الميليشيات تبتعد عن الأهداف الأمريكية موجهًة ضرباتها نحو قواعد في كردستان وتركيا
تُثبت مقاييس الهجمات، أن الجماعات المدعومة من إيران ترى حالياً المزيد من الفائدة في استهداف "الأعداء القريبين" من ضرب القوات الأمريكية.
استناداً إلى قاعدة بيانات الهجمات التي يحتفظ بها "برنامج الدراسات العسكرية والأمنية" التابع لمعهد واشنطن، يمكن لـ "الأضواء الكاشفة للميليشيات" استخدام أرقام مؤكدة لتوثيق كيفية تَحَوُّل ميليشيات "المقاومة" المدعومة من إيران من استهداف القوافل والقواعد المرتبطة بالولايات المتحدة إلى مهاجمة بدائل على غرار الأهداف الكردية والتركية.
انخفاض الهجمات المناهضة للتحالف إلى مستويات متدنية للغاية
بين كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس 2021، بلغ متوسط عدد الهجمات ضد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العراق - معظمها بشكل هجمات بالعبوات الناسفة ضد قوافل إمدادات التحالف بقيادة العراق - 33 هجوماً في الشهر، مسجلاً ذروته عند 48 هجوماً في آب/أغسطس المذكور. وقد تراجعت هذه الأرقام بشكل ملحوظ في أواخر 2021، حيث ابتعدت جماعات "المقاومة" عن الأنظار إلى حدّ كبير ولم تنفذ سوى 13 هجوماً في أيلول/سبتمبر و5 هجمات في تشرين الأول/أكتوبر (انخفاض بنسبة 89.6٪ عن ذروة آب/أغسطس).
ولم تمض سوى فترة وجيزة قبل أن تستأنف جماعات "المقاومة" المدعومة من إيران هجماتها ضد أهداف تابعة للتحالف. فقبل إعلان انتهاء المهمة القتالية الأمريكية في العراق في 31 كانون الأول/ديسمبر 2021، قامت هذه الجماعات بضرب قوات التحالف 14 مرة في تشرين الثاني/نوفمبر و27 مرة في كانون الأول/ديسمبر، و37 مرة في كانون الثاني/يناير 2022، لتعود مجدداً إلى الأرقام المسجلة قبل فترة الهدوء. وشهد شهر نيسان/أبريل 2022 ارتفاعاً آخر في وتيرة الهجمات، عندما أطلقت جماعة "أصحاب الكهف" المرتبطة بـ"عصائب أهل الحق"، عملية صحوة الربيع، معلنة مسؤوليتها عن أكثر من نصف الهجمات المنفذة ذلك الشهر ضد قوات التحالف والتي وصل عددها إلى 26 هجوماً. لكن، بصرف النظر عن هذا الارتفاع، تراجعت وتيرة هذه الهجمات بشكل مطرد منذ شباط/فبراير. وفي ظل استمرار عدم اليقين والتقلبات المحيطة بعملية تشكيل الحكومة في العراق، توقفت جماعات "المقاومة"عملياً عن مهاجمة أهداف تابعة للتحالف خلال الشهرين الماضيين.
الاستهداف السياسي لـ «كردستان»
في 13 آذار/مارس 2022، أعلن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني مسؤوليته عن استهداف فيلا في أربيل، عاصمة «إقليم كردستان العراق»، بصواريخ باليستية. واتهم «الحرس الثوري» باز كريم - مالك الفيلا والرئيس التنفيذي لشركة الطاقة المحلية "مجموعة كار" التي لها علاقة بـ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» - بتوفير قاعدة لـ "الموساد" الإسرائيلي. وفي 16 آذار/مارس، نشرت "حركة حزب الله النجباء" شريط فيديو هددت فيه «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بـ"تغيير الوضع القائم" قبل جلسة (فاشلة) لمجلس النواب في 26 آذار/مارس لانتخاب رئيس جديد للعراق.
وباستخدام مجموعة من الأسلحة تضم صواريخ مدفعية من نوع "كاتيوشا" 107 عيار ملم و"غراد" 120 ملم غير موجهة، كانت جماعات "المقاومة" تستهدف بشكل منتظم منشآت نفط كردية في محافظتي أربيل والسليمانية خلال العام الجاري، وأبرزها محطة التكرير "كاورغوسك" (المملوكة لـ "مجموعة كار") في أربيل في نيسان/أبريل وأيار/مايو وحقل غاز "خور مور" في السليمانية بين حزيران/يونيو وتشرين الأول/أكتوبر. كما نفذت هجوماً بطائرة مسيرة على خط أنابيب ينقل النفط الخام من «إقليم كردستان العراق» إلى تركيا في 10 نيسان/أبريل (لا سيما تعرُّض خط الأنابيب هذا لانتقادات شديدة من قبل الحكومة الاتحادية العراقية والعناصر المدعومة من إيران في القضاء الاتحادي).
وكانت معظم هذه الهجمات، التي بلغت ذروتها في حزيران/يونيو، بمثابة "تذكير" للسياسيين الأكراد بتداعيات الانحياز إلى الفائز في الانتخابات مقتدى الصدر، من أجل تشكيل "حكومة أغلبية وطنية"، والتي كانت ستستبعد "الإطار التنسيقي" المدعوم من إيران من السلطة. وتجلى نمط ممارسة الضغوط عبر شنّ هجمات على منشآت النفط الكردية بشكل إضافي حين استهدفت "المقاومة" مجدداً حقل "خور مور" في 12 تشرين الأول/أكتوبر، عشية تصويت مجلس النواب على انتخاب الرئيس العراقي المقبل.
"المحتلون" الجدد: هجمات الميليشيات على أهداف تركية
يبدو أيضاً أن الميليشيات غيرت وجهة أنشطة ما تسميها بـ"المقاومة" نحو عدو مختلف في عام 2022، وهو: الوجود العسكري التركي في العراق. فقد استهدفت فرق الصواريخ التي أرسلتها "المقاومة" بانتظام القاعدة التركية في زليكان، الواقعة على أرض مرتفعة فوق ناحية بعشيقة التي تسيطر عليها الميليشيات في "سهل نينوى" شرقي الموصل. وفي 28 تموز/يوليو والأول من آب/أغسطس، قصفت الميليشيات أيضاً القاعدة التركية في بامرني داخل محافظة دهوك. وازدادت وتيرة هذه الهجمات من متوسط 1.5 ضربة في الشهر خلال الربع الأول من عام 2022 إلى 7 هجمات في نيسان/أبريل. وبلغت الضربات على المواقع التركية ذروتها في تموز/يوليو، وكان ذلك عموماً رداً على ضربة مدفعية تركية أودت بحياة 9 مدنيين عراقيين وجرحت ما يقرب من 30 آخرين في محافظة دهوك في 20 تموز/يوليو.
وكانت جماعتا "لواء أحرار العراق" أو "أحرار سنجار" قد أعلنتا مسؤوليتهما عن معظم الهجمات على زليكان. وفي بيانها العام الوحيد، حذرت "سرايا أولياء الدم" في 24 تموز/يوليو من أن "هذه ليست سوى البداية" بعد شنها الهجوم على زليكان - وهو تهديد مشترك من قبل جماعات "المقاومة" التي تتعهد بمواصلة الضربات على أهداف "الاحتلال" إلى أن تنسحب.
الخاتمة
مع تضاؤل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، تراجعت وتيرة الهجمات على قوافل الإمداد التابعة للتحالف وقواعده أيضاً. لكن ربما يُعزى ذلك إلى أكثر من مجرد تراجع الهجمات على القوافل، حيث لا يزال من السهل مهاجمة القواعد الأمريكية - على الأقل لأغراض الدعاية إن لم يكن للتسبب بدرجة كبيرة من الفتك. ويبدو أن الخطوة المتمثلة بالابتعاد عن استهداف القواعد الأمريكية متعمّدة. وتشمل الأسباب المحتملة لهذا التغير المفاوضات النووية الإيرانية-الأمريكية، والتركيز المتعمد للميليشيات في أماكن أخرى خلال أزمة تشكيل الحكومة في العراق، وصعوبة اختراق الدفاعات الأمريكية، و/أو تقليل التركيز على الوجود الأمريكي بعد مرور النهاية الرمزية للمهمة القتالية الأمريكية في العراق في كانون الأول/ديسمبر الماضي.