- تحليل السياسات
- تنبيه سياسي
الميليشيات المدعومة من إيران تختبر مصداقية رئيس الوزراء العراقي
في 19 حزيران/يونيو، أطلقت ميليشيا مجهولة الهوية صاروخاً نحو قلب قطاع النفط العراقي في محافظة البصرة، حيث سقطت الذخيرة على بُعد مائة ياردة (300 قدم) فقط من منشآت الإقامة التي يستخدمها مهندسون أمريكيون ودوليون يعملون في أكبر حقول النفط في البلاد. وكان هذا الهجوم الصاروخي الثامن على المنشآت المرتبطة بالولايات المتحدة في العراق هذا العام، وجاء مباشرة بعد الضربات على منشآت تدريب التحالف في التاجي والموصل في 17-18 حزيران/يونيو.
ورغم عدم مقتل أي من الرعايا الأجانب في الضربات التي وقعت هذا الأسبوع، إلا أن عراقييْن أصيبا بجروح، وأثّرت هذه الحوادث على الوجود الدبلوماسي المحلي لواشنطن. فلم تُبق السفارة الأمريكية في بغداد والقنصلية الأمريكية في أربيل سوى نصف طاقمهما بعد أن تم سحب جميع الموظفين غير الأساسيين في أوائل أيار/مايو بسبب مخاوف أمنية. وسابقاً، في أيلول/سبتمبر الماضي، كان قد تم إغلاق القنصلية الأمريكية في البصرة بعد أن ضُربت بصواريخ.
وهذه الضربات في الموصل والبصرة مقلقة بشكل خاص لأنها تأتي في أعقاب إنذارٍ شديد اللهجة وجّهه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ومفاده أن على الميليشيات العراقية أن تكفّ عن تنفيذ العمليات العسكرية المستقلة، ليس فقط في داخل البلاد بل في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وبعد يوم من الضربة في 17 حزيران/يونيو على منشأة التاجي - التي تعرضت لهجوم أيضاً في 1 أيار/مايو - أصدر رئيس الوزراء مجموعة قيود محددة بشكل غير عادي على القوات المسلحة غير الحكومية في العراق، جاء فيها:
1- تُمنع اية قوة اجنبية بالعمل او الحركة على الأرض العراقية بدون اذن واتفاق وسيطرة من الحكومة العراقية.
2- تُمنع اية دولة من الاقليم او خارجه من التواجد على الأرض العراقية وممارسة نشاطاتها ضد أي طرف آخر سواء أكان دولة مجاورة أخرى أو أي تواجد أجنبي داخل العراق أو خارجه بدون اتفاق مع الحكومة العراقية.
3- يُمنع عمل أية قوة مسلحة عراقية أو غير عراقية خارج إطار القوات المسلحة العراقية أو خارج إمرة وإشراف القائد العام للقوات المسلحة.
4- تُمنع أية قوة مسلحة تعمل في إطار القوات المسلحة العراقية وتحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة من أن تكون لها حركة أو عمليات او مخازن أو صناعات خارج معرفة وإدارة وسيطرة القوات المسلحة العراقية وتحت إشراف القائد العام.
وخلال أربعٍ وعشرين ساعة من الإدلاء بهذا البيان، سقطت صواريخ جديدة في الموصل والبصرة.
وتتزامن الهجمات أيضاً مع الجهود الأمريكية لإسداء المشورة إلى "قيادة عمليات نينوى"، التي تتفاوض حول إخراج الميليشيات غير المحلّيّة من الموصل وسهل نينوى. وسبق أن أمر عبد المهدي بإخراجها في آب/أغسطس الماضي ومجدداً قبل شهر، لكنّ الميليشيات رفضت الامتثال لتعليماته أو حتى الاعتراف بسلطته.
وفي غضون ذلك، من المتوقع أن توقّع شركة "إكسون موبيل" والصين اتفاقاً ضخماً من شأنه أن يولّد مبلغاً يُقدَّر بـ 50 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي وخبرة في مجال إدارة المشاريع لتلبية حاجة ماسّة في البصرة وباقي قطاع النفط العراقي. وقد أصابت صلية واحدة على الأقل من بين صليات الصواريخ الأخيرة موقعاً قريباً من منشآت شركة "إكسون"؛ وإذا قررت الشركة استدعاء موظفين من البصرة، فسيكون ذلك الانسحاب الوقائي الثاني لها منذ تصاعُد حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في أوائل أيار/مايو. وبالفعل، تدخّلت طهران مع وكلائها بشكل خفي لعرقلة مبادرات الطاقة الأمريكية المحلية خلال العام الماضي، وقد يشكّل الهجوم الأخير في البصرة مثالاً صارخاً على هذا الاتجاه. وقد يهدف قادة إيران في النهاية إلى تعطيل بدء اتفاق "إكسون"، الذي قد يُعلَن عنه رسميّاً في وقتٍ لاحقٍ من هذا العام عندما يقوم رئيس الوزراء عبد المهدي بزيارته المتوقعة إلى البيت الأبيض.
وعلى الرغم من هذه الاستفزازات، لا بد من قياس رد واشنطن وفقاً للهشاشة السياسية لعبد المهدي. يتعيّن على قادة الولايات المتحدة أن يرحّبوا على انفراد - وليس علناً - ببيانه الصارم في 18 حزيران/يونيو. وفي الوقت نفسه، يجب أن يدركوا أن الضربات الصاروخية المعزولة لا تتطلب سوى عدد قليل من المقاتلين (أقل من عشرين) لتنفيذها. إذاً من الواقعي أن يستمر العراق في السعي بجهدٍ إلى منع ضرباتٍ من هذا النوع، كما قد يفعل أي مجتمع في مرحلة ما بعد الصراع، والذي تملؤه الجماعات المسلحة وعشرات آلاف الذخائر التي تعود إلى زمن الحرب. يجب على الولايات المتحدة ألا تدع مثل هذه الحوادث أن تقوّض العلاقة الثنائية أو تؤدي إلى مزيد من التخفيضات الدبلوماسية - طالما بإمكان الحكومة العراقية أن تثبت أنها تتخذ خطوات ملموسة لتأكيد سيادتها وتعزيز سيطرتها على الميليشيات.
إن القضية الأقرب التي يمكن تتبعها هي جهود التطهير التي يبذلها عبد المهدي في الموصل وسهل نينوى، حيث ترفض الميليشيات الأصغر حجماً (والكثير منها مدعومة من إيران) بشكل فاضح اتّباع أوامره القانونية. فلتفعيل عملية الإخراج وضبط قادة الميليشيات غير الممتثلين في هذه المناطق، سيحتاج رئيس الوزراء إلى تحريك القطاع الأمني للدولة وكسب التأييد من الجهات الفاعلة السياسية الرئيسية مثل آية الله العظمى السيد علي السيستاني أو قائد "منظمة بدر" هادي العامري. وإذا تمكّن من القيام بذلك قبل زيارته إلى واشنطن، يجب على القادة الأمريكيين أن يعاملوا جهوده على أنها مؤشر واضح على حسن النية والنوايا المستقبلية - وهي بالتأكيد خطوة صغيرة، بل خطوة صعبة يجب الإشادة بها وتعزيزها بهدوء.
مايكل نايتس وهو زميل أقدم في معهد واشنطن، وقد قضى فترات طويلة عمل خلالها في العراق منذ عام 2003، شملت وقتاً طويلاً مع قوات الأمن في البلاد.