بعد مرور عامين تقريباً على رأب الدول الخليجية المجاورة الصدع الدبلوماسي مع الدوحة، ستشكّل التوترات المستمرة والخلافات التاريخية جزءاً رئيسياً من خلفية هذه المنافسة الرياضية.
بالنسبة للدبلوماسيين والمحللين الذين يركزون على شؤون الخليج، حتى أولئك الذين لا يشاهدون عادة كرة القدم، من المتوقع أن تُقدّم بطولة كأس العالم في قطر نظرة مثيرة للاهتمام عن حالة السياسة المحلية عندما تنطلق في 20 تشرين الثاني/نوفمبر. ويمكن القول إن أبرز المباراة من الناحية الإقليمية هي تلك التي ستجمع بين الولايات المتحدة وإيران في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت المنافسة ستشكل ربحاً لقطر أم مثالاً كارثياً وعلنياً جداً على التجاوزات.
ويأتي هذا الحدث بعد الحظر الدبلوماسي والتجاري الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر في الفترة 2017 -2021 على خلفية قائمة طويلة من الشكاوى، من بينها دعم جماعة «الإخوان المسلمين» والعلاقات مع إيران. إلا أن جزءاً كبيراً من التوترات بين الطرفين يعود إلى أجيال خلت وقد تفاقمت جراء الثروات الجيولوجية المتباينة.
فقطر، الدولة الصغيرة التي يناهز عدد سكانها 300 ألف نسمة تختزن ثالث أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم - أي أكثر من السعودية والإمارات، وتفوق الأصول الهيدروكربونية الضئيلة للبحرين المجاورة. ومما يزيد الصورة تعقيداً أن معظم الغاز القطري يقع في البحر في حقل عملاق مشترك مع إيران.
وقد تكون التوترات التنافسية في ملعب كرة القدم مهمة أيضاً، حيث تتم مشاهدة الرياضة بقلق شديد من قبل سكان الخليج والتي يستثمر قادتهم فيها بشكل كبير. ففي عام 2021 اشترى صندوق الثروة السيادية السعودي فريق "نيوكاسل يونايتد" البريطاني؛ ويمتلك شقيق الرئيس الإماراتي محمد بن زايد فريق "مانشستر سيتي"؛ وترعى "شركة طيران الإمارات" التي مقرها في دبي نادي "أرسنال" اللندني. وتحتل هذه الفرق حالياً المراكز الثلاثة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز؛ بالإضافة إلى ذلك، يمتلك أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني فريق "باريس سان جيرمان" الفرنسي البارز. والتنافس بين هذه الأندية لن يؤدي سوى إلى زيادة التوتر التنافسي خلال كأس العالم، حيث سيضطلع العديد من لاعبي هذه الأندية بأدوار رئيسية في الفرق الوطنية (المنتخبان السعودي والقطري سيظهران في البطولة؛ أما تونس والمغرب فهما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان نجحتا في التأهل لكأس العالم).
وقد يتلاشى وهج هذه الأهمية الإقليمية والعالمية. فقطر تواجه أساساً موجات من التغطية الإعلامية السلبية في الغالب بشأن العديد من القضايا، بما فيها معاملتها للعمال الوافدين الذين ساهموا في تشييد البنية التحتية لهذه البطولة، والظروف التي فازت فيها بحقوق استضافة المسابقة في المقام الأول، وعدم إحرازها أي تقدّم ملموس حيال حقوق المثليين. وعلى الرغم من أن معظم هذه الانتقادات مستحقة، إلا أن الزيادة الهائلة في وتيرتها قد تعزى بشكل ملحوظ إلى المنافسين التاريخيين الذين يغتنمون الفرصة لاستهدافها وليس بسبب ارتكاب الدوحة انتهاكات أسوأ بكثير من جاراتها. غير أنه بموجب بنود الاتفاقية الموقعة في 2021 والتي أنهت الشقاق الخليجي، تُحظَّر التغطية الإعلامية العدائية؛ لكن يُفترض على نطاق واسع أن الإمارات والبحرين - اللتين أرغمتهما الرياض على قبول الهدنة - كانتا وراء صدور الأخبار السلبية. مع ذلك، ليس لدى أي من دول الخليج سجل خالي من العيوب بشأن تحسين الظروف القمعية لعمال البناء الأجانب. ووفقاً لمقال نُشر في 11 تشرين الثاني/نوفمبر في صحيفة "الفايننشال تايمز"، "تأمل المنظمات غير الحكومية والنقابات العمالية في أن يكون لإصلاحات قطر «تأثير واضح» على منطقة الخليج بأكملها بممارساتها العمالية الاستغلالية ... فالسعودية هي أكبر سمكة، بينما ربما تكون الإمارات أكثر دول الخليج تعنتاً في قضايا العمل".
أما بالنسبة للبطولة بحدّ ذاتها، فبغض النظر عن مباراة الولايات المتحدة ضد إيران، ربما يكون رصد القادة الخليجيين الذين سيحضرون شخصياً هو الأمر المهم للمحللين غير الهواة لهذه الرياضة. فولي العهد السعودي محمد بن سلمان - الذي قرر فجأة العام الماضي أن الخلاف القطري قد استمر لفترة كافية - من المحتمل أن يكون حاضراً، في حين يبدو حضور الزعيم الإماراتي محمد بن زايد أقل احتمالاً. ومن غير المرجح أيضاً أن يحضر القادة البحرينيون، على الرغم من أن واحد أو اثنين من أفراد العائلة المالكة قد يحظر بعض المباريات. وبغض النظر عمّن سيحضر، لن تقام المباراة النهائية حتى 18 كانون الأول/ديسمبر، لذلك قد تستمر الدبلوماسية الإقليمية لبضعة أسابيع تكون مليئة بالتوترات.
سايمون هندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.