- تحليل السياسات
- المرصد السياسي 2946
القضاء على القنابل الإيرانية المزروعة على جوانب الطرق في اليمن
تتقدم قوات الحكومة اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بخطى بطيئة ولكن منتظمة نحو المدن الرئيسية التي يسيطر عليها المتمردون في صنعاء والحديدة. ولصدّ هذا التقدم، يستخدم الحوثيون بشكل متزايد العبوات الناسفة المتطورة المضادة للدروع المزروعة على جوانب الطرق والمعروفة بالعبوات الناسفة الخارقة (EFPs)، وهي تكنولوجيا توفرها إيران عن طريق وكيلها «حزب الله» اللبناني. وبالنظر إلى كثرة الأدلة حول هذه المسألة، يتعين على المجتمع الدولي فضح هذه الصلة وتقديم الدعم للتقليل من فعالية هذه العبوات الناسفة الخارقة.
التهديد الذي تشكله العبوات الناسفة الخارقة في اليمن
طوال حروبهم الستة السابقة ضد الحكومة، كان الحوثيون يعتمدون بشكل كبير على الألغام، إلّا أنّ هذه الأجهزة كانت بسيطة واعتمدت على صفائح الضغط لكي تنفجر. ولكن خلال السنوات الثلاثة الماضية، دخل فجأة نوع مختلف من الذخائر إلى ترسانتهم، وهو العبوات الناسفة الخارقة التي تستخدم شحنةً متفجّرة لتشكيل "بطانة مقعّرة" من النحاس أو الصلب على شكل معدن منصهر عالي السرعة، يمكن أن تخترق أفضل المركبات المصفّحة في العالم. ففي العراق على سبيل المثال، أدّت 1526 عبوة ناسفة خارقة إلى مقتل 196 جندياً أمريكياً وجرح 861 آخرين بين تشرين الثاني/نوفمبر 2005 وكانون الأول/ديسمبر 2011.
وعندما ظهرت العبوات الناسفة الخارقة للمرة الأولى في اليمن، لم تكن نسخاً تجريبية طوّرها الحوثيون محلياً، بل كانت منظومات أسلحة متكاملة محترفة منذ البداية. وفي وقت سابق من هذا الشهر، وصف تقرير منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» (CAR) المتفجرات الناسفة الخارقة التي تم التقاطها في اليمن على أنها تحمل كل صفات المصفوفات المتطورة التي قام «حزب الله» بنشرها لسنوات ومنحها للميليشيات العراقية بعد عام 2003. وفي هذا الإطار، يقوم الحوثيون بتغليف مصفوفات العبوات الناسفة الخارقة داخل لوح من الفلين، وبعد ذلك يقومون بقولبتها وطلائها على شكل صخور. وتشمل هذه العبوات واحداً إلى ثلاثة رؤوس حربية، ومفتاحاً يقوم بالتحكم بها وتشغيلها لاسلكياً، حيث يعمل هذا المفتاح على تفجير العبوات الناسفة الخارقة من خلال الأشعة تحت الحمراء السالبة عندما تدخل المركبة حقل جهاز الاستشعار. وهذا هو بالضبط التكوين الذي تستخدمه الشبكات المدعومة من إيران في لبنان والعراق وأفغانستان.
وبالإضافة إلى هذا الدليل الظرفي القوي جداً حول النفوذ الإيراني، فلدى طهران سجل حافل بالتهرب من العقوبات المتعلقة بالأسلحة التي فرضتها الأمم المتحدة على الحوثيين. وفي 26 كانون الثاني/يناير، وجد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن أن إيران "لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع التوريد المباشر أو غير المباشر للصواريخ البالستية والطائرات من دون طيار أو بيعها أو نقلها" إلى الحوثيين. ولعله من غير المستغرب الاستخلاص إلى أن إيران ووكلاءها يجلبون مكونات متقدمة من العبوات الناسفة التي تُزرع على جوانب الطرق إلى اليمن، كما فعلوا في لبنان والعراق وأفغانستان والبحرين والسعودية.
روابط لشبكة التهديد الإيرانية
على الرغم من أن هذه النتائج وحدها كافية لاتخاذ إجراءات ملموسة، يذهب تقرير منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» إلى ما هو أبعد من هذه الأدلة الظرفية البحتة. إذ تتضمن العبوات الناسفة الخارقة التي تم اكتشافها في اليمن مكونات إلكترونية تشير إلى نقطة أصل مشتركة تربط الحوثيين، والمسلحين المدعومين من إيران في البحرين، وسفينة تهريب الأسلحة الإيرانية "جيهان 1"، التي تم اعتراضها قبالة شمال اليمن في كانون الثاني/يناير 2013 وهي محملة بشحنة ضخمة من متفجرات إيرانية الصنع من طراز "C4 "، وصواريخ أرض-جو إيرانية الصنع، ومكونات العبوات الناسفة الخارقة. وتشمل المكونات الرئيسية التي حققت فيها منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» ما يلي:
- لوحات الدوائر. يحتوي تقرير منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» على صور للوحات دوائر متطابقة يستخدمها الحوثيون في العبوات الخارقة والتي تمت مصادرتها في كانون الثاني/يناير الماضي، وهي نفسها التي تستخدم في القنابل المرتبطة مغناطيسياً والتي تمت مصادرتها من مسلحين بحرينيين مدعومين من إيران في تموز/يوليو 2017. وأكدت منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات»على أن المكونات متطابقة تماماً "في التصميم والصنع والمواد المستخدمة".
- محولات الطاقة. أظهرت منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» صوراً أخرى تدل على أن محولات الطاقة المستخدمة في الأجهزة التي يملكها الحوثيون والبحرينيون هي متطابقة أيضاً. علاوةً على ذلك، تم العثور على كميات كبيرة من هذه المحولات على متن "جيهان 1".
- غطاء أسلاك الانكماش الحراري. تفيد صور إضافية في تقرير منظمة «بحوث التسلح أثناء النزاعات» بأن أسلاك الانكماش الحراري تتطابق مع تلك التي تستخدم في الأجهزة الحوثية والبحرينية. فهذه الأسلاك التي أنتجتها شركة "WOER" الصينية، قد وُجدت أيضاً داخل نوعين آخرين من المعدات الإيرانية المهربة إلى اليمن وهما: الطائرة من دون طيار "قاصف 1" وخزانات وقود الصواريخ.
التداعيات على السياسة الأمريكية
كما أشرنا سابقاً، أدّت العبوات الناسفة الخارقة الإيرانية إلى مقتل العديد من الأمريكيين في العراق، دون احتساب الضحايا في صفوف القوات البريطانية وشركاء التحالف الآخرين. ومع ذلك، لم يتلاشَ التهديد بمجرد انسحاب معظم القوات الأمريكية عام 2011. ففي الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2017، قُتل جندي أمريكي آخر عندما قامت ميليشيا عراقية مدعومة من إيران بزرع عبوة ناسفة خارقة بالقرب من تكريت. وقد ظهرت هذه العبوات الناسفة الخارقة أيضاً في البحرين والسعودية، وهي تهدّد الآن بقتل حلفاء الولايات المتحدة في الجيوش اليمنية والخليجية التي تسعى إلى إعادة تنصيب الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في العاصمة. ويمكن لهذه الأسلحة أن تمدّد الحرب والمعاناة الإنسانية المرتبطة بها، وبالتالي فإنّ الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية أمر بالغ الأهمية.
أولاً، يتعين على واشنطن وبريطانيا وشركاء آخرين نشر اختصاصيين في اليمن لتقييم تهديدات العبوات الناسفة الخارقة وغيرها من الأجهزة المتفجّرة المرتجلة والألغام الأرضية. يجب تقديم دورات سريعة الأثر للضباط والمهندسين العسكريين اليمنيين والسعوديين والإماراتيين خاصة بالتوعية حول السلامة وتحليل النمط للأجهزة المتفجّرة المرتجلة (IED) والألغام - وهي قدرات مفقودة بالكامل تقريباً في الوقت الحاضر. وقد تم بالفعل تقديم بعض هذه المساعدة، ولكن يلزم تعزيزها وتعجيلها بشكل كبير. وحيث يدرك الكونغرس بأنّ هذه المساعدات دفاعية وإنسانية بطبيعتها، يتعين عليه فصلها عن اعتباراته الأوسع للدعم الأمريكي للحرب وتصنيفها كأولوية منفصلة للميزانية.
ثانياً، تحتاج القوات المسلّحة اليمنية والسعودية والإماراتية إلى التعجيل بنشر التكنولوجيا الأمريكية المضادة للأجهزة الناسفة المرتجلة. فبعد الحملات العسكرية الضخمة في العراق، تملك الولايات المتحدة الكثير من المعدات المضادة للأجهزة الناسفة المرتجلة ذات التقنية المنخفضة التي يمكن توفيرها بسرعة وبكلفة منخفضة أو بدون تكلفة. على سبيل المثال، تفتقر القوات اليمنية وحلفاؤها في الخليج إلى أدوات بسيطة مثل "ذراع رينو" Rhino، وهو قضيب معدني مثبّت بشكل منخفض في الجهة الأمامية من المركبة من أجل ضغط زرّ إطلاق العبوة الناسفة المرتجلة ذات الأشعة دون الحمراء السالبة قبل موعدها المحدد، وجعلها تخطئ الهدف. ويملك عدد قليل جداً من المركبات اليمنية أو مركبات قوات التحالف أجهزة تشويش مضادة للعبوات الناسفة المرتجلة، مما يجعلها عرضةً للأجهزة التي يتم التحكم فيها لاسلكياً.
ثالثاً، يتعين على الولايات المتحدة والأمم المتحدة ضمان حصول القوات اليمنية والخليجية على جميع البيانات التي تحتاج إليها للقضاء على العبوات الناسفة وإثبات مصدر التكنولوجيا الخاصة بها. وهذا يعني تدريب مهندسيهم على توثيق استخبارات الأسلحة وتأمين بيانات التحليل الجنائي من الذخائر الناسفة التي تُزرع على جوانب الطرق والتي تم ضبطها. ويجري بالفعل تنفيذ برامج تدريبية صغيرة للقطاع الخاص لتحسين عملية جمع المعلومات المتعلقة باستخبارات الأسلحة والاحتفاظ بها، ولكن يجب الإسراع بهذه الجهود.
وأخيراً، يتعيّن على الحكومة اليمنية وشركائها تبادل أيّ معلومات استخبارية ذات صلة يحصلون عليها وخاصّة بالعبوات الناسفة المرتجلة واستيراد مكوّناتها. وحين تم اعتراض ثلاثة قوارب مليئة بالأسلحة قبالة [سواحل] اليمن في شباط/فبراير - آذار/مارس 2016، سارعت أستراليا وفرنسا إلى إصدار التفاصيل الكاملة الخاصة بالأسلحة المضبوطة على متن اثنين من القوارب، إلّا أنّ الولايات المتحدة استمرّت بحجب النتائج التي توصّلت إليها. وقد أدّى إطلاق واشنطن الجزئي للبيانات من المضبوطات الأخرى إلى السماح للسلطات بربط الأسلحة التي وُجدت في اليمن بإيران (على سبيل المثال، القارب المتفجر "شارك 33" الذي استولت عليه القوات الإماراتية عام 2017). لذا، سيؤدّي حجب مثل هذه المعلومات إلى إعاقة القضية ضد انتشار السلاح الإيراني.
وبالمثل، يحتاج تحالف دول الخليج أيضاً إلى منح الأمم المتحدة نفاذاً أسرع وأكثر اكتمالاً إلى الأدلة، يشمل الحاسوب الذي تم ضبطه في القارب المتفجر "شارك 33". ولعل الأهم من ذلك، ينبغي على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تطالب بالوصول إلى المعلومات المفصّلة عن الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها على سفينة "جيهان 1" في عام 2013، والتي قد تكون ضروريةً لتتبّع الأسلحة ومكوّنات الأجهزة المتفجرة الارتجالية إلى طهران. وتحمل جميع الأطراف الفاعلة في هذا الصراع أجزاءً من اللغز، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تبذل المزيد من الجهود لجمعها معاً من أجل تسليط الضوء على النطاق الكامل لتهريب الأسلحة الإيرانية.
مايكل نايتس هو زميل "ليفر" في معهد واشنطن، وقد عاد مؤخراً من زيارة لجبهات القتال في اليمن، حيث قام بفحص الرؤوس الحربية لـ "العبوات الناسفة الخارقة للدروع" وتحدث مع فنيي الذخائر المتفجرة.