- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3000
النساء والأقليات والمساعدات العسكرية لمصر
في آب/أغسطس من العام الماضي، قام وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون بحجز 195 مليون دولار من "التمويل العسكري الأجنبي" عن مصر - أو 15٪ من إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية التي قدمتها الولايات المتحدة والتي بلغت 1.3 مليار دولار - مشيراً إلى المخاوف بشأن مسارها في مجالَي السياسة وحقوق الإنسان. وقد عمل مجلس الشيوخ الأمريكي بهدوء على زيادة الشروط المتعلقة بتقديم مثل هذه المساعدات لأسباب مماثلة. إلاّ أنّ وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو حرّر في الآونة الأخيرة من دون أي تفسير مبالغ "التمويل العسكري الأجنبي" التي كان تيلرسون قد حجبها. وبحلول 30 أيلول/سبتمبر، سيتعيّن عليه أن يقرر ما إذا كان سيتم صرف مبلغ 195 مليون دولار آخر من اعتمادات السنة المالية 2017.
وبموجب القانون، يجدر بالقرارات المتعلقة بالمساعدات العسكرية أن تستند إلى المعايير الأخرى في الفقرة 7041(أ)(2)(أ) من قانون اعتمادات وزارة الخارجية الأمريكية والعمليات الأجنبية والبرامج ذات الصلة، حيث يشير المعيار الأول الذي يركّز على "الديمقراطية وحقوق الإنسان" على وجه التحديد إلى حماية "حقوق الأقليات الدينية والنساء". ونظراً إلى أن مصر قد تراجعت بوضوح عن الحكم الديمقراطي، فما كان موقفها تجاه النساء والأقليات؟
استهداف المتحرشين الجنسيين ... والناشطين
تحسّن خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول حقوق المرأة منذ أن دافع عن الممارسة المتمثلة بإخضاع المعتَقَلات إلى "فحص العذرية". وقد تصدّرت تلك الحادثة عناوين الصحف بعد أن تم اعتقال المتظاهرين بسبب تنظيمهم مسيرة صغيرة في اليوم العالمي للمرأة في آذار/مارس 2011، عندما كانت مصر تُحكم من قبل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، الذي كان مجلساً انتقالياً. وكان يتم آنذاك إرغام المحتجزات على الخضوع لفحص غشاء بكارتهنّ من قبل طبيب عسكري يرتدي الزي الموحّد. وادّعى السيسي الذي كان في ذلك الحين عضواً في المجلس أنّ هذا الإجراء ضروري للحفاظ على شرف ضباط الجيش وإبعاد اتهامات الاغتصاب المحتملة عنهم، وذلك يبدو من منطلق أنه لا يمكن اغتصاب غير العذارى.
وفي المقابل، ادعى الرئيس السيسي بشكل دوري أنّه يهتم بحقوق المرأة، حتى أنّه أعلن أن عام 2017 هو "عام المرأة المصرية" وعيّن للمرة الأولى في البلاد امرأة، وهي نادية عبده، في منصب محافظ البحيرة. ولكن، ما مدى صدق هذا التغيّر على مستوى السياسات؟
لقد اتّخذت الحكومة المصرية بعض الخطوات الإيجابية. ففي كانون الأول/ديسمبر 2017، فرض البرلمان عقوبات أكبر على عمليات التحرّش الجنسي، حيث وصلت قيمة الغرامات إلى 10.000 جنيه مصري. ووفقاً لدراسة أجرتها "هيئة الأمم المتحدة للمرأة" عام 2013، أبلغت 99.3% من النساء المصريات أنهن تعرّضن للتحرش الجنسي في الشوارع؛ وبالمثل، وصف تقرير صادر عن "مؤسسة تومسون رويترز" عام 2017، القاهرة بأنها أخطر المدن الكبرى بالنسبة للنساء.
ولكن، حتى مع استهداف السلطة التشريعية للمتحرشين الجنسيين، عمدت السلطات المصرية في الوقت نفسه إلى زيادة مضايقاتها السياسية ضد المدافعين عن حقوق المرأة. فتم منع اثنتين من أكثر المدافعات صراحةً، وهما عزة سليمان من "مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية" ومزن حسن من "مؤسسة نظرة للدراسات النسوية"، من السفر إلى الخارج منذ عام 2016، وتم تجميد أصولهما سعياً لتجويع منظمتيهما غير الحكوميتين من التمويل اللازم. وفي حين أنّ العداء العام للحكومة تجاه المنظمات غير الحكومية معروف جيداً، إلاّ أنّ المنظمات عينها التي تعمل وفقاً لأهداف القاهرة المعلنة من قبل هذه الأخيرة نفسها، مثل منع التحرش الجنسي، تتعرض للاضطهاد بموجب قانون المنظمات غير الحكومية لعام 2017.
بالإضافة إلى ذلك، تم سجن إمرأتين في شهر أيار/مايو لمجرد اشتكائهما من تعرضهما للتحرش الجنسي. وبعد تعرض المواطنة المصرية، أمل فتحي، عدة مرات لمضايقات في اليوم نفسه، بما في ذلك من قبل ضابط أمن داخل أحد البنوك، نشرت مقطع فيديو على موقع "فيسبوك" تعبّر فيه كم ضاقت بالأمر ذرعاً. فتم اعتقالها في 11 أيار/مايو وما زالت محتجزة بتهم خطيرة، وهي نشر فيديو تدعو فيه لسقوط النظام، ونشر أخبار كاذبة تضرّ بالأمن القومي، وإساءة استخدام الإنترنت.
والأمر الأكثر مدعاةً للقلق هو حالة السائحة اللبنانية منى المذبوح، التي، مثلها مثل فتحي، نشرت مقطع فيديو اشتكت فيه على موقع "فيسبوك" بعد تعرضها لمضايقات عدة مرات أثناء زيارتها لمصر. وقد ألقي القبض عليها في مطار القاهرة أثناء محاولتها مغادرة البلاد، وحُكِمَ عليها منذ ذلك الحين بالسجن لمدة ثماني سنوات - وهو قرار غريب ومعجّب في الوقت الذي يحاول فيه المصريون استقطاب سياح من كافة أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن القضية تثير العديد من التكهنات غير المؤكدة حول وجهات النظر الفعلية للحكومة بشأن التحرش الجنسي، إلّا أن الرسالة التي توجّهها إلى النساء واضحة تماماً: إذا تعرّضتِ للتحرش الجنسي، إما تلزمين الصمت أو تخاطرين بالتعرض لعقوبة سجن طويلة.
حماية غير كافية للكنائس المسيحية
تُعد مصر موطناً لأكبر تجمّع للمسيحيين في الشرق الأوسط، وكان الكثيرون منهم يأملون أن يتحسّن وضعهم بعد أن تم عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي وجماعة «الإخوان المسلمين» من المعادلة السياسية. واتخذ الرئيس السيسي بعض الخطوات الرمزية لإظهار تعاطفه مع المسيحيين، مثل حضور القداس مع بابا الطائفة القبطية تواضروس الثاني عشية عيد الميلاد القبطي. إلاّ أنّه غير ذلك، فإن المكاسب الفعلية لمسيحيي مصر هي أقل من مكاسب نسائها، وما زالوا يتعرضون لتمييزٍ منهجي (على سبيل المثال، يتم استبعاد المسيحيين فعلياً من المناصب الحكومية رفيعة المستوى).
وقد تدهور وضعهم الأمني أيضاً. ففي عام 2017، على سبيل المثال، شنّ تنظيم «الدولة الإسلامية» أربع هجمات إرهابية كبرى ضد أماكن عبادة مسيحية في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنيا. ومن غير الواضح ما هي الخطوات التي اتخذتها الحكومة لحماية الكنائس الرئيسية من مثل هذا العنف. وقد شملت بعض الحوادث المذكورة أعلاه استعمال قنابل كبيرة زُرعَت داخل المباني المستهدفة، الأمر الذي كان من المفترض أن لا يكون ممكناً لو تواجد من يحرس هذه المباني.
وفي الوقت نفسه، استندت الحكومة إلى قانونٍ حول إنشاء الكنائس لإغلاق بعض أماكن العبادة. فمنذ أيلول/سبتمبر 2016 وحتى نيسان/أبريل 2018، تم إرغام 14 كنيسةً على إغلاق أبوابها، على الرغم من أنّ "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" وثّقت أنّه كان يتم استخدامها بشكل منتظم.
حملة القمع ضد النوببيين
عندما سنّت مصر دستورها الجديد عام 2014، قدّمت عدداً من التنازلات التاريخية إلى الأقلية النوبية. والنوبيون هم السكان الأصليين لمصر والسودان، ومن نسل حضارة أفريقية قديمة. ومثلهم مثل النساء والمسيحيين، كان أمامهم ما يدعو للتفاؤل بأن تكون الحكومة التي أعقبت عهد مرسي أكثر لطفاً تجاههم. وبفضل تمثيلهم من قبل فاطمة إمام وحجاج أدول في لجنة صياغة الدستور، تمكنوا من تأمين ذِكر للنوبيين للمرة الأولى على الإطلاق في الدستور المصري، حيث منحتهم المادة 236 حق العودة إلى بعض الأراضي التي كان قد تم تهجيرهم منها بفعل بناء السدود على طول نهر النيل، وأبدت الحكومة أخيراً استعدادها لتصحيح بعضٍ من مظالمهم القائمة منذ زمن طويل.
ولكن، بعد القيام بهذه التنازلات، خاضت القاهرة حملة قمع لم يسبق لها مثيل. فأصدر السيسي المرسوم الرئاسي رقم 444 الذي أنشأ بموجبه منطقةً عسكريةً جديدةً على طول حدود البلاد مع السودان، مستولياً بذلك على العديد من المناطق النوبية الإضافية. وأدت المساحة الهائلة للمنطقة - التي يبلغ طولها 125 كيلومتراً - إلى قيام تكهّنات بأن إنشائها لم يكن يشكّل إجراءاً أمنياً بقدر ما كان عملية استيلاء على أراضٍ. وبحلول أيلول/سبتمبر 2017، كانت الحكومة قد بدأت تستخدم الدبابات لتفريق المظاهرات النوبية السلمية حول قضية الأراضي، وتعتقل العديد من المتظاهرين، حيث توفي أحدهم في السجن. كما منعت السلطات الاحتفال بـ "اليوم النوبي العالمي" خلال العامين المنصرمين، على الرغم من كونه حدثاً ثقافياً وليس مناسبةً لإقامة الاحتجاجات.
خيارات السياسة العامة
مع اقتراب عدد سكان مصر من 100 مليون نسمة، فإنّ سجل الحكومة في مجال حقوق الإنسان هام للغاية بحيث لا يمكن تجاهله بكل بساطة. لذا ينبغي على واشنطن اتخاذ الخطوات التالية التي يتركز معظمها حول توقعات معقولة تماماً تقضي بأن تلتزم القاهرة بقوانينها الخاصة:
- النساء. يجدر بالمسؤولين الأمريكيين الطلب من مصر إنفاذ عقوباتها تجاه التحرش الجنسي والتوقف عن اعتقال النساء لمجرد اشتكائهنّ من هذه الجريمة. يجب الإفراج عن فتحي ومذبوح من السجن على الفور. كما ويجدر السماح لسليمان وحسن وغيرهما من قادة المجتمع المدني بالسفر، وتلقي الدعم المالي، وإدارة منظماتهنّ غير الحكومية في إطار العمل دفاعاً عن حقوق المرأة.
- المسيحيون. تقول مصر إنّها لا تزال بحاجة إلى 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية بسبب هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» في الآونة الأخيرة. وفي المقابل، يجب على واشنطن أن تطلب من القاهرة إثبات أنها تحمي الفئات الأكثر تعرضاً للتهديد من مثل هذه الهجمات، ألا وهم المسيحيون. وهذا يعني حماية الكنائس والأديرة، وليس إغلاق أبوابها.
- النوبيون. يجب أن تُعبّر واشنطن عن قلقها بشأن الأقليات المصرية كلّها، وليس بشأن المسيحيين فقط. لقد زار بابا روما فرانسيس البلاد في العام الماضي كبادرة تضامن مع الأقباط، ولكن، لم يبدِ أي مسؤول آخر رفيع المستوى دعماً مماثلاً للأقلية النوبية. وهنا من شأن زيارة [وفد] من أعضاء الكونغرس الأمريكي أو ربما زيارة يقوم بها باراك أوباما، أن تُبديَ أنّ قلق الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان هو قضية عامة، بغض النظر عن الدين أو العرق. بالإضافة إلى ذلك، يجدر بالإدارة الأمريكية أن تحثّ القاهرة بهدوء على الحد من حجم ومدة بقاء المنطقة العسكرية على حدودها مع السودان، والسماح للنوبيين بالعودة إلى بعض الأراضي التي تم تهجيرهم منها، وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 236 من الدستور المصري.
- المساعدات العسكرية. يجدر بالوزير الأمريكي بومبيو أن يفكّر في حجب مبلغ "التمويل العسكري الأجنبي" البالغ 195 مليون دولار إلى حين اتّخاذ القاهرة خطوات واضحة لحماية الأقليات والنساء. وإذا فعل ذلك، فمن المرجّح أن يكون تأثير ذلك على الأمن ضئيلاً على المدى القصير نظراً لأن هذا المبلغ لا يمثّل سوى جزءاً صغيراً من المساعدات العسكرية الأمريكية الإجمالية لمصر.
- تعيين سفير. لم تحظَ السفارة الأمريكية في القاهرة بسفير منذ تموز/يوليو 2017. ويُحبَّذ أن تعيّن وزارة الخارجية الأمريكية سفيراً لا يؤيد الاختيار ما بين حقوق الإنسان والأمن. إذ يستحق المصريون الحصول على الاثنين معاً.
إيمي أوستن هولمز هي أستاذة مساعدة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وزميلة في "برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون"، وباحثة زائرة في "مركز ويذرهيد للشؤون الدولية" في جامعة هارفارد.