- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2791
المشاكل الأمنية المتفاقمة في الجزائر
في الأشهر الأخيرة، هيمن الإرهاب بصورة متكررة على التغطية الإخبارية لمصر وليبيا وتونس. أما التطورات في الجزائر المجاورة، التى ما زالت مغلقة الى حد كبير أمام وسائل الإعلام الدولية، فقد كانت اقل بروزاً، غير أن الانتخابات التشريعية القادمة في 4 أيار/مايو في أكبر دولة فى أفريقيا ستجري وسط بيئة تتزايد فيها المشاكل الأمنية. وعلى الرغم من أن الجزائر تحاول تشجيع السكان المستائين والهائجين المعاندين على التوجه إلى صناديق الاقتراع، إلا أن الارتفاع الأخير في النشاط الإرهابي قد يعقّد الأمور. ففي الشرق، شن الإرهابيون سلسلةً من الهجمات، أبرزها الاعتداء الانتحاري الذي وقع في 26 شباط/فبراير خارج مركز للشرطة في قسنطينة. وفي الجنوب، حيث لم ينجح الفكر الجهادي في استقطاب السكان حتى الآن، تمكّنت الشبكات الإرهابية الإسلامية رغم ذلك من التغلغل بينهم بسبب الانتهازية الاقتصادية. وفي حين أنّ العلاقات الأمريكية-الجزائرية ليست وطيدة على نحوٍ خاص، يمكن أن تقوم إدارة ترامب بالكثير لمساعدة البلاد على الحفاظ على الاستقرار النسبي في إحدى دول شمال أفريقيا القليلة التي نجحت عموماً في تجنّب الانزلاق في دوامة الاضطرابات الحالية التي تعمّ المنطقة.
نهج قديم
في عام 2005، صادقت الجزائر على "الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية"، وهو عبارة عن خارطة طريق سياسية تهدف إلى إغلاق الفصل المتعلق بالحرب الأهلية بين المتمردين الإسلاميين والدولة، التي دامت عقداً من الزمن. ففي نهاية المطاف، أدى هذا الصراع الذي اندلع في عام 1991 إلى مقتل أكثر من100,000 شخص. وبحلول عام 2002، كان معظم المتمردين الإسلاميين قد قُتلوا أو تم نفيهم أو أُعيد إدماجهم في المجتمع. غير أنّ النصر كان باهظ الثمن في نواحي عديدة، حيث تمكّن بعض المتطرفين من العمل بشكل سري ونجحوا في النهاية في تشكيل تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
أمّا الدولة، فلطالما كانت منقسمة بين "المصلحين"، الذين أرادوا التفاوض للتوصّل إلى حلّ للصراع، و"المستأصلين"، الذين فضلوا القضاء على الإسلاميين. وعلى الرغم من الجهود التصالحية التي بذلها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لا يزال معسكر "المستأصلين" يهيمن على الجيش الجزائري وسياسة مكافحة الإرهاب. وبناء على ذلك، تواصل الدولة التعامل مع العنف الإسلامي باعتباره امتداداً لصراع التسعينيات، مما يؤدي إلى تركيز السلطات بشكل ضيق على القضاء على التهديدات المحلية المتبقية على نحو مجزأ ومخصص لغرض معين. "ويتم التعامل مع "مكافحة التطرف العنيف" إلى حد كبير كمجهود عسكري، في حين ما زال الإرهاب يمثل مشكلة مستمرة.
التجنيد الجهادي
على الرغم من الانتصارات التي حققها الجيش في ساحة المعركة، يبدو أنّ مشكلة الإرهاب في الجزائر تزداد سوءاً. ففي التسعينات، أثبت الجهاديون قدرتهم على استغلال العديد من المجتمعات المهمشة في البلاد. وفي مالي والنيجر المجاورتين، لطالما اكتسب الجهاد موطئ قدمٍ من منطلق انتهازي وليس ديني أو إيديولوجي، حيث حققت الجماعات الإرهابية مكاسب كبيرة من خلال عمليات التهريب والخطف وغير ذلك من أنماط الدخل في غياب الآفاق الاقتصادية التقليدية. وقد ساهمت البطالة في ازدهار تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وفصائله العديدة المنشقة، كما شكّل الاستياء وانعدام الفرص عوامل أخرى ساعدت هذه الجماعات في ذلك، في حين أدت الحَوْكمة السيئة والفساد إلى جعل المجتمعات المحلية وحتى الشرطة شريكاً متواطئاً في شبكات التهريب التابعة لهم.
[وفي هذا الصدد]، يُعتبر جنوب الجزائر عرضةً لمثل هذه الانتهازية. فتاريخياً، لم يكن المتطرفون يتمتعون بنفوذٍ كبير في هذا الجزء من البلاد لأنّ السكان المحليين كانوا يخشون من أن يشكّلوا تهديداً للحركة السياحية المحدودة أساساً في المنطقة أو أن يلحقوا أضراراً باقتصادها من النفط والغاز الطبيعي. كما كان الجنوبيون ينفرون الخطاب الجهادي من الناحية الروحانية. ومع ذلك، فقد بدأت الجماعات الإرهابية تدافع في الآونة الأخيرة عن قضية الواردات لصالح الجنوبيين وتعتمد خطاباً مناهضاً للدولة مماثلاً لذلك الذي انتهجته مختلف الحركات الشعبية. فعلى سبيل المثال، روّج تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وعناصر مماثلة لأنفسهم على أنهم الأوصياء على الموارد الهيدروكربونية المحلية من خلال دعمهم للحركات الشعبية المناهضة لتقنية التكسير [التصديع] الهيدروليكي حول عين صلاح.
وفي الوقت نفسه، توفر شبكات البضائع المهربة التي يديرها الجهاديون بدائل اقتصادية للشباب الساخطين، فضلاً عن بدائل سياسية عندما يتضح أن الاحتجاجات السلمية والتنظيمات الاجتماعية غير مجدية. ومن بين الأمثلة التي تتردد غالباً، ذلك المتعلق بـ محمد الأمين بن شنب، العضو في حركة "أبناء الصحراء" التي كانت غير عنفية في البداية، وطالبت بتصحيح الوضع [بالتعويض] عن معدلات البطالة المرتفعة في مناطق النفط/الغاز في الجنوب. وقد لجأت الحركة إلى العنف بعد أن تمّ تجاهلها في بادئ الأمر وقمعها في النهاية، فشنّت هجوماً في ولاية إليزي في جنوب شرق البلاد عام 2007. وأكّدت الدولة بعد ذلك للقادة المحليين بأنها ستعالج مطالبهم، لكن خلال عام 2011، أعلن بن شنب انشقاقه عن الحركة وأسّس حركة "أبناء الصحراء من أجل العدالة الإسلامية" التي نفّذت هجوماً انتحارياً في عام 2012 استهدف مقرّ الدرك الوطني. وقد قُتل في وقتٍ لاحق عندما ردّت قوات الأمن على أزمة الرهائن التي وقعت في منشأة "عين أميناس" للغاز في عام 2013، حيث لقى تسعة وثلاثون أجنبياً مصرعهم أيضاً.
صمت الجزائر
في خضم هذه التطورات، يبدو أن الطبقة الحاكمة الجزائرية تدرك أنه لا يجدر بها الاكتفاء بمقاربات عسكرية وإجرامية بحتة تجاه مشكلة التطرف من أجل منع حدوث اضطرابات. ففي الجنوب بشكلٍ خاص، تُعتبر الديناميات المحلية وأوجه القصور التنموية نقاط ضعفٍ أساسية تتطلب مقاربةً أكثر شموليةً - أي نهجاً يأخذ في الحسبان المظالم السياسية والاقتصادية المبررة. ومع ذلك، لا يبدو أن الدولة قد بدأت تعتمد مثل هذا النهج الشامل.
وقد يُعزى هذا التردد إلى تراجع عائدات النفط بشكل تدريجي في الجزائر، وتقلّص احتياطيات العملات الأجنبية، وتدابير التقشف التي تلوح في الأفق، وهي عوامل تسبب تفاقم عدم الاستقرار وزيادة صعوبة الاستثمار في تنمية الجنوب. وتجدر الإشارة إلى أنّ البلاد منفتحةٌ على التنوّع الاقتصادي، لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت. كما يُنظر إلى أي انفتاحٍ سياسي أكثر شموليةً بحذرٍ كبير - فالدولة تشعر بالقلق من أن مثل هذه التدابير من شأنها أن تهدد مصالحها الراسخة، في حين لا يزال الجمهور يخشى من المجهول. وتشير شائعات تتردد حول ولاية خامسة لبوتفليقة الذي بلغ الثمانينات من عمره، والذي يُعتبر عموماً عاجزاً أو غير مؤهل، إلى أنّ الحكومة تعمل بصورة تلقائية. وعلى الرغم من مشاكل الجزائر، لا تزال الدولة غير متحمسة للحصول على أي مساعدة من منظمات أمريكية أو أوروبية أو حتى دولية، ومتمسكة بسياسات عدم التدخل العسكري والسيادة الوطنية الصارمة وفي بعض الأحيان، القومية الاقتصادية باعتبارها أسس شرعيتها ما بعد الاستعمار.
خيارات السياسة الأمريكية
على الرغم من بعض التعاون الواعد في مجال مكافحة الإرهاب منذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر، لا تُعتبر العلاقات الأمريكية-الجزائرية وطيدة بوجه خاص. غير أن إدارة ترامب تملك عدة خياراتٍ لمساعدة البلاد على إصلاح مشاكلها مع التطرف والإرهاب. وتشكّل مناورات "فلينتلوك" العسكرية السنوية التي تستمر ثلاثة أسابيع وتنظمها "القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا" ("أفريكوم") وتضمّ ست عشرة دولة إقليمية ميداناً مهماً لمثل هذا الانخراط. وتهدف هذه التمارين إلى تعزيز التنسيق البيْني بين الشركاء الأمريكيين والأوروبيين والأفارقة عبر تمكين وحدات محلية من القيام بعمليات لمكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد. ومن هذا المنطلق، تُعتبر مناورات "فلينتلوك" آلية تتيح التدريب المتعدد الجوانب للقوات الجزائرية دون إثارة مخاوف البلاد بشأن سيادتها.
وفي حين أنّ إطار العمل جيد، إلّا أنّ مناورات "فلينتلوك" لا تشكّل تدريباً تراكمياً يستفيد من العمل السابق مع الوحدات نفسها. وبناءً على ذلك، يقترح بعض المسؤولين من "أفريكوم" وخارجها الانتقال من موعد عرضي مدته ثلاثة أسابيع إلى مشاركة أكثر شموليةً واستدامة تعزز العلاقات المدنية-العسكرية وتبني القدرات التي تشتد الحاجة إليها في أوساط الحلفاء المحليين. وتحقيقاً لهذه الغاية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنظر في التفاوض بشأن إضافة عنصر إلى المناورات العسكرية المشتركة. فعلى سبيل المثال، في مالي المجاورة حيث اعتُبر نموذج "فلينتلوك" القائم على "التدريب والتجهيز" غير مستدام أيضاً، بدأت قيادة "أفريكوم" تولي اهتماماً أكبر حالياً إلى مشاكل البنى التحتية والمساعدة الطبية في إطار "برنامج العمل الطبي المدني" ("ميدكاب").
وستتمتع واشنطن بنفوذ كبير خلال التفاوض بشأن هذه الترتيبات مع الحكومة الجزائرية التي لديها مصلحة كبيرة خاصة في حماية المحافظات الجنوبية الضعيفة. وعلى نطاقٍ أوسع، أفادت بعض التقارير أن المسؤولين الأمريكيين حققوا نجاحاً أكبر على صعيد إشراك الجيل الأصغر سناً من ضباط الجيش والاستخبارات الجزائريين في السنوات الأخيرة. ويمثّل "الحوار الثنائي بين الولايات المتحدة والجزائر حول الأمن ومكافحة الإرهاب" (ينبغي عدم الخلط بينه وبين "الحوارات الاستراتيجية" الأوسع) فرصةً أخرى للضغط على الحكومة من أجل المزيد من التعاون المتبادل المنفعة. وقد ركّز الحوار السنوي الرابع، الذي تمّ اختتامه في وقتٍ سابق من هذا الشهر، على التهديدات الأمنية الإقليمية، والأزمة في بلدان المشرق العربي، والجماعات المتطرفة العنيفة، والجريمة المنظمة، وتحديات مكافحة الإرهاب.
وفيما يتعلق بالدعم الاقتصادي، فإن واشنطن تملك أساساً برامج قائمة لمساعدة الجزائر. وتقوم "مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط" التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية، إلى جانب مجموعة من المنظمات غير الحكومية المموّلة من الولايات المتحدة، بتوفير فرص تعليمية في الجنوب وأقامت مراكز للبطالة/الحياة المهنية وسهّلت التبادلات الثقافية في أوساط الشباب بين شمال البلاد وجنوبها. وعلى الرغم من أنّ زيادة التمويل لهذه الجهود قد لا تكون ممكنة في ضوء ما أعلنته الإدارة الأمريكية عن رغبتها في خفض ميزانية وزارة الخارجية، لن يكون التخفيض من هذه البرامج المثمرة بالخطوة الحكيمة.
ونظراً للأوضاع المتدهورة على الحدود الجنوبية والشرقية، فإن الجزائر غير المستقرة ستضر بالمصالح الأمريكية. وتلعب الجزائر دوراً وسيطاً هاماً في مالي، ولا تزال حليفاً في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا، كما تساعد على تدريب الجيش التونسي لصدّ الخطر الإرهابي المتنامي الفتاك. وفي الختام، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجزائر تزخر بالكثير من المصالح الواعدة - وهناك عدد كبير من المسائل على المحكّ - بحيث يصعب على واشنطن فكّ ارتباطها بها.
ڤيش سكثيفيل هي زميلة مساعدة في معهد واشنطن، وزميلة "فوكس" في "معهد أبحاث السياسة الخارجية". وتكتب أطروحتها حول الإسلاموية في الجزائر، حيث عاشت مؤخراً لمدة عام واحد.