- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2634
النشاط في الصراع الإسرائيلي الفلسطينيي: غيوم ورياح ولكن دون مطر
في غضون أيام، من المتوقع أن يُصدر رؤساء "اللجنة الرباعية" الدولية حول الشرق الأوسط (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا) تقريراً عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يتضمن توصيات بشأن "الطريقة الأفضل من أجل النهوض بحل الدولتين". ففضلاً عن مؤتمر السلام في باريس الذي انعقد في 3 حزيران/يونيو، تُظهر هذه الجهود أنه بينما قد تم تهميش الصراع في ظل الاضطرابات الإقليمية المثيرة، إلا أنه لم يكن غائباً من الأجندة الدولية. فقد شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً في عدد المبادرات الفعلية التي يتم التفكير في طرحها والمتعلقة بالصراع، وهذه الدفعات يمكن أن تُملي في النهاية جدول الأعمال لإحلال السلام للإدارة الأمريكية القادمة. وبالإضافة إلى الجهود الفرنسية وتقرير "اللجنة الرباعية" الدولية، هناك حديث عن مبادرة عربية محتملة تحت رعاية مصرية. وفضلاً عن ذلك، قد يدفع الفلسطينيون، أو الولايات المتحدة، أو غيرهم من الجهات الفاعلة في وقت لاحق من هذا العام نحو استصدار قرار من قبل مجلس الأمن الدولي حول قضايا مثل المستوطنات، أو أُطر حل القضايا الأساسية، أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
تقرير "اللجنة الرباعية"
في شباط/فبراير، أعلنت "اللجنة الرباعية" الدولية للمرة الأولى بأنها ستعد تقريراً عن الصراع، وما هو معروف حتى الآن أنه من المرجح أن تتناول أغلبية الوثيقة التطورات على الأرض التي تعيق التوصل إلى حل الدولتين. وبينما سيشمل ذلك ذكر الانقسامات السياسية بين الفلسطينيين، وأعمال التحريض، والهجمات الإرهابية، إلا أنه من الأرجح أن تُلقى المسؤولية على عاتق إسرائيل، كونها الطرف الأقوى [في المعادلة العسكرية]. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يركز التقرير على المنطقة ("ج")، التي تشمل حوالي 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية والخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة - كما من المرجح أن تنتقد "اللجنة الرباعية" الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية وهدم المنازل في تلك المنطقة، حيث ستجادل بأن هذه الأعمال تقوّض احتمالات التوصل إلى حل الدولتين المتضمن في المنطقة ("ج"). وتدّعي إسرائيل أن هذا الاحتمال ما زال قائماً، وأنه ليس هناك سياسة متعمّدة على أرض الواقع تهدف إلى إغلاق نافذة حل الدولتين.
وفي خطابها أمام الأمم المتحدة في السادس من حزيران/يونيو، حددت الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية فيديريكا موغيريني الهدف الرئيسي للتقرير بأنه إعادة بناء الثقة والظروف اللازمة للعودة إلى مفاوضات هادفة. يبقى أن نرى ماذا ستكون هذه التوصيات، وفي أي شكل سيتم اعتماد التقرير من قبل الأمم المتحدة، كما هو متوقع على نطاق واسع.
المبادرة الفرنسية
إن الهدف المعلن من الجهود الفرنسية، التي انطلقت في وقت سابق من هذا العام، هو انقاذ [خيار] حل الدولتين وإحياء عملية السلام من خلال توفير الغطاء الدولي للأطراف المعنية. وقد اعتُبر الاجتماع الذي عُقد في 3 حزيران/يونيو بمثابة مؤتمر تحضيري على مستوى وزراء الخارجية - شارك فيه ثمانية وعشرين بلداً، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، ولكن تم استبعاد الإسرائيليين والفلسطينيين بصورة متعمّدة. ومع ذلك، خلص الاجتماع بإصدار بيان عام موجز يفتقر إلى مادة ذات تأثير يُذكر.
وتعتزم فرنسا عقد مؤتمر أوسع قبل نهاية العام الحالي، ولكن سيتم دعوة الطرفين نفسهما للمشاركة فيه هذه المرة. وحتى ذلك الحين، سوف تقدّم الفرق العاملة توصيات بشأن التدابير العاجلة للحفاظ على حل الدولتين، فضلاً عن الحوافز الاقتصادية والضمانات الأمنية الإقليمية.
وعلى الرغم من أن المادة والأهداف المحددة لهذه المبادرة تبقى بعيدة المنال علناً، إلا أن هدفها النهائي هو وضع معايير دولية لحسم القضايا الجوهرية للصراع، والتي ستكون بمثابة أساس للمفاوضات المستقبلية بين الطرفين. وقد كشف الفرنسيون عن نواياهم إلى القادة الإسرائيليين والفلسطينيين وذكروا نصوصها في "ورقة غير رسمية" وُزعت على المشاركين قبل انعقاد مؤتمر باريس.
وبينما تسعى الحكومة الفرنسية لفرض نفسها [كقوة] دبلوماسية وتعزيز مكانتها الدولية، يبدو أنها مدفوعة من قبل عنصرين رئيسيين هما: ملء الفراغ الناجم عن دور واشنطن الضعيف في المنطقة، والتأثير على الأوساط المحلية قبل الانتخابات الوطنية الفرنسية عام 2017. ومن الناحية النظرية، تقوم جهودها على النظرة التقليدية المضللة بأن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ضرورياً لاستقرار المنطقة، وعلى الفكرة بأن تشكيل تحالف دولي واسع النطاق سيمكّن من التوصل إلى حل لم يتمكن كلا الطرفين من التوصل إليه بأنفسهما - وهي فكرة وُلدت على ما يبدو في أعقاب الجهود الأخيرة التي بذلتها دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» لتأمين التوصل إلى اتفاق نووي مع ايران.
ومن جانبهم، أبدى الإسرائيليون والفلسطينيون مواقف مناقضة تماماً تجاه هذه المبادرة. فالإسرائيليون يرفضونها كونها مفروضة من قبل [قوى] خارجية بصورة غير مبررة والتي من شأنها أن تمنح الفلسطينيين وسيلة للتهرب من المفاوضات المباشرة. وهم يعتقدون أيضاً أن أي توافق في الآراء على الصعيد الدولي سوف يمثل موقف غير متوازن يتجاهل المخاوف الإسرائيلية الأساسية. وكدليل على هذا التحيّز، تستشهد القدس بفشل مشروع القرار الفرنسي الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في كانون الأول/ديسمبر 2014، والذي حدد معالم الحل على هدى الخطوط الموضوعة من قبل الفلسطينيين، فضلاً عن موافقة الجانب الفرنسي على التصويت الذي جرى على قرار "اليونسكو" في نيسان/أبريل المنصرم والذي تجاهل العلاقات التاريخية التي تربط اليهود بمنطقة "جبل الهيكل"، إلا أن باريس اعتذرت على ذلك القرار في وقت لاحق. ويشك الإسرائيليون أيضاً وإلى حد كبير بأن لدى فرنسا أجندة خفية لتأمين اعتراف رسمي بدولة فلسطينية، على النحو المبيّن في كانون الثاني/يناير المنصرم من قبل وزير الخارجية في ذلك الحين لوران فابيوس، ذلك [التصريح] الذي تم التراجع عنه في وقت لاحق. وفي الآونة الأخيرة، أصرت الورقة الفرنسية غير الرسمية على أن المفاوضات المستقبلية ستستند على جداول زمنية واضحة، يعتبرها الإسرائيليون غطاء لمثل هذا الاعتراف، على افتراض أنه لا ينتظر من الطرفين أن يلبّيا هذه الجداول الزمنية.
وفي المقابل، يؤيد الفلسطينيون هذه المبادرة تأييداً قوياً، حيث تتماشى مع استراتيجيتهم الحالية لتدويل قضيتهم. فهم مصممون على قيام المجتمع الدولي بالحصول على ما لم يتمكنوا بأنفسهم من تخليصه من إسرائيل، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الولايات المتحدة. كما يفضلون قيام تحالف واسع بقيادة الاتحاد الاوروبي يتم من خلاله التقليل من دور واشنطن، وذلك على النقيض من الدور الأمريكي المهيمن تقليدياً والحصري في كثير من الأحيان. لذلك عملوا بجد لضمان مشاركة دولية واسعة في المبادرة الفرنسية.
ومع ذلك، كان هناك القليل من الحماس للمبادرة الفرنسية في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط. فقد قبل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الدعوة لحضور المؤتمر على مضض، بينما لم يحضر نظراؤه من روسيا وألمانيا وبريطانيا. ويعود سبب ذلك لأن المجتمع الدولي منشغل بقضايا أكثر إلحاحاً، كما أن الكثير يعتبرون فرنسا غير صالحة للعب الدور الرئيسي في هذه القضية الحساسة. ومع ذلك، يبدو أن المبادرة تكتسب زخماً. ففي 20 حزيران/يونيو، وافق عليها وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي وقرروا المشاركة في إعداد مجموعة من الحوافز لكلا الطرفين. وفي الواقع، إن العديد من الجهات الدولية تشعر بالقلق إزاء استمرار مقوّمات حل الدولتين ولا ترى بديلاً أفضل في هذه المرحلة. وفي النهاية، سوف يتقرر مصير المبادرة في واشنطن.
الجائزة الكبرى: قرار من قبل مجلس الأمن
يبدو أن هدف فرنسا النهائي هو رفع مستوى معالم السلام التي خططت لها من خلال اتخاذ قرار من قبل مجلس الأمن الدولي. بيد، هناك توتر بين هذا الهدف وبين رغبة الرئيس أوباما في ترك معالم الإرث الخاصة به لحل القضايا الجوهرية للصراع، سواء من خلال إلقائه خطاب أو اتخاذ قرار من قبل مجلس الأمن الدولي. ومن هذا المنظور، لا تعني مشاركة كيري في مؤتمر باريس منح الدعم الفعال للمبادرة بقدر ما هي رغبة للتأكد من أنها لا تقف في طريق التحركات الأمريكية المحتملة في الأشهر الأخيرة للإدارة الحالية. وحتى مع ذلك، لا يزال هناك احتمال تقارب الأهداف الفرنسية والأمريكية عند نقطة معينة.
وفي غضون ذلك، أعد الفلسطينيون مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يحظر بناء المستوطنات الإسرائيلية؛ كما يأملون أيضاً في إقناع إدارة أوباما بعدم استخدام حق النقض عند التصويت عليه. وقد وافقوا على تأجيل تحركاتهم وذلك لإعطاء فرصة للمبادرة الفرنسية، ولكن من المرجح أن يعيدوا دفع [مشروع القرار] في الأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا العام.
مبادرة إقليمية؟
على الرغم من عدم تقديم أي مبادرة سلام عربية محدّثة على الطاولة، إلا أن هناك الكثير من الحديث في المنطقة حول جهود السلام التي تُبذل في المنطقة برعاية مصرية وبمشاركة إسرائيلية. وقد ألمح الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى هذه الإمكانية في خطاب استثنائي ألقاه في 17 أيار/مايو، عندما دعى الإسرائيليين والفلسطينيين الى انتهاز الفرصة الحالية من خلال التوحيد محلياً وإعطاء الأولوية للتقدم نحو السلام. كما تعهد بدعم الطرفين في هذه الجهود. ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسرعة بهذا الخطاب، وعرض رده الإيجابي الخاص (وإن المشروط) على مبادرة السلام العربية التي اقتُرحت للمرة الأولى من قبل المملكة العربية السعودية في عام 2002.
وقد أصبح الحديث عن مبادرة السلام الإقليمية مألوفاً ومدوّياً في الخطاب العام الإسرائيلي - وبُعتبر ذلك إحدى عوامل الشكوك المتزايدة حول تحقيق انفراجة ثنائية، وخياب الأمل من السياسات الإقليمية لإدارة أوباما، ووجود مصالح متبادلة هامة مع الأطراف الفاعلة الرئيسية العربية. وبالنسبة للإسرائيليين، أصبحت الخطوات العربية نحو تطبيع العلاقات ذات معنى أكبر من أي شيء قد يتوقعونه من الفلسطينيين، الأمر الذي يسمح للمسؤولين الإسرائيليين بإحداث تغيير نموذجي: فبدلاً من العمل نحو تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية من خلال التوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بإمكانهم أن يحاولوا توفير مساحة وغطاء لعملية السلام مع الفلسطينيين من خلال التقارب مع الدول العربية.
وبينما لا توجد لإسرائيل مبادرة سياسية خاصة بها، وحيث تواجه مبادرات دولية لا ترغب بها، فهي تعتبر الجهود الإقليمية التي ترعاها مصر بمثابة فرصة طيبة. بيد، لن تضع القاهرة كما لن يضع شركاؤها العرب مصداقيتهم على المحك أو يختبروا دوائر الأوساط المحلية الحساسة ما لم يكونوا على قناعة بأن الأطراف على استعداد للاستثمار في العملية والخوض بجدية في المسائل الموضوعية. وفي نظرهم يشمل ذلك تشكيل ائتلاف أوسع وأكثر اعتدالاً في إسرائيل. ومع ذلك، فإن فرص تشكيل مثل هذه الحكومة في المستقبل المنظور أمراً لا يمكن تخمينه.
المحصلة
إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل أن الدفعة الأخيرة من الأنشطة المتعلقة بالسلام هي بمثابة زوبعة في فنجان؟ يكمن الجواب أساساً في منطقة الشرق الأوسط وواشنطن. فإذا نضجت الظروف للقيام بمبادرة إقليمية، من المرجح أن تؤدي إلى تهميش جميع الجهود الأخرى، وتخلق لواشنطن وغيرها أسباباً هامة للاستثمار في هذه المبادرة. وعلى صعيد آخر، إن عزم الولايات المتحدة على رعاية قرار يصدره مجلس الأمن الدولي أو على استخدام حق الفيتو ضده سيكون له تأثير حاسم على المبادرة التي سيجري المضي بها قدماً. وبالتالي، قد يكون من الحكمة النظر بإمعان حول ما إذا كان بإمكان المبادرات موضع البحث أن تفضي إلى نتيجة تكون متوازنة وتحظى بتأييد واسع وذات منافع مستقبلية للإسرائيليين والفلسطينيين على السواء.
مايكل هيرتسوغ، هو عميد (متقاعد) في "جيش الدفاع الإسرائيلي" وزميل "ميلتون فاين" الدولي في معهد واشنطن. وقد شارك في جميع مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين منذ عام 1993.