- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 3498
القضاء العراقي حلقة ضعيفة
في 9 حزيران/يونيو، أفرج القضاء العراقي عن الزعيم الميليشياوي قاسم مصلح بعد أسبوعين فقط من اعتقاله بتهمة القتل مع سبق الإصرار لأحد قادة الاحتجاجات، رافضاً طلبات المحققين الحكوميين بمنحهم المزيد من الوقت لجمع الأدلة. وعلى الرغم من أن "مجلس القضاء الأعلى" وكبار القضاة في العراق يتمتعون بحماية جيدة نسبياً من الهجمات، إلا أنهم مع ذلك معرضون للمكائد السياسية ضد مواقفهم وإغراءات سياسية لإصدار أحكام لصالح الميليشيات.
في 9 حزيران/يونيو، أفرج القضاء العراقي عن الزعيم الميليشياوي قاسم مصلح بعد أسبوعين فقط من اعتقاله بتهمة القتل مع سبق الإصرار لأحد قادة الاحتجاجات، رافضاً طلبات المحققين الحكوميين بمنحهم المزيد من الوقت لجمع الأدلة. وكان من شأن إصدار لائحة اتهام رسمية أو حتى تمديد فترة التحقيق أن يعزز الأمل في إمكان تغيير الأمور في العراق من ناحية السيطرة على الميليشيات الإجرامية. وبدلاً من ذلك، احتفلت ما تسمّى بفصائل "المقاومة" بالإفراج عن مصلح، وإن كان ذلك بطريقة صامتة لتجنيب القضاة بعض الإحراج.
وهذه القضية هي تذكير بأن القضاء العراقي هو الحلقة الأضعف في قدرة الدولة على حماية الشعب العراقي ومحاسبة الجناة. فلا يمكن أن تتحقق سيادة قانون - ولا أن تقوم دولة فعلية - إذا كان القضاة غير قادرين عن تقييم الأدلة، أو غير راغبين بذلك، دون خوف من الترهيب. ونظراً لأن السلطة التنفيذية والقيادة العسكرية تظهران تحسّناً في قدرتهما على إضعاف هيمنة الميليشيات المدعومة من إيران شيئاً فشيئاً، فإن القضاء هو المجال التالي الذي يحتاج إلى إصلاحات عاجلة بمساعدة مركزة من شركاء العراق الأجانب. وخلاف ذلك، قد تتقوض الثقة المحلية والدولية في الدولة فيما يتجاوز نقطة اللاعودة.
كيف يعمل القضاء العراقي - أو فشل في العمل
قاسم مصلح هو شخصية بارزة في جهود إيران للسيطرة على الحدود السورية من خلال وكلائها العراقيين، ويعمل بشكل وثيق مع ميليشيا «كتائب حزب الله»، وهي منظمة إرهابية مدرجة على لائحة الولايات المتحدة للإرهاب. وعلى الرغم من هذه السيرة الذاتية المرعبة، لم يتردد مكتب رئيس الوزراء في إعطاء الأوامر باعتقاله عندما عثرت أجهزة المخابرات والمحققون الخاصون على أدلة عن تورطه المزعوم في اغتيال إيهاب الوزني، أحد زعماء الاحتجاج، في 9 أيار/مايو.
وفيما يتعلق بالقانون العراقي، عند صدور مذكرة توقيف من قبل المحقق العدلي واحتجاز المشتبه به، يجيز القانون وضعه في الحبس الاحتياطي لمدة خمسة عشر يوماً للسماح بجمع الأدلة. وعند انتهاء هذه الفترة، قد تكون إحدى النتائج الثلاثة التالية ممكنة في محاكمة جريمة القتل (مع كفالة كخيار آخر في بعض الظروف):
- صدور لائحة اتهام رسمية وإحالة المتهم إلى المحكمة المختصة إذا استوفت السلطات المعيار المطلوب المتمثل في "كفاية الأدلة". وفي العراق، يعادل ذلك إقناع هيئة مؤلفة من ثلاثة قضاة في محكمة تحقيق بأن المشتبه به مذنب "بما لا يدع مجالاً للشك".
- الإفراج والتبرئة إذا لم تكن أدلة قضاة التحقيق تستوفي معيار الكفاية في نظر الهيئة القضائية.
- تمديد فترة الحجز السابق للمحاكمة بإذنٍ من محكمة التحقيق من أجل جمع المزيد من الأدلة. ولا يمكن أن تزيد فترة الاحتجاز عن ستة أشهر بموجب القانون، ويحق للمحاكم العليا إلغاءها. في العام الماضي، على سبيل المثال، ألقَت السلطات القبض على متهم بالقيام بتفجيرات من قبل «كتائب حزب الله» في 25 حزيران/ يونيو، ومددت في النهاية فترة احتجازه التي سبقت المحاكمة حتى أيلول/سبتمبر، فقط لكي نرى انهيار القضية في وقت لاحق.
لقد بدأت أيام مصلح الخمسة عشر في 26 أيار/مايو، وانعقدت محكمة التحقيق في 7 حزيران/يونيو، قبل يومين من انتهاء فترة احتجازه السابقة للمحاكمة. وقد طلب قضاة التحقيق وقتاً إضافياً، إلا أن "مجلس القضاء الأعلى" - الذي يشبه "المحكمة العليا" في الولايات المتحدة - أبعدَ السلطات عن مسار التمديد. كما أوصى المجلس بالإفراج عن مصلح وتبرئته، وقاد هذا الضغط رئيس "مجلس القضاء" فائق زيدان. وأسفرت عملية مماثلة في عام 2020 عن انهيار تحقيق أحد المتهمين بالتفجيرات المذكور أعلاه، على الرغم من جمع أدلة قوية خلال فترة الاحتجاز التي سبقت المحاكمة والتي استمرت أربعة عشر أسبوعاً.
الجهود السابقة لحماية السلطة القضائية
ربما يكون الاتجاه الواضح في العراق لتخويف [المسؤولين] القضائيين غير مفاجئ في بلد عانى من حالة مستمرة من التمرد والاختراق الإرهابي المكثف لما يقرب من عشرين عاماً. وفي الماضي، استثمر التحالف بقيادة الولايات المتحدة موارد كبيرة في حماية القضاة والمحاكم والشهود العراقيين لكي يمكن إنهاء الملاحقات القضائية [وإصدار الأحكام] ضد أعضاء تنظيمي «القاعدة» في العراق و«الدولة الإسلامية». واليوم، هناك حاجة إلى نفس النوع من الحماية لكي يتمكن القضاة من أداء عملهم عند محاولتهم مقاضاة مجرمي الميليشيات.
وإحدى هذه الآليات قائمة بالفعل: "لجنة الأمر الديواني 29" (المعروفة أيضاً باسم "لجنة مكافحة الفساد")، وهي هيئة التحقيق المسؤولة عن إعداد القضايا وإصدار أوامر توقيف لمشتبه بهم مثل مصلح. وتم تشكيل اللجنة في 27 آب/أغسطس 2020، بقيادة اللواء المتقاعد أحمد طه هاشم (المعروف أيضاً باسم أبو رغيف)، وقد أنشأت اللجنة نظاماً وقائياً خاصاً لقضاتها الخاصين وممثلي "جهاز المخابرات الوطني العراقي"، و"جهاز الأمن الوطني"، و"جهاز مكافحة الإرهاب"، وتمكينهم من اتخاذ إجراءات ضد كبار رجال الميليشيات.
والأمر الذي ينقص هو نظام حماية أوسع لمحاكم التحقيق، والمحاكم الابتدائية (حيث تُعقد المحاكمات)، ومحاكم الاستئناف في المحافظات التي يُرجح فيها رفع القضايا (أي الأنبار، بابل، بغداد، البصرة، ذي قار، كربلاء ونينوى). علاوة على ذلك، نادراً ما تُولي وسائل الإعلام والسلطات الدولية الاهتمام الكافي للدور الذي يلعبه كبار القضاة في العراق - أو لا يلعبونه - في دعم حيادية صغار القضاة وأمنهم.
توصيات في مجال السياسة العامة
إن سيادة القانون هي أساس كل هدف استراتيجي رئيسي يسعى إليه شركاء العراق الأجانب، من مكافحة الإرهاب إلى انتخابات نزيهة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وحقوق الإنسان، وجهود مكافحة الفساد. غير أن القضاء هو الحلقة الأضعف في تلك العمليات، لذلك لدى المجتمع الدولي مصلحة قوية في دعمه وحمايته. وتم التأكيد على إلحاح هذه الحاجة مؤخراً في 7 جزيران/يونيو، عندما اغتالت عناصر مشتبه بها من الميليشيات ضابطاً كبيراً في "جهاز المخابرات الوطني" في بغداد بينما كان يقود سيارته دون حماية عبر المدينة.
ومن الناحية العملية، يمكن تلبية هذه الحاجة بسرعة نوعاً ما من خلال بعض التدابير المباشرة. فمحاكم التحقيق التي تركز على الشخصيات ذات الصلات السياسية تقوم بأعمالها بصورة متقطعة، وعندما تقوم بذلك، فإنها لا تنعقد إلا لجلساتٍ مدتها يوم أو يومين وتشارك فيها هيئات صغيرة من القضاة. إذاً، في الوقت الحالي، بإمكان فريق واحد من القضاة المتنقلين النظر في جميع هذه القضايا، بحيث يتنقل هؤلاء بين الاختصاصات القضائية المختلفة حسب الحاجة، مصحوبين بأنظمة الحماية الخاصة بهم. وبما أن هذا النظام يستخدم القليل من الموارد، فهو يسهّل نسبياً على الشركاء الدوليين دعمه بالتدريب والمساندة الفنية والتمويل.
لكن المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف تحتاج إلى نظام مختلف. فقبل عام 2011، أنشأت الولايات المتحدة "مناطق خضراء قانونية" أو "مجمّعات سيادة القانون" في عدة مدن عراقية، وبذلك توفّرت أماكن إقامة آمنة لهيئات صغيرة من القضاة والمحققين والمساعدين القانونيين والمحتجزين والشهود وأفراد الأسرة المقربين كما يبرر مستوى التهديد. ويجب الآن إنشاء مجموعة مشابهة من المرافق الصغيرة في الأنبار وبابل وبغداد والبصرة وذي قار وكربلاء ونينوى لمواجهة التهديدات الراهنة. ويجب إعادة تجهيز الموارد الحالية قدر الإمكان - وليس فقط المرافق والمؤسسات العراقية، بل المساعدات الدولية والدعم الفني أيضاً. وقد تم بالفعل إجراء بعض من هذه التحسينات، من حماية عمليات "لجنة الأمر الديواني 29" إلى تعزيز مرافق رئيس الوزراء وفرق الحماية الشخصية بهدوء.
ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من هذا التقدم لضمان أن لا يكون للشخصيات الميليشياوية حرية مطلقة لتهديد العراقيين الذين يعارضون أجندتهم المدعومة من إيران وقتلهم. وعلى الرغم من أن "مجلس القضاء الأعلى" وكبار القضاة مثل فائق زيدان يتمتعون بحماية جيدة نسبياً من الهجمات، إلا أنهم مع ذلك معرضون للمكائد السياسية ضد مواقفهم وإغراءات سياسية لإصدار أحكام لصالح الميليشيات. وسيتطلب منع التهديدات والفساد داخل مراتب القضاء العليا جهوداً دبلوماسية حساسة ودعماً للمؤسسات، لكن المساعي الناجحة على هذه الجبهة ستعود بثمار أعلى من حيث إرساء سيادة القانون. ولم ينجح أي جهد وطني كبير لمكافحة المافيا أو مكافحة الفساد على الإطلاق ما لم يدعمه كبار القضاة الذين يتمتعون بحصانة نسبية من الترهيب. وعلى هذا النحو، يتعين على "الاتحاد الأوروبي" أو المنظمات المتعددة الأطراف الأخرى أن تأخذ إشارتها من واشنطن وأن تدعم جهوداً مكثفة أكثر [من السابق] لحماية الإجراءات القضائية في العراق، لا سيما بالطرق التي تجعل كبار القضاة في البلاد يشعرون بأنهم محور الاهتمام الدولي.
مايكل نايتس هو "زميل برنشتاين" في معهد واشنطن.