- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
المتظاهرون في إيران بحاجة إلى مساعدة حقيقية من واشنطن
وسط اندلاع أضخم المظاهرات وأوسعها انتشاراً التي تشهدها إيران منذ سنوات، لا شك في أن الأفكار في البيت الأبيض ستعود إلى احتجاجات "الحركة الخضراء" التي اندلعت في إيران عام 2009 وأثارتها ما اعتُبر إلى حدّ كبير تلاعباً وتزييفاً في الانتخابات الرئاسية على يد السلطات الإيرانية في ذلك العام. وقد جاء ردّ إدارة أوباما، غير المتأكدة من كيفية مساعدة المتظاهرين، وغير الراغبة في القضاء على التزامها الناشئ مع طهران، خجولاً، مما أثار انتقادات من اليمين واليسار على حد سواء.
ولذلك، ليس من المفاجئ أن يكون الرئيس ترامب - الذي رفض للتو الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران - قد سلك اتجاهاً معاكساً وبذل جهده لدعم المتظاهرين. غير أن إدارة ترامب تواجه المعضلة التي لطالما أعاقت المسؤولين الأمريكيين الذين يسعون إلى دعم المتمردين في الخارج، ألا وهي: ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله حقاً باستثناء إصدار تصريحات؟ ففي النهاية، من غير المرجح أن يكون لأي تصريح شديد اللهجة غير مدعوم بأفعال تأثير أكثر من الخطاب المعتدل اللهجة.
وعلى غرار الاحتجاجات الكثيرة في جميع أنحاء العالم، يبدو أن التظاهرات الحالية في إيران قد اندلعت انطلاقاً من مخاوف تتعلق بالمعيشة وكسب الرزق. فقد توقّع الإيرانيون أن تتحسن حياتهم عقب الاتفاق النووي المبرم عام 2015. ورغم أن الجمهورية الإسلامية شهدت نمواً اقتصادياً بشكل عام، إلّا أن الشعب الإيراني لا يزال يواجه أسعاراً مرتفعة ومعدلات بطالة عالية. فالاقتصاد والسياسة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، لذلك ليس من المستغرب أن ينتقد المحتجون أيضاً وبقسوة الفساد والإنفاق على الصراعات الخارجية في سوريا ودول أخرى في وقت تبدو فيه الاحتياجات المحلية ملحة وكبيرة.
ونظراً إلى مخاوف واشنطن الخاصة من سياسات إيران في المنطقة، فلديها مصلحة في هذا النقاش. ومع ذلك، سينصح الكثيرون، بمن فيهم العديد من الإيرانيين، الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات الأجنبية بعدم التدخل في الاحتجاجات خوفاً من تشويهها من خلال ربطها بقوى خارجية. إلّا أنّ النظام سيسعى إلى وصف المتظاهرين بالعملاء الخارجيين بغض النظر عن الواقع. ولا تكمن الطريقة الأمثل لمواجهة هذا التصرف بعدم التدخل والبقاء على الحياد، بل بضمان أن تكون تصريحات الدعم الأمريكية متعددة الأطراف إلى حدّ كبير ومدعومة بخطوات عملية على نحو أكبر.
يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يعربوا بوضوح عن دعمهم لحق الإيرانيين في التظاهر، من خلال التصريحات العلنية والرسائل الخاصة وقرارات الأمم المتحدة وأي وسائل أخرى متوافرة. وعليهم أيضاً أن يحذروا السلطات في إيران من أي عمليات قمع عنيفة للمظاهرات، سواء كان هذا العنف يحدث في الشوارع أو - كما جرى خلال احتجاجات عام 2009 - لاحقاً في المنازل والسجون، بعيداً عن الأنظار. ولا بدّ من تذكير النظام والمتظاهرين على السواء باستمرار بأن اهتمام العالم منصبّ عليهم.
وإذا لجأ النظام إلى العنف في كافة الأحوال، فعلى الردّ الدولي أن يركّز على العزل الدبلوماسي. ويتعين على الدول الأوروبية والآسيوية خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وتقليل مشاركة الجمهورية الإسلامية في المحافل الدولية. كما قد تؤدي العقوبات دوراً، على أن تستهدف بدقة المسؤولين عن أي إجراءات قمعية - وكذلك من هم خارج إيران ويسهلون أفعالهم - لئلا تلحق الضرر بالإيرانيين الذين ترمي هذه الإجراءات إلى دعمهم.
غير أنه من غير المرجح أن تؤدي هذه التحذيرات وحدها إلى ردع السلطات الإيرانية، التي أثبتت دهاءها ووحشيتها على السواء في استخدام أجهزتها الأمنية ضدّ المنشقين. وبالتالي، ينبغي أن يركّز رد المجتمع الدولي أيضاً على مساعدة الإيرانيين على التملّص من هذا الجهاز وممارسة حقوقهم الأساسية الذي يسعى هذا الجهاز إلى حرمانهم منها.
في عام 2009، طلب المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية جارد كوهين، ومن دون تفويض، من "تويتر" الامتناع عن إغلاق الموقع من أجل صيانة مقررة حدث أن تزامنت مع الاحتجاجات في إيران. يجب على المسؤولين والصحفيين والرؤساء التنفيذيين الفنيين اليوم أن يسترشدوا بكوهين لا بل أن يذهبوا أبعد من ذلك، ويسعوا إلى توفير منصات خارج إيران تساعد المنشقين على إيصال صوتهم وتساهم في نشر معلومات دقيقة لأولئك الذين هم داخل إيران بشأن الاحتجاجات وتكاليف سياسات النظام على حد سواء، إلى جانب الأدوات الفنية التي يحتاج إليها الإيرانيون من أجل تفادي الرقابة والمراقبة.
وأخيراً، على إدارة ترامب النظر في كيفية تأثير سياستها الأوسع نطاقاً بشأن إيران على ما يحصل داخل الجمهورية الإسلامية. ولكن هذا لا يعني أنه يجب على الولايات المتحدة التودد إلى "المعتدلين" في النظام - فقد بذلت واشنطن مثل هذه الجهود على مدى عقود، وبلا جدوى إلى حد كبير. وبدلاً من ذلك، بإمكان الولايات المتحدة تشديد الخيارات التي تواجه إيران ككل - وتعزيز حجج البراغماتيين الذين يدعون إلى تغيير السياسة - من خلال رفع تكاليف المجازفة الإيرانية في المنطقة وسعيها إلى تطوير قدراتها النووية مع إبقاء المجال مفتوحاً أمام الدبلوماسية إذا رغبت إيران في تحقيق مصالحها بسلام.
يجب على المسؤولين في الغرب أن يتجنبوا عرض آمالهم الخاصة على المتظاهرين الإيرانيين، الذين يبدو أن مظالمهم متنوعة ولا تتماشى بالضرورة مع الشكاوي الأمريكية حيال النظام. وينبغي على المسؤولين الغربيين أيضاً عدم المبالغة في توقعاتهم من الاحتجاجات، فهي قد تحشد زخماً أو قد تخمد. وسيتمثل المؤشر على الرد السياسي الناجح في قدرته على تخطي أي من الاحتمالين، استناداً على فرضية أن وجود جمهورية إيرانية أكثر استجابةً وتلبيةً لاحتياجات شعبها ستكون أقل خطورةً على المنطقة وعلى الولايات المتحدة.
مايكل سينغ هو زميل أقدم في زمالة "لين- سويغ" والمدير الإداري في معهد واشنطن.
"واشنطن بوست"