- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2378
النضال من أجل الإسلام المعتدل: الأفكار والأنشطة الفاعلة على الجبهة الأمامية الجديدة
"في 25 شباط/فبراير، خاطب محمد الدجاني وزينب السويج منتدى سياسي في معهد واشنطن. والدجاني هو زميل ويستون في المعهد ومؤسس حركة «الوسطية» الإسلامية المعتدلة في فلسطين. والسويج هي إحدى مؤسسي «المؤتمر الإسلامي الأمريكي» والمديرة التنفيذية للمنظمة. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهما."
محمد الدجاني
هناك ثلاث محظورات في المجتمع الفلسطيني لا بد من كسرها، ألا وهي: المواقف تجاه الولايات المتحدة، وتجاه تعليم الدين الإسلامي، وتجاه تعليم تاريخ المحرقة ["الهولوكوست"]. وهذه محظورات أعمل على كسرها منذ أكثر من عشرين عاماً.
كانت عائلة الدجاني تسكن في القدس الغربية حتى عام 1948، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القدس الشرقية. وقد علّمني جدّي بعد ذلك الانتقال درساً جوهرياً عندما مزّق بطاقة لجوء من "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" ("الأونروا") كانت جدتي قد جلبتها إلى المنزل في أحد الأيام. إذ كان يصر ويشدد على أن عقلية الضحية ما هي إلا خيارٌ يملك المرء القدرة على الارتقاء عنه؛ وأصبح جدي لاحقاً عضواً بارزاً في نخبة القدس وفي غرفة تجارتها. فكان لهذا الأمر وقعٌ كبير على إيديولوجيتي.
وخلال سنوات دراستي في الجامعة الأمريكية في بيروت، انضميت أولاً إلى «حركة القوميين العرب» ومن بعدها إلى حركة «فتح». لكنني قررت في عام 1975 أن أترك معترك السياسة لأصب اهتمامي على البيئة الأكاديمية. وبعد أن تلقيت التهديدات إثر انتقادي للفساد في حركة «فتح»، غادرت إلى الولايات المتحدة حيث نلت شهادة الدكتوراه. وفي عام 1993 عدت إلى القدس للمرة الأولى منذ عام 1967 وشاهدت النصر الذي حققه ذلك الذي يعتبر عدواً لي. لكن ما هي إلا فترة قصيرة حتى أُدخل والدي المستشفى، وهناك تعامل معه الأطباء الإسرائيليون بصفته مريضاً، لا بصفته فلسطينياً أو مسلماً. وهذا ما فتح عيناي على الإنسانية لدى "الآخر" وساهم في تغيير مواقفي. وفي النهاية بدأت أفكر في عدوي كشريكٍ لي.
وفي الواقع، دفعتني هذه التجارب إلى التركيز على كسر المحظورات الثلاثة التي ذكرتها آنفاً. وفيما يتعلق بالمواقف الفلسطينية تجاه الولايات المتحدة، باشرت برنامج ماجستير في "الدراسات الأمريكية بجامعة القدس" لأن الفلسطينيين في ذلك الوقت كانوا يجهلون الثقافة الأمريكية إلى حدٍّ كبير. والمؤسف أن بعض النقاد زعموا أن هذه المبادرة هي محاولة من "وكالة الاستخبارات المركزية" الأمريكية لتجنيد الطلاب الفلسطينيين، علماً أن هناك عدد قليل جداً من هذا النوع من البرامج في العالم العربي حتى يومنا هذا.
ثم بدأت أفكر في المحظور الثاني، وهو تعليم الدين الإسلامي في المجتمع الفلسطيني، وذلك بعد انتخابات عام 2006 التي أوصلت حركة «حماس» إلى السلطة. وفي ذلك الوقت، اعتقدت أن هذه الحصيلة ستساعد على بناء نظام متعدد الأطراف، وآمنت بالرسائل التي تضمنتها حملة «حماس» الانتخابية حول المساءلة والشفافية. إلا أن هذه الآمال لم تتحقق. فبعد فترة قصيرة وقفت شاهداً على اشتباكات بسيطة وقعت عند حاجز تفتيش بين جنود إسرائيليين ومجموعة فلسطينيين أرادوا تأدية الصلاة في القدس، وسرعان ما خفّت حدة التوتر وقام الإسرائيليون بتنظيم رحلات بالحافلات لنقل المصلين إلى المدينة. من الواضح أنهم لم يكونوا فلسطينيين منتمين إلى «حماس»، فهؤلاء ما كانوا ليوافقوا مطلقاً على ركوب حافلة نقل ينظمها الإسرائيليون. لقد أدهشتني هذه المجموعة من المسلمين المعتدلين، وأظهرت لي الحادثة الحاجة إلى حركةٍ توصل صوت هؤلاء الأشخاص. ولهذا السبب أسستُ حركة «الوسطية» المكرّسة للإسلام المعتدل. ومنذ البداية، لم تكن طبيعة الحركة سياسية على الإطلاق، بل سعت إلى بناء جسر بين السياسة والدين بهدف تغيير الثقافة الفلسطينية.
وقد ركزت أولى المشاريع التي أجرتها «الوسطية» على تردّي مستوى التعليم الإسلامي الفلسطيني، وتحديداً استخدام تفسيرات القرآن التي كانت تموَّل في الغالب من قبل المملكة العربية السعودية. فالتمعن في القرآن الكريم يكشف عن أمثلة وافرة عن مفهوم تعدد الثقافات والانفتاح، بينما يتم تعليم الأطفال الفلسطينيين أن يقتلوا المرتدين وغير المسلمين - هذا على الرغم من أن الإسلام يحرّم قتل غير المؤمنين ويضع المسألة بيد الله. وبالمثل، روّج التعليم الفلسطيني للفكرة القائلة إن الإسلام، كنظام ديني، هو الدين الذي يفضلّه الله، مع أن العديد من الآيات القرآنية توحي أن الإسلام قد يعني ببساطة الإيمان بالله. ونظراً إلى هذا السياق، بدأنا نطلب من الفلسطينيين العودة إلى القرآن والتركيز على المسار الوسطي الذي يرسمه. كما بدأنا على النحو نفسه التعليم بأن الأديان الأخرى تشجع هي أيضاً على الاعتدال.
واليوم تتمثل الأهداف الرئيسية الثلاثة لحركة «الوسطية» في بناء الثقة بين أبناء الأديان المختلفة، والقضاء على الأفكار النمطية، وتثقيف الأجيال المقبلة. ولا يُخفى أن هذا الأمر واجه معارضة شديدة من داخل المجتمع الفلسطيني حيث اتهم الكثيرون الحركة بأنها نموذج عن الإسلام مستوحى من الولايات المتحدة. إلا أن الجماعات المتطرفة أمثال «الدولة الإسلامية»/«داعش» لن تُهزم بالقوة العسكرية وحدها، بل علينا تقديم إيديولوجية بديلة على غرار «الوسطية». وفضلاً عن ذلك يجب على الولايات المتحدة أن تدعم الأشخاص والمنظمات الذين يعملون في المنطقة على التصدي للوهابية وغيرها من الإيديولوجيات المتطرفة.
وأخيراً تطرقت إلى المحظور الثالث، أي معالجة موضوع التعليم عن تاريخ المحرقة، بعد زيارة معسكر الاعتقال "أوشفيتز" في عام 2011. فقد شعرت أنه لم يعد بوسعي الوقوف على الحياد فيما ينفي البعض في المجتمع الفلسطيني وقوع المجزرة أو يدّعون بمغالاة تفاصيلها كجزء من مؤامرة صهيونية. وهذا ما دفعني إلى المباشرة بمشروع مشترك لتعليم الفلسطينيين والإسرائيليين عن الهولوكوست والنكبة الفلسطينية على حد سواء، واقتضى جزء من هذا المشروع اصطحاب الطلاب إلى "أوشفيتز" ومخيم للاجئين الفلسطينيين على التوالي. وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الجامعة طلب إبلاغ الطلاب بأن هذه الرحلة ليست مبادرة من قبل الجامعة، ومع ذلك شارك فيها ثلاثون طالباً. وعند عودتنا ذكرت وسائل الإعلام أن الرحلة تمّت بتمويل صهيوني، وتلقيتُ تهديدات. لكنني كنت مقتنعاً أن اصطحاب الطلاب إلى أوشفيتز كان خطوة ضرورية لتحدي الرواية الجماعية التي يتداولها الفلسطينيون. وبالفعل فإن كسر جميع هذه المحظورات حيويٌّ لوضع حد لحلقة الخوف وضمان مستقبل أفضل لأطفالنا.
زينب السويج
في عالمنا اليوم، يكتسب البحث عن الإسلام المعتدل أهمية بالغة. وعلى الرغم من بروز هذه الحاجة منذ مدة طويلة، إلا أن المظاهر العنيفة للإسلام الراديكالي سلطت الضوء على هذه الحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى.
وقد أثبتت اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر أن الإرهاب ليس ظاهرة محصورة بالعالم العربي. من هنا اندفعتُ لتأسيس «المؤتمر الإسلامي الأمريكي» الذي يعمل على مكافحة الأصوات المتطرفة في المجتمع الإسلامي. وفي تلك الفترة، لم يكن أحدٌ في المجتمع الإسلامي ينظر إلى تلك العناصر المتطرفة، وكان الكثيرون يترددون في مناقشة مثل هذه المسائل الداخلية علناً.
إن التطرف لا يتجلى دائماً في أعمال العنف؛ فأفكاره تنتشر في غالب الأحيان عبر المواعيظ والبرامج وأنشطة الشباب والمنشورات والكتب التي تمهّد الطريق أمام نشر الراديكالية والعنف، لا سيما بين جيل الشباب. ومن المفارقات، أن الحريات التي تكفلها الولايات المتحدة تحمي شرعية معظم هذه المواد المكتوبة. وصحيحٌ أن المجتمع الإسلامي الأمريكي متنوع وأن جلّ ما يريده الكثير من أبنائه هو عيش حياة عادية وتأمين رزق عائلاتهم، إلا أن شريحة ملحوظة منه تتورط في أنشطة مريبة، في حين أن العقيدة المتطرفة واسعة الانتشار.
وفي هذا السياق، شددت القمة التي عقدها البيت الأبيض مؤخراً حول "مكافحة التطرف العنيف" على العمل مع قادة المجتمع وشبابه. غير أن هذه البرامج لا تعالج الأسباب الإيديولوجية الجذرية وتغفل أحياناً انتماءات هؤلاء القادة والأفكار التي يدعمونها، علماً أن مكافحة التطرف العنيف تستدعي مقاربة متنوعة ومتشعبة. كما أن المجتمع الإسلامي يتبنى رواية يظهر فيها بمظهر الضحية، الأمر الذي يجب مكافحته، ويتم ذلك جزئياً من خلال تحمل القادة المسلمين المسؤولية بشكل أفضل تجاه هذا المجتمع. ويمثل «مشروع نور» أحد المساعي التي تبذل لهذا الغرض، حيث يركز على القضايا المتعلقة بالحقوق المدنية وحقوق الإنسان ويعلّم الأفراد كيفية مواجهة التطرف؛ واليوم ينشط المشروع في 55 كلّية جامعية.
بالإضافة إلى ذلك، يعمل «المؤتمر الإسلامي الأمريكي» على بلورة وتشجيع الإسلام المعتدل والإصلاحات الإسلامية، بحيث يتحدى الفكرة أن الإسلام ثابت لا يتغير، لا سيما وأن التاريخ يثبت أن الممارسة والإيديولوجية الإسلامية قد تغيرتا، وذلك لخدمة غايات سياسية في غالب الأحيان. وهذا هو تماماً ما تفعله الحركات المماثلة لتنظيم «داعش» و«جماعة الإخوان المسلمين» التي تستغل الإسلام لأغراض سياسية. وعلى هذا النحو، يسعى «المؤتمر الإسلامي الأمريكي» إلى تحديث تفسيرات النصوص الإسلامية بهدف تحسين المجتمع. ففي عصرٍ تتفشى فيه الأفكار المتطرفة، لا بد للمجتمع الإسلامي أن يسأل كيف يمكنه استخدام الإسلام لغايات سلمية.
وفي النهاية، بدأ بعض المسلمين بالتشكيك في سلامتهم على الأراضي الأمريكية بعد مقتل ثلاثة طلاب مسلمين في ولاية كارولينا الشمالية. بيد أن الخطر الحقيقي هو تفشي الإيديولوجيات المتطرفة. وفي حين أن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها، إلا أننا نسير في الاتجاه الصحيح.
أعد هذا الملخص جافي برنهارد.