنظيم مصالح رئيسية للنظام. وأفضل ما يمكن قوله عن هذا النزاع هو أنّه يشكّل هجوم استباقي أو عملية قائمة على مبدأ "الاقتصاد في القوة"، نظراً إلى أنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» يعدّ أكثر نشاطاً في مناطق ذات أهمية ثانوية للنظام. وبدلاً من ذلك، ركّز النظام جهوده على تهديدات ذات أولوية أكبر مثل تلك التي تشكلها جماعات كـ «جبهة النصرة»، ومختلف قوات المعارضة الإسلامية، والعناصر الثائرة القومية في غرب سوريا. وإذا تمكّن النظام من التغلب على هؤلاء الخصوم، سيحوّل اهتمامه الكامل على الأرجح ضد «داعش».
إنّ ذرائعية النظام في بعض الحالات - وافتقاره العام إلى الأهداف أو القيود الأيديولوجية - تسمح له بتجاهل تنظيم «داعش» أو حتى التعاون معه. وهذا هو الحال فيما يتعلق على سبيل المثال بقضايا اقتصادية مثل مبيعات النفط. وبالمثل، بدا أنّ هذه الذرائعية تملي الإجراءات التي يتخذها النظام حول مدينة حلب، حيث تستفيد وحداته من امتناعها عن الاشتباك العدائي مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، وتركز عوضاً عن ذلك على قوى ثائرة وإسلامية أخرى.
استراتيجية
تشكّل عمليات النظام ضد «داعش»، المعروف أيضاً بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»"، جزءاً من استراتيجية الحرب الطويلة التي وضعها لهذا الصراع. ففي هذه الحرب، يتسنى للنظام أن يكون صبوراً وأن يحدد أولويات أهدافه وأن يستخدم موارده بفعالية وكفاءة. تقوم هذه الاستراتيجية على ثلاثة عناصر يعزّز كل منها الآخر، وهي: الاستنزاف والمواقع والتعبئة.
ويسهّل الاستنزاف السيطرة على المواقع الرئيسية والحفاظ عليها، الأمر الذي يسبّب بدوره المزيد من الاستنزاف للقوات الثائرة. كما توفّر التعبئة الموارد العسكرية اللازمة لتنفيذ العمليات، في حين يدعم التحكم بالمواقع [استراتيجية] تعبئة الموارد. ويُدخل النظام جميع عناصر استراتيجيته الثلاث في عملياته ضد «داعش».
العمليات
يشنّ النظام عمليات عسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» سعياً لتحقيق أهدافه الاستراتيجية وفقاً لأولوياته وبالموارد المتوفرة لديه. وفي السياق العام لاستراتيجية النظام، تتركز هذه العمليات على الجبهات التي تُعد ثانويةً الآن في الحرب ألا وهي: الشرق (محافظات دير الزور والحسكة) والوسط الغربي (حماة وحمص). وقد شنّ النظام عملياتٍ هامةً ضد «داعش» في ستّ من محافظات سوريا الأربع عشرة.
لدى النظام أربعة أهداف فيما يتعلق بـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، ألا وهي: منع التنظيم من الاستيلاء على مواقع هامة للنظام؛ ومنعه من تعزيز سيطرته على المناطق التي كان قد احتلها سابقاً؛ واستعادة الأراضي الواقعة تحت سيطرة «داعش» عندما يكون ذلك ممكناً؛ وإلحاق الإصابات والأضرار بشكل عام بقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» ومؤيديه. ويوجّه النظام عملياته ضد مراكز ثقل «داعش»، بما فيها قواته المقاتلة ودعمه الشعبي.
ويستخدم النظام كافة عناصر قواته النظامية وغير النظامية في صراعه مع تنظيم «الدولة الإسلامية». فهو ينشر "حُزماً" من أنواع مختلفة من القوات البرية ويدعمها بطائرات ذات أجنحة ثابتة وأخرى دوّارة، فضلاً عن توجيهه ضربات بصواريخ أرض- أرض بين الحين والآخر. وخلافاً لما هو الحال في غرب سوريا، لا تلعب القوات المتحالفة مع النظام مثل الشيعة العراقيين و «حزب الله» وإيران دوراً يُذكر في العمليات في شرق البلاد.
وتهدف عمليات النظام ضد «داعش» في محيط دير الزور إلى الاحتفاظ على الأقل ببعض السيطرة على المدينة نفسها، والمحافظة على السيطرة على المطار العسكري، ومنع التنظيم من تعزيز سيطرته على المحافظة. وتشير التقارير إلى أنّ قوات النظام البرية النظامية تشمل لواء الحرس الجمهوري 104 واللواء 137 التابع للفرقة 17. وقد أرسل النظام تعزيزات إلى منطقة دير الزور عدة مرات على مدار القتال. كما وتتضمن القوات غير النظامية وفقاً للتقارير "قوات الدفاع الوطني" والعناصر القبلية والقوات "المحلية". وتتسم العمليات البرية باشتباكات مستمرة في جميع أنحاء المدينة والمطار وبمحاولات من قبل «داعش» بين الحين والآخر للاستيلاء على المطار. وفي كانون الأول/ديسمبر 2014، حاول تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يسيطر على المطار من خلال شنه هجوماً كبيراً، ولكنه فشل، متكبداً إصابات كثيرة في تلك العملية. وقد شملت العمليات الجوية في دير الزور بما في ذلك في ريفها، تفجيراً للمنطقة استهدف البلدات الواقعة تحت سيطرة «داعش»، وغارات لدعم العمليات البرية الهجومية والدفاعية، وضربات ضد قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» ومَرافقه.
ومنذ بداية الصراع السوري، كافح النظام للحفاظ على موطئ قدم له في محافظة الحسكة في شمال شرق البلاد. وقد حاول بشكل خاص الاحتفاظ بالسيطرة على جزء من القامشلي ومطارها، وعلى جزء من محافظة الحسكة، كما وعلى خطوط المواصلات الرئيسية في المحافظة. وقد أسفر ذلك عن علاقة معقدة وعدائية في بعض الأحيان مع القوات الكردية، فضلاً عن قتال مباشر مع تنظيم «داعش» منذ أن تبيّن أنه يشكّل تهديداً لمواقع النظام في مدينتي الحسكة والقامشلي.
وتشير مصادر سورية إلى أنّ القوات النظامية للنظام في المحافظة تشمل اللواء 121 في الحسكة والفوج 154 (أو 554) في القامشلي وفوج القوات الخاصة 47، في حين أنّ القوات غير النظامية تتضمن عناصر من "قوات الدفاع الوطني" وقوات قبلية، وعناصر من كتيبة البعث. وتشنّ القوات الجوية السورية غارات جوية ضد قوات تنظيم «الدولة الإسلامية» والمناطق الخاضعة لسيطرته كما تدعم عمليات النظام البرية.
ويتواجد تعاون ضمني، إلى درجة معينة على الأقل، بين النظام و "وحدات الحماية الشعبية" الكردية في المحافظة، على الرغم من أنّ الطرفين يشتبكان أحياناً فيما بينهما أيضاً، ربما بسبب التوترات المحلية. وفي الواقع، إن أي أراضي خاضعة لسيطرة "وحدات الحماية الشعبية" لا تخضع لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، كما أنّ عمليات هذه الوحدات ضد «داعش» تساند، على الأقل حتى الآن، أهداف النظام في المحافظة.
وفي محافظة حمص، يتركز الصراع بين النظام وقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» حول حقل غاز الشاعر، شمال غرب تدمر المعروفة أيضاً باسم "بالميرا". وابتداءً من شهر تموز/يوليو 2014، داهم تنظيم «داعش» حقل الغاز مراراً وتكراراً، وسيطر في بعض الأحيان على الحقل بأكمله أو على أجزاء منه ملحقاً إصابات بقوات النظام النظامية وغير النظامية. كما هدّد في بعض الأحيان مطار التياس العسكري الأساسي للنظام (T-4) والطريق السريع الذي يصل حمص بتدمر. وقد ردّ النظام بعمليات كان آخرها الأسبوع الماضي، تمثّلت بعمليات جوية وأخرى من القوات الخاصة لإخراج «داعش» من حقل الغاز وحماية المطار العسكري وتأمين الطريق السريع من حمص إلى الشرق وإلى قوات النظام في دير الزور. كما وتتلقى عمليات النظام البرية الدعم بشكل منتظم من غارات القوات الجوية السورية.
وتشير التقارير إلى أنّ وحدات النظام النظامية المشاركة تتضمن عناصر من الفرقة 3 واللواء 18 (ربما 81) وكتيبة "صقور الصحراء" من القوات الخاصة، ووحدة العمليات الخاصة "قوات النمر". ويُقال إنّ القوات غير النظامية التي تحارب دعماً للنظام تتضمن "قوات الدفاع الوطني" وقوات "المقاومة السورية".
وفي شرق محافظة حماة، تهدف عمليات النظام إلى الحد من تهديد «داعش» على المناطق الأكثر أهلية بالسكان في محافظتي حمص وحماة الغربية، والمساعدة على حماية حقل غاز الشاعر وربما حماية خطوط مواصلات النظام في الصحراء إلى حلب. وفي الأسبوع الماضي شنّ النظام غارةً جوية على قيادة تنظيم «الدولة الإسلامية» في المحافظة، مما أدى وفقاً للتقارير إلى مقتل قائديْن وعدد من المقاتلين. كما لعب النظام دوراً نشطاً ضد «داعش» في الميدان في شرق حماة، مشركاً قواته في مختلف البلدات مصحوباً بقصفٍ جوي. ويبدو أنّ الغارات الجوية تشكّل الردّ الرئيسي للنظام ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في حماة.
وفي محافظة حلب، يختار النظام عدم الاشتباك بجدية مع «داعش». وتركّز عمليات النظام في هذه المحافظة على القوات الإسلامية وقوات الثوار وعلى استكمال تطويق مدينة حلب. كما أنّ عمليات تنظيم «الدولة الإسلامية» ضد قوات الثوار تساعد النظام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر إلحاق الإصابات بالثوار وتوفير هذا الجهد على قوات النظام. وفي بعض الأحيان، وكما ألمحنا سابقاً، استغلّ كلّ من النظام وتنظيم «داعش» عمليات الطرف الآخر لدعم أعماله ضد قوات الثوار.
ومع ذلك، يشارك النظام في الواقع في أعمال تفجير للمناطق باستهداف أراضٍ خاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» كجزء من جهده الرامي إلى إضعاف قاعدة دعم التنظيم ومنعه من تعزيز سيطرته. وقد شكّلت في هذا السياق مدينة الباب في شمال محافظة حلب هدفاً مفضلاً لدى النظام.
الفشل والنجاح
كانت نتائج مقاربة النظام لـ «داعش» متفاوتة. وقد حدث الفشل الأكبر في محافظة الرقة في صيف عام 2014 عندما هُزمت قوات النظام في ثلاث معارك متتالية. وتضمنت النتائج خسارة المحافظة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»، ووقوع إصابات كثيرة في صفوف قوات النظام، والمنظر المهين لقوات «داعش» وهم ينفذون الإعدام بحق عناصر من النظام - بمن فيهم علويين - كان قد تم اعتقالهم خلال المعارك. وكانت استجابة النظام للأزمة التي تكشّفت في الرقة بطيئةً وغير فعالة. فقد تم ترك المواقع المنعزلة التابعة للّواء 17 في عين عيسى ومدينة الرقة لتواجه مصيرها المحتوم، وأثبتت جهود النظام الرامية إلى إنقاذ مطار "الطبقة" العسكري الهام من خلال التعزيزات والغارات الجوية بأنها جاءت متأخرةً وغير كافية.
ويبدو أن هذا الفشل نشّط النظام في عملياته العسكرية اللاحقة ضد «داعش»، وربما يفسّر ذلك دفاعه الأكثر صلابة عن مواقع رئيسية أخرى. وبالتالي، فقد حافظ النظام على مطار دير الزور العسكري في وجه كل مساعي تنظيم «الدولة الإسلامية» لتوغله، بما في ذلك دحر جهد كبير بذله «داعش» للاستيلاء على المطار في كانون الأول/ديسمبر 2014. وقد وفّرّ النظام الحماية لمدينتي القامشلي والحسكة في محافظة الحسكة، وخاصة في الآونة الأخيرة، حيث زعم بتحقيق بعض النجاحات الهجومية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي محافظة حمص، تصدى النظام لعمليات «داعش» ضد حقل غاز الشاعر. وألحقت قوات النظام في هذه العمليات إصابات ضخمة في صفوف التنظيم، وبدوره أيضاً تكبّد هذا الأخير خسائر كبيرة. ويمكن أن تكون هذه النجاحات التي حققها النظام ناجمةً بجزء منها عن نشر تنظيم «الدولة الإسلامية» لقواته في أماكن أخرى في سوريا - مثل منطقة كوباني - وفي عمليات في العراق.
الاستنتاجات والتداعيات
تشكّل مقاربة النظام لـ «داعش» جزءاً من استراتيجية الحرب الطويلة التي وضعها لهذا الصراع والتي تعطي الأولوية الآن لاستهداف الجماعات المسلحة الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء في مناطق هامة في غرب سوريا، وخاصة في المناطق الحضرية والطرق السريعة التي تربط هذه المناطق بعضها ببعض. لذا فإن النظام يحارب تنظيم «الدولة الإسلامية» عندما تكون مصالحه الهامة على المحك وحيثما تكون كذلك. وبالتالي، فعندما لا تكون مثل هذه المصالح على المحك، يرضى النظام بقيام «داعش» بمحاربة الثوار من دون تدخله وحتى أنّه يساعد الجماعة ضمناً.
إنّ القتال بين النظام وقوات تنظيم «الدولة الإسلامية» ليس بالأمر البسيط، حيث أنّ كلاً من الطرفين يتكبّد على الأرجح آلاف الإصابات - مع مئات القتلى - في معارك قتالية تكون وحشيةً في بعض الأحيان. وقد ارتكب كلّ جانب الفظائع بحق الجانب الآخر، بما في ذلك إعدام السجناء وقطع رؤوسهم.
في الحرب السورية، يتصرّف النظام بذرائعية تامة عند انتقائه الطرف الذي يحارب ضده أو معه، وكذلك المناطق والأوقات التي يحارب فيها. ويشير ذلك إلى أنّه يجب التعامل بحذر مع أي فكرة قد تنتاب الولايات المتحدة أو دول التحالف حول كون النظام حليفاً لها في الحرب ضد «داعش». وفي أفضل الحالات، سيكون النظام حليفاً لا يمكن الاعتماد عليه، بتسخيره فقط جهدٍ محدود في الصراع بينما يضع مصالحه الخاصة في المقام الأول، بما ذلك التعاون مع تنظيم «الدولة الإسلامية» عندما يرى ذلك مناسباً. وفي أسوأ الحالات، سوف يستغل أي تعاون متصور أو حقيقي مع الولايات المتحدة أو قوات التحالف لتعزيز أهدافه السياسية وعملياته العسكرية الخاصة ضد المعارضة السورية.
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.