- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2730
المؤتمر العام لحركة «فتح»: توضيح مسألة الخلافة وإدارة المعارضة
• تُرجمت هذه المقالة بعد عقد مؤتمر «فتح»، وانتخاب محمود عباس قائداً عاماً للحركة.
أعلنت اللجنة المركزية لحركة «فتح» عن انعقاد مؤتمر الحركة العام السابع في 29 تشرين الثاني/نوفمبر في رام الله، قبل أيام فقط من انعقاده. وإلى جانب تلبية الطلب المستمر لناشطي حركة «فتح»، يشكّل عقد هذا المؤتمر أساساً لخطواتٍ أخرى ضرورية جداً على كل من "منظمة التحرير الفلسطينية" والسلطة الفلسطينية اتخاذها. وبالفعل، ونظراً للظروف المحيطة بهذا الإعلان، سوف يحمل هذا المؤتمر تداعياتٍ ليس على حركة «فتح» فحسب، بل على مستقبل السلطة الفلسطينية أيضاً.
وينصّ نظام الحركة الداخلي على أنّ المؤتمر العام يعقد كل خمس سنوات، وذلك بهدف الموافقة على "البرامج السياسية والعسكرية" وانتخاب أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري، وهما الهيئتان الرئيسيتان لصنع القرار في الحركة. لكن في الواقع، لم يعقد المؤتمر سوى ست مراتٍ في العقود الخمسة السابقة: فعقد عام 1964 قبل الإطلاق الرسمي لحركة «فتح»، وعام 1968 بعد حرب الستة أيام وقبل سيطرة حركة «فتح» على "منظمة التحرير الفلسطينية"، وعام 1971 وسط مواجهات أيلول الأسود في الأردن، وعام 1980 خلال سنوات "منظمة التحرير الفلسطينية" المضطربة الأخيرة في لبنان، وعام 1988 قبل عامٍ من الانتفاضة الأولى وقبل موافقة "منظمة التحرير الفلسطينية" على قرار الأمم المتحدة رقم 242، وأخيراً عام 2009 في مناسبة استلام الرئيس محمود عباس لقيادة الحركة التي ورثها من مؤسسها ياسر عرفات.
وقد عُقد المؤتمر السابع في أوقاتٍ مشحونة أيضاً تتّسم بتحدياتٍ مختلفة. فأولاً، أُحبطت الآمال التي علقتها حركة «فتح» على عملية أوسلو لدى أعضاء المجموعة والشعب الفلسطيني بشكلٍ عام. فلم تلقَ محاولات التوصل إلى استراتيجيةٍ دبلوماسية بديلة من خلال الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإشراكها كعضو في الأمم المتحدة أصداءً واسعة. بل على العكس، تعاني الضفة الغربية منذ فترةٍ طويلة من العنف إثر هجماتٍ على الإسرائيليين يشنّها أعضاء حركة «فتح» في الكثير من الحالات.
وثانياً، خلقت التصدّعات العميقة في قيادة الحركة اضطراباتٍ داخلية. ويظهر ذلك بشكلٍ واضح في العداوة العلنية بين عباس وحليفه السابق محمد دحلان، ما أدّى إلى طرد هذا الأخير وعدد كبير من مناصريه. وعلى نطاقٍ أوسع، أدّى التسلط المتزايد لحركة «فتح» في الداخل وشبه غياب التجديد فيها منذ أواخر الثمانينات إلى ابتعاد الحركة عن قاعدتها. فيشعر عددٌ كبير من الفئات بأنها مهمشة، ومنها الأعضاء الأصغر سناً الذين لا يرون أي سبيلٍ للتقدم، والأعضاء في غزة المتروكين تحت رحمة حركة «حماس»، ومناصري مروان البرغوثي، وهو قائد محبوب في حركة «فتح» يقضي خمسة أحكام بالسجن مدى الحياة في السجن الإسرائيلي، والأعضاء المقيمين في مخيمات اللاجئين الذين يشعرون بأن عباس يكرههم. وقد تُرجم استياء المجموعة الأخيرة في مواجهةٍ عنيفة مع قوى الأمن الفلسطينية في بعض مخيمات الضفة الغربية.
وثالثاً، ولعلّ هذا التحدي الأكبر، سيطر على الخطاب السياسي الفلسطيني سؤال من سيكون خلف محمود عباس الذي تقدّم في السن لقيادة حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية و"منظمة التحرير الفلسطينية" [انتخب المؤتمر محمود عباس قائداً عاماً لحركة «فتح»]. وقد أدى غياب آليةٍ عملية للخلافة ومرشحين واضحين لمنصب القيادة إلى نوعٍ من الحيرة وعدم الاستقرار ودرجةٍ من الشلل في حركة «فتح» وفي الوسط السياسي الفلسطيني بشكلٍ عام.
ونظراً لهذه التحديات الدائمة والمتفجرة، تم تأجيل المؤتمر السابع بشكلٍ متكرر من تاريخه الأساسي عام 2014. إلّا أنّ التطورات الأخيرة ولّدت نوعاً من الضرورة الملحّة لانعقاده، ويبدو أنّ القمة التي ستعقد هذا الأسبوع تأتي نتيجة ضغوطاتٍ عربية خارجية من أجل دعم المصالحة مع حركة «فتح» وتهدئة المشهد الفلسطيني المتقلب.
وفي 24 آب/أغسطس، بعد لقاءٍ جمع الملك عبد الله الأردني بالرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، دعا القائدان محمود عباس إلى "تحقيق المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية" وقدّما نصائح محددة لتحقيق ذلك. ويقال أنّ هذه المبادرة لقت دعماً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما عضوان أيضاً في "اللجنة الرباعية العربية". إلّا أنّ عباس اشتعل غضباً من دعوة اللجنة الرباعية إلى إعادة إشراك دحلان ومناصريه، وهاجم الدول العربية من دون تحديدها في 4 أيلول/سبتمبر قائلاً "لا أحد يملي علينا قراراتنا". وبعدها، في أواخر تشرين الأول/أكتوبر، زار عباس تركيا وقطر، وهما دولتان تعتبرهما مصر، والأردن والإمارات إلى حدٍ أصغر، جهتين إقليميتين غير ودّيّتين. وأشارت هذه الزيارات إلى أنّ عباس كان يهدد باستبدال تحالف السلطة الفلسطينية مع اللجنة الرباعية أو إحقاق التوازن في تحالفاته، وجاء إعلان المؤتمر العام بعد فترةٍ وجيزة فبدا وكأنه وسيلة أخرى لصدّ ضغوطات اللجنة الرباعية.
ويجوز اعتبار أنّ معظم المشاركين المفترضين في المؤتمر هم من مناصري عباس، إلّا أنّهم لا يشكلون مجموعةً موحدة. فقد دعم بعضهم الرئيس بشكلٍ قوي ومتواصل، في حين تربط بعضهم به علاقةٌ أكثر تقلباً. وقد تفاقمت التوترات بين الأفراد والأجيال والمناطق والتوترات المتعلقة بالبرامج بين مناصري عباس مع تقدّم الأعضاء لخلافته.
وبالفعل، تقدّم عددٌ كبير من قادة حركة «فتح» لمنصب الرئاسة، أو أقله لاختيار الرئيس المستقبلي، في الأشهر الأخيرة. وسيتم اختبار هذه الادعاءات خلال المؤتمر وتوضيح قوة هؤلاء المرشحين النسبية. وسيصبّ تركيز المؤتمر بشكلٍ أساسي في تحديد من سيتم انتخابه من جديد في اللجنة المركزية ومن سيكون الأعضاء الجدد، وما إذا كان سينجح بعض الرؤساء الأمنيين الأقوياء، إذ إنّ هذه التغييرات قد تتنبّأ بالرئاسة الجديدة. وستظهر النتائج من يحظى بدعم المفوضين في المؤتمر، والأهم أنها قد تشير إلى الأشخاص الذين يفضّلهم عباس نفسه أو يستبعدهم، إذ من المرجح أن يؤدي دوراً أساسياً في اختيار خلفه.
وسيؤمّن توضيح الجهات الفاعلة الأساسية نوعاً من الاستقرار في حركة «فتح». إلّا أنّه من الضروري أيضاً الانتباه إلى ما إذا كانت شخصيات حركة «فتح» التي كانت تربطها علاقة متوترة بالرئيس عباس لكن بقيت في صفه، هي التي تم انتخابها في الهيئات القيادية. فقد يظهر هؤلاء الأفراد أو الفئات كمعارضةٍ داخلية تسعى إلى إحقاق التوازن مع سلطة عباس داخل الحركة، خصوصاً في ما يخص اختيار خلفه.
وباستثناء بعض مناصري دحلان، لم تشكك أي من فئات حركة «فتح» في شرعية المؤتمر بشكلٍ علني. إلّأ أنّ البعض ينوون فعل ذلك بعد انتهائه على الفور. فعلى سبيل المثال، نشرث زوجة مروان البرغوثي، فدوى، مؤخراً رسالةً مفتوحة تصف فيها ما تعتبرها هي، وعلى الأرجح زوجها ومناصريه، معايير المؤتمر الناجح. وفي الوقت عينه، حذّرت من عوامل قد "تعمّق الأزمة".
وتماماً كمناصري عباس، أطلق معارضيه ادّعاءاتٍ غير مؤكّدة حول قوّتهم. أمّا في ما يخص الذين استُبعدوا عن المؤتمر أو غير الراضين عن نتائجه، فستشكّل قدرتهم على تحدّي شرعية القيادة الجديدة اختباراً لقوّتهم الحقيقية. لذلك، سيعتمد نجاح الحركة في تهدئة الخلافات وإقناع الجهات المعارضة بالقبول على عددٍ من العوامل.
ويتمثل العامل الأوّل بالشمولية. ففي حين أنّ استبعاد دحلان عن المؤتمر مؤكّد، لم تتقرر حتى الآن الإجراءات التي ستُتّخذ بحق المجموعات المعارضة الأخرى. وبطبيعة الحال، كلما زاد عدد هذه الفئات التي تساهم في نجاح المؤتمر، كلما تمّ عزل من يعرقل هذا النجاح.
أمّا العامل الثاني فهو الشفافية. لا بد من وقوع بعض التلاعب في النتائج والأصوات في المؤتمر. لكن في حال تمدد هذا الغش وإن بدا وكأنه من جهةٍ واحدة، قد يتسبب ذلك في شك بعض الفئات في صحة النتائج. وسيكون مناصرو البرغوثي المراقبين الأكبر للمؤتمر. فعلى الرغم من أنّه سيتمّ انتخابه غيابياً من دون شك في اللجنة المركزية، سيحرص مناصروه على عدم تكرار سيناريو مؤتمر عام 2009، الذي اعتبروا أنه كان محضّراً ضدهم. بالإضافة إلى ذلك، سوف يشكك عددٌ كبير من الخاسرين في النتائج بشكلٍ علني، ولو تفادوا رفع شكوىً رسمية. وسيعتمد مدى أخذ الشكاوى بعين الاعتبار على مدى عدالة الانتخابات وشفافيتها بنظر قاعدة حركة «فتح».
وثالثاً، يعتمد تأثير الذين يشككون بشرعية المؤتمر على قدرتهم على توحيد جداول أعمالهم وأفعالهم وقياداتهم. وقد تتّحد المجموعات المماثلة في عدم رضاها عن النتائج، إلّا أنها قد تفتقد إلى المزيد من الصفات المشتركة. فمن المرجّح أن تملك فئات المعارضة سلسلةً لا تنتهي من المصالح المتضاربة والدوائر الانتخابية المختلفة، وقد لا يكون جميعها على استعدادٍ لاتخاذ الخطوات نفسها من أجل تحقيق أهدافها، خصوصاً في ما يخص الانفصال الرسمي عن حركة «فتح». وقد تؤثّر العلاقات الفردية المتوترة بين قادة هذه الفئات أيضاً على قدرتهم على بلورة مستقبل الحركة. وفي نهاية المطاف، إذا تمكّن عددٌ كبير من أعضاء حركة «فتح» غير الراضين عن النتيجة من رفع شكوى مقنعة عن الغش وتنسيق الخطوات التي سيتخذونها بعد المؤتمر، فمن المرجح أن يستمر عدم الاستقرار الذي لطالما سيطر على الساحة السياسية الفلسطينية.
وبيد أنّ حركة «فتح» لطالما أصرّت على أنّ "الصراع المسلّح" هو "حقٌ شرعي"، تبنّى مؤتمر عام 2009 قراراً أحدث فارقاً ملحوظاً في هذه الرؤية. وكان محمود عباس، المناصر الأكبر للدبلوماسية وناقد الأعمال المسلحة، في قمّة قوته السياسية آنذاك وأقنع المؤتمر باعتماد "السلام كخيارٍ استراتيجي".
إلّا أنّ الظروف قد تبدّلت اليوم. فقد تراجعت مكانة عباس، وضعفت الثقة بالدبلوماسية بشكلٍ ملحوظ، وما زال العنف يتأجج في الضفة الغربية. وقد شجّع أعضاء حركة «فتح» والمتحدثين باسمها الهجمات الفلسطينية بشكلٍ كبير طوال العام الأخير، وأكّد عددٌ من كبار القادة على دعمهم لاستكمال معارضة مسلحة أوسع.
لذلك، قد يحاول المشاركون في مؤتمر هذا الأسبوع أن يعكسوا قرار "السلام" عام 2009 وأن يعيدوا إدخال الصراع المسلّح كخيارٍ بديل. وقد يأتي هذا الإجراء نتيجة تغيّرٍ في القناعات في صفوف أعضاء حركة «فتح»، إلّا أنّه قد يهدف أيضاً إلى إحراج عباس وتحدّي قيادته بشكلٍ غير مباشر. وحتى لو فشل الاقتراح في النهاية، فإنّ النقاشات الناتجة عنه قد تضرّ بموقف عباس بين المتشددين.
ويشكّل التعاون مع إسرائيل إحدى المسائل ذات الصلة. ففي عام 2015، دعت حركة «فتح» السلطة الفلسطينية إلى قطع هذا التعاون، وردد عددٌ كبير من القادة هذه الدعوة منذ ذلك الحين. ولا تتمتع الحركة بأي سلطة قانونية تمكنها من فرض إجراءٍ كهذا، ومن المستبعد أن تنفذه السلطة الفلسطينية، إلّا أنّ قراراً صادراً عن المؤتمر يقضي بوقف التعاون الأمني قد يكلف عباس الكثير على الصعيد السياسي. بالإضافة إلى ذلك، ينتمي عددٌ كبير من رجال الأمن إلى حركة «فتح»، ولا شك في أنهم سيتأثرون بقرارٍ مماثل.
وبعد تأجيلاتٍ متكررة، من المحتمل أن يبعث المؤتمر العام لحركة «فتح» القادم الطاقة في الحركة العجوز، وأن ينشر الاستقرار في صفوفها من خلال توضيح السلطة النسبية لكل من القادة. وفي إطار هذا السيناريو، قد تقارب حركة «فتح» مسألة الخلافة الشائكة بشكلٍ نظامي أكثر. لكن في حال استثنى المؤتمر دوائر انتخابية كبيرة أو اعتبر الكثيرون أنه مزيّف، فقد يحمل هذا الأخير أثراً معاكساً – وهو بشكلٍ أساسي تقوية معارضي عباس وتعميق الخيبة الفلسطينية وزيادة ضعف حركة «فتح» وجعل الحركة أقل قدرةً على السيطرة على أحداثٍ حساسة كالخلافة.
أمّا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فلا يمكنها فعل الكثير للتأثير على العملية بشكلٍ مباشر. فقد يُنظَر إلى أي تصريحٍ علني حول المؤتمر على أنه تدخلٌ في الشؤون الفلسطينية، إلّا أنّه قد يكون من المفيد أن تذكّر الولايات المتحدة بالموقف الأمريكي حيال التعاون الأمني وبضرورة الحفاظ على أحقية الديبلوماسية على منصة حركة «فتح». ومن الضروري أيضاً مراقبة هذه العملية وإشراك الحلفاء المعنيين في اللجنة الرباعية العربية (وخاصة الأردن) من أجل الحفاظ على الاستقرار في الساحة الفلسطينية.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقد خدم سابقاً في العديد من المناصب الاستشارية مع السلطة الفلسطينية.