- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2442
المشهد السياسي عقب الانتخابات التركية (الجزء الأول): خيار «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري»
في 10 حزيران/ يونيو، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع دنيز بايكال، الرئيس السابق لـ «حزب الشعب الجمهوري» اليساري، الذي هو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، لمناقشة المشهد السياسي التركي في أعقاب الانتخابات التي جرت في 7 حزيران/يونيو والتي خسر فيها «حزب العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه أردوغان الأغلبية التشريعية التي تمتع بها على مر ثلاثة عشر عاماً.
ويفيد المحللون الأتراك أنه خلال الاجتماع، ناقش أردوغان وبايكال احتمال إقامة حكومة ائتلافية تجْمع «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري». وفي الواقع، يتم حالياً مناقشة العديد من خيارات الإئتلاف الأخرى في أنقرة، من بينها ائتلاف بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الحركة القومية» اليميني أيضاً، وهو خيار يبدو أكثر منطقياً (ستتم مناقشة سيناريو «حزب الحركة القومية» في الجزء الثاني من هذا المرصد السياسي، الذي سينشر في وقت لاحق من هذا الأسبوع؛ أما الجزء الثالث فسيناقش السيناريوهات التي تشمل «حزب ديمقراطية الشعوب» الموالي للأكراد). لكن خيار «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» يستحق التحليل كحالة مثيرة للاهتمام حيث من شأنها أن تجمع بين أكبر حزبين في البلاد، الأمر الذي من المحتمل أن ينهي حقبة طويلة من الاستقطاب السياسي، فضلاً عن تقريب سياسة تركيا تجاه سوريا لتلك التي تتبعها الولايات المتحدة. وفيما يلي بعض التطورات المحتملة في ظل هذه الشراكة غير الاعتيادية.
تراجع مؤقت لأردوغان، خسارة محتملة طويلة الأجل لـ «حزب الشعب الجمهوري»
قد يكمن الشرط الذي لا غنى عنه لدخول «حزب الشعب الجمهوري» الائتلاف في عودة الرئيس أردوغان إلى العمل وفق صلاحياته الدستورية. فمنذ آب/ أغسطس 2014 ، غالباً ما تصرف أردوغان وكأنه رئيساً تنفيذياً، على الرغم من أن النظام التركي هو عبارة عن ديمقراطية برلمانية يكون فيها الرئيس التنفيذي هو رئيس الوزراء بينما يمثّل رئيس الجمهورية دور رئيس الدولة. ويمكن أن يوافق أردوغان على الانسحاب من إدارة شؤون البلاد اليومية في الوقت الراهن، إذا وعد «حزب الشعب الجمهوري» بعدم متابعة تهم الفساد التي وجهت إلى أردوغان وإلى أفراد أسرته في كانون الأول/ديسمبر 2014. وكجزء من هذه الصفقة، يمكن أن يمْثل أربعة وزراء من «حزب العدالة والتنمية» تورطوا أيضاً في قضية كانون الأول/ ديسمبر 2014 أمام العدالة .
ولا تزال رؤية أردوغان على المدى الطويل تتمحور حول الرئاسة. فالأحزاب الليبرالية الصغيرة تميل تاريخياً إلى فقدان الدعم في الحكومات الائتلافية عندما تكون منطوية تحت لواء المحافظين، كما حدث لـ «حزب الديمقراطيين الأحرار» خلال ائتلافهم مع «حزب المحافظين» في بريطانيا، و «حزب الديموقراطيين الاحرار» مع «الحزب الديمقراطي المسيحي» في ألمانيا، وسلف «حزب الشعب الجمهوري»، «الحزب الشعبي الديمقراطي الاجتماعي»، مع «حزب الطريق القويم» في التسعينيات في تركيا. لذا فإن رؤية أردوغان النهائية الكامنة في الدخول في ائتلاف مع «حزب الشعب الجمهوري» ستقوم على الفكرة بأن انهيار مبكر للائتلاف يمكن أن يؤدي إلى حدوث خسارة في دعم «حزب الشعب الجمهوري»، مما يسمح لـ «حزب العدالة والتنمية» بالظهور بشكل أقوى بعد إجراء انتخابات مبكرة، بحصوله على أغلبية قادرة على تغيير الدستور لجعله رئيساً بشكل تنفيذي.
وحدة الطرفان المختلفان في تركيا
يمثل «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» أكبر حزبان سياسيان في تركيا، وعلى هذا النحو هما يمثلان الرؤيتين المتضاربتين للإسلاميين والعلمانيين. من هنا فإن الإئتلاف بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» هو الذي تفضله الشركات والأسواق التركية وقد يبشّر بفترة من التعايش - رغم كونه غير مستقر - بين هاتين الحركتين اللتين تربطهما علاقة اتسمت حتى الآن بموقف يتعلق بالربح والخسارة. وكان العلمانيون قد حكموا تركيا في تسعينيات القرن الماضي وغالباً ما عرّضوا الإسلاميين للاضطهاد والسجن. أما «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي - الذي أسسه أردوغان عام 2001 وشغل فيه منصب رئيس الحزب ورئيس الوزراء حتى آب/ أغسطس 2014، عندما تنحّى لكي يرشيح نفسه للرئاسة - فقد تولى القيادة بعد ذلك وألحق عقوبات مماثلة بالعلمانيين. وبالتالي قد تكون حكومة تجمع «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» مؤشراً على وضع حد لهذين العقدين من العداء.
مناصب وزارية بارزة للنساء
تم تهميش النساء بشكل متزايد في مجالس وزراء «حزب العدالة والتنمية»، وتم حصرهن بحقيبة واحدة وهي "شؤون الأسرة". أما التغيير الأكثر تأثيراً في مجلس الوزراء الجديد فسيتجلى في تمكين النساء السياسيات من «حزب الشعب الجمهوري» من الحصول على مقاعد رئيسية، بعد سنوات عديدة تحت حكم «حزب العدالة والتنمية». ومن بين المنافسات البارزات نذكر النائبة عن «حزب الشعب الجمهوري» ونائبة رئيس الحزب سيلين سايك بوك، وهي اقتصادية ليبرالية شهيرة، يمكن أن تصبح أيضاً أول وزيرة من أصول مسيحية في الحكومة التركية منذ نهاية الإمبراطورية العثمانية، إذا ما مُنحت حقيبة وزارية. وفيما يتعلق بالاقتصاد، يمكن للإئتلاف بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» أن يشهد أيضاً عودة إلى المشهد السياسي التركي لكمال درويش، الذي أدار عملية إعادة هيكلة الاقتصاد في تركيا في عام 2001، وبشكل غير مباشر نموها الاقتصادي منذ ذلك الحين، باعتباره عضواً في مجلس الوزراء من «حزب الشعب الجمهوري».
أغلبية شعبية وبرلمانية قوية
في انتخابات 7 حزيران/ يونيو، حصل «حزب العدالة والتنمية» على 40.7 في المائة و «حزب الشعب الجمهوري» على 25.1 في المائة من الأصوات. وقد منح ذلك «حزب العدالة والتنمية» 258 مقعداً في المجلس التشريعي التركي وخوّل «حزب الشعب الجمهوري» الحصول على 132 مقعداً. وبناءً على ذلك، يمثل الإئتلاف بين الحزبين 65.9 في المائة من أصوات الناخبين، وحوزته على 70.9 في المائة من المقاعد في المجلس التشريعي التركي، أي إجمالي 390 مقعداً. ومن شأن ذلك أن يمنح تفويضاً قوياً للحكم. وبالتالي سيحصل الحزبان معاً على ما يكفي من المقاعد لإجراء تغييرات على الدستور التركي. وفي حين ينص الدستور التركي بأنه ليس من الضروري أن تتم الموافقة على التعديلات الدستورية - التي تُقرر بـ 367 صوتاً - من خلال استفتاء شعبي، إلا أنه بإمكان «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» أن يعدلا الدستور التركي لهذا الغرض إذا ما رغبا في ذلك. وقد يحدث هذا إذا اتفق الطرفان على توافق اجتماعي جديد يسمح لتصورات «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» حول تركيا بأن تزدهر في آن واحد.
التحديات المطروحة على صعيد القضايا الدالخلية
قد تتركز أكبر الخلافات بين الحزبين على السياسة الداخلية، بما فيها سياسة التعليم، حيث يحرص «حزب الشعب الجمهوري» على إحياء نظام التعليم العلماني في تركيا الذي وضعه كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية؛ بينما يصر «حزب العدالة والتنمية» في المقابل،على الحفاظ على تغييرات الأسلمة التي أدخلها على نظام التعليم، بما فيها القرار الأخير الذي ينص على تعليم الممارسات الإسلامية السنية لجميع تلاميذ المدارس ابتداءً من سن السادسة في المدارس الممولة من القطاع العام. وستثير السيطرة على وزارة التعليم نقاشاً ساخناً أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة، وهو الأمر بالنسبة إلى السيطرة على وزارة العدل، التي تشكل مجالاً آخر ستتعارض فيه أفكار الحزبين. وإذا ما سقطت الحكومة التي تجمع «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» قبل المحددة المحددة [لانتهاء فترة ولايتها]، فقد تكون الخلافات بشأن السياسة الداخلية هي السبب.
استمرار سير العملية السياسية مع الأكراد
على الرغم من أن الحزبين سيختلفان حول العديد من القضايا الداخلية الأخرى، إلا أنهما سيواصلان محادثات السلام مع «حزب العمال الكردستاني»، وقد يصل ذلك أيضاً إلى منح المزيد من الحقوق الثقافية للأكراد. ومن شأن هذه الاستراتيجية أن توائم حملة التواصل المحتملة التي يقوم بها «حزب العدالة والتنمية» والهادفة إلى إعادة الناخبين الأكراد المحافظين الذين اتجهوا نحو «حزب ديمقراطية الشعوب». وبالمثل سيتبع «حزب الشعب الجمهوري» هذه الاستراتيجية، التي تعكس توجهه لكي يصبح حزباً ديمقراطياً اجتماعياً يجذب الليبراليين في البلاد، وهو توجه يشمل الدفاع عن حقوق أوسع للأكراد.
وسائل إعلام أكثر حرية
في العقد الماضي، أحكم «حزب العدالة والتنمية» قبضته بشكل متزايد على وسائل الإعلام من خلال فرض غرامات صدرت من قبل "المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون"، وهي وكالة رصد تنظيمية أصبحت أداة للرقابة. وبالمثل، حوّل الحزب الحاكم ما يسمى بـ "رئاسة الاتصالات السلكية واللاسلكية"، التي من المفترض أن تنظم شبكة الإنترنت، إلى مجلس رقابة غالباً ما يحظر المواقع الإلكترونية، بما فيها "تويتر" و"يوتيوب". وتستمد هيمنة «حزب العدالة والتنمية» على هاتين الهيئتين على مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية من تعيين أعضاء وفقاً للتمثيل البرلماني للحزب. أما الآن، وللمرة الأولى منذ عام 2002، لن يعيّن «حزب العدالة والتنمية» غالبية أعضاء الهيئتين. ويشير ذلك إلى أنه سيتم الحد من قدرة الحزب على تخويف وسائل الإعلام وحظر المواقع الإلكترونية.
احتمال تحقيق توافق أوثق بين الولايات المتحدة وتركيا حول سوريا
لطالما عارض «حزب الشعب الجمهوري» مسألة الدعم النشط الذي قدمه «حزب العدالة والتنمية» لمختلف فئات الثوار في الحرب السورية، بما فيها بعض الجماعات المتطرفة، في مواجهة حكومة بشار الأسد. وعادة ما يحظى الشريك الأصغر في الحكومات الائتلافية التركية على حقيبة وزارة الخارجية. وبالتالي ستتم تعزيز مكانة «حزب الشعب الجمهوري»، الأمر الذي سيدفع به إلى تخفيض انخراط تركيا في سوريا ودعم الثوار، مما سيؤدي إلى تقريب سياسة البلاد من تلك التي تتبعها الولايات المتحدة تجاه سوريا. كما سيخضع دعم تركيا للثوار المناهضين للأسد في شمال غرب سوريا لفحص دقيق - ويشمل ذلك توثيق التدقيق الصحفي بفضل البيئة الإعلامية المنفتحة - إلا أن هذا الدعم لن يتوقف، لأنه لا يمكن لأنقرة أن تعزل نفسها تماماً عن الوضع في سوريا على المدى القصير. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى واقع أن تركيا تستضيف حالياً حوالي مليون لاجئ سوري. وما هو أكثر من ذلك، أن سياسية فتح الأبواب للثوار التي اعتمدتها تركيا على مدى خمسة أعوام عرّضت البلاد لتهديدات من سوريا، شملت تلك التي جاءت من قبل عناصر متصلة بنظام الأسد والجماعات المرتبطة بـ تنظيم «القاعدة»، و تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)/«الدولة الإسلامية». وفي ظل مشاركة «حزب الشعب الجمهوري» في الإئتلاف، قد تقوم وزارة الخارجية التركية أيضاً بفتح قنوات اتصال مع نظام الأسد.
تركيز «حزب الشعب الجمهوري» على أوروبا وحلف شمال الأطلسي
في ظل حكم وزير خارجية من «حزب الشعب الجمهوري»، ستحاول تركيا التوجه من جديد نحو شركائها التقليديين في السياسة الخارجية، من بينهم منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. وفي هذا الإطار، يشبّه كمال كيريسكي من معهد بروكينغز تحوّل تركيا المحتمل إلى ناقلة عملاقة تغيّر من مسارها ببطء. وفي ضوء الاهتمام الكلي لتركيا بقيادة «حزب العدالة والتنمية» بالشرق الأوسط منذ عام 2002، فإن إعادة التوجه نحو أوروبا وحلف "الناتو" سيحصل تدريجياً وسيتطلب دعماً من حلفاء تركيا في بروكسل وواشنطن.
استمرار اللاأدرية التركية حول سياسة واشنطن تجاه روسيا
لعل تحوّل السياسة الخارجية غير المحتمل إلى أبعد حد نتيجة احتمال قيام إئتلاف بين «حزب العدالة والتنمية» و «حزب الشعب الجمهوري» قد يتعلق بالروابط مع روسيا. فالعلاقات بين تركيا وروسيا، التي ازدهرت في ظل حكم أردوغان، هي في كثير من النواحي أكثر واقعية من سياسة «حزب العدالة والتنمية» في الشرق الأوسط، والتي تركت البلاد من دون حلفاء أو عملاء أو أصدقاء في منطقة مضطربة. أما فيما يتعدى إطار «حزب العدالة والتنمية»، فإن السياسيين الأتراك من مختلف الانتماءات، بمن فيهم أولئك من «حزب الشعب الجمهوري»، ينظرون إلى روسيا على أنها عدو تاريخي لم ينتصر الأتراك بعد في معركة ضده. ووفقاً لذلك، ستظل تركيا متنبهة من استفزاز روسيا في البحر الأسود، وستتفادى ارتباط اسمها كثيراً بسياسة واشنطن التي تقضي بفرض عقوبات على روسيا. إلى جانب ذلك، تستورد تركيا المتعطشة للطاقة أكثر من نصف كمية الغاز التي تستهلكها من روسيا، كما أن "التيار التركي" - خط الأنابيب المقترح لنقل الغاز من روسيا إلى تركيا تحت البحر الأسود - سيُبقي تركيا قريبة نسبياً من روسيا.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "صعود تركيا: أول قوة مسلمة في القرن الحادي والعشرين".