- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
النجاح في سوريا يعتمد على التأثير في موسكو
بعد أن حثتهم الهجمات التي شهدتها باريس على التحرك، يركّز السياسيون في الغرب على كيفية التعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) بالقنابل والقوات البريّة. ومع ارتباط الفوز جوهرياً بادعاء المسلحين بأنهم يحاربون في إطار ولاية إلهية، من الأهمية بمكان إلحاق الخسائر بهم على صعيد الأراضي التي يسيطرون عليها. ولكن هذا لا يكفي، إذ يجب على واشنطن تشويه سمعة التنظيم نفسه. وهذا أمر لا يمكن للولايات المتحدة وأوروبا تحقيقه. فالمسلمون السنّة هم وحدهم القادرين على ذلك. إن تمكين "داعش" من تصوير الرد الغربي على أنه حرب على السنّة – من خلال إقصائهم جميعاً - من شأنه أن يقدم للجهاديين المزيد من الدعاية التي تروّج لفوزهم.
إن اختيار التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد على أنه حليف سيؤدي بالولايات المتحدة بالتأكيد إلى خسارة أي دعم سني. إذ إن التعاون مع زعيم مدعوم من إيران، مركز القوة الشيعية في المنطقة، والذي قتل آلاف السنّة المعارضين، سيعني أن واشنطن هي جزء من الهجوم ضد السنّة.
وهذا التأثير سيزداد سوءاً إذا كثفت الولايات المتحدة ضرباتها على "داعش" حتى بينما تستهدف روسيا المعارضة في سوريا من خارج التنظيم. فذلك لن يدفع فقط بتركيا والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والقبائل السنية إلى أن تنأى بنفسها، ولكن "داعش" ستصوّر نفسها على أنها الجماعة الوحيدة التي تقاتل من أجل أهل السنّة. لذا، لا بد من أن تمنع واشنطن ذلك.
يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تؤثر على المنهجية التي تعتمدها موسكو تجاه سوريا. فعلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الانضمام إلى القتال ضد "داعش" بشكل جدي. كما يجب عليه أن يدرك أن الاستمرار في حماية نظام الأسد كجزء من الدبلوماسية التي دعت إليها الولايات المتحدة وروسيا في إطار عملية فيينا، والتي تهدف إلى خلق عملية تحول في المرحلة التي تلي حكم الأسد، لن تؤدي سوى إلى امتداد الحرب.
وتواصل موسكو قصف الجماعات المعارضة من غير "داعش" حتى بعد اعتراف بوتين بأن قنبلة فجّرت طائرة روسية فوق شبه جزيرة سيناء في تشرين الأول/ أكتوبر وتوعّد بالانتقام من "داعش". وفي الوقت نفسه، فإن الطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا الشهر الماضي كانت تقصف التركمان من غير "داعش" على طول الحدود. وبالتالي، إذا كانت واشنطن تريد من بوتين التركيز حصراً على "داعش" واعتماد منهجية تعطي عملية فيينا فرصة للنجاح، فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى التفكير باستخدام نفوذها بدلاً من سياسة الإقناع وحده.
وفي حين يريد الرئيس بوتين أن يُبيّن أن تركيا ستدفع ثمن إسقاط الطائرة، من المؤكد أنه يدرك مخاطر أي تصعيد في سوريا. لذا قد يكون الوقت الحالي هو الوقت المناسب لكي ترسل واشنطن رسالة سرية إليه مفادها أنه إذا لم تفرض روسيا وقفاً لإطلاق النار على السوريين والإيرانيين، لن يكون أمام الولايات المتحدة من خيار سوى أن تساعد على خلق ملاذ آمن. لا مصلحة لبوتين في دعم المعارضة السورية، وهو يدرك أن إنشاء ملاذ آمن على الحدود التركية السورية سيسمح للقوى المناهضة للأسد بالنمو بشكل موحد على نحو متزايد، مما يعني أن تكاليف دعم النظام سترتفع وأن قدرته، أي بوتين، على أن يكون الحكم الفصل في مستقبل سوريا ستتهاوى.
ولكن إنشاء ملاذ آمن سيستجيب إلى الحاجة الأوروبية بوقف تدفق اللاجئين، وللمصالح التركية والسعودية والإماراتية والقطرية في وقف الخسائر التي تصيب السنّة السوريين. وهنا يمكن لحلفاء الولايات المتحدة اتخاذ الأدوار المناسبة: القوات الجوية الأوروبية تساعد على فرض منطقة حظر جوي، والقوات التركية توفر الحماية على أرض الواقع، ودول الخليج العربية تموّل البنية التحتية.
لقد عارض الرئيس الأمريكي باراك أوباما فكرة إنشاء ملاذ آمن. ولكن إذا كان يريد وقف إطلاق النار للوصول إلى "التحول الكبير لسوريا" الذي يؤمن به جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، يجب على روسيا أن تفعل ما يمكنها فقط فعله وهو: أن تفرض ذلك على الرئيس الأسد والإيرانيين. فمع إعلان سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أن موسكو ستتعاون مع الأطراف الأخرى في مواجهة "داعش" فقط إذا كان ذلك ضمن "احترام سيادة الحكومة السورية وصلاحياتها"، يظهر أن ذلك ليس بالمؤكد.
وبالنظر إلى أن خيارات الولايات المتحدة ستتقلص في غياب وقف لإطلاق النار، يجب على الرئيس أوباما إيجاد وسيلة لممارسة نفوذه في سوريا، وأن يكون على استعداد للتهديد بأن يتخذ خطوة عارضها حتى الآن، وأن يتخذها بالفعل إذا لزم الأمر.
دينيس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن.
"فايننشل تايمز"